السيمر / الثلاثاء 16 . 08 . 2016
عبد الجبار نوري
الفيلم /THE LOBSTER ” الحب واللاحب ومابينهما للمخرج اليوناني المتألق ” بورجوس لانثيموس ” عُرض الفيلم ضمن الأفلام المعروضة في باناروما الفيلم الأوربي في هذا العام ، وفي آخر دورات مهرجان ( كان ) السينمائي الدولي ، وفوزه بأستحقاق وجدارة بجائزة لجنة التحكيم لكونه مشروع فني أدهش الشاشة البيضاء ببريق أمل تطوّرْ تصاعدي متسارع في أعتلاء قمة السينما العالمية بفضل المخرج المبدع والمتألق اليوناني { لانثيموس } الذي أنطقهُ باللغةالأنكليزية بتجربته الفنية الأولى .
صاغ هذا المخرج العبقري سرديات الرواية بشكلٍ مميزومغير لتلك العلاقة الرومانسية المعتادة في أفلام الشاشة البيضاء بل حول مجرى السرد إلى تلك العلاقة المتغيّرة بين الحاكم والمحكوم بين ذلك الأنسان البائس وبين الطغمة الحاكمة .
والمهم هنا أن نطرح السؤال : لماذا أختير من بين عشرات الأفلام العالمية الفذة في التقنية والمضمون ؟ وكيف أنتزع (لانثيموس ) الجائزة من بين عمالقة المحكمين المحترفين والمهنيين السينمائيين ؟ هو —-
-لغة السخرية من النظم الشمولية ودكتاتوريات القمع والتطرف الذي يأسر ذات المشاهد ويزجه إلى عالم مخيف صعب التصوّرْ من فنون أشكال التعنيف والزجر والقمع والأبادة للجنس البشري قدلا يخطر على بال بشر .
– تمكن ( لانثيموس ) ببراعتهِ في السريالية المزج بين السخرية والفوبيا السايكولوجية من جهة وبين (الديستوبيا والسريالية ) * ليحول مجرى الفيلم بلقطات متلاحقة إلى عمل مخيف وصادم رغم نبرة السخرية التي تكتنفهُ ، ويجعل المتلقي شاخصا بصرهُ حابسا أنفاسه لتذوب ذاتهُ بأستسلام طوعي لصيرورة الرواية ، وحبكة أخراجهِ أن يستسلم للحقيقة الصارخة : { أن الأنسان يمكن أن ينسحق بمحظ أرادته أمام السلطة } وبأيحاء تقني يصورها بالحب ويعني بللاحب الطوعي ، هل كان الشعب العراقي يحب صدام الملعون ؟عندما صفق لهُ وهتف بالروح بالدم نفديك يا — واليوم يهتف لنكرات من أصحاب القرار علي وياك علي ، ( المهم المعنى في قلب المخرج ) ، بحيث تقودك إلى قناعة : أن السلطة الغاشمة تبسط قوّتها وجبروتها على ( العواطف ) بحيث تتحوّلْ العاطفة من شيءٍ يشعر به المرء بكامل أرادته ووعيهِ الذاتي إلى تلبية متطلبات وأوامر الحاكم المستبد الشمولي في سبيل أرضائهِ .
– وأنْ لم يجد الفرد الحب حسبما ترغب السلطة وليس حسبما يرغب المرء ، عند ذلك يصوّرْ المخرج العبقري (لانثيموس) { سلخ الأنستة منهُ وتحويلهُ إلى حيوان عديم الحواس أطرش أبكم أعمى وأخرس ، مسلوب الأرادة ، مشلول العقل } أليس هذا شيئاً مثيراً في عالم السينما ؟ .
– والأنسحاق الشديد الذي صوّرهُ لانثيسموس اليوناني للفرد في ظل هكذا نظام تعسفي شمولي ظالم يفرض مفاهيم في الحب الممنوع وفريق متمرد يرغب باللاحب وتبقى المعاناة والظلامية السوداء وفوبيا ( الفرنكشتانية ) ما دام فريق اللاحب لا يقتحم التغيير .
– ولانثيموس لا يوقف فكرتهُ في أمتلاك ناصية الفرد من قبل رأس السلطة بل أنهُ أوجد نظرية جديدة في الأستبداد وهي : مجموعة الحاكم ومجموعة المنشقين عنهُ هنا متساويان تماما في فرض رؤيتهِ عمن يحب أو لا يحب في العلاقات الأنسانية ، فيكون فيه الأختيار مباحا بين الحب واللاحب ، وتكون الضحية في هذا الصراع السلطوي في فرض الأفكار
هو ( المواطن ) ليبقى منسلخا ومستلبا في أنسانية ، ولو سمح لي المخرج ان أثني على توقعه هذا { أن الشعب العراقي أعطى الحب واللا حب للنظام البعثي الشمولي وبعد سقوط النظام أعطى الحب وما بينهما إلى سياسي المعارضة ولكنهُ خرج صفر اليدين خاسرا كل شيء أرضه وماله شاربا من كأس الأسلمة الدينية الفشل والمرارة والذل والعبودية والأستسلام للغيبية } .
وأخيرا / أن أفكار المخرج أنسانية ، يدافع بأستماتة عن الحرية ويوحي بلقطات فيلمه العالمي مشرا إلى الفرد بأنّك مستعبد ومسلوب ، وقد تقارب مع روسو وفولتير وغاندي والقس لوثر ومانديلا مناضلي الثورة السلمية البيضاء بسلاح القلم فقط ،وزاد أعجابي لهذا المخرج اليوناني المبدع عندما تقارب مع مخرجي أفلام الواقعية الممزوجة تربتها بعرق وملح الأنسان الكادح مثل المخرج الأيطالي ( ديسيكا ) في ستينيات القرن الماضي ، مخرج فيلم الرز المر وفيلم خبز او حب او دلع التي تلعب بطولته الحسناء الأيطالية جينا لولو بريجيدا التي مثلت دور المزارعة المشردة المستغلة جسدا وعملا —-
*الديستوبيا / DYSTOPIA هو أدب المدينة الفاسدة في عالم الواقع المرير ، وهو فاسد ومخيف غير مرغوبٍ بهِ ، وهي تعني التجرد من الأنسانية في ظل الحكومات الشمولية ن وتتنوع الديستوبيديا بقضايا سياسية وأقتصادية وأجتماعية وحتى بيئية ( ويكيبيديا بتصرف ) .
وقد خرجت بديباجة فنتازية خيالية علمية وهدفها تسليط الضوء على مكامن الوجع عند العالم الواقعي ومن الأعمال الأدبية في هذا الأتجاه رواية 1984 ل( جوج اورويل) نُشِرتْ عام 1949 تتحدث عن تلاعب الدولة الشمولية السلطوية ، والمراقبة السرية بالتأريخ الموثق ) وكذلك قصة فهرنهايت 451 وهي رواية الكاتب الأمريكي (راي براديري ) تحدث في الشمولية وتنبأ لما بعد خمسين سنة { سيأتي يوم في الدولة تحرق الكتب في كل بيت فيه كتاب ، وفعلا تمّ ذلك ، وغرد فيها شاعر البنفسج نزار قباني{ — مراقبون نحن في المقهى وفي البيت وفي أرحام أمهاتنا / والمخبر السري في أنتظارنا يشرب من قهوتنا ينام في فراشنا يعبث في بريدنا ينكش في أوراقنا ولساننا مقطوع }.