متابعة السيمر / الاثنين 12 . 09 . 2016 — قصة المرأة التي أسست موقع SITE المسترق السمع والبصر من أميركا على الإرهابيين
يهودية أصلها من البصرة بالعراق، وعنوانها السكني مجهول لكثيرين بأميركا، حيث تقيم، هي أول من يتصل بها الثلاثي المرعب FBI ومعه CIA وجهاز الأمن بالبيت الأبيض، ليخبروها أن عملية إرهابية حدثت قبل دقائق في مكان ما، عندها تترك الأميركية Rita Katz كل شيء، وتجلس أمام كمبيوتر في غرفة مقفلة بالمكتب أو البيت، لتتسلل إلى ما يصعب على سواها الوصول إليه في أرجاء “الدولة الداعشية” بسوريا والعراق.
إنها أكثر ما يخشاه “داعش” بالخفاء من الأشخاص، مع أنها بعيدة آلاف الكيلومترات، لأن الملمة بأربع لغات، تصل طبقاً لما جمعت “العربية.نت” ما تيسر عنها من معلومات، إلى قنوات اتصالاته المتنوعة بأسرع مما يتصور، فتخترقها وتسطو بالسلاح الرشيق على المار فيها من أسرار، كإعلانها بحسابها @Rita_Katz في “تويتر” الاثنين الماضي، عن إصدار التنظيم لمجلة “رومية” بخمس لغات، قبل أن يعلن هو نفسه، أو غيره من وسائل الإعلام العالمية، عن صدورها ومحتوياتها، لأن ريتا تدخل إلى بيوت ومعسكرات ومقرات “الدواعش” وتتعرف وهي يقظة بأميركا وهم فيها يشخّرون، إلى معظم ما ينوون الإعلان عنه حين يستيقظون.
ريتا التي ولدت في 1963 بالبصرة وترعرعت فيها، أسست في 2002 وكالة تلصص وتسلل خاصة، تسترق السمع والبصر على متطرفين، سمتها Search for International Terrorist Entities والشهيرة عالمياً بأحرف SITE اختصاراً، وفي موقعها يجد المشتركون ما “تصطاده” من إرهابيات، وأهمه شرائط فيديو تعلن أنها تسلمتها وستبثها بعد دقائق قليلة من هجوم انتحاري، أو من بيان ألقاه إرهابي شهير، وحصلت عليه، وبدقائق تفي بوعدها، ويظهر في “سايت” قبل أن ينشره التنظيم نفسه بمواقعه الخاصة أو على حبال الإنترنت.
وتحول الشنق إلى مهرجان أدت فيه الراقصات وصلات شرقية
ريتا، ملمة جدا بالعربية، طبقاً للوارد في مواقع إعلامية متنوعة، وأهمها تحقيق موسع عنها وعن موقعها، نشرته في 2006 مجلة The New Yorker الأميركية، ووجدته “العربية.نت” خالياً من أي صورة لها، وفيه أن عائلتها يهودية، كانت في العراق من الأثرياء، وبعد عام من وصول حزب البعث في 1968 إلى السلطة، اعتقلوا والدها بتهمة التجسس لإسرائيل، وصادروا أملاك العائلة، وألزموا أفرادها على الإقامة الجبرية في بيت شبه متصدع، ثم أعدموا والدها شنقاً مع 13 آخرين، بينهم 8 يهود.
الإعدام كان جماعياً في ساحة عامة ببغداد “على مرأى من نصف مليون عراقي جاءت بهم السلطات على نفقتها من المحافظات،” لتحول الشنق إلى مهرجان أدت فيه راقصات وصلات شرقية، وبعدها فرت والدتها مشياً مع أطفالها الأربعة إلى إيران، ومنها غادرت إلى حيث استقرت ببلدة “بيت يام” الساحلية قرب تل أبيب.
تمضي السيرة، فتذكر أنها خدمت بالجيش الإسرائيلي، ودرست السياسة الدولية وتاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب، ثم غادرت إلى الولايات المتحدة، لأنهم منحوا زوجها الطبيب زمالة الأبحاث في الغدد الصماء بمعاهد “الصحة الوطنية الأميركية” فعاشت معه وأولادهما الثلاثة بواشنطن، حيث ولد ابن رابع لمن لم يكن أحد يعرف وجهها إلا حين أطلت لأول مرة عبر تلفزيون أميركي، لتتحدث بسبتمبر 2014 عن إعدام “داعش” للصحافي الأميركي Steven Sotloff وعن بثها في “سايت” لفيديو عن ذبحه قبل قيام التنظيم نفسه بنشره، عندها بدأ “داعش” يخشى ريتا وموقعها، ويعلم أن SITE مقيم معه في البيت بسوريا والعراق، وملم بأسراره ليل نهار.
“يصطادون ما يطاردون بسلاح الإنترنت”
وفي تحقيق آخر عنها، نشرته قبل أسبوع صحيفة El Mundo الإسبانية، أن نجاح كاتز في اصطياد أسرار الإرهابيين “مفتاحه جواسيسها لا يتم صنعهم، بل يولدون جواسيس مثلها” وهم عملاء لموقعها، متحدرون من بلاد عربية ولدوا وترعرعوا فيها، وملمون تماماً بلغتها ولهجاتها، لهذا السبب يصلون حتى إلى المطبخ (في بيت داعشي) وينشطون في كل مواقع التواصل، وهذه معلومات أشارت إليها كاتز في كتاب أصدرته بعنوان Terrorist Hunter ولم يكن مؤلفه معروفاً إلا حين أعلنت في موقع “سايت” نفسه بأنها مؤلفته.
تذكر أنه من تأليفها في التحقيق أن العاملين لها، لا يحتاجون للسفر إلى أفغانستان أو سوريا أو العراق “بل يصطادون ما يطاردون بسلاح الإنترنت”، وفق الصحيفة التي قرأت “العربية.نت” بتحقيقها، أن ريتا كاتز تنكرت في السابق كمسلمة لترتاد مسجداً بأميركا، لم تذكر اسمه وعنوانه، كما كانت تزور إحدى الجمعيات الإسلامية مرتين بالأسبوع وهي حامل ومتحجبة ببرقع، وفي ثيابها تخفي جهاز تسجيل، لتمارس ميدانياً ما كان هواية بالسليقة، ثم أصبح فيما بعد احترافاً خطيراً بالكمبيوترات وشرائط النايلون والسيليكون، وهو التجسس الإلكتروني.
لندن – كمال قبيسي