الرئيسية / ثقافة وادب / قصة قصيرة / رجلان وامرأة

قصة قصيرة / رجلان وامرأة

السيمر / الجمعة 28 . 04 . 2017

امل كاظم الطائي

التقيتها بعد غربة سنين واغتراب دام لاكثر من 17 عام, اختارت ان تهجر العراق بعد ان استشهد اخوها الاكبر في حرب العام 1991 واختفاء والدها في ظروف غامضة العام 1995 لفكره ومنشوراته, توفيت والدتها من هول الصدمة وبقيت مع الاخ الاصغر في شبه عزلة, قتل الاخير العام 1999 دون ان تعرف الاسباب لم يكن له قبر او مزار, في حينه اتصلت بي وهي في حالة هستيرية قصوى رغم اتسامها بهدوء وحنكة لم اجدها في الاخريات, حاولت تهدئتها ولم اجد بدَ من اصطحاب باقي الصديقات المقربات والذهاب لها لمواساتها والتخفيف عنها.
تناوبنا في رعايتها كل حسب ظروفه, كانت ذكية سمراء ممشوقة القوام لها وظيفة مرموقة, ذكية واسعة العينين على خلق وذات مستوى اجتماعي مرموق.
– بعد اجراء مراسيم العزاء بفترة لا اذكر بالضبط المدة اتصلت بي وقالت نلتقي لنتحاور.
– اجبتها بكل سرور, وحمدت الله انها خرجت من ازمتها .
– التقينا في المنصور تناولنا الغداء مع بعض واحتسينا الشاي .
– بادرتني القول ساهاجر بعيدا لم يعد لي ما ابقى من اجله في العراق!
– حملقت بها طويلاً وتتركينا, وظيفتك اقاربك وصديقاتك.
– قالت اشعر بغربة قاتلة وكل زاوية تذكرني بعائلتي لم اعد استطع ان اصبر اكثر.
– ان كنت رتبت امورك وذلك يريحك, فلم لا, اذكر كان يوم ربيعي العام 2000.
– عملنا لها حفلة توديعية صغيرة ورحلت فعلا, بقينا نتواصل عبر البريد والرسائل وعبر من ياتي من هناك .
تفاجأت بقدومها قبل ايام حين رن الموبايل, نظرت رقم غريب لا اعرفه ليس في قائمة الاشخاص, لم ارد ولكن الحاح المتصل جعلني اشك بالامر ورددت.
واذا بصوت جميل رخيم يحييني بحنين ولهفة, قلت الصوت ليس غريب ابدا معهود ومألوف سمعت حشرجات بكاؤها …
– انت في بغداد منذ متى ؟
– امس وصلت وانت اول انسان احدثه, اين انت اين انت ؟ ، ودار شريط الذكريات, ذكريات لاكثر من اربعين عام , كانت جارتي ورفيقة دربي وصديقتي الصدوقة تسميني “الضمير الحي”.
– تعالي الى الدار مرحبا بك الاهل يخصونك بالسلام وسيفرحون ويحتفون حتما بقدومك
– وقت آخر بودي نلتقي وحدنا فلدي الكثير لاحكيه لك.
– على الرحب والسعة كما تودين, بكل سرور, ارتديت ملابسي على عجل واستقللت تاكسي للمكان الذي التقينا به, مكان هادئ وجميل ويطل على النهر.
– لم اخترت هذا المكان ؟ ..  عشقي لدجلة وكي ارمي همومي بالنهر.
– عانقتها بلهفة ف سنة17 ليست قليلة, لم تتغير ملامحها كثيرا فقط بعض التجاعيد الطفيفة تحت العين, كما الفتها هادئة متزنة ومبتسمة.
– بادرتني لم تتغيري كثيرا لكنك اكتسبت بعض الوزن الزائد لكنك لازلت جميلة.
– جميلة بعينك , احكي لي ماذا صنعت طوال هذه السنوات”وين صرتي بالدنيا ؟”
– كنا تواصل ولكن ظروف الحياة لم تكن تسمح لنا بسرد الاحداث, لم اكن اسالها ان لم تبادر هي وتحكي, فمن طبعي احترام خصوصية الناس, ايا كانت علاقتتي بهم.
– قالت لم تكن الهجرة سهلة, ولكني تأقلمت وكما تعلمين عملت بتخصصي بعد عناء ,مممممممممممم
– كيف وجدت بغداد؟
– دمعت عيونها وقالت خربة للاسف وشوارعها ليست نظيفة وغير متحضرة, ظننت الديمقراطية والشفافية صنعت منها شئ آخر ولكني وجدت العكس, واطرقت,كيف تقضين وقتك في كل هذا الركام من الدمار والعوز والبؤس.
– في العمل والبيت وبعض النشاطات يوم السبت ,اسافر حين يكون الوضع ملائم.
– فوجئت بالاعداد الكبيرة للمتسولين وانا في طريقي الى هنا.
– هذه نتيجة حتمية للحرب الطائفية والتهجير والدمار, وطن حطمته الحروب وتكالبت عليه كل دول الارض الاقليمية والبعيدة المتعجرفة”مصاصوا الدماء”.
– وايي صوت وصدى المثقفين الاحرار,الثائرين
– “راحت رجال الحامض السماكي وظلت رجال اللي بالعصى تنساك”
– كما عهدتك جعبتك مملوءة بالشعر والامثال, آه كم افتقدتك…
– نظرت اليها بفضول وقلت لها كيف حياتك الا يوجد تغيير؟
– تنهدت وقالت مررت بتجربتين وادركت ان الجميع متشابهون
– نظرت لها بفضول وبادرتها
– متى واين , وكيف صمتي كل هذا الوقت ؟
– لم احب ان ازعجك ولكني عشت التجربتين, كانت بدايات جميلة وانتهت بحزن
– لماذا؟ ما السبب
– تعرفت على الاول كان مدرس لغة انكليزية التقيته صدفة في الغربة ,كنا في جامعة واحدة في بغداد, حلو وماذا بعد, لم يكذب علي كان متزوج وله بنت وولد وزوجته على ذمته الا انهم مختلفون, كانت افكاره علمانية منفتح ولبق, يعرفني حق المعرفة ووقف معي مواقف جميلة فهو شهم, ولكن فهمت انه كان يريدني خليلة او كما يقولون في امريكا “صديقة”, فانسحبت بهدوء رغم الامي الكثيرة, لاانكر تعلقت به ولكني صدمت من افكاره.
– وماذا بعد ؟
– بقيت مدة طويلة معتكفة بين عملي كمترجمة ونشاطاتي الاخرى مع الاطفال, اخذتني الحياة حاولت الترفيه عن نفسي بالسفر, كان لدي علاقات زمالة جميلة في العمل خففت عني.
وقلت في سري لن اكرر التجربة مرة اخرى, لكن شاءت الصدف ان التقيه كان ذلك العام 2007, حينما مرضت كان طبيب مناوب بالطوارئ, يتسم بالانساننية ومحب لعمله, نقلوا ملفي الطبي له واصبحت اراه بين الحين والاخر, دمث الخلق ومتدين بشكل عقلاني, دعاني ذات يوم لشرب الشاي وتحدث كثيرا وانا منصتة له بهدوئي المعروف,صرنا نلتقي كلما سمحت الظروف وانا متوجسة تتابعني اطياف التجربة الماضية, قلت في سري الوضع مختلف هذه المرة فهو متدين وملتزم, على مر الايام تطورت العلاقة بيننا, وباح باعجابه وبين صمتي وخوفي لم اتجرأ ان اسأله وماذا بعد ذلك؟.
في الغربة نحتاج لاناس حولنا وقربنا تحنوا علينا وتخفف الامنا وتبدد مخاوفنا, كان مؤدب وخلوق ومثقف جدا, يحبونه في المشفى الذي يعمل فيه لدقته وتفانيه في عمله, يكبرني بثلاث اعوام. قلت في سري مناسب جدا.
استمرت لقاءاتنا لثلاث اعوام وبادرني القول يوما,ماذا تشعرين نحوي؟
– كل احترام وتقدير, وماذا بعد الا تبادليني مشاعري؟
صمت وانتظرت يكمل
قال تعالي نرتبط بعقد زواج مؤقت نعقد عد الشيخ بالمسجد,لم ارد عليه وطلبت منه منحي بعض الوقت
ذهبت لشقتي وبقيت مدة لا اكلمه ولا اتواصل معه وقارنت بي التجربتين الاول علماني منفتح يريد علاقة والآخر متدين ملتزم يريد زواج مؤقت “الاثنان على مبدأ واحد وان اختلفت الصيغة”
نعم اوافقك الرأي رجال اليوم ليسوا كالامس, لايهمهم مشاعر الاخر بقدر ما يهمهم المتعة والتجديد.
بادرتها القول عزيزتي لو عكسنا الوضع في يوم وطلبنا منهم نحن النسوة عقد مؤقت او صداقة لاسمح الله لنعتونا بابشع الصفات ووصفونا بكلمات ما انزل الله بها من سلطان.
ضحكا سويا طويلا وقالت لا ادري هل مكتوب على جبيني “للزواج المؤقت” ؟…

اترك تعليقاً