أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / وحي الصدور 63

وحي الصدور 63

السيمر / الخميس 18 . 01 . 2018

معمر حبار / الجزائر

ذئاب البشر: سيّدنا يعقوب عليه السلام خاف على سيّدنا يوسف عليه السلام “قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ”، يوسف – الآية 13
لم يأكله الذئب لكن أكله ذئاب البشر من إخوته، وشرّ الذئاب وأخطرها تلك التي تقاسمها الدين والوطن واللّغة والماضي والحاضر فتتسلّل عبرها لتنقضّ على الأمة انقضاض الضباع على الفريسة.
الصادق الأمين: إخوة سيّدنا يوسف قالوا لأبيهم سيّدنا يعقوب عليه السلام : “قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ”،يوسف – الآية 11، وسيّدنا يوسف عليه السلام حين عرض سجود الشمس والقبر و11 كوكبا ساجدين له لم يقل لأبيه “مالك لاتأمني على المنام”. الصادق الأمين لايطلب منك أن تصدّقه أو لماذا تكذّبه، بينما الكاذب تؤنبه نفسه دوما فيتظاهر أنّه ليس الكذاب ليزداد كذبا، والصدق يظهر بالثبات.
النصيحة بالعواقب: قال إبليس لسيّدنا آدم وحواء عليهما السلام: ” وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ”، الأعراف – الآية 21، وقال إخوة سيّدنا يوسف عليه السلام لأبيهم سيّدنا يعقوب عليه السلام: “قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ”، يوسف – الآية 11. ليس كل من ادّعى النصح ناصح فقد يطردك من النعيم أو يقتلك ولو أقسم بأغلظ الأيمان وكان مؤدبا خلوقا، فالنصيحة بالعواقب وليست بحلاوة اللّسان فقط.
تقدير واحترام: وأنا أنقل صباح اليوم إبني إلى الثانوية أسمع للعملاق محمد الصديق المنشاوي رحمة الله عليه بصوت يذيب الحديد وهو يرتّل آيات من سورة سيّدنا يوسف عليه السلام، فاستوقفت السّامع هذه الملاحظة :سيّدنا يوسف عليه السّلام بدأ حديثه مع الأب بـ : ” يَا أَبَتِ”، ثمّ عرض عليه الكواكب والشمس والقمر. وإخوته بدأوا حديثهم مع الأب بـ “يَا أَبَانَا”، فاختاروا رمي الأخ وفلذة الكبد في الجب . من نادى العزيز بالعزيز ليذّله ويجرحه عاش طول الدهر ذليلا، والعبرة في كيفية التعامل مع صاحب الاسم واحترامه وتقدير مشاعره ومراعاة العواقب. ليست العبرة في أن ينادي المرء المعني بالأدب والحراك كـ: الشيخ، الفقيه، المفسّر، المدير، أخي، الكبير، الفصيح البليغ، وحيد زمانه، فريد عصره وغيرها من الألقاب التي تنم في البداية عن أدب واحترام وتقدير، بل العبرة فيما بعدها من أدب حقيقي واحترام ملموس ومودة دائمة. ومن استعمل اللّقب للاستهزاء والمكر والخداع وهدم البيوت فسينال لامحالة جزاء سوء استخدام اللّقب والغاية السيّئة من وراء استعماله. سيّدنا يوسف عليه السلام استعمل لقب “ياأبت” عن حب وطاعة ومودة وقربى وصدق وإخلاص، بينما إخوته استعملوا لقب “ياأبانا” عن مكر وخداع وخبث ليستدرجوا الأب وليسهل عليهم خداعه والنيل من ابنه وفلذة الكبد.
الخلاص في الصبر: أسمع صباح اليوم للكبير محمد الصديق المنشاوي رحمة الله عليه يقرأ قوله تعالى: “كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚإِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ”، يوسف – الآية 24. يتعرّض المرء للسوء ولو كان مخلصا والمخلص ليس في منأى عن أيّ سوء وإخلاصه لايمنحه الضوء الأخضر بأنّه لن يتعرّض للسوء، لكن الإخلاص يصرف عن صاحبه السوء والفحشاء، وعظمة الإخلاص في أنّه ينقذ صاحبه حين يعجز هو ومن حوله عن الدفاع عنه.

اترك تعليقاً