السيمر / الاثنين 06 . 08 . 2018
د. ماجد احمد الزاملي
أن طبيعة الموارد المتوافرة لأى دولة هى التى تحدد طبيعة القدرات التى يمكنها امتلاكها ، أو بعبارة أخرى نوعية أدوات القوة المتاحة لها ، لكي تستخدمها فى إدارة علاقاتها مع الآخرين ، فدول مثل السلفادور أو موريتانيا ، التى تمتلك إمكانيات محدودة ، أو غير متطورة بدرجة معينة ، لا يمكنها ـ حتى لو أرادت ـ أن تنتج أسلحة نووية تؤثر بها فى الآخرين ، أو أن تكون لديها شبكة إعلامية تغطى العالم ، أو أن تبعثر عدة ملايين من الدولارات سنويا كمعونات خارجية لسبب أو آخر ، بعكس دول أخرى كفرنسا أو بريطانيا ، تمتلك إمكانيات كبيرة تتيح لها بناء جيوش قوية ، وقواعد عسكرية خارج أراضيها، وامتلاك وسائل إعلام وبرامج معونات خارجية ذات تأثير ، وإن كان توافر الموارد لا يتيح أوتوماتيكيا امتلاك القدرات ، وهناك محددات مختلفة تحيط بذلك , فالعلاقة هنا غير مباشرة ، لكنها واضحة.
أهمية مساحة الدولة تتمثل في إعطاء الفرصة لتنوع الموارد الاقتصادية وتباينها، كما تتمثل أهميتها من الناحية الحربية في إمكان الدفاع في العمق ، فالدولة ذات المساحة الصغيرة لا تلبث أن تستسلم أمام جحافل الجيوش الغازية، كما حدث في بعض دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، فقد سلمت كل من بلجيكا، وهولندا، والنمسا، وتشيكوسلوفاكيا خلال فترة قصيرة عندما اجتاحتها الجيوش الألمانية، بينما استطاع الاتحاد السوفيتي (سابقاً) أن يصمد أمام الغزو الألماني ومن قبله غزو نابليون بفضل اتساع مساحته إذ طبق مبدأ الدفاع في العمق، الذي يقوم على تسليم الأرض لكسب الوقت ، فقد اتبع الاتحاد السوفيتي هذا الموقف الاخلائى عندما غزاه نابليون حتى أطال بينه وبين خطوط تموينه، وأدخله في بيئة طبيعية قاسية يجهلها مما أضطره إلى التقهقر ثانية. وقد سار الاتحاد السوفيتي على نفس السياسة مع الألمان سنة 1941، وقد فطن الألمان لهذه السياسة، ولذلك حاولوا تدمير الجيش الأحمر برجاله ومعداته عن طريق الالتفاف حوله لكنهم لم ينجحوا في ذلك. إلاّ أن التقدم التقني في معدات الحرب أفقد المساحة الكبيرة أهميتها العسكرية، إذ يمكن نشر الميكروبات والغازات السامة فيها قبل انسحاب الجيوش منها .
عالمية ثقافة دولة ما, وقدرتها على وضع قواعد مفضلة ومؤسسات تحكم مناطق النشاط الدولي, هي مصادر حاسمة للقوّة, كقيم الديمقراطيّة والحريّة الشخصيّة والمساواة والعدالة والتعليم العالي والتطور السريع والانفتاح الذي غالبا ما يتمثّل في الثقافة الأمريكيّة, ففي القرن الجديد تفوقت قوة الولايات المتحدة الأمريكية الناعمة على قدرتها العسكريّة، فالثقافة الأمريكيّة سواء أكانت ضعيفة أم رفيعة المستوى تنتشر خارجيّاً بشكل لم يحصل له مثيل وبينما توقفت تأثيرات ثقافة الدول الأخرى عند حدودها، استطاعت القوّة الناعمة الأمريكية أن تسيطر على أقاليم العالم بشكل إمبراطوري، فالقوّة الناعمة الأمريكيّة هي أكثر من مجرد ثقافة فقيم الولايات المتحدة الأمريكيّة داخل بلادها (الديمقراطيّة والحرية والمساواة والعدالة على سبيل المثال) وفي المؤسسات الدولية (تناسق العمل والمصالح المشتركة مع الحلفاء). من شأنه أن يؤثّر أيضا على خيارات الآخرين. فالولايات المتحدة باستطاعتها أن تجذب أو تنفّر الآخرين عبر تأثير نموذجها عليهم. لكن القوّة الناعمة لا ترتبط بالحكومة الأمريكيّة مباشرة بالدرجة نفسها التي ترتبط بها القوّة القاسية , إذ إن بعض مظاهر القوّة القاسية ترتبط ارتباطا حاسماً وحصريّاً بالحكومة (كتنظيم وحركة القوات المسلحة) ومظاهر أخرى قد تكون حكوميّة بالتوجيه (مثل احتياطات ومخزونات النفط والغاز), ومظاهر عدة أخرى ممكن أن تنقل إلى السيطرة الجماعية (مثل الموجودات الصناعيّة والتي يمكن نقلها في حالة الخطر والضرورة)، في المقابل, العديد من مظاهر القوّة الناعمة لا ترتبط بالحكومة مع أنّها تسهم في تحقيق أهدافها. فأهميّة كل مصادر وعناصر القوّة الناعمة آخذة في الازدياد خاصّة في عصر العولمة والمعلوماتيّة.
وغياب القابلية للتغيير السياسي يعتبر من عوامل ضعف الدولة , وعلى عكس الاعتقاد السائد، فان الدول المستقرة فعلا تختبر تغييرات سياسية معتدلة من خلال تبديل الحكومات باستمرار وعكس التوجهات السياسية. وتعزز تلك التغييرات الاستقرار من خلال الاستجابة للضغوط في الدولة، شرط أن يكون مقدارها ليس كبيرا، كما هي الفجوة بين حزب العمال وحزب المحافظين في بريطانيا. والقابلية للتغيير السياسي تطيح بقادة محددين من السلطة، مما يقلل من المحسوبيات. وعندما تكون الدولة لامركزية، فإن القابلية للتغيير تكون اكثر سلاسة. وهذه القابلية للتغير هي التي تجعل الديمقراطيات اقل هشاشة من الأنظمة الأوتوقراطية. وحتى الآن، فإن أياً من الديكتاتوريات التي مر عليها الربيع العربي لم تظهر مثل هذه القابلية. و تتوقف كفاءة الأجهزة السياسية للدولة على الاستقرار السياسي و على شكل النظام السياسي كدبلوماسية الدولة التي يقع عليها عبء تجميع هذه العوامل الطبيعية و الاجتماعية في كل واحد متكامل لكي تتحرك به في الطريق إلى تحقيق أهدافها الخارجية و ذلك بالأسلوب الدبلوماسي في زمني السلم و الحرب .و شخصية و سلوك رجل الدولة يعتبر عامل مهم يقوم أحيانا بدور بارز في تقرير الأهداف القومية للدولة و شخصية القادة السياسيين ، و المسؤولين ، كما يؤثر أيضا في قوة الدولة حيث نجد أن التغيير في أنماط القيادات السياسية الحاكمة ينتج في أغلب الأحيان تغيرات هامة في الاتجاهات الخارجية للدولة و في بعض الحالات يكون نفوذ القائد السياسي و تأثيره على السياسة الخارجية مطلقا , وهذا مانعانيه الان في بلدنا منذ عقد ونيف ودفعنا دماء وتبديد المليارات كله لسوء الادارة ووضع الشخص الغير مناسب في المكان المناسب .
أداء النظم السياسية يرتبط بكفاءة النظام السياسى فى إدارة شئون الدولة ، وامتلاكه الكوادر التنظيمية والمهارة الفنية اللازمة لتعبئة واستخدام الموارد الأساسية لصالح المجتمع ، بدءا بجمع الضرائب ، مرورا بتطوير الاقتصاد وتحديث القوات المسلحة ، وصولا الى إدارة السياسة الخارجية ، فهناك دول تفتقر إلى الموارد كاليابان تمكنت من تعويض النقص عبر تطوير المهارات التنظيمية والفنية ، والحالات العكسية تشمل معظم دول جنوب العالم. إن إدراك فرض الكفاية تتطلب العمل على تخريج الطبيب المتميز، والمهندس المتميز، والعلماء المتخصصين بما يحقق كفاية الوطن فى شتى المجالات العلمية والإنتاجية، بحيث نصبح أمة منتجة، أمة مصدرة، أمة نافعة لنفسها وللإنسانية، وليست عالة على غيرها، لا فى طعامها، ولا فى شرابها، ولا فى كسائها، ولا فى دوائها، فعلاج مرضى المجتمع أمانة فى أعناق أطبائه، ومحو أمية المجتمع أمانة فى أعناق مُعلِّميه، وحفظ أمنه أمانة فى أعناق جيشه وشرطته، وعدل المجتمع أمانة فى أعناق قضاته، ففروض الكفايات تقوم على المسئولية التضامنية لأفراد المجتمع، كل فى مجاله وميدانه. و أهمية السكان في قوة الدولة تحظى بقبول عام من علماء العلاقات الدولية و نقصد بالسكان هنا العنصر البشري ووزنه كعامل من عوامل قوة الدولة و هنا يجب أن نراعي العوامل الكمية و الكيفية في العامل الديمغرافي .وتتجلى أهمية العامل السكاني في تشكيل القوة العسكرية اللازمة للحرب ، كما أن بعض الدول الاستعمارية حاولت الاعتماد على مستعمراتها في توفير القدرات البشرية اللازمة لآلتها العسكرية ، كذلك تؤثر الكثافة السكانية على الأهمية العسكرية من حيث أن الدول ذات الكثافة الضئيلة هي موضوع مطامع خارجية أما الدول ذات الكثافة العالية هي مؤمّنة لحد ما من هذه الأطماع ، تتجلى أيضا أهمية التعداد السكاني في المستوى الاقتصادي حيث أن العامل البشري عنصر أساسي في عملية الإنتاج كما أن السوق الاستهلاكية هي الضمان الأكيد لازدهار الإنتاج الوطني ، و من جهة أخرى يشكل الضغط السكاني عاملا فعالا من عوامل النزاع الدولي .