السيمر / فيينا / الاحد 06 . 10 . 2019
نبيل لطيف
قيل الكثير عن التظاهرات التي يشهدها العراق هذه الايام، التظاهرات التي كان من المقرر لها ان تدعو الى تحسين الاوضاع المعيشية للناس ومكافحة الفساد وتوفير فرص عمل للعاطلين، فاذا بجهات مكشوفة الحال والنوايا، تركب موجة التظاهرات وتعمل على العكس من اهداف المتظاهرين، فاصطدمت بقوات الامن، وسقط قتلى بين الجانبين، وتم احراق مبان حكومية وغير حكومية وسيارات ومحال تجارية، وعمت الفوضى ربوع المحافظات الشيعية في الوسط والجنوب بالاضافة الى العاصمة بغداد حصرا.
اخبار موثقة نقلتها جهات حكومية عراقية رسمية ، منها محافظ النجف الاشرف لؤي الياسري، اكدت انه تم إلقاء القبض على مجموعة دخلت المدينة القديمة في النجف لتنفيذ عملية اغتيال مرجعيات دينية، بالاضافة الى محاولة جهات اخرى لجر التظاهرات الى مكتب المرجع الديني آية الله السيد السيستاني، كما تم القاء القبض على عصابتين كانتا تخططان للسطو على مصرفين في النجف والكوفة.
وفي ذات السياق، اعلنت مصادر رسمية امنية، ان قناصا في بغداد قتل رجلي امن ومتظاهرين اثنين ، في محاولة مكشوفة لرفع وتيرة التوتر وتسخين التظاهرات ودفعها نحو المجهول، فيما مازالت النيران تشتعل في مبان حكومية ومقرات احزاب ومبان تعود ملكيتها للمواطنين في العديد من محافظات الوسط والجنوب.
لا نحتاج لتحليل معمق لنعرف ان هذه الممارسات الاجرامية ليست من فعل شباب نزلوا الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم المشروعة والتي تجاهلتها الحكومات المتعاقبة ، التي ورثت اوضاعا مزرية عن النظام الصدامي المجرم، والتي زادت تعقيدا على يد المحتل الامريكي وعصابات “داعش” والصداميين، فهي من فعل الحلف البعثي الصدامي التكفيري المدعوم سعوديا، بينما تضبط امريكا الايقاع من داخل سفارتها في بغداد، والتي جندت كل امكانياتها على مواقع التواصل الاجتماعي وذبابها الالكتروني الذي ينفخ بنيران الفتنة.
بات واضحا ان هدف عصابات البعث الصدامي الداعشي المدعومة سعوديا وامريكيا، خلق فوضى عارمة في العراق نحرق الاخضر واليابس، لاثبات عجز حكومة عادل عبد المهدي ، والضغط عليها ودفعها الى الاستقالة، وهو هدف يعتبر ثانويا في اطار الخطة الامريكية السعودية، فمن الخطأ الاعتقاد ان الفوضى ستنتهي برحيل حكومة عادل عبدالمهدي، بل العكس تماما ستزداد حدة وعنفا، لتمهيد الارضية امام تدخل امريكي، الذي سيتصرف كما لو انه مضطرا للتدخل من اجل حقن دماء العراقيين ، التي عجزت حكومة عادل عبد المهدي ان تحافظ عليها، ومن ثم فرض حكومة من الوجوه البعثية الكالحة ورفاقهم من الطائفيين الحاقدين، على العراقيين، تكون تابعة وذليلة للمحور الامريكي السعودي في المنطقة.
رغم ان المخطط الذي اُعد للعراق على نار هادئة، كان مكشوفا للعراقيين، وجميعنا يتذكر تحذيرات الشيخ قيس الخزعلي الامين العام لعصائب اهل الحق، في هذا المجال عندما حذر قبل عدة شهور من الان ، ان الفتنة ستبدأ في الشهر العاشر، لارتباط هذا التاريخ بذكر مرور عام واحد على طرح مخطط تصفية القضية الفلسطينية المعروف بصفقة القرن.
ما يجري في العراق اليوم من استغلال المطالب الحقة للعراقيين، من قبل الطابور الصدامي الداعشي الخامس، هو محاولة لاعادة سيناريو الثورات الملونة في العراق، حيث تحاول مواقع التواصل الاجتماعي التي جندتها السفارة الامريكية بالاضافة الى الاخطبوط الاعلامي السعودي و القنوات البعثية الفتنوية والطائفية في العراق، خلق “ايقونات” مثل “بائعة المناديل الورقية” او الشيخ المسن” او “صاحب الراية”، وهي “ايقونات” تشبه الى حد بعيد “الايقونات” التي صنّعتها امريكا لكل الفوضى التي صدرتها لاكثر من بلد في العالم، والتي مازالت تعاني من الفوضى والاقتتال.
“ايتام صدام” ركبوا موجة التظاهرات ، بعد ان نفخت امريكا بجثتهم المتعفنة، فاخرجوا رؤوسهم من جحورها ، واطلقوا التصريحات واذاعوا البيانات وكانهم الناطق الرسمي باسم المتظاهرين، او انهم ابطال وطنيون، ومن بين هذه الوجوه الكالحة رغد ابنة السفاح المقبور صدام ، حيث غردت على تويتر، واشادت بالخراب والفوضى الذي يضرب العراق بقولها : “أنتم تسطرون ملاحم البطولة كما عهدناكم .. انتم نسل أبطال القادسية”.
يعتقد الحلف البعثي التكفيري المدعوم سعوديا وامريكيا، انه من خلال الابقاء على حالة الفوضى ، سيدفع الحشد الشعبي للتدخل من اجل الحفاظ على امن واستقرار العراق ، ما يجعله في مواجهة الشارع، وبالتالي اسقاط قدسية سلاحه الذي هزم به عصابات البعث الصدامي الداعشي والمخطط الامريكي الذي كان يستهدف العراق وجودا وشعبا.
صحيح ان المخطط الامريكي السعودي الذي ينفذ على يد مرتزقتهم من الصداميين والتكفيريين مخطط معقد وكبير، الا ان الشعب العراقي اكبر بكثير من اي مخطط ، فالعراق لن يعود الى الحظيرة الامريكية، كما لن تفلح امريكا بصناعة “جنرلات” وخلق هالة من البطولة حولها وتسويقها على انها المنقذ ، مثلما فعلت عبدالوهاب الساعدي ، فالعراق ولن يحكمه البعث مرة اخرى، لا اليوم ولا غدا ولا في اي وقت اخر، وكل ما نراه اليوم من تحركات البعثيين الصداميين ليس سوى الا سكرات موت، وكل ما يجري الان في العراق هو كيد ساحر، فحكومة عادل عبد المهدي، تدفع اليوم ضريبة تمسكها باستقلالية قرارها، وتجسدت هذه الاستقلالية افضل تجسيد في الاتهام العلني للسيد عبدالمهدي ل”اسرائيل” بانها تقف وراء الهجمات التي استهدفت الحشد الشعبي، وهو اتهام يستبطن اتهام حليفة “اسرائيل” امريكا ، فلولاها لما تمكنت “اسرائيل” من شن هجماتها على العراق، وهو اتهام رأت فيه امريكا تبن واضح لرواية محور المقاومة، ولم يقف عبدالمهدي في حدود الاتهام فقط، بل خطى خطوة اكبر عندما فتح معبر القائم – البوكمال مع سوريا في تحد واضح لامريكا التي كانت ومازالت تسعى لشرذمة محور المقاومة، اما زيارته الى الصين والتي وقع خلالها العديد من الاتفاقيات الاقتصادية ، فقد اعتبرتها واشنطن خطا احمر تجاوزه عبدالمهدي، الذي اعاد الاعتبار الى العراق كبلد اقليمي مؤثر في العلاقات الدولية، حيث قام عبدالمهدي بدور فاعل في تقريب وجهات النظر بين ايران والسعودية من اجل ابعاد شبح الحرب عن المنطقة، هذا بالاضافة الى حالة الامن المستتب الذي عاشه العراق مؤخرا، بفضل تضحيات الحشد الشعبي وادارة عبد المهدي للملف الامني بشكل مؤثر.
كما اسلفنا ان المؤامرة التي تحاك للعراق كبيرة، الا ان العراقين اكبر منها بمرجعيتهم الرشيدة المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني دام ظله، الذي لطالما انقذ العراق في اصعب الظروف، فكلنا يتذكر كيف رفض سماحته الرؤية الامريكية لعراق ما بعد الطاغية صدام، حيث كانت امريكا تحاول فرض نظام اشبه بنظام صدام على العراق الا ان سماحته اصرّ على كتابة دستور جديد واجراء استفتاء عليه ومن ثم اجراء انتخابات حرة، وهي امور ما كانت لتخطر ببال الامريكيين، اما عندما تعرض العراق لتهديد “داعش”ووصلت عصاباته الى ابواب بغداد وهددوا النجف وكربلاء، دعا سماحته للجهاد وخرج من رحم فتواه الحشد الشعبي المبارك الذي حفظ للعراقيين ارضهم وعرضهم، واليوم يعود سماحته لينير الدرب امام العراقيين في ظروف لا تقل خطورة من الظروف التي احاطت بتقدم “داعش” نحو بغداد، فاليوم ايتام صدام اشقاء “الدواعش” في الجريمة والغدر يهددون بغداد من خلال ركوبهم موجة التظاهرات السلمية للمواطنين العراقيين، حيث سماحته دعا الى تشكيل لجنة مستقلة تتالف من شخصيات معروفة من خارج السلطة، لتحديد خطوات مكافحة الفساد وتحقيق الاصلاح، وتمنح صلاحية محاورة ممثلين عن المتظاهرين، هذه الدعوة المباركة ، ستجد حتما اذنا صاغية لدى الحكومة والشارع، اما الجهات التي ركبت الموجة من اجل التخريب والفوضى، فانها ستواصل ممارساتها وعندها ستنكشف للشعب، ولن تجد من خيار الا العودة الى جحورها والى الابد.