السيمر / فيينا / السبت 18 . 01 . 2020
اسعد عبدالله عبدعلي
احسست بصداع رهيب نتيجة ضغط العمل, فأسرعت نحو المقهى الثقافي القريب من مكان عملي لشرب الشاي, فبعد تجارب الاعوام تيقنت انه العلاج السحري للصداع, جلست في الطرف الدافئ من المقهى, كان الى جنبي رجل مسن وبيده صحيفة, فسألته عن اخبار الوطن, والى اين تتجه الاحداث؟ فقال لي: “فوضى وجهل وعنتريات تجتاح البلاد, وهذا لا ينتج ما تتأمله الامة”.
قلت له على سبيل الاستفزاز واخراج مكنوناته: وما رايك بالمطالبة بإخراج القوات الامريكية؟
فانزعج من السؤال ثم اطلق حمم بركانية لم تتوقف الا بسعاله ثم طلبه الماء, حيث قال: “دعني اقلب اتجاه الحديث, فأقول لولا امريكا لابتلع صدام كل دويلات الخليج, ولولا امريكا لاستمر حكم صدام الى عشرات السنين, ولولا امريكا لاستمر قانون قطع الاذن والالسن الى ان تحين الاقدار, ولولا امريكا لما ذاب واختفى احفاد السبعاوي والمجيد والعفالقة, فلولا امريكا لحكمكم اولاد واحفاد صدام, كل هذا الا يشفع لكم بالمسامحة عن ما تفعله القوات الامريكية الغازية من بعض جرائم انسانية!
الحقيقة ازعجني جوابه حيث يتسامح مع كل ما تفعله امريكا في العراق, باعتبار ان لها فضل في عنق العراقيين!
فقلت له: بل يمكنني ان اجيبك بالحقيقة الناصعة التي لا ترفضها وهي: لولا امريكا لما وصل صدام للحكم, ولولا امريكا لما شن صدام حربه ضد ايران, ولولا امريكا لما غزا صدام الكويت, ولولا امريكا لما قمع صدام الانتفاضة الشعبانية, ولولا امريكا لما تمكن صدام من تشريع قانون قطع الالسن والاذن وتنفيذ الاعدامات بحق الشعب, كل ما حصل للعراق من عام 1980 والى اليوم برقبة امريكا, وما صدام الا دمية تحركها ارادة البيت الابيض.
سكت العجوز غارقا في افكاره, اما انا فهجمت على ما بقي في كوب الشاي, كان كلانا يريد ان يقول شيئا, اكمل العجوز شرب الشاي التفت الي وقال: “اتفق معك, لكن كان يجب ان نستغلهم فهم يتحملون ما جرى على العراق, مثلما فعلتها المانيا واليابان مع امريكا وحلفائها, عبر اتفاقيات تنظم وجود المحتل وتجبره على أعمار ما دمره, نعم لقد خذلتنا الطبقة السياسية بخضوعها التام لأمريكا! وتفريطها بحقوق البلد مقابل سيطرتها على الحكم”.
نظرت بعمق في عيني هذا العجوز افكر فيما قال, هززت راسي موافقا لطرحه, ثم نهضت للمغادرة, وقلت له:
” نعم… ساستنا نجحوا بامتياز بتضييع حقوق العراق, مقابل الفتات الذي اعطته لهم امريكا, على حساب العراق وحقوقه, لكن لا فضل لأمريكا علينا, فالأمريكان هم من اتى بصدام, وهم من دعم سياساته بحق جيرانه وشعبه منذ عام 1980 الى 2003, ولولا مساندتهم له لما بقي يوما في الحكم, كانت لهم القدرة على ازاحته منذ البداية, لكن هم كانوا مستفيدين من وجوده, فهو الذي انعش سوق بيع السلاح وفتح ارض الخليج لقواعدهم, وتم قتل مئات الالاف من العراقيين وهذا مهم عندهم, لاعتبارات سياسية وجغرافية ودينية.
تبسم العجوز وقال: “نحن متفقان, قد يكون كلامي غير متكامل عن فكرة العبد وسيده, وكنت انظر لصدام فقط من دون اسياده, نعم كلانا يعبر عن نفس الفكرة, انا كنت اراها من جانب وانت احطت بها, صدام ولد في احد سراديب البيت الابيض, ليكون عفريتاَ شاذاَ منزوع القيم, قد تم وضع شريحة اوامر في مؤخرته تدفعه لفعل كل قبيح, وهذا ما تم لاحقا”.
ضحكنا معا حتى دمعت عيوننا, وكان العجوز يؤكد على موضوع الشريحة ومؤخرة صدام.