السيمر / فيينا / السبت 29 . 02 . 2020
محمد صادق الحسيني / ايران
منذ تنفيذ الجيوش السوفيتيه لعملية أورانوس ( Uranus Operation ) الاستراتيجيه الكبرى ، في تشرين ثاني ١١/١٩٤٢ ، على جبهات ستالينغراد التي كانت تواجه الغزو الألماني النازي ، وهي العمليه التي تمكنت القوات السوفيتيه خلالها من فرض الحصار المطبِق على قوات الجيش السادس / مدرعات / الألماني ، الذي بلغ قوامه آنذاك ٣٥٠ الف جندي ، وتم سحقه وتدميره مع نهاية شهر شباط ٢/١٩٤٣ ، اي خلال ثلاثة اشهر من العمليات العسكريه .
نقول انه ومنذ تلك العمليه العسكريه السوفيتيه ، ذات الاهميه والتداعيات الاستراتيجيه على مسار الحرب العالميه الثانيه ، لم يحصل ان قام جيش في العالم بتنفيذ عملية شبيهة لتلك العملية السوفييتيه ، سوى الجيش العربي السوري . وذلك عبر الهجوم الاستراتيجي الواسع النطاق في ارياف ادلب الجنوبيه الغربيه وحماة الشماليه الشرقيه واللاذقية الشماليه الشرقية / جسر الشغور / .
وتماماً كما فعلت الجيوش السوفييتيه في شهر ١١/١٩٤٢ ،عندما شنت هجوماً شاملا متزامناً على محاور مدينة ستالينغراد الشماليه والجنوبيه ، وهي المدنيه التي كانت من قبل الجيش الألماني السادس ، بهدف محاصرة تلك الجيوش الالمانيه التي تحتل المدينة وتدمير قوات الاحتياط العملياتي الذي يدعمها ، قام الجيش السوري والقوات الحليفه بتنفيذ خطة شبيهة حيث قام ، مع القوات الحليفه ، وبغطاء جوي روسي سوري كثيف ، بما يلي :
١)شن
هجوماً مركزاً ومباغتاً تماماً ، للعصابات المسلحه وداعميها الأتراك ،
وذلك بعد تمهيد ناري جوّي ومدفعي صاروخي عنيف ، على محاور سهل الغاب / جبل
الأربعين / جبل شحشبو وسيطر عليها بسرعة قياسيه ، من خلال عملية نوعية اشبه
ما تكون بعملية قوات خاصه ، مع فارق طول الجبهة ، وهو يقارب ٤٥ كيلو متر ،
وحجم القوات الذي استخدم لتنفيذ العمليه العسكريه السوريه بنجاح .
٢)وقد
نجح الجيش العربي السوري وحلفائه ، عبر هذه المناورة الاستراتيجيه الضخمه ،
بالسيطرة الناريه على طول الطريق الدولي السريع ، حلب اللاذقيه والمسمى
طريق M 4 ، وذلك تمهيداً للسيطرة الفعلية المباشرة عليه في مرحلة لاحقة من
مراحل تنفيذ الخطة .
فبسيطرته على جبل الأربعين
يكون الجيش السوري قد اسقط كلاً من اريحا وقاطع الطريق الدولي M 4 ، من
نصيبين شرقاً ( شرق اريحا ) وحتى اوروم الجوز جنوب المدينه . …اي انه قد
قطع خط امداد المسلحين القادم من سهل الغاب ومن جهة جسر الشغور . كما ان
سيطرته على جبل شخشبو قد جعلته يسيطر نارياً على كل من المدينة وقسم من
الطريق الدولي M 4 شرق وغرب المدينه . وبالتالي فان الجيش العربي السوري ،
وتحت غطاءٍ جوّي روسي سوري كثيف ، قد تمكن من اقامة رؤوس جسور ، امتدت من
بلدة سراقب شرقاً وحتى بلدة كأمور تحتاني غرباً ( غرب جسر الشغور ) ، تماما
كما فعل المارشال السوفييتي شوكوف ، سنة ١٩٤٢ في معركة ستالينغراد ، عند
ما بدأ تنفيذ خطته بإقامة رؤوس جسور شمال وجنوب ستالينغراد ، معتمداً على
الجيوش السوفييتيه : السابع والخمسين والثاني والستين والرابع والستين في
محاور المدينه الجنوبيه وعلى الجيوش : الثالث والسادس والأول في شمال
المدينه ، وذلك استعداداً لبدء الهجوم الشامل لتحرير المدينه مع بداية شهر
كانون اول١٢/١٩٤٢ .
وما ان تمكنت الجيوش
السوفييتيه من فرض الحصار الكامل ، على الجيش الألماني السادس ، الذي كان
يحتل مدينة ستالينغراد ، حتى قررت القياده العسكريه الالمانيه العامه الزج
بالجيش الألماني المدرع الرابع ، الذي كان منتشراً على محور كاربوفكا (
karpovka ) ، في القاطع الجنوبي من غرب المدينه ( غرب نهر الفولجا )
ويقابله الجيش السوفييتي الرابع والستين .
تحرك
الجيش المدرع الألماني الرابع ، بناءً على اوامر القياده العامه في برلين ،
في محاولة لفك الحصار عن الجيش السادس . تماماً كما تحركت الوحدات المدرعه
التركيه ، يوم امس ٢٦/٢/٢٠٢٠ ، في محاولة منها لفك الحصار الذي ضربه الجيش
السوري على بعض مجموعات المسلحين ، الذين سبق وان استدرجهم الى كمين
استراتيجي كبير في سراقب ، قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة ، من ناحية ابعاده
ونتائجه على سير المعارك ، الكمين ) على طول مسرح العمليات ، من سراقب حتى
غرب جسر الشغور .
ولكن طلائع قوات الجيش السوفييتي
الرابع والستين سرعان ما انقضت على وحدات الجيش الألماني الرابع المدرعه ،
فور محاولتها بدأ هجومها المضاد ، الامر الذي لم يستغرق وقتاً طويلاً حتى
تم سحق الجيش الألماني المدرع الرابع تماماً .
وهذا
بالضبط ما حصل مع القوه المدرعه التركيه ، قوامها لواء مدرعات ، معزز
بكتيبة مدفعية ميدان ثقيله وكتيبة مدفعية صاروخيه ، من طراز ( MLRS )
multiple Launch rocket System ، في خطوطها الخلفية . تلك القوه التي كانت
تتحرك في محيط بلدة بارَه ، متجهة الى سراقب ، عندما تصدى لها سلاح الجو
السوري وشن عليها اربع غارات جويه ادت الى تدمير مجموعه من دباباتها
وراجمات الصواريخ التركيه وقتل وجرح من فيها ، خاصة وان الجيش العربي
السوري كان في أوج عملياته ضد مجموعات المسلحين التي تم استدراجهم الى محيط
مدينة سراقب .
اما عن خلفيات وتداعيات الانتصارات ، التي حققها الجيش العربي السوري خلال الاسبوع الأخير والانهيارات التي شهدتها جبهة أردوغان ومحازبيه ، من جبهة النصره والحزب التركستاني وكل المتطرفين الارهابيين التركستانيين الذين حشدهم اردوغان املاً منه في خلق عثمانستان جديده ، فلا بد من الاشارة الى ما يلي :
1.
انطلاقاً من قناعة اردوغان العميقه بانتهاء الحرب التي شنت على سورية ،
والذي كان نظامه كما النظام الأردني ، رأس حربة فيها ، وبان المشروع الذي
شارك في تنفيذه منذ اللحظة الاولى ، الذي كان يهدف الى تفتيت الدولة
السوريه وتمزيق أراضيها ، قد انهار وفشل وان استكمال تحرير الاراضي السوريه
، بما فيها تلك التي تحتلها القوات التركيه ، لا يتعدى كونه مسألة وقت ليس
الا ، وفي ظل التقدم السريع الذي يحرزه الجيش السوري ، في مسرح العمليات
في الشمال السوري ، قام اردوغان باطلاق تهديداته للجيش العربي السوري ،
بعنجهية لا تستند الى اي مرتكزات حقيقيه ، مطالباً إياه ( الجيش العربي
السوري ) بالتراجع عن الاراضي التي تم تحريرها من سيطرة اردوغان ومجموعاته
الارهابيه المسلحه .
وقد وصل به الامر الى ان يرفق
تهديداته تلك بموعد زمني هو آخر شهر شباط الحالي ، اعتقاداً منه ان
بامكانه تنفيذ عملية عسكرية سريعة يستطيع من خلالها استعادة السيطره على
المناطق التي حررها الجيش العربي السوري ، سواءً في ارياف حلب او ارياف
ادلب ، علاوةً على اعتقاده ان ذلك سيؤدي الى إمكانية مواصلة سيطرته على
بقية محافظة ادلب ومدينة ادلب نفسها .
2. كانت
اوهام اردوغان هذه تهدف الى، تعديل صيغة سوتشي بالقوه وعن طريق تغيير
موازين القوى العسكريه الميدانيه ، وذلك لتأمين عودة قوية ، له وللارهابيين
الذين يدعمهم ، الى العملية السياسيه التي نقف على أعتابها ، بعد فشل
المشروع الصهيواميركي ، في اسقاط الدولة الوطنية السوريه .
وهو
ما دفعه الى ان يزج بفرقة مدرعةٍ ولوائي مدفعية ميدان ثقيله ولواء قوات
خاصه تركيه ، الى داخل الحدود السوريه ، سواءً في ارياف حلب الشماليه او
ارياف ادلب المختلفه ، بالاضافة الى فرقة دبابات معززة بفرقة مشاة محموله (
مؤللة ) اي محموله بناقلات جنود ، على الحدود التركية السوريه ، في محافظة
الاسكندرون السورية المحتله منذ عام ١٩٣٩ .
٣)كانت
خطة الجيش العربي السوري تسير بشكل جيد ، في ما عدا بعض الفقاعات الصوتيه
الفارغه ،الواردة من الشمال ، كما قال الرئيس السوري بشار الأسد ، منذ
اطلاقها قبل ما يزيد عن ثلاثة اشهر ، وكانت القياده العسكريه السوريه ،
وبتنسيق كامل مع القياده العسكريه الروسيه وحلفاء الدوله السوريه ، تضع في
حسبانها بان اردوغان ، الخارج من الميدان السوري مهزوماً ، سوف يعمد الى
خطوات تهدف الى قلب المعادلة وخلط الأوراق من جديد ، بما في ذلك لجوئه
للقيام بمغامرة عسكرية في محافظة ادلب او محافظة حلب .
وبناءً
على هذه القناعه اتخذت القياده العسكريه الروسيه السوريه ، او بالأحرى
غرفة العمليات المشتركه ، القرار المناسب ، بالتصدي لاي محاولات عبثيه
لأردوغان وبالقوة المسلحة ، منعاً له من ان يعبث بانتصارات الدولة السوريه .
4.
وتماماً كما فعل هتلر ، في بدايات شهر نيسان ٤/١٩٤٥ ، عندما كانت جيوش
الاتحاد السوفييتي تقف على أبواب برلين ، بقيادة المارشال شوكوف ( الذي قاد
معركة ستالينغراد أيضاً ) ، اصدر أمراً لبقايا قواته بشن هجوم مضاد ،
لمحاولة وقف الزحف السوفييتي على برلين ، وفشلت الجيوش الالمانيه في تحقيق
ذلك .
وها هو اردوغان ، وأدواته المهزومة في
الميدان السوري ، يحاولون وفي آخر لحظة ، وبينما الجيش العربي السوري يقف
على اعتاب ادلب ، يحاولون وقف زحف هذا الجيش ، ويتورطون في مغامرة عسكرية ،
بهجومهم على مدينة سراقب والذي سينتهي بإبادة تامةٍ لكل المجموعات
الارهابيه التي شاركت في هذا الهجوم . وهي العمليه التي يقوم الجيش العربي
السوري وحلفائه باستكمالها حالياً .
5. وبناءً على
خطة الجيش العربي السوري العملياتيه ، التي أخذت بالحسبان احتمال ارتكاب
مغامرة من قبل اردوغان ، وفي اللحظة التي بدأ فيها اردوغان بتنفيذ مغامرته ،
يوم امس الخميس ٢٧/٢/٢٠٢٠ ، قام سلاح الجو السوري ومعه سلاح الجو الروسي
والقيادة العسكرية والسياسية الروسية ، وبعد تمهيد سياسي دبلوماسي منقطع
النظير ، من قبل الرئيس الروسي ، نقول ان سلاح الجو السوري قام بقطع ايدي
اردوغان وأرجله ، برسالة جوية صاروخية نارية ، جعلته يجثو على ركبتيه امام
الرئيس الروسي ، فلاديمير بوتين ، راجيًا إياه وقف قصف القوات التركيه
ومؤكداً له ( لبوتين ) التزامه بالتطبيق الحرفي الدقيق لاتفاقيات سوتشي .
٦)وهذا
يعني ان اردوغان سيخضع من الآن فصاعداً ، وبعد فشل مغامرته العسكريه في
ريف ادلب الجنوبي ، لما يقرره الرئيسان الروسي والايراني ويقبله الرئيس
السوري . وهنا يجب القول بان اردوغان لم يعد ضامناً لاتفاق سوتشي وانما
اصبح شخصاً محجوراً ( خاضع للحجر ) عليه الى ان يقضي الله أمراً كان مفعولا
.
تماماً كما حصل مع قائد النازيه الالمانيه ،
ادولف هتلر ، بعد فشل هجومه المضاد الأخير الذي بدأه يوم ١٦/٤/١٩٤٥ وانتهى
بانتحاره يوم ٣٠/٤/١٩٤٥ . والفارق الوحيد بين الاثنين ان اردوغان لا يمتلك
الشجاعة للإقدام على وضع حد لحياته الاجراميه ، وانما سيتولى هذه المهمه
جنرالات من الجيش التركي ، اكثر حرصاً على تركيا ومصالحها القومية العليا ،
من هذا اللص الدولي الذي لا يهمه سوى مصالحه الشخصية وهو وابنائه وانسابه .
وما زيارته الاستفزازية الاخيره الى أوكرانيا الا اوضح دليل على ذلك . اذ
ان السبب الاساسي للزيارة هو تأمين تكنولوجيا اوكرانيه لصناعة الطائرات
بدون طيار وهي الصناعه التي يسيطر عليها زوج ابنة اردوغان ، سمية اردوغان ،
المدعو سلجوق بيرقدار .
لذا فمن المرجح ، خاصة
بعد ما تعرض له الجيش التركي من خسائر بشرية ، يوم امس جنوب ادلب ، ان يقوم
رهط من الجنرالات الأتراك المعارضين لمغامرات اردوغان بتنظيم انقلاب عسكري
يطيح بأردوغان لينتهي اما قتيلاً واما سجينا .
وهنا
لا بد من الاشارة الى انه قد سبق السيف العذل . فلن تفيد اردوغان ، في وجه
معارضيه داخل المؤسسة العسكريه التركيه بشكل خاص ، توسلاته للرئيس الروسي
بان الجيش التركي سيلتزم بالتواجد فقط وحصرا. بشكل قطعي في نقاط المراقبه
الاثنين عشر المتفق عليها في سوتشي ، وهو ما ابلغ به اردوغان الرئيس
فلاديمير بوتين خلال مكالمته الهاتفيه معه ظهر اليوم ٢٨/٢/٢٠٢٠ .
بعدنا طيبين قولوا الله