عبد الجبار نوري
توطئة // صحيح أننا سلكنا هذا الطريق الوعر بواسطة هدى النظرية الماركسية وكانت الحافز لوثبة شعبنا ومطالبته للحرية والديمقراطية فهي ثمار ” النظرية الشيوعية “—– مقتطف من دفاعه أمام محكمة النميري العسكرية 1971
آبيات للشاعر ” محمد الفيتوري ” يرثي المناضل عبد الخالق محجوب
لا تحفروا لي قبراًسأرقد في كل شبرٍ من الأرض
أرقد كالماء في جسد النيل
أرقد كالشمس في حقول بلادي
فمثلي لا سكن قبراً
العرض// المفكرعبد الخالق محجوب 1927 – 1971 قيادي بارز في الحركة الشيوعية العربية والسودانية ، وعقلية الحزب ، فهو السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني 1949 – 1971 ، والنائب البرلماني عن دائرة “أم درمان ” ترك ماثرة فكرية وسياسية وقيادية وحداثوية في صياغة الفكر الشيوعي بقياسات الزمكانية السودانية ، في 1947 ساهم في بناء المنظمات والنقابات العمالية الحرّة التي بدأت تدافع عن حقوق الشعب السوداني المحروم ، وأثرى المكتبة الشيوعية بمؤلفاته القيّمة وبحوثه الماركسية في عام 1953 تمكن من ترجمة وطبع أول كتاب شيوعي في مطبعة قانونية ونشرها في السوق هو كتاب ( الماركسية وعلم اللغات ) لمؤلفه ” جوزيف ستالين ” وفحواه دعوة في الثقافة الثورية ضد الأستعمار وخصوصا الأستعمارالبريطاني الجاثم على الشعب السوداني المعدم ،وترجم كتاب( تطورالنظرة الواحدية للتأريخ)/ لبليخانوف ، وتبنى فكرة تأسيس { مجلة الشيوعي )وهي أرشيف الكادر الحزبي المتقدم ، وحاول جاهداً في 1954 تغيير جميع القوانين البريطانية المتعسفة بطريفة ديمقراطة سلمية ، وكان له دور كبير في أشعال الشارع في أم درمان – منطقته الأنتخابية – وصارت الشرارة الأولى في توعية الشعب السوداني في أنتزاع حقوقه ، وطرد المستعمر بحيث قاد هذا القائد الشيوعي الفذ الحزب وسط الجو السوداني الملبد بأفتك المطبات السياسية وأعداء اليسار الماركسي التقدمي وأعداء السودان المتمثل بالرتل الخامس الداخلي وأعداء الخارج الشمالي والجنوبي : 1- التيارات الطفيلية داخل الحزب ،وضع دستوراً للحزب بعد أنْ كانت تحكمهُ ن العلاقات الشخصية والغير مبدئية . 2- تمرد الجنوب التي فتحت أبواب التدخل الأجنبي بشكل سافر وخاصة بريطانيا والدول الأقليمية المجاورة وإلى أشبه بحربٍ أهلية بين الشمال والجنوب . 3- وكانت قيادته للحزب في أوج قمة السونامي الناصري بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر ، وظهور التيار الوحدوي القومي في الوحدة الأندماجية التي تتقاطع مع الآيديولوجية الماركسية التقدمية ، وللتذكير أن الفكر الناصري الوحدوي (الأندماجي – القسري ) بقيادة جمال عبد الناصر هو الذي أسقط ثورة 14 تموز 1958 المجيدة في العراق وأغتيال زعيمها الشهيد وقائد الثورة ” عبد الكريم قاسم “. 4- العسكرتارية والأنقلابات المتكررة ، فقد شهدت السودان (13) أنقلابا عسكريا منذ الأستقلال عام 1956 فله سجل حافل بالأنقلابات العسكرية ، ومن أكثر هذه الأنقلابات دموية وبشاعة هو أنقلاب 25 مايو 1969 بقيادة العميد (جعفر نميري )الذي سحق بدباباته المئات من مناوئيه ومعارضيه ، وخاصة قواعد الحزب الشيوعي السوداني وقياداته وكوادره المتقدمة وأعدم سكرتير الحزب عبد الخالق محجوب شنقاً أثرأنقلاب 19 يوليو971 الذي قام به الجناح العسكري للحزب الشيوعي السوداني بقيادة المقدم “هاشم العطا” ولم يكن برضا ” عبد الخالق محجوب لعدم توفر الضروف الموضوعية لهكذا حدث مصيري والسودان محاطة بأعداء مؤدلجين في الداخل من القوميين العرب والأسلامويين ، ومؤمرات المخابرات البريطانية في دعم أية حركة رجعية يحفظ لها أمتيازاتها ودعم التمرد في الجنوب السوداني ، أبدى توقعه بأنّ عمر ثورة “هاشم عطا” ليس أكثر من ثلاثة أيام ، نجح الثوار في البداية وأعتقلوا النميري لمدة ثلاثة أيام كما توقع حدس القائد الفذ ” عبد الخالق محجوب “حينها لاحق جهاز الأمن النميري والمخابرات البريطانية وجهاز الأمن الساداتي قيادة ورأس الحزب الشيوعي السوداني ” عبد الخالق محجوب “وألقي القبض عليه في أم درمان / سبتمبر 1971 ونفذ النميري حكم الأعدام بالجميع ، أولهم زعيم الحزب ” عبد الخالق محجوب شنقا والضباط الشيوعيين رميا بالرصاص ، ولم يكتفي بهذا الأجرام بل جعل من الخرطوم أنهاراً من دماء كوادر وأعضاء الحزب ومؤيديه ، وبشكلٍ هستيري فتح أبواب السجون والمعتقلات للشعب السوداني المقهور.
{وسط هذا الصراع والمماحكات الفئوية والطبقية ، والتيارات الطفيلية داخل الحزب ، والتيارات الدينية المتزمتة والناصرية التي غزت عقول الشرق الأوسط برمته ، تمكن هذا القائد المحنك والمناضل الشيوعي الدؤوب وخلال 22 سنة من قيادته للحزب الشيوعي السوداني أنْ يجعل منه أوسع وأقوى حزب شيوعي عربي في المنطقة العربية كماً ونوعاً }.
معتقده السياسي: *له رأي ثوري في المقولة {ينام فيها الحاكم وفي شعبه جائع وبين رعيته فقير ومحتاج } يقول : أنّها مفاهيم مثالية طوباوية ليس لها وجود على الخارطة الحياتية ، من البلاهة أنْ يؤمن بها الأنسان لكونها معتقد السفيه والمهزوم ، الثوريون يدخلون معركة الجذور طالبين رأس التنين هؤولاء يخلدهم التأريخ ، فتلك المفاهيم البالية لا تغيّر فيها الدكتاتوريات التي مسكت بتلابيب التأريخ في غفلة من الزمن كنبوخذ نصو وهتلر وموسوليني والحجاج وصدام فهم يستهزؤون بأفكار مونتسكيو وروسو * كان ذو حضور مؤثر في المحافل الشيوعية العالمية . * حاول أيجاد صيغة سودانية للماركسية بدلا من التطبيق الحرفي للتجربة السوفيتية والصينية . * عارض أنقلاب ” نميري ” 25 مايو 1969 لتعارضه مع مبادىء الديمقراطية والحرية ودفع حياته ثمنا لهذا الأنقلاب التعسفي معتليا خشبة المشنقة وهو يهتف بحياة الحزب والشعب السوداني . * كانت رسالته الأساسية نشر الوعي بين الجماهير تطبيقاً لمقولة ماركس :{ ليس المهم تواجد الفقر والعوز بل توفر الوعي للخلاص عبر التغيير } ، أثناء محاكمته الصورية أمام المحكمة العسكرية النميرية ، سألهُ القاضي ماذا قدمت لشعبك ؟ أجابه عبد الخالق وبهدوء شديد (الوعي بقدر ما أستطعت ) . * محاربة ( العسكرتارية ) وشجب الأنقلابات والوقوف ضدها وحتى أنّهُ عارض أنقلاب الضباط الشيوعيين في 19يوليو 1971 والتي سميّتْ بثورة “هاشم العطا” – التي نجحت وألقى القبض على جعفر نميري وأودعه السجن لثلاثة أيام وفشلت بسبب الموقف الخسيس من العقيد معمر القذافي الذي أجبر الطائرة البريطانية المتجهة إلى الخرطوم للألتحاق بالثوار والتي على متنها خمسة ضباط من الخط العسكري للحزب والمشاركين في الأنقلاب – على الهبوط في بنغازي الليبية وسلمهم إلى النميري الذي أعدمهم فوراً وكذلك تدخل السادات بقصف الثوار ومعسكراتهم في الشمال والوسط بالطائرات ولأنّ جعفر نميري يؤيّد السادات في مشروعه الأستسلامي { كامب – ديفد } وكان دور المفضوح للمخابرات البريطانية في أعادة النميري والقضاء على الحزب الشيوعي السوداني الذي تنامى بقوة على الساحة الداخلية والخارجية – .
ولعنة التأريخ لحقت بالخونة حيث قُنل القذافي على يد ثوار الربيع العربي وبأبشع طريقة ، وأغتيل السادات على يد الأخوان ، وأصيب النميري بالسرطان وخرج للعلاج ، وأشعلت الخرطوم أنتفاضة شعبية منعوه من الدخول فلجأ إلى القاهرة مهزوماً كسيراً مخذولاً وذليلاً— اللهم لا شماته !!!.
المجد كل المجد للقائد والسكرتير والمفكر وعقلية الحزب الشيوعي السوداني الأستاذ ” عبد الخالق محجوب ”
هوامش البحث / كتاب الديمقراطية في الميزان –محمد أحمد المحجوب ، كتاب دفاع أمام المحكمة العسكرية – عبد الخالق محجوب ، كتاب عنف البادية – د- حسن الجزولي ، جريدة الرأي العام ، لمحات من تأريخ الحزب الشيوعي السوداني / عبد الخالق محجوب