السيمر / الأربعاء 24 . 02 . 2016
د . صادق اطيمش
أحزاب الإسلام السياسي فشلت في العراق فشلاً لا مثيل له في كل المجالات. فلقد تشتت مناهجها وتعثرت مسيرتها التي فقدت فيها وضوح الهدف إلى جانب عدم القدرة على التمييز بين ما هو حكم وسياسة وما هو تنظيم ومبادئ ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بالثوابت الدينية التي تدعي هذه الأحزاب الإلتزام بها . وهذا ما يشير له الحال الذي تمر به هذه الأحزاب في الوقت الحاضر والمشوب بالتراشق اليومي فيما يينها ، كل يتهم الآخر بأنه السبب في التأخرالذي حل بالوطن في كافة مرافق الحياة منذ القضاء على الحكم البعثفاشي الأسود من قِبل قوات التحالف العالمي بقيادة امريكا التي جاءت بهذه الأحزاب إلى السلطة وباركت لها توجهاتها الطائفية التي فرضتها على الساحة السياسية العراقية بقوة السلاح ، لا بقناعة المبادئ ، حتى غدت هذه الساحة ليس مسرحاً لنزاعات هذه الأحزاب فقط ، بل وشمر فيها عن ساعده لقتل العرااقيين وتهديم الوطن ونهب خيراته كل مَن هب ودب من الإرهابيين البعثيين والقاعديين والإسلامويين والقومانيين، وكل من اتاحت لهم هذه الأحزاب العبث بالوطن واهله وخيراته منذ ان وضعها الإحتلال الأمريكي على قمة السلطة بعد الإطاحة بدكتاتورية البعث المقيتة. كما جعلت هذه الأحزاب المتاجرة بالدين من إعتلاءها قمة السلطة وسيلة أخرى من وسائل الإرهاب التي عاشها الشعب العراقي على شكل إغتيالات لذوي الكفاءات العلمية والثقافية، إن تجرأ أحدهم على نقد هذا التصرف البدائي او ذاك الفكر المتخلف الذي تعج به العقول الضامرة لقادة و كوادر أو حتى القواعد البسيطة لأحزاب الإسلام السياسي . أو على شكل محاربة النساء في مفردات حياتهن في الملبس والمأكل والمشرب والعمل او في المساهمة في الحياة الإجتماعية ، حتى أصبح قتل النساء المباشر أو رفع شعارات التهديد على الجدران أو الملاحقات في الشوارع ، المهمة الرئيسية التي مارستها هذه العصابات على مسمع ومرأى وقبول من أحزابها . أو على شكل تهجيرات للمواطنين لتحقيق سياسة المناطق المقفلة لهذه الطائفة أو تلك أو حتى لهذه الفرقة الدينية او تلك التي تمتلك قوة السلطة إضافة إلى قوة السلاح.
حين ندرس الوضع المتأزم الذي يمر به وطننا العراق اليوم اليوم وما يعانيه من ارهاب داعشي داخلي وخارجي وبعد مرور ما يقارب الثلاث عشرة سنة على سقوط البعثفاشية المقيتة وبعد إستلام أحزاب الإسلام السياسي بالعراق مسؤولية الحكم،وإنهاكها لهذا البلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وخُلقياً ودينياً، وبعد ان اصبح متسولوا الأمس في السيدة وقُم وفي ارجاء كثيرة من العالم من اصحاب المليارات على حساب خبز الجماهير وقوت الفقراء،وبعد ان وضعوا العراق في آخر مراتب السلم الحضاري، وبعد ان مارسوا ولا زالوا يمارسون دون خجل او حياء، إذ انهم فقدوا لإثنين، سياسة التجهيل والإستغباء باطروحاتهم التي يسمونها دينية وما هي إلا خزعبلات تتحدث عن إيمان الباذنجان وورع البومة وامتناع القمر عن الإعتراف بالولاية، وغير ذلك من التفاهات التي جعلتنا مهزلة امام شعوب العالم، بعد كل هذا والكثير الكثير المُخجل مما يُقال ولا يقال، لا نجد بديلاً للخروج من هذا المأزق ، الذي يلتهم الوطن جزءً بعد جزء يومياً ، سوى تنحي عصابات الإسلام السياسي عن السلطة السياسية التي فشلت فيها وركونها إلى الإرشاد والتوجيه الديني الذي ربما تجيده خيراً من السياسة، بالرغم من الشكوك الكثيرة التي تنتاب الإنسان العاقل حول قدرة هؤلاء اللصوص على ان يكونوا وعاظاً في المستقبل. . ومن خلال هذا التنحي قد نصل إلى الوضع الذي يستطيع فيه المؤهلون لقيادة الوطن العمل على نبذ الطائفية والقومانية والعشائرية التي جرى على أساسها وضع سياسة المحاصصات موضع التنفيذ والتي تركت الباب مفتوحاً على مصراعيه للفساد الإداري الذي أوصل العراق خلال هذه السنوات العجاف إلى حضيض المستوى العالمي في هذا المجال . ومن خلال هذا التنحي قد يتفق المخلصون لهذا الوطن على برنامج سياسي وطني ، وليس محاصصاتي طائفي قوماني ، ينقذ الشعب والوطن من مغبة فسح المجال امام عمل عصابات البعثفاشية الداعشية التي تتخذ من بعض المحافظات العراقية مقرات علنية لها تحميها بعض الأجهزة الأمنية الحكومية، كما في اربيل مثلاً او كما تمر به محافظة الموصل اليوم، ناهيك عن داعشي البرلمان العراقي وكل مؤسسات الدولة العراقية. ومن خلال هذا التنحي سيعود الكثير من أصحاب الكفاءات الذين لا يزالون بعيدين عن الوطن لعدم نجاح أحزاب الإسلام السياسي المتسلطة على الحكم بضمان سلامة وجودهم على أرض وطنهم ،وعدم تطبيق سياسة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، هذا المبدأ الذي جردته سياسة المحاصصات الطاتئفية والقومانية العشائرية من أي معنى عملي له . ومن خلال هذا التنحي سيفقد المتدخلون في شؤون العراق قواعد عملهم في هذا الحزب أو ذاك أو في هذه الطائفة أو العشيرة أو تلك ، وبذلك قد ينجو الشعب من جرائم عصابات الإرهاب الداعشي وغير الداعشي التي تمارس الإرهاب ضده سواءً بإسناد من دولة جوار أو من حزب سياسي أو من حركة دينية أو تجمع قوماني عشائري داخل وخارج الوطن . ومن خلال هذا التنحي يمكن فسح المجال أمام المخلصين من بنات وأبناء وطننا العرق أن يوقفوا هذه السرقات الملياردية التي مارسها ويمارسها وسيظل يمارسها فرسان أحزاب الإسلام السياسي طيلة مدة وجودهم على رأس السلطة ، وهذا ما أثبتته السنين الأخيرة التي يتراشق فيها هؤلاء الفرسان باتهام كل واحد منهم للآخر في هذه السرقات وذلك حينما يعتلون منابرهم أو منصات خطاباتهم مبسملين محوقلين ليقذفوا بني دينهم بكل ما يرفضه الدين من سيئات دأبوا جميعاً على ممارستها . او من خلال الإعترافات الصريحة لبعض قادتهم بأنهم فعلاً لصوص وفاشلون، والإعتراف سيد الأدلة الذي لم يوظفه قضاؤنا لحد الآن مع الاسف الشديد. وأخيراً وليس آخراً فقد يقود هذا التنحي إلى أن يرى الناس بعض بصيص الأمل بتوفير الخدمات الضرورية لحياتهم بدءً بالماء والكهرباء والأمن والطبابة والمجاري والطرقات الداخلية والخارجية والمدارس المؤهلة للتعليم فعلاً واحترام الحريات الشخصية الدينية منها والسياسية والإجتماعية وانتهاءً بتوفير العمل للجماهير العاطلة الذي سيحد من ظاهرة هجرة الشباب، وتوزيع الوظائف على المستحقين دون وضعها في سوق المزايدات وحصرها بمن يدفع أكثر لسماسرة أحزاب الإسلام السياسي التي تقف على قمة السلطة السياسية، وتطهير قوى الأمن والشرطة والجيش من الإنتماءات الطائفية والمناطقية التي أخذت مأخذها من هذه المؤسسسات حتى شلت عملها في مكافحة الإرهاب والإرهابيين ، لا بل وقامت في بعض المناطق بتوفير الحماية لهم . إن هذا التنحي سوف لن يجلب أي ضرر للبلاد والعباد ، بل ان العكس هو الصحيح تماماً . ويمكن وصف هذا التنحي بطب الأعشاب فإنه حتى وإن لم يأت بفائدة ملحوظة فإنه لا يضر مطلقاً ، وهذا هو ما نريده ، الإبتعاد عن الوباء الذي تنشره جراثيم أحزاب الإسلام السياسي على الشعب والوطن وتجنبه أو إنهاءه من خلال التخلص من هذه الجراثيم وإبعادها عن ربوع الوطن.
أحزاب الإسلام السياسي بالعراق فشلت لأنها ، إضافة إلى عدم كفاءتها السياسية ، لا تمتلك بُعد النظر في حركة التاريخ الذي وضع أمامها التجارب التي لم تستطع إستيعابها ودراستها بشكل يمكنها من إستخلاص العبر والدروس من هذه التجارب ، ولو أنها قامت بذلك بجدية تنطلق من ثوابتها فعلاً وليس من أهواءها الجانحة إلى السلطة والإثراء ، لما وجدت غير التنحي عن الحكم كوسيلة تضمن لها الحفاظ على ماء الوجه الذي تبدد بشكل لا تستطيع معه بذكر أي حزب من أحزاب الإسلام السياسي بين المواطنين ، إلا وارتسمت علامات الإستفهام على وجوههم حول السرقات والرشاوي والمحسوبية والتهديد والتزوير والإكراه ومحاربة الرزق وفرض الأتاوات والتجارة بالفتاوى وإشغال الوظائف بدون تأهيل وغير ذلك الكثير مما يجري بالعراق اليوم منذ أن تسلطت عليه أحزاب الإسلام السياسي ولحد يومنا هذا.
إلا ان السؤال الذي يظل يشغل اهل وطننا هو: هل ان احزاب الإسلام السياسي هذه تفكر جدياً بالوطن فترى ما هو عليه من بؤس وتأخر وفقر وتستخلص العبرة من كل الآلام والمآسي التي سببتها لهذا البلد واهله فتتخلى عن عنجهيتها وطمعها ولصوصيتها بتخليها عن السلطة السياسية؟ الجواب الذي يحظر ابسط المواطنين هو لا ، ولا كبيرة جداً، بالنظر لما عرفه هذا المواطن عن هؤلاء اللصوص واستناداً إلى خبرة ثلاث عشرة سنة معهم. فما هو الحل إذن ؟
كثيرون من اهل وطننا يشاركون منذ تموز الماضي بالمظاهرات والإحتجاجات الشعبية التي طالت اغلب المحافظات العراقية منددة بكل ما صنعه اوباش الإسلام السياسي بهم وبوطنهم. وقد لاقى هذا التحرك الجماهيري تأييداً واسعاً ليس داخلياً فقط، بل وخارجياً ايضاً وذلك من خلال تناول بعض وسائل الإعلام العالمية لهذا الحراك الجماهيري واستنتاجها لأن يشكل ذلك قاعدة صلبة للتغيير القادم في العراق بعد تجريد الساسة الحاليين من قيادتهم لأمور الناس وإرغامهم على التخلي عما هم عليه الآن وتقديمهم جميعاً إلى القضاء للإقتصاص منهم وإعادة ما سرقوه من اموال وبالتعاون مع الإنتربول الذي سيلاحقهم ويلاحق كل ما هربوه من اموال خارج الوطن. لذلك فإن الإستمرار في هذا الحراك الجماهيري وتطويره وإغناءه بمفاهيم جديدة ومطالب آنية سيشكل القاعدة الأساسية للتغيير وسيتكلل هذا الحراك بالنجاح المؤزر حتماً. اما ماهية هذه المفاهيم التي يجب ان يتبناها الحراك الشعبي فيمكن إختصارها بما يلي:
اولاً: تبني سياسة المواجهة الفكرية مع الإسلام السياسي ومن يسمون انفسهم بفقهاءه، وما هم إلا جهلة حتى النخاع، وعدم السكوت عن فضح الإطروحات التي تروج لها هذه الأحزاب التي تسمي نفسها دينية، وما هي إلا دنيوية صرفة، والتي تسعى من وراءها إلى استغباء الناس من خلال جعل الدين والمعتقدات الدينية، التي يجب ان تكون موضع احترام، مادة تجارية يستغلها الإسلام السياسي لخلق البيئة الجاهلة التي لا يمكنه العيش إلى في ظلامها.
ثانياً: فضحهم بالاسماء وعدم الإكتفاء بطرح الشعارات العامة ، كمحاربة الفساد والمفسدين مثلاً. لقد اصبح من الضرور، لا بل من الواجب اليوم، وخاصة بعد إعترافات مشعان الجبوري والمرحوم الجلبي ونوري المالكي وغيرهم، وبعد ان تناولت مختلف وسائل الإعلام الإثراء الذي يمارسه المجلس الإسلامي الأعلى وقادته ، وبعد ان نشرت وسائل الإعلام العالمية والمحلية الثروات الطائلة للصوص السياسة العراقية، كما جاء في الخبر التالي كمثال من آلاف الأمثلة:( تعرفوا على اللصوص الكبار، العراق اصبح نهيبة من قبل المافيا الحزبية وخونة العراق وشعبه” مثلما يقولون، اذا الرأس خايس فمابالك بالبقية من الالاف من اللصوص الصغار…. الارقام وحسب ويكلكس : 88 مليار دولار ثروة بيت الحكيم و 105 مليار ثروة ال صدر و 100 مليار دولار ثروة نوري المالكي و 80 مليار ثروة بيت النجيفي و 15 مليار دولار ثروة المطلك ،المصدر: السومرية نيوز.)
هذا بالإضافة لما يجري من نهب وسلب ولصوصية للمال العام في اقليم كوردستان والذي جاء على لسان قادة الإقليم انفسهم.
ثالثاً: ان يطرح الحراك الجماهير بداءله، وهي كثيرة جداً، لكي تتعرف الجماهير عليها وعلى إمكانياتها في إدارة الدولة، خاصة تلك القوى الوطنية التي لها جذور عميقة في ارض السياسة الوطنية العراقية والتي جربها الشعب العراقي وعرف إخلاصها ونزاهتها من الديمقراطيين العراقيين حملة الفكر التقدمي والتوجه المدني.
الشعوب تنتصر في نهاية المطاف، طال زمن النضال او قصُر، وكل وقائع التاريخ تثبت ذلك.