السيمر / الأحد 02 . 04 . 2017
هاتف بشبوش
الهتــر…….
قصّة تحكي عن رجل طيّب أو مخبول فقد صوابه في زمنٍ لا ينفعُ أن يكون ساذجا وسط هذا القتل الرّهيب الذي لا يضاهيه قتلٌ و تدمير بين بشرٍ لا يعرفون الرّحمة في عالم إسلاميّ بات مُقرفاً للغاية .
أنا أرى نتيجة تجوالي و ترحالي لمختلف الشّعوب وأجناسها توصلت إلى نتيجة مفادها أنّ أسوأ إنسان في مختلف الميادين هو الإنسان المُسلم لأن بقيّة الشّعوب قد تخطّت الكثير من المقولات السبعينيّة الشّهيرة على سبيل المثال ( إن لم تكن ذئبا أكلتك الذّئاب ) الإنسان قد وصل إلى السوبرمان ( الإنسان الأعلى ) الذي كان ينادي به ( نيتشه) الكاتب، حيث أنّ هذه الكلمات اندثرت وسط تطوّر الشّعوب ونيلها الحريّة والديمقراطيّة فارتقتْ إلى المستويات العليا وحتّى الألماني الشّهير . بينما المُسلم أصبح أكثرُ افتراسا وحقدا و فتكا لبني جلدته وبدون أدنى رحمة وليس له سوى أن يدّعي بحضارته العريقة الزائفة بينما الحريّة نالها الفرد قبل الحضارة (ليستْ حُريّة الفرد من الحضارة فهذه الحريّة كانتْ في أقصى درجاتها قبل نشوء الحضارة….فرويد) .
يُصوّر لنا أنمار من أنّ الإنسان الطيّب ذو الأخلاق الحميدة أو الهتر لا يستطيعُ مجاراة الحياة وسط بشرٍ تذأّبتْ و تأسّدتْ على بعضها البعض فلا مكان للطيّبين المسالمين بل يستحقّون الموت كي لا يكونون عبرة في الأخلاق الحميدة وخصوصا أولئك المثقّفين وأصحاب المؤلّفات ومُحبّي الكتب كما يبيّن القاصّ أنمار حيث يُقتل الهتر وسط الكتب أو يُخنق .وهنا لابدّ لي أنْ أتوقّّف في حادثة شهيرة تعرّض لها “إبن رشد” عندما أصدر رجال الدّين فتواهُم بحرق جميع كتبهُ،خوفاً من تدريسها لما تحتويه من مفاسد و كُفر و فُجور و هرطقة وبالفعل زحف النّاس و أحرقوا كتبهُ جميعها حتّى أصبحتْ رماداً .. حينها بكى أحد تلامذتهُ بحرقةٍ شديدة .. فقال لهُ إبن رشد :
( يا بُنيّ لو كُنت تبكي على الكُتب المُحترقة فأعلمْ أن للأفكار أجنحة وهي تطيرُ بها إلى أصحابها،لكن لو كُنت تبكي على حال العرب والمُسلمين فأعلمْ أنّ بحار العالم لنْ تكفي بكتاب ضخم حتّى الموت) . أيضا أنا أرى هنا منْ أنّ القاصّ أنمار يقتربُ من تلك المسرحيّة التي تتناولُ الملك الفرنسي لويس السّادس عشر الذي قتل أخاه الطيّب ، لنقرأ ماذا قال أنمار أدناه حين يقتلُ أحد الأصدقاء صديقه الهتر :
(عذراً فأنا لم أقتلكَ إلاّ بدافع أنْ أريحك وأريح نفسي من همِّك وثقل طيبتك وسذاجتك. بعد تجرّع شراب الصبر في سنوات صحبتك،وأكوام من النصائح التي لم تفلح يوماً معك،صارحتك بأنْ لا عيش في قريتنا لأمثالك،وأردتُ إقناعك بغلقِ سدود حزمك أمام طوفان محبتك الهائج،ورسمتُ لك خريطة حياتك،إذ خططتها بالحيلة ولوّنتُها بقليل من الغدر،وحدَّدتُ لك فيها اتجاهات المجاملات والنّفاق والتَّصنّع.لكنّك أبيتَ وعاندتَ فذقْ ما طبختهُ أنتَ،وتلذَّذ بما عصرْتَه من ثمار صدقك أنت) .
يتجلّى هنا ما قاله الملك لويس السادس عشر الفرنسي حين قتل أخاه نتيجة لطيبته وسذاجته وكان الملك مُتعطّشا للدّماء وقتل الكثيرين حتّى أخيه الطيب لم يسلمْ منه فقبل أنْ يقتلهُ قال له : ( أخي الطيّب والمُحبّ والسّاذج أنت لا تصلحُ للأرض بل للجنّة والعالم السّفلي أو بالقرب من ربّك الرّحيم ..أمّا أنا فقد قطعتُ شوطا كبيرا مع الدّم ولا مجال هنا للنّكوص والعودة من جديد إلى الأخلاق والأخذ بنصائحك والكفّ عن الدّم … ولذلك سأرسلُك سريعا إلى جنان الخلد فأنت تصلحُ هناك وليْس هنا ..فقتله دون أدنى رحمة أو أسف ) .. هذا ما يطرحهُ لنا القاصّ البارع أنمار في سرده أعلاه قبل أنْ ينتقل بنا إلى القسم الثّاني من المجموعة والذي ينحى منحى آخراً و بُعدا آخراً في التفكير و تكونُ أحداثها في المدينة أكثرُ منها في القرية حيثُ الصّراع على النفوذ يكونُ أكثرُ بشاعة و جشعا. لنر ذلك في القصّة الأولى من القسم الثاني وقصّة التّوأم :
قصة التّوأم ………
تتناولُ الصّراع الفكري بين البشر حتى لو كانوا إخوة حتّى لو كانوا توأمين أو كما ( الإخوة كارامازوف) للكاتب الروسي دوستويفسكي التي تناولها العديد من أدباء العالم وكتبوا على غرارها وأنتجتْ السينما العالمية الكثير من الأفلام حول موضوع الأخوّة والصّراع الدائر بينهم وهناك فيلما عربيا جميلا من تمثيل عمالقة الفنّ المصري ( نور الشريف ، حسين فهمي ، محمود عبد العزيز) حيث يتناولُ الفيلم الصّراع على المال الموروث من أبيهم الرّجل الدّيني الكذّاب الذي كان يُتاجرُ بالمخدّرات لكنّه أمام الناس الحاجّ والورع والمُحترم .قصّة يتناولها أنمار بشكل مُثير ، حيث يتصارعُ الأخوان التوأمين برأسٍين وجسم واحد وشرج واحد وقضيب واحد على تفاصيل صغيرة ثم أخيرا على حُبّ فتاة واحدة كما حصل بين قابيل وهابيل . اليدُ اليمنى تنحازُ إلى الرّأس الأيمن و اليدُ اليُسرى إلى الرّأس الأيسر . إنّهما يختلفان حتّى في تشجيع فريقين لكرة القدم ثمّ في الانتخاب حيث يأمرُ المسؤول عن الانتخاب بالسّماح لأصبع واحد منهما للانتخاب لأنّ كُلّ إصبع يريدُ أن ينتخب الحزب الذي يفضّله . وأخيرا يتشاجران على نزاعٍ كبير وهو حُبّ فتاة ممّا يضطرّ أحدهما ضرب الآخر على رأسه فيرديه قتيلا ، ولذلك أطلقوا على النّزاع من أجل المرأة بالمنازعات الكبرى كما حصل للشاعر الروسي بوشكين الذي تنازل مع أحد النبلاء وجها لوجه من أجل امرأة وقُتل بوشكين على أثرها بضربة سيف .
الأخُ التّوأمُ حين يقتلُ أخاه يتألمُ ويندمُ ويلات ساعة مندم ، حيثُ يجدُ نفسه وحيدا في عزلته وما من أنيس لقضاء الوقت القاتل . هذا هو طبعُ البشر الذي يميلُ إلى الصّراع الدّائم والدامي على مرّ العصور . فهنا نجدُ من أنّ القاصّ أنمار يتناولُ مسألة الصّراع الذي أورثه البشر منذُ الأزل سواء إنْ كان صراعا طبقيّا أو فكريّا أو صراع المنازعات الكبرى، بحيث أنّ الإنسان لو نظر لنفسه في المرايا لخجل من نفسه أو تحوّل إلى إنسان متمادي في حُبّ ذاته ونرجسيته . لنرى أنمار ماذا قال في قصّته أدناه بعنوان المرايا حول ذلك :
المرايا…..
القصّة تتحدّثُ عن شابّ جميل مُثقف يضيقُ ذرعا بقرف حياة المدينة وأهلها وتلوّثها وتصرّفها الجشع في أمور الحياة ، فيذهبُ هذا الشاب الجميل إلى مرآة الماء ليرى نفسه ويتذكّر الطفولة النقية الصافية صفاء الماء الذي رمى فيه الحصى ذات يوم . بينما هو ينظرُ إلى الماء تقفز موجة محمّلة بحصاته فيأخذها ويصعدُ فوق تلّ يُطلّ على مدينته ويرميها بالحصى كتعبير عن احتقاره لقيم كهذه و تقاليد لا ترتقي إلى الإنسانية بشيء ..رميُ الحصى التي يتطرّق لها أنمار هي عادةٌ تقليديّة لدى شعوبنا لطرد الشرّ خُصوصا السّبع حجرات التي تستخدمُها أمّهاتنا في غالب الأحيان.
المرآة تُستخدم للكثير من التفاسير لكنّي سأذكرُ طرفة مُضحكة مُبكية لصديق لي عديم الثقة بنفسه وشكله ، إذ أنّه كان يقف أمام المرآة ويقول لنفسه (شني ربّ العالمين مطلعك إكمال بالخلقة ، يلله ما يخالف.. أنت ليس لديك موعداً مع إحداهن فلا داعٍ للقلق ) . الموعدُ كلمةٌ جميلةٌ تُطلقُ على المواقيت الغرامية ومدى احترامنا لموعد غزليّ مع فتاةٍ قد أخذتْ من تفكيرنا الكثير و أدخلتنا في السّعادة و الانتشاء أو الهمّ على حدّ سواء ، الموعد تلك الكلمة الرائعة التي اشتقّتْ منها الأغنية الجميلة للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ تلك الأغنية التي آنستنا أيام الرومانس والصبا الحزين ، تلك التي إسمها ( موعود) . لكن هذه الكلمة نفسها ( موعود) عذّبتْ وحطّمتْ راحة البال لشعبنا العراقيّ وأقلقت القاصّ أنمار لأيّام وأيّام ولازال حتّى اليوم لكثرة مواعيده ….ليس مع فتاةٍ شقراء أو سمراء أو نحيفة أو طويلة فارعة ، بلْ لكثرة مواعيده الدّقيقة والتي لم تخطأ أبدا وهي المواعيد التي تجمعه مع انقطاع التيار الكهربائي في الصيف اللاّهب وما ينجمُ عقب ذلك من قلق وعدم راحة وضياع الأمن والأمان نتيجة الظّلام من انقطاع التيار الكهربائيّ ، لنقرأ ما قاله أنمار في قصة ( موعد) :
موعـــــــــــــد…..
هنا أنمار يُصوّر لنا بأنّ الأمن والأمان يتعلقّ بالعتمة والظّلام ومنهما تأتي الجريمة والفوضى والدّروب الوعرة . وأنا أرى القاصّ أنمار قدْ ضاق ذرعا من كثرة انقطاع التيار الكهربائي في العراق صيفا وشتاءا وبشكل يُثير الاشمئزاز والقرف والتّمرّد على حالة أصبحتْ لا تُطاق . ولذلك راح يُوظّف حالة واقعية كهذه لدى عائلة عراقيّة حيث الأب وفي لحظات الظّلام الدّامس نتيجة انقطاع التيار الكهربائيّ يُعلّم أبناءه في أنْ يتعرّف أحدهمْ على الآخر من الصّوت ، وهنا أنمار يتطرّقُ إلى حالة تستوجبُ الجدل و إلاّ كيف لنا أن نعرف في التلفون مثلا من أنّ الذي نتكلّمُ معه فلان ابن فلان دون أن نراه بلحمه ودمه . و بالفعل يُصوّرُ لنا القاصّ عن طلب أبناء الأب كلٌّ و حسب طلبه فيتعرّف عليهم بالصّوت لنقرأ ذلك أدناه:
(أبي المعلّمة طالبتني بنشرة مدرسية أنا و صديقاتي). فعرفها الأب من أنها فلانة فأجابها:(لك هذا يا نور عيني).الابن الأكبر استغل الفرصة مطالباً بحصته :(أبي أين ما وعدتني به حين أنجح في امتحاني؟.لقد وعدتني بساعة يدوية تزين معصمي). فأذعن الأب موفياً بوعده مع اعتذار.الزوجة وهي تهوّد رضيعها نبهت زوجها:( عزيزي غداً بلا شك سوف نعيد ترتيب الحاجيات مع قليل من الخضروات،وعلبة حليب للرضيع). فردّ ربّ الأسرة بالقبول، وأنّه سيذهب غداً إلى التسوق كما رغبتْ.الأصوات تتدفق صوب أذني ربّ الأسرة.الرضيع استمر باكياً مطالباً بحصته (الحليب). البنت تغنّي نشيداً خافت حفظته مؤخراً، الولد يحلم بساعته الجديدة. الزوجة تتأفف لطول فترة انقطاع الضوء وكآبة العتمة ) .
وعلى حين غرّة تحدُث جريمة في البيت إذ يدخلُ المجرمون مستغلّين الظّلام في البيت ويقتلون أربعة من العائلة.فيصفُ القاصّ لنا كيف الأب ينظرُ إلى الحائط حيث تعلّقت صور أبناءه الأربعة الراحلين نتيجة الجريمة أو نتيجة تفجير حلّ بهم وحلّ الظّلام عليهم ودمّر كلّ شيء كما يحصلُ في عراق اليوم بشكل لا يوصف و لا يُصدّق . هذا هو الظّلام الذي يُوظفه الأدباء بشكل منقطع النّظير في تعبيراتهم الرّمزيّة ، وهذا هو أنمار القاصّ الجميل يُوظّف الظّلام على حالة عراقيّة مازلنا نعيشُها حتّى اليوم وفي كلّ الفصول ولم تنتهي بل حتّى النهاية لنا معها ومع أنمار قصّة رائعة تستوجب قراءتها والتّعرف عليها كما أدناه :
قصّة نهاية…..
( إطار سيارة المسؤول يتفاخر حين يهرول على الطريق تخافه إشارات المرور والأرصفة،والإسفلت والحصى والتراب. بعد مدّة ليست بالطويلة. وجدوه مرمياً في ساحة أنقاض، بعد أن تمّ استبداله بإطار جديد. قرّر الانتقام، حين تبرّع بحرق نفسه منتحراً، في مظاهرة قام بها ثلّةٌ من الجياع).
القصّة نابعة من ثورات الجياع في الفترة الأخيرة على غرار البوعزيزي الذي أحرق نفسه منتحرا بعد إن ذاق ذرعا بتصرّف المسؤولين ومنعه من العيش بكرامة وسط الشوارع فأعلن احتجاجه بهذه الطريقة الانتحارية كي ينتقم منهم بشكل آخر وهذا ما كان بمستطاعه فعله ضدّ المُتجبّرين . ومن ثمّ حرق الإطارات في شوارع تونس تعبيرا عن التضامن معه في أحدث احتجاج لهذا القرن الذي نعيشه ضدّ البرجوازية والرّجعيّة والقيم العنيفة ضدّ الفقراء وجياع الشّعوب.
هذه القصة والإطارات أستطيع تناولها من جانب آخر حصل لي أنا كاتب المقال إذ أنا الآخر كنت مسؤولا ،وفي يوم جاءني حارس البوابة يخبرني عن تحطيم إطارات سيارتي الأربع،حيث فعلتها بالسكين من كنتُ أحبّها. هنا وفي هذه القصّة أدناه هو موتُ الإطارات الفعلي على يد إحداهنّ من الجنس اللطيف التي كانت وقتها عبارة عن ثورة أيضا، لكنّها الثورة العارمة في الحبّ، فكتبتُ النصّ أدناه :
في السماوةِ
أيامَ حبّها الأطهرِ من أشرفِ عمائمهم
جاءني حارسُ البوّابةِ
يخبرني عمّا ألمّ بسيارتي اليابانيةِ
ذات الدفع الأحادي
وكيفَ فعلتها مليكة ُالقلبِ
وحطّمتْ إطاراتها الأربعِ بالسكين
في لحظةِ عنفوان .
ـــــــــــــــــــــــــ
وبهذا ننتهي من المجموعة التي تقول للعالم بإعتباره قرية صغيرة اليوم ( وإسألوهم عن القرية ) تعني ( وإسألوهم عن العالم) هذا العالم الذي أصبح قبيحا بفعل قوى الظلام والإرهاب والأمبريالية الجشعة . ننتهي من المجموعة المطرية والفنية لأنمار التي هي عبارة عن قطعة من الواقع المعاش مرّة و الفنتازية مرّة أخرى، أنمار مازال قادرا على إدهاشنا هذا يعني أنّه يسردُ في الجانب الصّحيح ، لأنّ الإدهاش يتطلّبُ المعرفة الخالصة في إثارة هرمون الإدهاش و يحتاج الكثير من العناء الإبداعي . أنمار إستطاع أن يُجسّد ما قاله أفلاطون قبل 2400 سنة حين قال: (الإنسانُ يحتاجُ إلى تعليم جيّد وطبع جيّد،لكي يُصبح الأقدس والأكثر تمدناً من بين كلّ الحيوانات،ولكنْ إذا ما لم يتثقّف، أو تثقّف بثقافة خاطئة،سيكونُ الأكثر وحشيّة وهمجيّة من جميع الحيوانات).