الرئيسية / مقالات / ملحنا وأهلنا: المسيحيون العرب، لماذا يُظلمون؟

ملحنا وأهلنا: المسيحيون العرب، لماذا يُظلمون؟

السيمر / السبت 22 . 04 . 2017

علي الصراف

– القول ان المسيحيين العرب “أقلية” ينطوي على خطأ من ثلاث نواح على الأقل. الأول، هو أنّه يتجاهل كونهم عرباً، والعرب أغلبية في أوطانهم. و”أقلنة” المسيحيين، انما تؤقلن عروبتهم وتسعى الى تصغيرها (وهذه بالأحرى خطيئة، لا مجرد خطأ). والثاني، هو انه يضعهم على هامش التاريخ في المنطقة، وهم الذين ظلوا في قلبه، ولعبوا دورا فكريا رياديا في صنع مشروعنا الحضاري الحديث فيه. والثالث، هو انه يعزلهم عن الدور السياسي الوطني الذي لعبوه في كل مشروع للتحرر والاستقلال والوحدة عرفته المنطقة. وهم مسيحيون، ولكن هل غلبت مسيحيتهم على عروبتهم ووطنيتهم في أي وقت من الأوقات؟ لم يحصل هذا أبدا. اليوم يمكن ان تجد مسلمين يضعون طائفيتهم فوق وطنيتهم وقوميتهم بل وفوق إسلامهم نفسه، ليكتشفوا انهم شيعة أو سنة. ولكن لا يوجد نص ولا سلوك كنسي واحد يضع المسيحية على هذه الأرض فوق وطنيتها وانتمائها القومي. بل ان ثقافة العيش المشترك هي الفلسفة الجامعة لكل جهد مسيحي في العالم العربي. كان يمكن للأمر ان يبلغ ببعض المسيحيين العرب، ومنهم البابا شنودة، الى حد القول انه “لو كان الاسلام شرطا للعروبة لصرنا مسلمين”. وكان يمكن لشخصية وطنية كبرى في مصر مثل مكرم عبيد باشا ان يقول عن نفسه “انا مصري الجنسية، ومسلم الثقافة”، الا انه ما كان لأي مسيحي ان يضع ديانته بالتعارض مع قوميته. ولا يوجد أي نص ولا تصريح ولا خطبة ولا موعظة تضع المسيحية خارج اطار الشراكة والتعايش والانتماء للوطن الواحد. والوقت ما يزال مبكرا على ظهور رجل دين مسلم يملك من الشجاعة والوطنية ما يكفي للقول: “نحن وطنيون كاخوتنا المسيحيين، ولو كانت المسيحية شرطا للوطنية، لصرنا مسيحيين”. وباستثناء لبنان، وهو استثناء يستحق ما يستثنيه، لأسباب تتعلق بنشأته أصلا، فان المسيحيين العرب في كل مكان، بمن فيهم اللبنانيين، لم يكونوا في نظر أنفسهم، الا جزءا من اوطانهم ومدافعين عن قضاياها وحقوقها، اسرع من غيرهم، أحيانا، بيومين، وأكثر تقدما بفرسخين. وسوى احترام الخصوصيات، والحريات الفردية، والمعاملة بالمثل كمواطنين متساوين، لم يطالب المسيحيون العرب لا بكيان ولا بحقوق خاصة ولا بحصص ولا امتيازات، ولا سعوا الى اقامة امارة، ولا طالبوا بوزارة. لماذا؟ لأنهم عرب. ولأنهم كانوا وما يزالون ينظرون الى انفسهم، ليس كجزء من هذه القومية فحسب، بل لأنهم في قلبها أيضا. وفي الواقع، وبمقدار ما يتعلق الأمر بالمشروع التحرري القومي من الاستعمارين العثماني والغربي، فقد كان مشروعا لعب فيه المسيحيون العرب دورا متقدما، فكرا وتنظيما، لا يستطيع ان ينكره مسلمو ذلك الدور أنفسهم. وفي مواجهة هجمة التتريك العثمانية، حفظت أديرتهم كتب التراث العربي، كما لو انها كانت تحافظ بها على حقها في الوجود، وبنى المسيحيون المدارس والمعاهد لتدريس اللغة العربية، في غير مكان واحد، لانها كانت صوت ثقافتهم وتميزهم القومي الخاص. وحينما وضع الأتراك قوميتهم فوق ديانتهم، كان المسيحيون العرب هم الذين رفعوا لواء العروبة وهم الذين سارعوا الى تذكير المسلمين بمكانتهم كخير أمة أخرجت للناس. وكعرب، فقد كان المسيحيون جزءا من هذه الأمة، وجزءا من خيرها. وهكذا، فعندما سكن جورج انطونيوس القدس اختار منزلا في جوار منزل الحاج امين الحسيني في حي الشيخ جراح، على طريق جبل الزيتون المشرف على المدينة المقدسة، ليكون قريبا من المعنى الذي يوحد الديانتين، وهناك كتب كتابه الشهير “يقظة العرب”. وكتب جورج علاف نهضة العرب، واليسوعي لويس شيخو تاريخ الآداب العربية، وكان عبد الله مراش من بين اوائل الذين حرروا جرائد المهجر العربية كـ مرآة الأحوال لرزق الله حسون ومصر القاهرة لأديب اسحاق والحقوق لميخائيل عورا. وكان الأخوان بشارة وسليم تقلا هما من أنشأ عام 1876 جريدة الأهرام ثم صدى الأهرام وكابدا بسبب الجريدتين عدة مشقات لما نشراه من المقالات الحرة وانتقاد أعمال الحكام والدفاع عن حقوق المصريين. وكان نقولا بك توما (ولد عام 1853) من أوائل المسيحيين الذين التقوا بأصحاب مشروع النهضة الذي تصدره جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده. وكان جميل بك نخله المدور مولعا بالتنقيب عن آداب العرب وتاريخ الأمم الشرقية القديمة، فصنف في حداثته تاريخ بابل وآشور، وعرّب كتاب التاريخ القديم، وكتب كتابه الشهير “حضارة الاسلام في دار السلام” روى فيه ما ورد في تأليف المؤرخين والأدباء عن أحوال المملكة في أيام هارون الرشيد، وكان أول من أشار الى ان النصارى شاركوا المسلمين في غزواتهم. وكان سعيد البستاني (توفي عام 1901) قد تقلب بين مصر وبلاد الشام ليعكف على نشر الآداب العربية. وكان خليل غانم واحدا من أبرز السياسيين الأحرار (ولد 1846) وانتخب نائبا عن سورية لـ “مجلس المبعوثان” عام 1875 وساعد مدحت باشا في وضع قانون الدولة السياسي فكان أحد أركان النهضة الدستورية. وكان رشيد الشرتوني (توفي عام 1906) احد أبرز نخبة الأدباء في عصره، ومن آثاره مبادئ العربية في الصرف والنحو مع تمارينه للطلاب في التصريف والاعراب وكتابه نهج المراسلة ومفتاح القراءة . وكان نجيب حبيقة الذي انصرف الى تعليم العربية، ومنها في المدرسة العثمانية للشيخ أحمد عباس الأزهري، قبل ان يتفرغ الى الكتابة ساعيا الى تعزيز الآداب العربية وتأليف قلوب الناشئة في خدمة الوطن. وكان خليل الخوري (ولد عام 1836) هو أول من فكر في نشر جريدة عربية في بلاد الشام فأبرزها الى النور سنة 1858 تحت اسم “حديقة الأخبار” وساعد بذلك (حسب وصف لويس شيخو) على نهضة البلاد العربية. وكان سليم شحادة (توفي عام 1907) قضى جل حياته القصيرة (48 عاما) في خدمة الآداب واشترك سنة 1875 مع سليم أفندي الخوري لنشر معجم تاريخي وجغرافي دعواه بـ “آثار الأدهار”. وكان نخلة قلفاط البيروتي (ولد سنة 1851) هو الذي نشر ديوان أبي فراس الحمداني. ويقول شيخو عن الشيخ ابراهيم اليازجي، انه بشهرة اسم والده الشيخ ناصيف وشهرته الشخصية وتأليفه كان من أعظم المساعدين على نهضة الآداب العربية في القطر المصري، وهذا اليازجي العظيم كان هو الذي قال:

تَنَبَّهُـوا وَاسْـتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القَنَـا سُـلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْـتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ

إلى أن يقول:

بِاللهِ يَا قَوْمَنَـا هُبُّـوا لِشَــأْنِكُمُ كَمْ تُنَادِيكُمُ الأَشْـعَـارُ وَالْخُطَـبُ
أَلَسْتُمُ مَنْ سَطَوا في الأَرْضِ وَافْتَتَحُوا شَـرْقَـاً وَغَرْبَـاً وَعَـزّوا أَيْنَمَا ذَهَبُوا
وَمَنْ أَذلُّوا الْمُلُوكَ الصِّيدَ فَارْتَعَـدَتْ وَزَلْـزَلَ الأَرْضَ مِمَّا تَحْتَهَا الرَّهَـبُ
وَمَنْ بَنوا لِصُـرُوحِ العِـزِّ أَعْمِـدَةً تَهْوِي الصَّــــوَاعِـقُ عَنْها وَهْيَ تَنْقَلِـبُ
فَيَا لِقَوْمِي وَمَا قَوْمِـي سِـوَى عَرَب وَلَنْ يُضَيَّـعَ فِيْهُم ذَلِكَ النَّسَبُ

وليس اليازجي الا واحدا ممن سقوا الأرض بملح العروبة حتي صارت ملحنا وملحهم. ولنا فيهم كثيرون، بالمئات بل بالآلاف، من جبران خليل جبران الى ايليا أبو ماضي، الي أمين الريحاني والأخطل الصغير (بشارة الخوري) والشاعر القروي (رشيد سليم الخوري) وخليل مطران واحمد فارس الشدياق ونجيب عازوري ومي زيادة وسلامة موسى، وصولا الى ادوارد سعيد. وعدا الفكر والثقافة والأدب، فقد لعب المسيحيون العرب دورا مشهودا، ومتميزا، في كل مجال ابداعي من مجالات الفن أيضا. أفيجوز أن يُظلموا ويُظلم أبناؤهم في وطنهم؟ وهل بهذا الظلم لا يَظلم المسلمون، بهم، الا أنفسهم؟ ولكنهم اليوم يُهجّرون من ديارهم، ويعاملون بتمييز، ويُعزلون، وتوضع على حقوقهم وحرياتهم قيود وشروط، وهناك بيننا (بعض ممن ليس لديهم ضمير ولا ذمة) من ينظر اليهم على انهم “أهل ذمة”، ليعاملهم كــ “أقلية”. وهل هم “أقلية”؟ اذا كان المسيحيون العرب أقلية، فأقلية هم طرفة بن العبد وأمرؤ القيس والنابغة الذبياني. وهؤلاء مسيحيون. ولا أدري كيف يمكن ان تكون الثقافةُ العربيةُ عربيةً من دونهم. بل لا أدري أي ثقافة ستكون؟ كما لا أدري أي عرب ولا أي مسلمين سنكون؟ لقد نصر المسيحيون الأوائل محمدا (ص) عندما كان أهله يحاربونه. وهم حموه وحموا أتباعه، عندما كان أهله يريدون قتله وقتلهم. وها ان هناك بيننا من يرد لأبنائهم هذا الدَين، ظلما وتهجيرا، بل حرقا للكنائس وقتلا لرجال دين، كما هو حاصل في العراق؛ وحرمانا وتمييزا، كما هو حاصل في غير بلد عربي واحد. ولئن حارب المسيحيون العرب الاستعمار العثماني، باسم القومية العربية، فقد فعلوا الشيء نفسه في وجه الاستعمار الغربي أيضا. لا دين العثمانيين كان هو القضية في مشروع التحرر القومي، ولا دين الغربيين. القضية كانت، بالنسبة لرواد مشروع النهضة، هي قضية التحرر من الاستعمار والهيمنة الأجنبية. من هذا المنطلق فقط كان قسطنطين زريق وجورج حبش من أوائل الذين أسسوا حركة القوميين العرب. ومن هذا المنطلق نفسه انجبت حركة النضال من اجل الوحدة القومية وتحرير فلسطين مناضلين، بالآلاف، من قبيل وديع حداد ونايف حواتمة وميشيل عفلق وانطون سعادة ونجاح واكيم وجورج حاوي وصولا الى البطريرك ميشيل الصباح وأميل حبيبي وحنان عشراوي، ومن الصحافيين وصولا الى جوزيف سماحة وسمير قصير. واذا كان الملايين منا يحتفون ببطولة الاستشهاديين في مقاومة الغزاة، فقد كان جول جمال أول استشهادي عرفه تاريخ الصراع في المنطقة. وجول جمال مسيحي. وكان هذا الضابط السوري هو الذي دمر البارجة الفرنسية الضخمة جان دارك في حرب السويس عام 1956 باستخدام الطوربيد الذي يقوده لكي يصدم به تلك البارجة. وتقول الوثائق التاريخية حول هذا البطل، انه سوري من مواليد اللاذقية وكان ضابطا ميكانيكا. وعندما اندلعت حرب السويس بالهجوم الثلاثي (البريطاني-الفرنسي-الاسرائيلي) على مصر عام 1956 لم يستطع، وهو يستمع الى ما تتعرض له مصر من عدوان، ألا يفعل شيئا، فقرر الالتحاق كمتطوع في سلاح البحرية المصرية. وانضم الى القتال فورا. وذات يوم والحرب ما زالت مستعرة عرف جول جمال ان المدمرة الفرنسية الشهيرة تقترب من بور سعيد، وكانت احدى أكبر المدمرات في ذلك الزمن، ولو وصلت الى الشاطيء المصري لكان بوسعها ان تلحق دمارا بالمدينة، فذهب الى قائده جلال الدسوقي في منتصف الليل وترجاه ان يسمح له بأخذ قارب مليء بالمتفجرات ليصدم به تلك البارجة اذا حدث، واقتربت بالفعل من شواطيء بور سعيد. وزوده الدسوقي بالقارب، ويقال انه رافقه في تلك الملحمة، التي اسفرت عن شطر البارجة العملاقة الى نصفين لتغرق بكل من فيها. وكانت هذه العملية من بين أبرز العمليات التي صنعت النصر في المعركة. والى جانب جول جمال هناك الآلاف ممن لا يُحصون قد سطروا بطولات في أعمال المقاومة والدفاع عن الأوطان في جميع حروبنا ضد المعتدين والغزاة. ولا أدري كم كان سيبقى من مشروع التحرر من دون هؤلاء، او أي مشروع سيكون؟ مسيحيون، نعم، ولكنهم نصروا محمدا (ص) حتى ضد أهله، ونصروا العرب المسلمين ضد المستعمرين حتى عندما كان أولئك المستعمرون مسيحيين! وتقول أدلة التاريخ ان الغزاة الصليبيين عندما اجتاحوا القدس عام 1099، فانهم لم يقصروا مذابحهم على المسلمين، بل ذبحوا معهم المسيحيين أيضا. وهكذا كان الغربيون تجاهنا دائما. أعطيناهم العلوم الأولى فعادوا الينا بتكنولوجيا القتل والدمار الشامل. أعطيناهم أول قيم العدالة والقانون، فعادوا الينا بديمقراطية الدبابات. وأعطيناهم المسيحية، فجاؤوا الينا بالحروب الصليبية. وظلت الكنائس الشرقية، غريبة ومنبوذة في نظر كنائس الغربيين لا لشيء الا لأن مسيحييها عرب، والا لأن روح المسيحية الأصيلة تكمن فيهم. والسيد المسيح (عليه السلام) انما هو مسيحنا نحن أولا، على أي حال، وإن جاء لكل العالمين. هو ابن سمائنا، وهو ابن السيدة مريم آل عمران (عليها وعليهم السلام). الذين قال فيهم القرآن الكريم: (ان الله اصطفى آدمَ ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين”. (آل عمران 32)، و.. “واذ قالت الملائكةُ يا مريمَ ان الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين” (آل عمران 42)، و.. “قل آمنّا بالله وما أُنزل علينا وما أنزل على ابراهيم واسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون” (آل عمران 84.) ولكن ها نحن نفرق بينهم، ونجازيهم.. بوصفهم أقلية. وها ان كنائسهم وأديرتهم لم تعد في مأمن من المضايقات والاعتداءات. ويقول المطران اندراوس أبونا، إن أعمال العنف التي تضرب العراق كل يوم من كل ناحية وصوب أدت الى هجرة نصف مسيحيي العراق. وتشيرالدلائل الى ان هجرة المسيحيين العرب الآخرين تحولت الى ما يشبه ظاهرة نزوح جماعي في العديد من البلدان العربية، تلافيا للمضايقات وأعمال التمييز التي يتعرضون لها. وبطبيعة الحال، فقد أسهمت الأصوليات الاسلامية (وهي في الغالب أصوليات جهل بالدين والتاريخ معا)، في تحويل أجواء العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، التي استمرت على مدى 14 قرنا، الى أجواء يغلب عليها التوتر، فيما تتراوح السياسات الرسمية للكثير من الدول العربية بين متجاهل للمخاطر، مستهين بعواقبها الاجتماعية، وبين متواطئ مع ثقافة التمييز، ومتساهل مع خطاب الجهل الأصولي حيال هذه الأقلية. ولكن فقط اولئك الذين هم أقليو عقل وضمير، هم الذين يستطيعون ان يعاملوا المسيحيين العرب كـ أقلية برغم انهم، مثلنا، عرب قبل ان يكونوا مسيحيين، وبرغم أننا، مثلهم، مسيحيون قبل ان نكون مسلمين. ولكن ماذا يعني أن يكون هناك مجتمع مسلم من دون مسيحيين؟ بتغييب المسيحيين عن عروبتهم، لن يبقى لدى العرب الا الدين. وهذا من دون مسيحيين لن يعود، بمقاييس اليوم، دينا جامعا أبدا. فبدلا من أن ترتفع التمايزات الى مصاف الوطن والوطنية، فان الاسلام، من دون المسيحيين، سينخفض بمصاف تمايزاته ليكون صراعا بين سنة وشيعة فقط لا غير. وجود المسيحيين بين المسلمين، كما غيرهم من الطوائف الدينية الأخرى، في بيئة تعايش ومساواة، هو العنصر الاجتماعي الوحيد الذي يمكنه ان يضع التمايزات الطائفية على معيار وطني جامع. ووجود المسيحيين بين العرب هو وحده الذي يقدمهم كأمة ذات طبيعة قومية لا كمجرد مجموعة دينية. فالأمم الحديثة، حتى وإن كان الدين عنصرا حيويا في وجودها، الا انها لا تقوم على أساس ديني من دون أن تجد نفسها في حرب مع كل دين. وهذا ليس من الاسلام في شيء. احموا مسيحييكم، تحموا عروبتكم. بل احموا مسيحييكم، لتحموا دينكم نفسه من التمزق الطائفي. انهم ملحنا وهم منا ونحن منهم، فلماذا يُظلمون؟ الكثيرون يعتبرون المسيحيين العرب، بالدور التاريخي الذي لعبوه في مشروع النهضة والتحرر، جسرا مع الحضارات الانسانية الأخرى. ولكن هذا الوصف لا يستقيم مع من كانوا جزءا أصيلا من الأساس القومي لهذا المشروع. اليوم، المسيحيون العرب، هم وحدهم الإسمنت الذي يمكنه أن يحافظ على هذا الأساس من التفتت.
———————————————————————-
ان الحق بغير القوة ضائع وان السلام بغير امكانية الدفاع عنه استسلام

الفكر القومي العربي

اترك تعليقاً