السيمر / الثلاثاء 30 . 05 . 2017 — في المنطقة الخضراء، في ذلك الجزء الهادئ من بغداد، يتابع نوري المالكي خطط «عودته» إلى قلب المشهد السياسي. يقول إنه لا يرغب في رئاسة الوزراء لولاية جديدة، فهو يدرك ــ على ما يبدو ــ صعوبة تحقيق الأمر، خاصة أنّه شخصية خلافية داخل العراق. مواقفه الحادّة ــ والجارحة ــ قد تكون سبباً في ابتعاد كثيرين عنه، وسبباً رئيسياً لخلق مشكلات «حُمِّلتُ مسؤوليتها». لكن حضور الرجل في الشارع لا يزال قويّاً، ليس من باب «استطلاعات الرأي التي نتصدّرها»، بل من مقولة «رجل بغداد القوي»، الذي يعتقد بأن منطق «بناء الدولة» لا يفيده «تدوير الزوايا». من مساعيه إلى «العودة» عبر بوابة الانتخابات، نبدأ حوارنا مع رئيس الوزراء السابق ونائب رئيس الجمهورية الحالي. حوار تتخلله أحاديث تطول، لكنها لا تنتهي إلا عند «الخصوم»: الأميركيون، والسعوديون .
أجرى الحوار : نور أيوب
■ ما مدى صحة الحديث عن تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة؟
بالنسبة إليّ، كان الأمر في خانة التحليل، إلى أن صارحني بعض المطّلعين في الدوائر الأميركية بوجود قرارٍ يقضي بتأجيل الانتخابات، وهنا في العراق، بدأ بعض السياسيين الحديث عن تأجيل الانتخابات، والدعوة إلى المضيّ بهكذا قرار؛ إنّ هذا ضروري فقط بالنسبة إلى الفريق الذي يعمل على إقصاء التيّار الإسلامي والإسلاميين (المقصود بصورة أساسية حزب الدعوة الذي يحكم في العراق)…
لقد أراد هؤلاء إقصاء التيّار الإسلامي، واستخدموا كل السبل… (لكن) الإسلاميين استعصوا في انتخابات 2006، و2010، و2014، (برغم) أنهم واجهوا مؤامرات «القاعدة» و«داعش».
وهؤلاء يعرفون اليوم بأن التيار الإسلامي سيفوز مجدّداً، لذلك لم يبق أمامهم إلا تعطيل الانتخابات بهدف إقصائنا. وهنا يبدأ الفصل الجديد: دولة بلا حكومة، وبلا برلمان (ذلك أن الدستور العراقي غفل عن النصّ بتصريف الأعمال مع انتهاء المهل الدستورية)، وهذا يعني انتهاء الحكومة والبرلمان، والدخول في الفراغ الدستوري، فيصبح العراق بلا حكومة تدير البلاد وتدبّر شؤونه. وهنا، فإن قراراً دولياً مبيتاً ومحضّراً، ليصدر عن مجلس الأمن تحت الفصل السادس، يدعو إلى تشكيل حكومة طوارئ بحجة إدارة البلاد مؤقتاً إلى أن تستقر الأحوال، ويتم إجراء الانتخابات مجدداً، على أن تُستكمل ــ في هذا الوقت ــ فصول مؤامرة إقصاء المشروع الإسلامي.
أصحاب هذا المشروع يعملون الآن على إسقاط مفوضية الانتخابات. فبعد شهر أيلول تنتهي صلاحية المفوضية الحالية، في وقتٍ تدعو فيه بعض القوى إلى إسقاط المفوضية بتهمة الفساد والتزوير. وإذا صحّت مقولة هؤلاء، فإن وجودنا كلّه من البرلمان إلى الحكومة مزوّر. (وعلى سبيل المثال) في حالة تعطيل المفوضية، فإن عملية تسجيل الأحزاب والكيانات السياسية ستتوقّف….
ويبدو واضحاً لنا، وجود خطّةٍ لإرباك الدولة. فمن جهة، باتت الحكومة ــ بصراحة ــ من أضعف الحكومات، وخصوصاً أنها لم تحرّك ساكناً بعدما استباحت تلك القوى مؤسسات الدولة ومرافقها. ومن جهةٍ أخرى فإن تلك القوى وداعميها يريدون إثارة أجواءٍ من القلق، وخلق مناخٍ أمني غير مستقر، لإقناع العراقيين والآخرين بأن الانتخابات غير ممكنة.
نحن لن نقبل بالتأجيل، ولن نسمح بتعطيل الانتخابات يوماً واحداً، وهذا تحدٍّ بالنسبة إلينا. نحن في التحالف الوطني اتفقنا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها. وأنا أدعو الجميع إلى رفع الأصوات المطالبة بإجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وتحفيز الناس للمطالبة بذلك، وخصوصاً أن انتخابات مجالس المحافظات لن تُجرى في أيلول المقبل، بل ستندمج مع الانتخابات النيابية، التي يُخشى تأجيلها.
في حالة الفراغ المُفترضة، من يُحضّرون لتولي حكومة الطوارئ؟
البعض يرى في نفسه أنه المكلّف، أو أنه مفروضٌ أن يُمدّد للحكومة الحالية. لكن اعتقادي بأن هذه الحكومة لن يُمدّد لها، فرئيسها محسوبٌ على التيّار الإسلامي… إنّما سيكلّف من يعمل على الطريقة الأميركية، أي الذي يعمل وفق توجيهات واشنطن وأجندتها، وبتنسيقٍ مع الدوائر البريطانية. فيُعاد بذلك سيناريو الحكومة المؤقتة، التي شكّلها الأخضر الإبراهيمي بتكليف من الأمم المتحدة، وترأسها إياد علّاوي.
■ أيٌّ قانونٍ انتخابي ستؤيدونه في البرلمان؟
القانون الانتخابي إمّا أن يدعم الكتل الكبيرة، وإما أن يدعم الكتل الصغيرة. معظم برلمانات الدول تمتاز بوجود كتل كبيرة، كي تستطيع التفاهم في ما بينها. أما إذا كثرت الكتل الصغيرة، فمن الصعب تحقيق تفاهمٍ في ما بينها، وخصوصاً أن عدد مقاعد المجلس النيابي هو 327. لذلك نحن نسعى إلى تكريس قانونٍ يدعم الكتل الكبيرة، لأن القانون الداعم للكتل الصغيرة سيسبب إرباكاً في العملية السياسية.
■ لماذا تخاف الكتل الكبيرة من الكتل الصغيرة؟ هل تخشون صعود كتل صغيرة أو وجوه شبابية إلى الواجهة؟
لا، ليس خوفاً من صعود الشباب، ولا خوفاً من الكتل الصغيرة. وجود عددٍ كبيرٍ من الكتل الصغيرة يصعّب وضعها في نسق واحد لتشريع القوانين، واتخاذ القرارات في مجلس النواب، هذا هو القلق، وإلا ليس لدينا مشكلة باشتراكهم في الانتخابات. نعم، حقّ الجميع الاشتراك في السباق الانتخابي، لكن حق البلد، وحق العملية السياسية، وحق الوطن أهم من حق الفرد.
■ هل اتضحت ملامح التحالفات الانتخابية؟
كان هناك توجّهٌ في التحالف الوطني لخوض الانتخابات ضمن قائمةٍ واحدة، إلا أن جميع الأطياف عارضت ذلك، على الرغم من إيجابية التوحّد في قائمة واحدة كي نتمكن من حجز موقع رئاسة الوزراء، والذي تستحقه الكتلة الأكبر، ومن ثم نحقّق مشروع الأغلبية السياسية. الاعتراض على التوحّد استند إلى إمكانية خسارة الناخبين، ورفضهم التصويت لحلفائنا.
لذلك اتفقنا على أن نخوض الانتخابات بقوائم منفردة، أي كتلة المواطن (المجلس الأعلى وملحقاته)، ودولة القانون (حزب الدعوة وملحقاته) ومن يريد أن يخوض المعركة بقائمة منفردة، فنصبح بذلك 3 أو 4 قوائم. ومن ثمّ نكتب كتاباً بيننا مفاده: نحن الموقعين أدناه، نشكّل كتلةً واحدةً في نتائجها، وهي الكتلة الكبيرة التي سيكون منها رئيس الوزراء، ثم نتفاهم لاحقاً من هو رئيس الوزراء.
■ هل سيعود نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء؟
ليس لدي رغبةٌ في العودة إلى أيّ سلطةٍ تنفيذية، لكنني سأبقى في السلطة السياسية. أريد أن أكون شريكاً في رسم نظامٍ سياسيٍّ متينٍ وجديد، ينقذ العملية السياسية الحالية، إما أن أكون شريكاً عبر بوابة الانتخابات، أو بوابة التحالفات.
مشروعي الذي أعمل عليه… هو تحقيق مبدأ الأغلبية السياسية (أي أكبر كتلة برلمانية، تحكم). فإذا تحقّق ذلك فإنني اعتبر نفسي موجوداً، وأنا بالحكم، وشريكاً أيضاً.
■ ماذا عن علاقتكم بـ«الحشد الشعبي»؟
الضربة القادمة ستستهدف التيار الإسلامي، ومن ضمنه الحشد الشعبي، لكن الضربة الأولى ستوجه الى حزب الدعوة والحشد، وبقية الإسلاميين سيأتون لاحقاً. فالدعوة والحشد هما أبرز كيانين مستهدفين، وهذا شعار رُفع في مؤتمر أنقرة، حيث دعوا إلى اطاحة المالكي، والحشد، وإيران. أما لماذا الحشد؟ فلأنه محسوبٌ عليّ، وأنا من أسّسه، وأنا أدافع عنه وأتبنّاه، ولديّ اعتقاد بضرورة وجوده، والإبقاء على كيانه، وبه استطعنا أن نوقف أكبر هجمة كادت أن تطيح العراق كله، وتصل إلى إيران.
يجب أن يُفهم أن استهدافي في العراق يعني استهداف الحشد، واستهداف الحشد استهدافي، ولذلك يجب أن نتماسك نحن والحشد في الدفاع، ومواجهة التحدي والمؤامرات الناعمة التي تحاك ضدنا.
■ هل توافق على دمج «الحشد» بالأجهزة الأمنية؟
نحن دعاة بناء دولة، والحشد لا بد من أن يكون جزءاً من الدولة. صراحةً، رغم كل تعاطفنا مع الحشد، واهتمامنا به، وبتاريخه، فإننا لا نريد أن يبقى سلاحاً خارج إطار الدولة. لم يكن هناك فكرة لتشريع قانون للحشد، وإنما ضغطنا وأوصلنا الأمور لتشريع قانون يحمي وجوده ويبقيه كمؤسسة. فالحشد إذا بقي كمؤسسة سيبقى على الخط والالتزام، لأنه لن يدمج، وإذا دمج الحشد مع أجهزة الجيش والشرطة فتلك نهايته.
نحن ضغطنا، حتى لا يتمكّن أي رئيس حكومة، أو غيره، سواءٌ الحالي أو المقبل، من أن يلغي الحشد. ذلك أن الحشد أسّستُه بأمر ديواني، والأمر الديواني يُلغى بأمر ديواني، كأن يجلس رئيس الوزراء صباحاً ويصدر أمراً بإلغاء الحشد. لذلك عجّلنا بأن يتحول الأمر إلى قانون، لأن القانون يسحب صلاحية رئيس الوزراء بإلغاء الحشد، إلا من خلال البرلمان الذي يمكنه أن يُشرّع قانوناً جديداً يلغي القانون السابق، ونحن موجودون في البرلمان ولن نسمح بتصدير أو إصدار مثل هكذا قانون.
■ كيف تصفون علاقتكم ببقية المكوّنات العراقية؟
على صعيد المكوّن الشيعي، هناك التيار الصدري الذي يقف خارج التحالف الوطني، ويغرّد خارج السرب بطريقته الخاصّة. في العراق، هناك ظاهرة بأنّ كل الكيانات والمكوّنات لديها خلافات في ما بينها، لكن أحسنهم هو التحالف، الذي وحّد الأطياف والقوى السياسية، تحت مظلّته، بمجموعٍ يبلغ حوالى 150 مقعداً (دون احتساب الصدريين)، ما يمثّل الثقل الموجود في البرلمان. نحن أفضل المكوّنات (التحالف الوطني)، لدينا مرجعية متفق عليها، ولدينا هيئة قيادية، وهيئة سياسية، وهيئة عامة، إضافةً إلى وجود تفاهماتٍ في ما بيننا للانتخابات المقبلة.
على صعيد المكوّن السني، فإنّ هذا المكوّن يُعدُّ أكثر الأطراف تشتتاً. فهم يفتقرون إلى مرجعية موحدة، دينية كانت أو سياسية. كل ذلك نتيجة اللعبة التي لعبتها بعض الدول العربية والخليجية إضافةً إلى تركيا. السُنّة لا يزالون مجزّئين، ونحن بذلنا جهداً معهم من أجل توحيدهم، وخلق مرجعية سياسية لهم، حتى نستطيع الاتفاق معها، إلا أن انقسامهم الداخلي حادٌّ جدّاً، ويتمثل ذلك بوجود أجنحة نافذة لبعض الدول. هناك جناج ولاؤه تركيا، وجناح ولاؤه دول الخليج. نحن نشجّع الجناح الوطني الموجود لديهم، والذي لا يريد أن يتقاطع مع الدول الإقليمية، بل يتبنى استراتيجية سياسة وطنية.
■ يشهد العراق احتقاناً طائفياً كبيراً، وأنت متّهم بأنك السبب الرئيسي وراء ذلك، فما تعليقك؟
الخطاب السياسي يعكس الاحتقان الطائفي الكبير. لكن هذا الاحتقان ليس وليد حكومتَي المالكي، إنما بدأ بالظهور مع سقوط نظام صدام حسين. التأجيج الطائفي كان في أشدّه، ووصل إلى حدّ تفجير مرقد الإمامين العسكريين في زمن حكومة ابراهيم الجعفري، ويومها انفجرت المواجهة الطائفية بشكل كبير. تم نسف الحسينيات ومساجد للسُنّة في وقت واحد. وجرى اختطاف كثر من الفريقين، وشارك في هذه الحرب الجميع، أبرزهم دعاة الدولة حالياً.
لكننا، تمكنّا ــ سُنّةً وشيعة ــ من صدّ هذه الهجمة، ولولا صدّنا لهذه الهجمة، لما كانت الدولة موجودة. الذين تضرروا من هذه العملية الطائفية هم أنفسهم أهل المناطق، كالأنبار وصلاح الدين والموصل، هم المساكين الذين لا ذنب لهم. ما جرى أحدث حالة من الصحوة والانتباه عند المكوّن السُنّي، بأن قيادات على صلة بدول خارجية هي التي أحضرت هؤلاء الوحوش.
الآن، أهل الموصل، وصلاح الدين، والأنبار، يسألون إن كان ممكناً أن يدخلوا معنا في الانتخابات. قلت لهم إذا دخلتم معنا فإنهم سيضربونكم. قالوا لقد تغيّر المزاج عندنا، وقالوا إن الموقف مني لم يعد كما في السابق. المناخ اليوم أفضل بكثير، هناك انفتاح وإقبال وقبول.
■ هل لا يزال مشروع انفصال إقليم كردستان قائماً؟ وخاصة أن مواقف مسعود البرزاني تدعو بوضوح إلى ذلك، فضلاً عن مطالبته بإجراء استفتاء في كركوك.
الخلافات شديدة بين الحزب الديموقراطي (البرزاني) والاتحاد الوطني (بزعامة جلال الطالباني) وحزب التغيير. وإنّ أزمة كردستان معروفة، فحين تشتد الأزمات الداخلية عند البرزاني، يخرج بتصريحات كهذه.
قضية الانفصال هي للاستهلاك حالياً: لمواجهة التحديات والمعارضين له. إضافة إلى أنه بموجب قانون الإقليم، فإنّ البرزاني لم يعد رئيساً شرعياً (لانتهاء المهلة).
سياسته الداخلية تتسم بالعنف، والتفرد، وتفتقر إلى أي غطاء شرعي. يحكم كردستان على طريقة شيوخ العشائر الكردية سابقاً، والآغاوات. يودُّ البرزاني، في يوم من الأيام، أن تتيسّر الظروف ويشكّل الدولة الكردية الكبرى، واقتطاع أجزاء من سوريا، وإيران، والعراق، وتركيا. إلا أن المعطيات المحيطة لا تسمح بهكذا تصرف، ومن حق الدول ــ على الأقل علناً ــ أن لا تؤيد هذا التصرف، باستثناء إسرائيل. هو يعتمد على إسرائيل، في كل سياساته وفي كل مخططاته.
هو يقول إذا رجع المالكي سأنفصل، لأنه يدرك أنني لن أسمح له بهذا التمدد. أنا سابقاً قلت له إذا أردت أن تنفصل فلديك الخط الأزرق ــ عندما بدأت الحرب، واذهب وانفصل ضمنه. هو يعرف أنه إذا انفصل ستأكله تركيا. وهو يقول أيضاً إنني لن أنفصل دون أن أضم منصورية الجبل، والموصل، وغيرها… لقد وقفت في وجهه بشدّة.
كما أن البرزاني، منذ بدء عمليات استعادة الموصل، استولى على 12 وحدة إدارية في الموصل، من أقضية ونواحٍ، وسط صمتٍ حكومي. أنا لا أستطيع القول إنّ هناك اتفاقاً كما تسأل، ولكن هذا هو الواقع. ليس هناك اعتراضٌ من الحكومة على تصرفاته، هو يقرر ويتمدد، كما يقرّر ويفعل غيره في الجنوب.
فرصة البرزاني أن تبقى هذه الحكومة ضعيفة، حتى يستطيع التمدد إلى كركوك وغيرها. أما قضية الانفصال فأعتقد أنه لا يستطيع تحقيق ذلك. على المستوى الداخلي، يفتقر إلى الانسجام مع الأطياف الأخرى، وعلى المستوى الخارجي، فإن محيطه لا يقبل ذلك، ولا الوضع الدولي يتقبل ذلك.
بالنسبة إلى استفتاء كركوك، ليس من حقّه أن يجري استفتاءً على الانفصال، أو تقرير المصير. لا يوجد في دستورنا كلمة تقرير مصير. الأكراد قرروا مصيرهم بهذا الدستور، وصوّتوا عليه، والدستور يقول: العراق جمهورية اتحادية فدرالية، وهم جزءٌ من جمهورية العراق الفدرالية. أما أن يخرج البرزاني، في كل يومٍ ويدعو إلى إجراء استطلاع، وتصويت، واستفتاء، فهذا ليس من حقّه. البرزاني بات لا يرى أمامه شيئاً: لا يحترم دولة ويهابها، ويتجاوز كل الخطوط الحمراء. الآن، كردستان أصبحت منبتاً لكل الشركات والمخابرات الإسرائيلية، وللأسف ــ يومياً ــ ترى الأطياف تأخذ وفوداً وتسافر إلى أربيل، أما مسعود نفسه، فلا يكلّف نفسه ويأتي إلى بغداد، ويصرّح دائماً ويتحدى العاصمة، ويبيع النفط كما يشاء، ويتحدّث ويتحرّك على الأرض كما يشاء، ويضطهد الأقليات والمكوّنات، ولا يُسمع كلمة رفضٍ من الحكومة، أو من القوى السياسية. هذه هي المشكلة التي نواجهها الآن، والبرزاني ليس من النوع الذي يُمنح مثل هكذا حريّة، إنما يجب أن يواجه بالحقائق، والوقائع، وإن اقتضى الأمر يجب أن يُردع بالقوة.
■ كيف ترون أداء حكومة حيدر العبادي؟
على صعيد مكافحة الإرهاب، فإنّ الأداء الحكومي جيّد، برغم المخالفات التي حصلت وإدخال قوات دولية دون قرار برلماني. تقدّمها جيد، ولكن هذا لا يكفي، فالدولة (لا تعني حصراً) مكافحة الإرهاب، ومقاتلة داعش. هيبة الدولة الآن باتت محل إشكال، وما يقلقنا هو التجاوزات والوضع الأمني السيئ، والتمرد الحاصل على الدولة.
الدولة تنشغل في قتال «داعش»، وتنسى البصرة. ما يحدث في البصرة، وبغداد، وسامراء يشير إلى إمكانية خسارة تلك المناطق. هل نربح الموصل ونخسر البصرة، وكربلاء، والنجف؟ بالأمس، احتلوا مطار النجف وأسواقها، هذا الجانب خطيرٌ جدّاً، وإذا لم تتم معالجة الوضع فسينهار ويتدهور، وسيكون هناك فرصة للميليشيات والعصابات والخارجين عن القانون كي يتمردوا.
بالنسبة إلى الوضع الاقتصادي، هو مرتبك جدّاً، وصل إلى حد قطع الرواتب عن موظفي الدولة، وتوقف المستشفيات عن تقديم العلاج للمرضى. أنا لا أفهم سبب سحب الحكومة من احتياط البنك المركزي 40 ملياراً. لقد سلّمت الخزينة باحتياط يبلغ 83 ملياراً، والآن بات 40 ملياراً، هذا خطر. يقولون إن هناك ديوناً متراكمة، أين تذهب كل تلك الأموال؟ يقولون إن الحرب قائمة، ويشترون السلاح والعتاد، لكن في الحقيقة أنا اشتريت كل السلاح، هم لم يشتروا السلاح، باستثناء العتاد والأدوات الاحتياطية. لقد اشتريت السلاح من إيران أثناء هجوم «داعش»، وقبله اشتريت طائرات من أميركا، وكوريا، ودبابات من روسيا.
إضافةً إلى سقوط هيبة الدولة، والوضع الاقتصادي، فإن الواقع السياسي ليس بأشفى حالاً. هل من المعقول أن تعجز حكومة عن تعيين 3 وزراء، وهي حكومة فريق منسجم، وقوية، وديموقراطية. ضعف الدولة، فجّر ظاهرة الفساد، الذي وصل إلى حال الاستشراء في كامل مفاصل الدولة، من الشرطي الى الوزير. أنا أخشى اليوم أن تتطور هذه التداعيات، وتحدث أزمة كبرى، ولعل أحد أهدافها تعطيل الانتخابات المقبلة.
■ كيف تقرأون «قمّة الرياض» الأخيرة؟
قمة الرياض يجب أن تُقرأ من باب: من هو المستفيد، ومن هو الخاسر؟ فالمستفيد هو إسرائيل. نتنياهو إن لم يكن حاضراً بشخصه، فهو موجود بعقله وفكره، وثبّت ذلك ترامب بزيارته لإسرائيل. ترامب أراد أن يقول لهم إنني أقدّم لكم ما أريد، وأذهب إلى إسرائيل، وأقدّم لها ما أريد.
الرابح الثاني هو أميركا، التي حازت استثمارات، وأموالاً، وعقوداً. أصبح لأميركا ــ كما كان يقول ترامب ــ حضور قوي، واستطاعت أن تنشئ ما يشبه تحالفاً عربياً ــ إسلامياً.
الرابح الإعلامي نسبياً في هذا المهرجان، هو السعودية، التي أصبحت رائدة أو رئيسة للتحالف العربي ــ الإسلامي. هذا هو طموحها، الذي أوصل المنطقة كلها إلى ما هي عليه. لقد أعطوا السعوديين لعبةً كما يعطى الطفل، لعبةً ليلهو بها.
السعوديون عبروا عما يفكرون به بطريقة منفعلة وواضحة وعنيفة وحاقدة. لقد جعلوا إيران وحلفاءها هدفاً لهم. بنظرهم، هم يحشدون قواهم لضرب إيران، ونقل المعركة كما قال محمد بن سلمان إلى الداخل الإيراني. إيران ليست ضعيفةً بهذا الشكل، ولا السعودية قويةٌ بهذا الشكل، ولا الدول التي وقفت في هذا المؤتمر ستمشي تحت جناح السعودية لقتال إيران، ولا أميركا نفسها ستمضي مع السعودية في قتال إيران.
وهذا يعني، أنه في نهاية المطاف، ستكون السعودية هي الخاسر الأكبر، التي أعطت أموالها، وكشفت عن حقيقة عدوانيتها… وهذا سيحمّلها ضريبةً كبيرةً.
المرجعية تريد الانتخابات
يرى نوري المالكي أن المرجعية الدينية العليا (آية الله السيد علي السيستاني) تريد إجراء الانتخابات النيابية، وفقاً لما صدر عنها سابقاً. ورغم العلاقة «الفاترة» التي تجمع الطرفين، و«قطيعة» السيستاني مع مختلف القوى السياسية، ورفضه استقبال أي منهم، يؤكّد المالكي رفض المرجعية الانحياز إلى أحد. يقول: «اعتدنا أن نسمع منها أنها على مسافة واحدة: نحن لا ندعم أحداً، ولا نحارب أحداً»، لافتاً إلى أن السيستاني يتمايز عن بعض المراجع بـ«رفضه الدخول السلبي على خطّ الانتخابات».
تحالف انتخابي مع «الحشد»؟
رغم رفض قيادة «الحشد الشعبي» (أبو مهدي المهندس) خوض الانتخابات النيابية المقبلة (نيسان 2018)، إلا أن الأحزاب والفصائل المشاركة في «هيئة الحشد» تستعد للمشاركة في السباق الانتخابي. ووفق عددٍ من القيادات، فإنهم سيخوضون الانتخابات ضمن لائحة واحدة، قد تتحالف مع ائتلاف «دولة القانون»، وهو أمرٌ لا ينفيه المالكي.
إلا أنّ رئيس الوزراء السابق يُعرب عن خشيته من محاولات «ضرب الحشد»، ما يدفعه إلى تأجيل الحديث عن طبيعة أيّ تحالف، أو حتى عن توقيته (قبل الانتخابات أو بعدها). وفيما لم تحقق فصائل «الحشد» انسجاماً كاملاً في ما بينها، فهو ينصح «بأن يخوضوا الانتخابات بقائمة واحدة، ولكن ليس باسم الحشد، بل في قائمة مدنية، لأن الدستور يمنع الفصائل المسلحة من خوض الانتخابات».
في غضون ذلك، يتوقع المالكي «اشتداد الحرب على الحشد لإضعافه، وتشويه صورته، وافتعال أزماتٍ ورميها عليه». وبحسب معلوماته، فقد بلغ عدد الفصائل الصغيرة حوالى 180 فصيلاً، تدّعي أنها على علاقة بـ«الحشد، إلا أن الأمر ليس كذلك… فهؤلاء هدفهم تشويه صورة الحشد». ويرى المالكي أن العمود الفقري لـ«الحشد» يتكوّن من «منظمة بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«كتائب حزب الله»، و«سرايا سيد الشهداء»، و«سرايا الخراساني»، و«قوات الشهيد الصدر».
رئيساً للتحالف الوطني؟
في شهر أيلول المقبل، تنتهي ولاية عمار الحكيم، رئيساً لـ«التحالف الوطني»، وذلك في وقتٍ يجري فيه الحديث عن إمكانية تصدّي المالكي لرئاسة «التحالف». إلا أن المالكي، بناءً على مراجعةٍ خاصة، يقول إلى «الأخبار» إن «عملية تسلّم التحالف تأتي في أشدّ أوقات الحملة الانتخابية، وهذا قد يشغلني عن الحركة في حزب الدعوة والتبليغ لدولة القانون، في الانتخابات المقبلة». ويضيف: «لم أقرر إن كنت سأتصدى لرئاسة التحالف، باعتبار أن الاتفاق ينص على أن أكون أنا بعد السيد عمار».
منصب الرئاسة الدوري لـ«التحالف»، وفق الاتفاق الضمني، ينص على أن يكون من نصيب «دولة القانون». فإذا لم يتصدّ المالكي «لا بد من أن يكون واحداً من دولة القانون، التي ستنتخب من بينها الرئيس»، مؤكّداً في الوقت نفسه أن الحكيم لن يكون رئيساً لدورةٍ أخرى، رغم «تمنيات» البعض من جماعة الحكيم بتمديد ولايته.
الاخبار اللبنانية