الرئيسية / مقالات / هدفُ الإستفتاء كسبُ نقاط لمسعود في السجل الإسرائيلي
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

هدفُ الإستفتاء كسبُ نقاط لمسعود في السجل الإسرائيلي

السيمر / الاثنين 25 . 09 . 2017

محمد ضياء عيسى العقابي

الخلاصة:
إنتخابات برلمان إقليم كردستان على الأبواب. يحتاج مسعود برزاني، المنتهية ولايته منذ سنين، الى شبه معجزة لتبييض صفحته ورفع حظه وحظوظ حزبه في الإنتخابات بعد أن إقترف المحرمات وعلى رأسها طرد البرلمان ورئيسه إلى جانب تهريب النفط والفساد. هرب الى الأمام وطرح فكرة الإستفتاء المشبعة بالعواطف والصالحة للإبتزاز عسى أن تنقذه. هنا يحتاج مسعود الى دعم “حلفاءه”. الأمريكيون لا يستطيعون تكتيكياً الوقوف معه علناً وإلا واجهوا الطرد من العراق على يد التحالف الوطني ورئيس الوزراء حيدر العبادي مثلما طردهم من قبل رفيقه نوري المالكي والتحالف الوطني ذاته. لذا أوكلت المهمة الى إسرائيل التي يعتقد البرزاني أن بيدها حل وربط شؤون العالم بما فيها شؤون أمريكا. وهكذا وضع برزاني يده بيد إسرائيل وسار نحو المجهول.

التفاصيل:
بادئ .ذي بدء، فأنا وعلى طول الخط كنت وماأزال مؤمناً بحق الشعب الكردي (وجميع شعوب العالم) في تقرير مصيره قبل أي إعتبار داخلي أو خارجي قانوني أو غير قانوني لرفضي النظام العالمي بكافة جوانبه لأنه نتاج القوى الكولونيالية الإستعمارية ثم الإمبريالية أساساً وهو نظام ظالم لأقصى الحدود لا يتماشى مع ما بلغته البشرية من تطور مادي وفكري وأخلاقي. يكفي أن نعلم أن 1% من سكان الأرض يملكون أكثر مما يملكه ألباقون أي 99% على ذمة فضائية (فرانس 24)، وأن 63 عائلة أمريكية تمتلك 50% من ثروات البلاد. فترتب على حماية هذا النظام الجائر قهرُ شعوب الأرض بل محو بعضها من الوجود وإستعباد أخرى وغمط حقوق غيرها كشعوب فلسطين وكردستان واليمن وليبيا والبحرين والصحراء الغربية والسعودية والقائمة تطول.
أقول هذا لعلمي بأن ما يطرحه بعض البرزانيين بشأن إقرار حق تقرير المصير في المواثيق الدولية هو طرح مشوه وغير دقيق ويوحي بأن المجتمع الدولي قد تخطى الظلم الكولونيالي ثم الإمبريالي وأرسى ولو نظرياً قواعدَ تنتصر للحق المطلق للشعوب في تقرير مصيرها.
أما الواقع الحالي فإن حق تقرير المصير في الوثائق الدولية مُنح لشعوب المستعمرات أو لتلك الشعوب الواقعة تحت الوصاية والإنتداب فقط وليس بشكل مطلق. وقد كان هذا أقصى ما إستطاعت شعوب الأرض إنتزاعه من الإمبرياليين عبر نضالها الطويل.
عليه فإن تفسير الحكومة العراقية على لسان الدكتور سعد الحديثي، المتحدث الرسمي بإسم المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، لهذا الأمر، أي حق تقرير المصير، هو تفسير سليم.
ينطوي التفسير المشوَّه الزائف للبرزانيين لحق تقرير المصير على محاولةٍ للتبرير الضمني للتصعيد والإستفزاز المبرمجين لخدمة أهداف أخرى غير خدمة الحق العادل للكرد في تقرير مصيرهم. ويقف وراء هذه المحاولة تآمر مسعود برزاني مع جهات خارجية وسنأتي على ذكرها لاحقا.
لكنني بنفس الوقت أرفض جملة أمور تتصل بالإستفتاء الذي طرحه مسعود برزاني رئيس إقليم كردستان المنتهية ولايته (ولا يشير الى هذه الحقيقة الخطيرة إلا القلة وليس عن غير قصد!!):
أولاً: أرفض التلاعب بالقضية الكردية وجعلها كرة في الملعب التكتيكي خاصة إذا كان التكتيك يهدف الى خدمة مصالح شخص معين أو عائلته أو قبيلته أو حزبه؛ أو يخدم مصالح جهة أو جهات تتعارض مصالحها مع مصالح وأمن الشعب العراقي، بضمنه الشعب الكردي، ومصالح وأمن شعوب المنطقة بأكملها وخاصة شعوب تركيا وإيران وسوريا.
ثانياً: أرفض إختزال الشعب الكردي وقضيته بشخص مسعود برزاني رغم تأليه البعض له(1) مما شجعه على التمادي في غيّه.
ثالثاً: أرفض منح الغطاء الشعبي الكردي العام لمشاريع مسعود وحزبه، إذ يوجد لمسعود وحزبه عدد كبير من المعارضين في صفوف الشعب الكردي حتى في مسألة الإستفتاء ذي الحساسية الخاصة التي تسهِّل عملية إبتزاز المعارضين لمسعود وإستفتاءه بضمنهم قادة إعترفوا للرئيس حيدر العبادي بتخوفهم من إعلان معارضتهم.
عليه فيجب أن يجري الحديث عن مشروع مسعود وحزبه وليس عن مشروع الأكراد ككل والتمييز بين الطموح الوجداني للجماهير الكردية وبين الإنخراط الفعلي في المشاريع الإمبريالية بإسم القضية الكردية كما يفعل برزاني وأتباعه. وعدم التمييز هذا جارٍ تناوله الآن للأسف في الأوساط الرسمية والشعبية العراقية ناسين أن من أهداف مشغِّلي مسعود و “مشروعه” الإستفتائي يتضمن رفع وتيرة التحقير والإهانة والإستفزاز للشعب العراقي وقادته المنتخَبين إلى أعلى الدرجات وذلك لخلق عداء حاد لا مبرر له بين كل الشعب الكردي من جهة وبين الشعب العربي والتركماني والمسيحي والأزيدي والصابئي والشبكي. إن خلق هذا العداء الشديد يشكل جزءاً من إستراتيجية إسرائيلية إمبريالية أمريكية حيال جميع شعوب المنطقة تمهيداً لتفتيتها وتمكين إسرائيل (بقفاز سعودي مرحلي قبل حلول موعد تقسيم السعودية نفسها!!) – لتمكين إسرائيل من التحكم في شؤون المنطقة نيابة عن زعيمة الإمبريالية العالمية، أمريكا، المتجهة نحو شرق آسيا لتعاظم أهميتها الإستراتيجية ومحاولة تطويق الصين وروسيا وغيرهما بغية فرض الهيمنة المطلقة للإمبريالية على العالم. كشواهد على زرع الكراهية العنيفة في المنطقة فهناك العدوان الصارخ على الشعب اليمني، وهناك خلق الإرهاب ودعمه وتوجيهه وإدارة أزمته في سوريا والعراق ولبنان وليبيا ومحاولات تصدير ذلك الى مصر وتونس والجزائر، وهناك القهر الإستبدادي في البحرين وهناك محاولات إستبدال إيران بدل العدو الصهيوني في صراع الشرق الأوسط وجوهره القضية الفلسطينية.
لذا يتوجب التمييز بين عموم الشعب الكردي وبين مسعود برزاني وحزبه وجماهيره وتفويت فرصة زرع العداء والبغضاء بين الشعب الكردي وباقي أبناء الشعب العراقي.

هل جرى تلاعب بالقضية الكردية:
هل حصل فعلاً تلاعب في القضية الكردية عبر إطلاق الدعوة الى الإستفتاء؟ وكيف يتم التلاعب ولمصلحة من؟
أسألُ: هل كسبت القضية الكردية شيئاً ذا أهمية من وراء الإقدام على إجراء الإستفتاء؟ أقول: كلا وألف كلا. وهل نفع الإقدام على الإستفتاء طرفاً أو أطرافاً أخرى غير القضية الكردية؟ أقول: نعم وبكل تأكيد. وسنرى ذلك لاحقاَ.

شروط التلاعب بالقضية الكردية:
إذا خلى الإستفتاء من نفع (إن لم يكن قد إنطوى على ضرر) للقضية الكردية، وإذا تشبّع الإستفتاء بالنفع لأطراف أخرى (لا تسبب سوى الإضرار بالقضية الكردية على جميع المديات كما سنرى) – تتحقق عندئذ حالة التلاعب بالقضية الكردية التي يُفترض أن يكون الإستفتاء لصالحها وحسب لا لصالح آخرين يقدّمون للبرزاني وعوداً هلامية يُلحقُ التعويلُ عليها أبلغَ الضرر بالقضية الكردية العادلة ولكنها وعود براقة ومغرية للبرزاني شخصياً وليس للقضية الوطنية الكردية. حسِب البرزاني ومشغلوه ألفَ حساب للإنتخابات البرلمانية المقبلة في كردستان التي سيحل موعدها بعد أشهر قليلة والبرزاني في أسوء حال بعد أن طرد برلمان كردستان ومنع رئيسه والأعضاء المعارضين له من دخول أربيل. وقد تطابقت هذه المصلحة الشخصية لبرزاني مع المصالح التي تجنيها إسرائيل لذا تم الدفع بإتجاه الإستفتاء كمخرج من ورطة مسعود وكمحاولة جديدة لإرباك الوضع العراقي للسيطرة على مفاصل الحكم السياسي في العراق بعد الفشل الذريع لمؤامرتهم الداعشية في 10 حزيران من عام 2014 التي كانت مفتاحاً مستحدثاً لتحقيق إستراتيجية المحافظين الجدد.

كيف خلى قرار الإستفتاء من أي نفع للقضية الكردية؟
يتمثل نفع الإستفتاء للقضية الكردية في أحد أمرين: فأما بلوغ مرحلة الإستقلال الناجز كما يطرحه برزاني وهذا هو الهدف النهائي؛ وأما المساهمة في إنضاج الظروف اللازمة لدفع القضية نحو الأمام وبالتالي بلوغ هدف الإستقلال في أقرب فرصة.

هل سيتحقق أحد هذين النفعين في حالة إجراء الإستفتاء على الطريقة البرزانية؟
أقول كلا وألف كلا والعكس هو الصحيح. فلنتأمل:
– إن شرائح كبيرة من الشعب الكردي نفسه تقف بالضد من الإستفتاء. وإن تمريره في برلمان كردستان كان أقرب الى مهزلة جعلت من البرلمان المطرود لسنتين والمستَدْعى للإنعقاد في يومين بذلك العدد الهزيل من النواب وبذلك العدد المهم من النواب المقاطعين – جعله مسخرةً حقيقية أساءت لسمعة الشعب الكردي وطموحه الديمقراطي خاصة وأنه يتمتع بحرية تامة في بيئة عراقية ساعية للديمقراطية بكل معنى الكلمة رغم كل الجهود العالمية والإقليمية والداخلية لعرقلتها ومنع إستكمال مؤسساتها وتخريب ما أنجز منها.
– لم يقف مع الإستفتاء في العالم، دولاً ومحافل كالأمم المتحدة والإتحاد الأوربي والجامعة العربية، أحدٌ سوى النظام الصهيوني في إسرائيل وربما يقف سراً النظام الوهابي السعودي المتهالك. بل إن أقوى دول الجوار وهما تركيا وإيران قد أعلنتا رفضهما المطلق للإستفتاء وهددتا بإستخدام القوة المسلحة في حالة الإقدام على أية خطوة إنفصالية.
فإيران تتخوف أمنياً من تواجد أمريكا وإسرائيل والسعودية على حدودها عبر دويلة برزانية. إسرائيل والسعودية ملتزمتان مع حكومة ترامب بضرب النظام الإسلامي في إيران كـ”نظام إرهابي” لمجرد أنه يدعم القضية الفلسطينية لا غير. لقد هددت إسرائيل مراراً بذلك كما أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلنها صراحة قبل أشهر قليلة بأنه سينقل المعركة الى قلب طهران. إن التخوف الإيراني يرجع، أيضاً والى حد ما، إلى الحذر من تقوية نزعة الإنفصال عبر التآمر مع جهات عدوة.
أما تركيا فهي تتخوف من تقوية نزعة الإنفصال داخلها ومتخوفة من زعزعة أمنها وهي مدركة بأن مشروع المحافظين الجدد للشرق الأوسط الجديد، الذي إستقر في صلب مؤسسات الحكم في أمريكا، ينطوي على تفتيت تركيا والسعودية أيضاً. يمكن تجاوز هذه العقبة عبر الحوار البناء بين تركيا وأكرادها لإجتراح حل سلمي وتتحمل الحكومة التركية المسؤولية الأولى بهذا الصدد. ولكن تهديداتها يجب أن يحسب لها ألف حساب خاصة إذا توافقت هذه الحسابات مع التقديرات الإيرانية.
أما أمريكا فهي الأخرى قد عارضت الإستفتاء وأوقفت المساعدات العسكرية لكردستان التي تُعطى لها بموجب قانون المساعدات الخارجية الأمريكي الذي خول الإدارة الأمريكية التعاملَ المباشر مع “الكرد والسنة” دون المرور ببغداد وقد هرع برزاني وصباح الكرحوت وصهيب الراوي الطغمويان(4) (رئيس مجلس محافظة الأنبار ومحافظها السابقين) الى واشنطن للمباركة.
أعلمت أمريكا برزاني بأنها وحلفائها سيقفون متفرجين فيما لو إندلع صدام بين القوات العراقية والبيشمركة على حد ما ذكره الدكتور محمود المشهداني، رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس إحدى الكتل السياسية، في فضائية الحرة –عراق / برنامج “حوار خاص” بتأريخ 18/9/2017.
بتقديري، إن موقف أمريكا هذا ليس نابعاً من حرص على وحدة العراق واستقراره ومصالحه بدليل القانون سابق الذكر كأحد الشواهد، بل إن أمريكا وإسرائيل هما وراء كل البلاوي في العراق والمنطقة والعالم ومنها دفع برزاني لزعزعة الأوضاع العراقية. إن أمريكا لا تريد إجراءً حقيقياً بإتجاه الإنفصال الآن لأن من شأن ذلك أن يدفع العراق وإيران وتركيا وسوريا الى التقارب وقد يتطور ذلك ليصل الى حد تشكيل نواة لتحالف عربي – إسلامي يضطلع بمهمة حفظ الأمن الإقليمي للمنطقة والوقوف بوجه المخططات الأمريكية – الإسرائيلية؛ والتخوف الأهم يتمثل بإحتمال تطور تحالف عراقي – إيراني يرفع قدرات البلدين المتنوعة الى مستويات عالية خاصة وأن 83% من نفط العراق بالأقل يقع في مناطق الوسط والجنوب التي لم يستطيعوا تغيير طبيعتها الديموغرافية عبر المؤامرة الداعشية الفاشلة في 10/6/2014 .
إن أمريكا تريد بقاء برزاني وغيره من “أعوانها” داخل الفيدرالية العراقية للتخريب ومساعدة أمريكا على السيطرة على مفاصل الحكم في العراق بوسيلة أو أخرى عبر عملائها الطغمويين وغيرهم من اللاغطين وخاصة المستثقفين وأدعياء اليسار الفاشلين المطالبين بحكم مدني هو موجود أصلاً؛ كما إنها تنتظر ثمار جهودها لزعزعة الأوضاع في إيران. فلنتأمل موقف ترامب من قطر والسعودية كمؤشر على نمط التفكير الأمريكي. فقد أفادت شبكة “بلومبركَ” الأمريكية قبل أيام قليلة (وقبلها أفاد أمير الكويت أيضاً) بأن ترامب منع حكام السعودية والإمارات من إسقاط النظام القطري بالقوة المسلحة “لئلا تُتاح الفرصة لإيران للإستفادة من الظروف الناشئة”. هذا هو هاجس ترامب إذاً. وبتقديري هناك عامل أهم. إن ترامب قد أخذ حذره من الإمعان في إستفزاز تركيا الداعمة لقطر بعد أن تمكن الأمريكيون من الهيمنة على قوات سوريا الديمقراطية وهي قوات كردية لا ترغب تركيا في تسليحها ومنحها دوراً في سوريا. ورغم تأكيدات أمريكا لتركيا بأنها ستنزع سلاح هذه القوات بعد “دحر داعش” إلا أن تركيا بقيت متوجسة وتوجه الإنتقادات المتوالية لأمريكا.
لذا فالسيطرة السياسية على العراق وزعزعة الوضع الإيراني وطمأنة تركيا أو التمكن من تفتيتها هي الشروط الأمريكية المسبقة لإستقلال كردستان العراق. وقبل ذلك أي قبل الإنفصال، على البرزاني ومن على شاكلته التخريب وإثارة المشاكل والإرباك للعراق.
أما إسرائيل فتدفع بإتجاه التأزيم على طول الخط وتهدف الى عدم السماح بإستقرار العراق، وهي التي تقف وراء تحرك برزاني عبر الإستفتاء مدركة حاجته للنجدة قبل الإنتخابات وأعطته النجدة وأمريكا متفهمة لذلك رغم عويلها الذي هو بمثابة إسقاط فرض وهو محسوب حساباً دقيقاً.
فلا أشك بوجود تنسيق وتقاسم أدوار بين إسرائيل وأمريكا حتى في موضوع الإستفتاء كحالة خاصة ضمن حالة التنسيق الوثيق العام بينهما. فأمريكا وإسرائيل والطغمويون وبرزاني والمستثقفون وأدعياء اليسار الفاشلون يريدون، كلٌ لمأربه الخاص، بقاءَ أمريكا عسكرياً في العراق بعد إنتهاء مهمتها الإستشارية ضمن التحالف الدولي ضد داعش.
يخدم الإستفتاءُ والتوتيرُ المتعمد من قبل برزاني مسعى أمريكا بالبقاء بذريعة التوسط بين بغداد وأربيل أي لتدويل القضية وبالتالي تدويل الوضع العراقي برمته وهذا ما رفضه المالكي والعبادي والجعفري والحكيم وأطراف التحالف الوطني بشدة مؤَيَّدين بالجماهير الغفيرة والمرجعية لأنه يشكل مساً صارخاً بسيادة العراق التي دفع العراقيون في سبيلها مئات الآلاف من الشهداء والمصابين على يد الإرهاب وهو معروف الهوية جيداً من جانب الجماهير العراقية.
كان التدويل على طول الخط أحد المحاور التي يطرحها الطغمويون لمحاولة القضاء على الدستور والعملية السياسية والديمقراطية عبر تكتيك إعادة ترتيب العملية السياسية أو “إصلاحها”!!! بما يناسبهم ويناسب مشغّليهم وبالتخطيط معهم. لذا كانوا يتذرعون بأتفه الأسباب والمبررات التي كانوا يخلقونها هم بأنفسهم لتحقيق الهدف إلا أنهم فشلوا. لنأخذ مثلاً إدعاء برزاني بتقصير الحكومة الفيدرالية في تنفيذ المادة (140) من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها. في الحقيقة إن البرزاني هو الذي أعاق تنفيذ هذه المادة الدستورية لأنه قام بتكريد كركوك بشكل فاضح وبأشد مما قام به نظام صدام الطغموي فإحتج العرب والتركمان والمسيحيون في كركوك على هذا الأمر مما أعاق عمليات التطبيع والتعداد السكاني والإستفتاء المنصوص عليها في متن المادة المذكورة من الدستور.
– الإستفتاء ليس دستورياً وقد ساهم الشعب الكردي طواعية وبحرية تامة في كتابة الدستور والتصويت عليه. إن هذا قد جعل الجماهير الغفيرة للشعب العراقي بضمنها شرائح هامة من الشعب الكردي نفسه أن يقفوا ضد الإستفتاء وعلى رأسهم حركة التغيير التي أبدت شجاعة مرموقة في أجواء المزايدات والإبتزاز.

ما هي قوة مسعود برزاني؟
ما هي القوة التي يمتلكها مسعود برزاني والتي تجعله يتحدى العالم أجمع عدا إسرائيل ويتجاوز الحدود بشكل فاضح ووقح ويتقصد الإهانة والإستفزاز؟ فلنتأمل بعض إستفزازاته وإستهتاره على سبيل المثال لا الحصر:
“الحدود تُرسم بالدم”، “المادة 140 إنتهت”، إحتلال كركوك، إجراء الإستفتاء في المناطق المتنازع عليها، “من يريد أن يجرب عزيمة الشعب الكردي فليتفضل”، “العراق دولة دينية طائفية”، “لا يمكن التعايش مع حكام بغداد الجدد”، عقد إتفاقيات نفطية سرية لا تعلم بها بغداد، خرق الإتفاق النفطي مع بغداد في عهدي المالكي والعبادي، تهريب النفط(2)، طرد البرلمان ومنع رئيسه من دخول أربيل عندما قرر البرلمان بحث مصير أموال النفط المهرب، الإتفاق مع تركيا للسماح لقوات تركية في التواجد على الأرض العراقية في بعشيقة ومناطق أخرى، “البرلمان والمحاكم العراقية لا تعنينا”، “إذا تقدم الجيش العراقي فسنقطع إصبعه” (جبار ياور حول تشكيل عمليات دجلة في عهد المالكي)، 1200 خرقاً دستورياً إقترفته حكومة برزاني (قدمتها الحكومة الفيدرالية لوفد برزاني مقابل 52 خرقاً قدمها الوفد لرئيس الوزراء)، علاقات غير مخفية مع إسرائيل بضمنها بيع النفط وقد رفع العلم الإسرائيلي في تظاهرات أربيل هذه الأيام، تسلَم أسلحة من أمريكا بموجب قانون أمريكي يقضي بالتعامل مع “الكرد والسنة” دون المرور ببغداد، “لا نسمح لأية قوة في العالم فرض رأيها علينا” “شركات النفط التي نتعامل معها كأوكسن موبيل تعادل عشرة فرق عسكرية وإذا دخلت بلداً فلا تخرج منه”.
لو كان برزاني حريصاً وجاداً في موضوعة إستقلال الإقليم لتبادرت الى ذهنه مباشرة ضرورةُ كسب ود العراقيين شعباً وحكومة للإستعانة بهما في إقناع الخصوم الأشد ضراوة للإستقلال وهي دول الجوار الأخرى. غير أن برزاني ذهب عكس الإتجاه تماماً إذ راح يتحدى ويهين ويحقر ويهدد ويستفز لأنه ينظر الى صناديق إنتخاب برلمان كردستان قبل النظر الى مصالح الشعب الكردي.

السؤال: لماذا هذا الإغفال؟… إن أي إنسان متوسط الذكاء يفقه خطل هذا السلوك.
في الحقيقة إن برزاني واقع تحت وهم القدرة الفائقة لإسرائيل واللوبي الصهيوني في أمريكا وغيرها وكذلك واقع تحت وهم القدرات الفائقة لشركات النفط الإحتكارية الأمريكية كشركة أوكسن موبيل. وهو يعتقد أن إسرائيل هي التي تسيّر أمريكا بل تسيّر العالم.
للحق فإن هذا التقييم العالي المبالغ به للقدرة الإسرائيلية الصهيونية في العالم هو نمط شائع بين شعوب منطقتنا العربية. قبل أسبوع تقريباً، بيّن السياسي العراقي المستقل السيد عزت الشابندر، في إحدى الفضائيات، حضور إسرائيل بقوة في مسألة الإستفتاء وإنتقد مسعود برزاني على ذلك وهو موقف صائب من جانب السيد الشابندر. لكنه أشار أيضاً إلى أن إسرائيل هي المتحكمة في السياسة الأمريكية. وهذا كلام غير علمي لأن الإمبريالية هي التي خلقت إسرائيل لخدمتها ولتكون قاعدة متقدمة لها في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط وذات الموقع الجغرافي الإستراتيجي. نُقل عن نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن قوله إنه لو لم توجد إسرائيل لخلقناها.
عليه فإن البرزاني بنى حساباته على هذا الأساس وإعتقدَ أن إسرائيل في نهاية المطاف قادرة، إن عاجلاً أو آجلاً، على تغيير سياسة تركيا وألأمم المتحدة وأوربا وإزالة أي تحفظ تكتيكي لدى أمريكا، والسيطرة على العراق ومن ثم محاصرة إيران، عليه فلابد من تبادل المنافع معها وهكذا سُخّر الإستفتاء لخدمة برزاني في الإنتخابات القادمة ولخدمة المخطط الأمريكي – الإسرائيلي الذي عُهد لإسرائيل التصريحُ بدعمه علناً.

الأهداف الإسرائيلية من وراء الإستفتاء:
1- التعتيم وحرف الأنظار عن الإنتصارات الباهرة التي تلقّفها العالم بكل تقدير وإحترام وإعجاب والتي أحرزتها القوات العراقية والحشد الشعبي. كان من شأن تلك الإنتصارات أن تلعب دوراً كبيراً في إستقرار الأوضاع السياسية في البلد للتفرغ الى التصدي للتخريب والنشاطات الكيدية ومحاربة الفساد الذي يقف على رأسه أعداء الديمقراطية العراقية المتنوعون وعلى رأسهم الطغمويون.
2- إربك الأوضاع في العراق لخلق بيئة طاردة للإستثمار وبالتالي تعطيل عملية البناء الإقتصادي وتحسين مستوى الخدمات.
3- عدم السماح بدفن إستراتيجية التسقيط والتخريب والضرب في جميع الإتجاهات وبجميع الوسائل المادية العنيفة والإعلامية بغية القضاء على الديمقراطية العراقية وبإسمها وبالتباكي عليها.
وهذه هي الإستراتيجية التي اتفقت عليها غرف عمليات واشنطن ولندن والرياض وأبو ظبي والدوحة واسطنبول وعَمان وسوَّقتها الى عملائها الطغمويين و”أصدقائها المدنيين”(3) الذين لا يعرفون ماهية الحكم المدني وإلا لأدركوا أن دستور البلاد الذي يحدد هوية النظام السياسي فيها هو دستور مدني ولا يغير من الأمر شيئاً أن تنتخب الجماهير رجلاً دينياً لمنصب رئيس الوزراء.
4- من جهة، تلميع صورة البرزاني تمهيداً لخوض الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان، ومن جهة أخرى إستخدام الإستفتاء أداة إبتزاز لفرض البرزاني وهو بأمس الحاجة إليها بسبب فساده وإستبداده وضرب الديمقراطية بأبشع وسيلة إذ جمد البرلمان وطرد رئيسه الدكتور يوسف محمد ومنعه من دخول أربيل وطرد وزراء حركة التغيير، وهيمنة عائلته على مفاصل النظام في كردستان دون تفويض برلماني عكس ما ذكره، قبيل إنتخابات عام 2014، سكرتيرُ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد في فضائية (الحرة – عراق / برنامج “حوار خاص”) حين إنتقده إعلامي الفضائية سعدون محسن ضمد لسكوت حزبه على السيطرة العائلية للبرزاني على شؤون الإقليم ربما مقابل منافع مادية فرد قائلاً: “وهل أتوا بالدبابات أم أنهم جاءوا بالإنتخابات”!!! وعلى هذا النمط يهرج كل من فخري كريم وكاظم حبيب وعدنان حسين. في الحقيقة إن آل برزاني سيطروا بموجب الصيغة التي طرحها السيد فاضل ميراني، الحقوقي وسكرتير المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يترأسه مسعود، حين قال لسعدون ضمد في حلقة أخرى من نفس البرنامج “حوار خاص” – إذ قال “آل البرزاني خط أحمر”!!! أقول لهؤلاء “المدنيين”: أين ذلك من الديمقراطية والمدنية؟!!! إنها “عبادة الفرد” بأبشع صورها وهي مكروهة ومنبوذة من قبل الجماهير الكردية وعلى رأسها حركة التغيير الشجاعة.
5- تمكين برزاني من الفوز في الإنتخابات البرلمانية للإقليم قد ينجح في عزل سوريا عن العراق لكسر ما يسمى بالهلال الشيعي ويقصد منه تمزيق المنطقة لحماية أمن إسرائيل.
6- ربما قدّرت إسرائيل وبرزاني أن حكام العراق بتلك السذاجة بحيث أنهم قد يلجأون إلى إستخدام القوة المسلحة ضد قوات برزاني بعجالة وقبل أن تتوفر القناعة لدى المجتمع الدولي بأن برزاني هو المعتدي وهو الذي يضرب الحوار الحقيقي عرض الحائط. وربما قدّرا بأن حكومة بغداد قد تتخلى عن الإقليم للتخلص من مشاكل برزاني وتخريبه. عندئذ، وفي كلتا الحالتين، يبدأ النواح والإستجداء ليصار الى تمرير قرار في مجلس الأمن لفرض الحماية على كردستان العراق بوجه إيران وتركيا والعراق وسوريا مع إلزام العراق بدفع 17% من موازنته الى حكومة الإنفصال سنوياً ريثما يقف الإقليم على رجليه.
7- محاولة إبتزاز الحكومة العراقية بقيادة التحالف الوطني ومرشحه الدكتور حيدر العبادي وإرغامها على تقديم التنازلات اللادستورية ليصار الى التشهير بها في ساحة التحرير وشارع المتنبي بغية إضافة جهد جديد لحملات التسقيط المشبوهة التي ترمي الى عزل التحالف الوطني الذي أثبت أنه الوحيد القادر على الوقوف بوجه أمريكا وجميع التحديات وصيانة النهج الديمقراطي والدستور وهو الذي إستعاد، بقيادة إئتلاف دولة القانون وزعيمه نوري المالكي، الإستقلالَ والسيادة وحافظ على النهج الديمقراطي ودفع عنه الطغمويين الأشرار ودفع بالنهج نحو الأمام وحجّم الإرهاب وحافظ على الثروات الوطنية وأطلق المبادرة الزراعية ومنع زج العراق في تدمير الدولة السورية والجيش العربي السوري ومنع دفع العراق للتآمر على القضية الفلسطينية بمحاولة تصفيتها ومنع إفتعال حرب بين العراق والجارة إيران.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1): تميز في هذا الصدد السادة فخري كريم وكاظم حبيب وعدنان حسين علاوة على قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني.
(2): قالت النائبة في البرلمان العراقي عن حركة التغيير ورئيسة كتلتها النيابية لفضائية ” الميادين” قبل إسبوع تقريباً بأن وزير مالية الإقليم، وهو من حركة التغيير، وبعد ضغوط لكشف مصير أموال النفط المهرب، ذهب بمعية آشتي هورامي (وزير الطاقة في الإقليم) ومسؤول آخر الى تركيا لإطلاعه على مصير أموال النفط. أعطوا وزير المالية رقم حساب معين. إطلع عليه الوزير وإذا فيه رصيد يبلغ (مليون دولار فقط). سأل عن مصير الأموال الأخرى فقيل له إنها مودعة بحسابات شخصية لمسؤولين كهورامي ونجيرفان بارزاني رئيس وزراء الإقليم. بعد نقاش تبين أن النفط المهرب يباع خارج ضوابط منظمة أوبك لذا فهو يباع برخص وأن المبالغ لا يُسمح بوضعها في حسابات رسمية حسب قوانين أوبك، لذا فهي توضع في حسابات شخصية!!!!!.
(3): في منتصف عام 2011 ظهر الود جلياً بين أحد مأجوري الإعلام الأمريكي (في فضائية الحرة) عماد جاسم وبين “البطل” المستقبلي للتيار المدني وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي جاسم الحلفي. قال عماد للحلفي في فضائية (الحرة – عراق)/ برنامج “بالعراقي”: “أنتم تمثلون الجماهير” (بالمناسبة: لم يكن للحلفي وقيادته البائسة حتى نائب واحد!!!). فرد عليه الحلفي مزهوّاً: “وأنتم تدافعون عن الشعب العراقي خيراً من حكومته”!!!
(الشيء في الشيء يقال: بعد ثلاث سنين من ذلك التأريخ أي في منتصف عام 2014 أظهر مشغِّلوا عماد جاسم الذين وصفهم الحلفي بالمدافعين عن الشعب العراقي بخير من حكومته – أظهروا “وداً عميقاً” للشعب العراقي حين مرت فلول داعش تحت أبصار الأقمار الصناعية والطائرات الأمريكية وهي في طريقها الى الموصل. لماذا لم ترصدوهم ياجنرال؟ سأل السناتور. أجابه الجنرال: لم نرد أن نساعد المالكي. وتكرر الحال يوم إحتلت داعش الرمادي وكان العبادي رئيساً للوزراء. سأل العبادي رفيقه المالكي: هل هذه مؤامرة؟ فرد المالكي: إنها مؤامرة بالضبط. (رواها المالكي. وشكراً له وللمرجعية ولهادي العامري وقيس الخزعلي والقوات الإيرانية الذين وقفوا على حزام بغداد وأنقذوا الشعب العراقي من مؤامرة نحره لإحداث تغيير ديموغرافي ينتزع النفط من أهله.)

(4): الطغموية والطغمويون:
الطغمويون هم لملوم من جميع أطياف الشعب العراقي حكموا العراق منذ تأسيسه وفق صيغة تبادل المصالح مع القوى الإمبريالية وبالحديد والنار للإنتفاع الطبقي من ثرواته المادية والمعنوية بذرائع مختلفة منها إدعاء القومية. سمات الطغمويين: الطائفية والعنصرية والدكتاتورية والديماغوجية. لقد مارسوا في العهد البعثي سياسة ممنهجة للتطهير العرقي والطائفي فاقترفوا جرائم الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب؛ ولم يعد قادراً على إطاحة النظام سوى الله أو أمريكا. وأطاحت به أمريكا كناتج عرضي على طريق تحقيق أهدافها الخاصة، وفق المشروع العالمي المسمى “الشرق الأوسط الجديد” الذي رسمه المحافظون الجدد للهيمنة على العالم، ولكنها ساعدت على تأسيس النظام الديمقراطي الذي جعله السيستاني نظاماً ديمقراطياً حقيقياً عراقياً لا شكلياً، ومن ثم أخرج العراقيون قواتها، أمريكا، واستعاد العراق استقلاله وسيادته في 1/1/2012 ورفض تمرير مشروع المحافظين الجدد باستخدام العراق كوسيلة لتحقيق هذا المشروع.
لم يترتب على العراق، إذاً، أي إلتزام قانوني أو تبعات مالية نتيجة أي عمل قام به الأمريكيون حسب أعلاه حتى إذا كان مفيداً للعراق كإطاحة النظام لأن العمل برمته أمريكي بحت ولم يحظَ بموافقة الأمم المتحدة، ولا يعني شيئاً قانونياً عزوفُ العراقيين عن الدفاع عن النظام الفاشي في وجه الغزو الأمريكي. العاطفة شيء والقانون شيء آخر خاصة وأن الأمريكيين لم يتصرفوا بحسن نية وكشفوا عن نوايا ومشاريع سيئة.
العكس هو الصحيح حيث يتوجب على أمريكا تعويض العراق عن كل ما لحق ببنيته التحتية وكل ما ترتبه القوانين الدولية على دولة الإحتلال.
غير أن الأمريكيين ركبوا حصان داعش الذي أوجده الطغمويون وحكام تركيا والسعودية وقطر بإيحاء من أمريكا نفسها، ودخلوا العراق من الشباك فتصدى الحشد الشعبي لحصانهم الداعشي وأذرعه السياسية.
بعد سقوط نظامهم في عام 2003 أجج الطغمويون الطائفية بأعلى وتيرة، بعد أن كانت مبرقعة مبطنة منذ تأسيس الدولة العراقية، وذلك لشق صفوف الشعب والمحافظة على ولاء أعوانهم ودفعهم الى عرقلة بناء العراق الديمقراطي الجديد عبر الإرهاب والتخريب من داخل العملية السياسية إصطفافاً وتنفيذاً للمشروع الطائفي السعودي الوهابي المطروح على نطاق المنطقة والعالم لدرء خطر الديمقراطية الزاحفة على النظام في المملكة من المنطقة والجار الشرقي ودرء خطر الإحراج الذي سببته إيران للمملكة بعد أن كشفت، إيران، تآمرهم على القضية الفلسطينية حينما مدت المقاومتين الفلسطينية واللبنانية بالسلاح بينما إقتصر الدعم السعودي على المال المسموم ثم إنحدرت الى مستوى التآمر لتصفية القضية الفلسطينية وتآمرت على التضامن العربي.
وقد انتفع الامريكيون من اثارة الطائفية في العراق بقدر كبير جداً وكفاءة عالية مستخدمين الطغمويين أنفسهم في هذا المجال كأدوات طيّعة لإضعاف العراق الجديد وتشويه الديمقراطية والإستهانة بها وتحويله، العراق، الى دولة فاشلة؛ وربما كان الأمريكيون هم المحرضين على تأجيجها، الطائفية، وذلك من أجل تنفيذ مشروع المحافظين الجدد الحقيقي وهو الهيمنة على منابع البترول في العالم للي أذرع جميع الدول المؤثرة عالمياً للقبول بنتائج ما بعد الحرب الباردة التي جعلت الولايات المتحدة القطب الأعظم الأوحد في العالم، الأمر الذي أوجبته ضرورات معالجة أمراض النظام الرأسمالي المأزوم بطبيعته عبر تصدير أزماته للعالم وخاصة الفقير منه دون رادع.
أفشل العراق، على يد التحالف الوطني، مشروع أمريكا هذا الذي إصطدم مع المصالح الإمبريالية الأوربية أيضاً، ولكن إدارة الديمقراطيين الأمريكية أعادت إحياءه بعد إصلاح التحالف التقليدي مع أوربا الإمبريالية الذي هدده المحافظون الجدد بدافع الإنفراد والإستحواذ.
فرض الطغمويون والأمريكيون، بالإبتزاز، المحاصصة بعد تشويه مفهومي الشراكة والتوافق، اللذين قدمهما الإئتلاف العراقي الموحد لتعزيز الثقة والمشاركة الجماعية في العملية السياسية أي العملية الديمقراطية المعترف بها عالمياً وهي الوسيلة الوحيدة القادرة على حماية مصالح الجميع وبالتالي تحقيق التعايش المشترك والسلم الأهلي. ولكن الطغمويين لم يتراجعوا ولحد الآن عن رفضهم للآخر وللديمقراطية والسعي الحثيث لتخريبها وإفشالها ولو بإستدعاء قوى إرهابية وإمبريالية وصهيونية وعميلة لـ”ترتيب” أوضاع العراق لصالحهم.
كان وما يزال هذا الإصرار من جانب الطغمويين على إستعادة السلطة بأية وسيلة هو الجوهر الحقيقي للمســــــــــألة العراقـيــــــــــــــة ولم تليّن الهزيمة الإستراتيجية الداعشية من إصرارهم بسبب وجود الدفع والدعم الخارجيين لهم وتشرذم القوى العراقية الإسلامية الديمقراطية؛ ذلك الإصرار الذي لم تشخصه سوى المرجعية في النجف والحريصين من المسؤولين في المراكز العليا الذين تُحتمُ عليهم مسؤوليتُهم عدمَ البوح بهذا التشخيص تجنباً لشرعنة المشروع الطغموي وتفادياً لتثبيت الإنقسامات كقدر لا مفر منه؛ ولكن معظم المثقفين والفاشلين أهملوا هذا التشخيص وشوهوه بطروحات منتقصة أو زائفة رغم أن واجبهم المقدس يلزمهم بإبراز هذا التشخيص الذي يمثل الحقيقة الموضوعية الناصعة وتوعية الشعب والرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بها وتوجيه الضغوط المعنوية على الطغمويين للحد من تماديهم في التخريب والإرهاب.
كما أخفق أولئك المثقفون والفاشلون في تحديد المسؤول عن إثارة الطائفية بالإنطلاق من التعريف العلمي للطائفية وبتحديد الجهة المستفيدة من إثارتها. العقيدة الممارسة على أرض العراق الديمقراطي هي الوطنية وهذا أمر نابع بالضرورة من العقيدة الأولى أي الديمقراطية؛ لأن النظام الديمقراطي الحقيقي، كالنظام العراقي، لا يمكن إلا أن يكون وطنياً ولا يمكن أن يكون طائفياً أو عنصرياً إذا ما فهمنا أن الطائفية (وكذلك العنصرية) هي قمع أو إقصاء أو تهميش طائفة (أو قومية) من قبل طائفة (أو قومية) أخرى أو من قبل سلطة غاشمة لا تنتمي لطائفة كالنظام الطغموي العراقي بمراحله الثلاث الملكي السعيدي والقومي العارفي والبعثي البكري – الصدامي.
شكل الطغمويون والبرزانيون العنصريون تحالفاً غير رسمي مع الأمريكيين وتوابعهم في المنطقة حكام السعودية وتركيا وقطر كل لغايته؛ ولكن يجمعهم دفعُ العراق باتجاه الديمقراطية المشوهة والدولة الفاشلة لتنفيذ المشروع الامبريالي الصهيوني السعودي الذي صاغه المحافظون الجدد والقاضي بتفتيت البلدان العربية من داخلها وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة بقفاز سعودي ولدينا مما جرى في سوريا خير مثال.
فَقَدَ البرزانيون إهتمامهم بالديمقراطية العراقية بعد أن أخذوا منها ما أخذوا ودسوا ما دسوا من ألغام في الدستور بتنسيق أمريكي إسرائيلي معهم ثم إنخرطوا في المشروع الإمبريالي آنف الذكر على أمل تحقيق “مملكة برزانية” على حساب نضال الشعب الكردي لتحقيق طموحاته القومية المشروعة بالتحالف النضالي مع شعوب المنطقة، وعلى حساب إستقرار العراق ومصالحه.
الطغمويون لا يمثلون أية طائفة أو مكون لكنهم يدَّعون تمثيلَهم السنةَ لتشريف أنفسهم بهم والخروج من شرنقة الطغموية الخانقة الى ساحة الطائفة الأرحب. غير أن السنة براء منهم وقد نبذوا الطغمويين خاصة بعد توريطهم الجماهير إذ دفعوا بها الى العصيان لتغطية إحضار داعش الى العراق لإحداث تغيير ديموغرافي، ومن ثم دفعوا بتلك الجماهير البريئة الى حياة النزوح في المخيمات تحت رحمة البؤس والشقاء وتهديدات داعش.
كانت هذه المغامرة الداعشية الخطرة الفاشلة قد شكلت الضربة الإستراتيجية القاصمة الكبرى للطغمويين ورعاتهم حكام أمريكا وتركيا والسعودية وقطر، وما عادوا قادرين على الإبتزاز وفرض المطالب فهم الفاشلون في معركة “الديمقراطية والوطنية” الحاسمة.
للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع الرابط التالي رجاءً:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

اترك تعليقاً