السيمر / الاثنين 25 . 09 . 2017
ضياء الشكرجي
كمواطن ألماني أتمتع بالمواطنة منذ 1997 زاولت حقي الدستوري، وفي نفس الوقت مسؤوليتي الأخلاقية كمواطن، وذهبت إلى المركز الانتخابي الذي يبعد عن سكننا هذه المرة ثلاث دقائق مشيا على الأقدام، وفي غضون ثلاث دقائق أخرى انتهيت من التصويت.
وهنا لا بد أن أؤكد بأني أشعر بألمانيتي وعراقيتي في آن واحد، فعاطفيا أنتمي إلى العراق، وثقافيا أنتمي إلى ألمانيا، أما سياسيا، فمن حيث الاهتمام السياسي أنتمي إلى كلا الوطنين على حد سواء، وكانجسام مع النظام السياسي فأنتمي إلى ألمانيا وأورپا، ويهمني كاتجاه سياسي أعتمده أن أرى ألمانيا أكثر علمانية، وأكثر ليبرالية، وأكثر عدالة اجتماعية، وتواصل نزعتها الأورپية.
وكتبت صباح هذا اليوم بعدما أدليت بصوتي هذه المقالة، وسأتممها في ضوء النتائج والتحليلات التي تابعتها من الخامسة والنصف عصرا حتى قريب الحادية عشرة مساءً.
الأحزاب الديمقراطية التي لها فرص انتخابية في ألمانيا الآن خمسة، هي:
1.الاتحاد المسيحي الديمقراطي Christ Demokratische Union CDU
2.الحزب الديمقراطي الاجتماعي Sozial Demokratische Partei SPD
3.حزب الخضر Die Grünen/ Bündnis 90
4.حزب اليسار Die Linke
5.الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) Frei Demokratische Partei FDP
بعد تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية كانت الأحزاب في البرلمان الاتحادي غالبا ثلاثة فقط، هي الاتحاد المسيحي الديمقراطي (مع حليفه في باڤاريا المسيحي الاجتماعي Christ Soziale Union)، والحزب الديمقراطي الاجتماعي (أو الديمقراطي الاشتراكي حسب بعض الترجمات)، والحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي). والأول والثاني كانا وما زالا الحزبين الكبيرين المتنافسين على تشكيل الحكومة الاتحادية وتولي منصب المستشار أو المستشارة (التسمية لرئيس السلطة التنفيذية في ألمانيا والنمسا بما يعادل رئيس الوزراء) من الحزب الفائز منهما. ولكن لكون لم يحدث حتى الآن أن حصل أحد الحزبين المذكورين على الأكثرية المطلقة لينفرد بتشكيل الحكومة الاتحادية، كان الحزب الفائز منهما يأتلف دائما مع الحزب الديمقراطي الحر، لتشكيل حكومة أغلبية برلمانية ائتلافية. ثم تأسس حزب الخضر عام 1980، وسرعان ما صعد ككتلة برلمانية رابعة، وحصل أن تشكلت حكومة ائتلافية من الديمقراطي الاجتماعي والخضر. وقبل صعود الخضر حصل في السابق أن تشكلت الحكومة الاتحادية مما يسمى بالائتلاف الكبير، وهذا مصطلح يعني تشكيل الحكومة من الحزبين الكبيرين المتنافسين، تارة بقيادة ومستشارية المسيحي الديمقراطي وأخرى بقيادة ومستشارية الديمقراطي الاجتماعي. والحكومة الاتحادية الحالية هي أيضا حكومة ما يسمى بالائتلاف الكبير.
نرجع إلى الأحزاب الممثلة في البرلمان الاتحادي. ككيان سياسي خامس أضيف بعد الوحدة بين الألمانيتين بعد سقوط جدار برلين وسقوط نظام (الجمهورية الديمقراطية الألمانية) وانضمام ألمانيا الشرقية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، تشكل حزب كان اسمه في البداية (حزب الاشتراكية الديمقراطية)، ثم بعدما أصبح له امتداد في غرب ألمانيا، وبالتنسيق بين ڠريڠور ڠيزي Gregor Gysi (من الشرقية) وأوسكار لافونتين Oskar LaFontaine (من الغربية) وهو القيادي السابق في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، والذي استقال منه، بعدما بدأ رئيس الحزب والمستشار السابق ڠيرهارد شرويدر Gerhard Schröder يعمل على تحويل الحزب إلى الوسط، بدل اليسار، فألف لافونتين كتابه (قلبي ينبض يسارا) Mein Herz schlägt links، فأصبح اسم الحزب الجديد (حزب اليسار).
يبدو بعد فشل الحزب الديمقراطي الحر للدورة السابقة من الحصول على الـ5% التي تؤهله للصعود إلى البرلمان الاتحادي، فغاب عن البرلمان الاتحادي لأول مرة منذ 1949، يتوقع أن يصعد مجددا في هذه الانتخابات [وصعد فعلا]. فتكون الأحزاب الديمقراطية الخمسة كلها ممثلة في البرلمان.
ولكن هذه المرة سيكون هناك حزب سادس، ويتوقع أن يحصل على المرتبة الثالثة، لكنه حزب يرفض أي من الأحزاب الخمسة الأخرى الائتلاف معه، ولذا سيبقى حزب معارضة، وهو (البديل من أجل ألمانيا)، وهو حزب شعبوي يميني، يؤكد على الهوية الألمانية، ويدعو إلى خروج ألمانيا من العملة الأورپية الموحدة، بل والخروج من الاتحاد الأورپي، كما استطاع أن يحصد التأييد، ليس فقط من العنصريين المعادين للأجانب، وهم أقلية ضئيلة في ألمانيا، بل حتى من جماهير بعيدة عن العنصرية، لكن لها مخاوف من الإسلام الراديكالي، ولذا فشعار هذا الحزب المركزي «امنعوا الأسلمة .. انتخبوا الـ AfD» (وهو الرمز المختصر لاسم الحزب (البديل من أجل ألمانيا) – آلترناتيفه فوير دويتشلاند Alternative für Deutschland ويمكن ترجمته بالإنگليزية بـ Alternative for Germany. وصعود هذا الحزب يمثل حدثا يحصل لأول مرة منذ تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا بفضل الإسلام الراديكالي، فاليمين إنما يتغذى ويتقوى وتزداد شعبيته، كلما ازدادت ظاهرة التدين المتزمت للمسلمين، والإسلام السياسي، والإرهاب الإسلامي، وهي ثلاثة مستويات مختلفة. ولولا هذا العامل، لما كانت هناك أي فرصة لليمين وللعنصرية الشعبوية في ألمانيا وفي عموم أورپا.
كتبت المقالة كما مر قبل النتائج، وأضفت عليها في ضوء النتائج والتحليلات. بعدما انتهيت من كتابة المقالة، التي تصورتها في البداية، أنها ستكون قصيرة نسبيا، رأيت أن أجعلها في حلقتين، ولكن أنشر الحلقة الثانية بعد الأولى مباشرة، لأن لدينا موضوع استفتاء كردستان، الذي رأيت ألا بد من أكتب فيه شيئا. ولذا سيأؤخر نشر الحلقة الثانية إلى بضعة أيام.