الرئيسية / مقالات / الوعي الانتخابي في العراق: مسؤولية وطنية في مرحلة مفصلية (1/3)

الوعي الانتخابي في العراق: مسؤولية وطنية في مرحلة مفصلية (1/3)

فيينا / الخميس  12. 06 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

رسل جمال*

المقدمة

مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة في العراق، تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الوعي الانتخابي لدى المواطنين، خاصة في ظل تصاعد موجة الرفض من قبل البعض بغية احباط المواطنين وصرفهم عن التوجه للمشاركة بالعملية الانتخابية، هذا التصرف ليس وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من فشل العمل السياسي، وسوء الإدارة، والفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ما جعل مجاميع من المواطنين تفقد الثقة بالطبقة السياسية وبالعملية الانتخابية برمتها.
لكن رغم كل هذا، تبقى الحقيقة الأساسية قائمه كون العراق يحكمه نظام ديمقراطي، ولا يمكن تغيير هذا الواقع أو إصلاحه إلا من خلال الصندوق الانتخابي، فالمقاطعة، وإن كانت مفهومة في سياق الغضب الشعبي، إلا أنها لا تؤدي إلا إلى فراغ يملؤه نفس الفاسدين والمتحكمين بمفاصل السلطة، ممن يملكون أدوات تنظيمية ومالية تُمكنهم من استغلال ضعف المشاركة لصالح بقائهم واستمرارهم.

ان الوعي الانتخابي لا يعني فقط معرفة تاريخ الانتخابات أو كيفية التصويت، بل هو وعي بدور الصوت الفردي في رسم مستقبل البلد، وهو إدراك أن الامتناع عن التصويت لا يُعاقب الفاسدين، بل يمنحهم فرصة أخرى للبقاء، بينما المشاركة الواعية يمكن أن تفتح بابًا حقيقيًا للتغيير، حتى وإن بدا الطريق طويلاً وصعبًا.
نحن أمام عملية انتخابية مصيرية، قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة في تاريخ العراق. والمسؤولية لا تقع على الناخبين فقط، بل على جميع النخب الفكرية، والإعلامية، والدينية، ومنظمات المجتمع المدني، الذين يجب أن يعملوا على رفع مستوى الوعي العام، وتشجيع المشاركة السياسية الفعّالة، ومحاربة ثقافة “الصوت لا يغير شيئًا”.
لا بد أن نؤمن أن التغيير لا يأتي دفعة واحدة، لكنه يبدأ بخطوة. وهذه الخطوة هي أن نذهب إلى صناديق الاقتراع بعقل واعٍ، ونختار الأصلح، لا الأقرب ولا الأشهر، بل من نراه قادرًا على تمثيل طموحاتنا وحماية مصالح شعبنا.
الصوت قوة ناعمة بيد الشعب وهو أمانة، والفرصة قد لا تتكرر. فهل نضيعها؟
هناك سؤال قد يتبادر لنا اذا استمر العزوف عن المشاركة بالانتخابات هل سيكون هناك سيناريو لتغيير النظام ؟ او احتمال عودة القوى الشمولية وتذهب تضحيات الشعب العراقي في سبيل الخلاص من الطفاة هواء في شبك؟
وهو سؤال فلسفي سياسي وجودي معا،في غاية الأهمية ويمس جوهر الصراع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم، لكن في البداية يجب ان  نوضح  تبعات العزوف عن الانتخابات بشكل صريح ومنطقي:

1. الاستمرار في العزوف عن الانتخابات خطر حقيقي؛

إذا استمر العزوف الشعبي عن المشاركة في الانتخابات، فهذا لا يعني أن النظام سيتغير أو أن السلطة ستُفرغ من الفاسدين تلقائيًا، بالعكس، المقاطعة تفتح الباب أمام القوى المنظمة والمستفيدة من الوضع القائم لتعيد إنتاج نفسها بشكل شرعي عبر صناديق اقتراع فارغة من صوت الشعب الحقيقي، وهذا يُضعف شرعية الدولة أمام الناس، ويُعزز سطوة القوى غير الديمقراطية – وهناك احتمال لعودة البعث تحت غطاء او مسمى جديد ، تحمل نزعة شمولية.

2. الفراغ الديمقراطي يولد أنظمة قمعية؛ 
ان التاريخ السياسي، في العراق وخارجه، يثبت أن الفراغ الديمقراطي لا يبقى فراغًا، فحين يفقد الناس الأمل بالصندوق، يبدأ الحديث عن “الحل الخارجي”، أو “الرجل القوي”، أو “الانقلاب”، أو حتى “عودة الطاغية لكن بنسخة جديدة”، وهذه بوابة خطيرة جدًا قد تُعيد العراق إلى أنظمة شمولية لا تحترم إرادة الشعب، وتُجهض تمامًا ما قدمه العراقيون من تضحيات جسيمة في سبيل إسقاط الدكتاتورية وبناء دولة عادلة.

3. تضحيات الشعب لا يجب أن تُترك ادراج الرياح
من غير المنصف أن تُنسى دماء آلاف الشهداء الذين خرجوا ضد الظلم، فقط لأن البعض فقد الأمل أو شعر بالإحباط، فالشهداء لم يخرجوا ليروا الفاسدين يعودون من بوابة المقاطعة، بل خرجوا من أجل أن نعيش جميعًا في بلد يحترم الإنسان، والقانون، والعدالة الاجتماعية.
لكن  ما هو الحل؟
الحل لا يكمن في الهروب من الديمقراطية، بل في تصحيح مسارها؛ من خلال الوعي الانتخابي وحث الناس على  المشاركة الواعية ودعم الكفاءات الوطنية والنزيهة، و كسر هيمنة المال السياسي والسلاح المنفلت بالصوت المسؤول،
والضغط الشعبي المستمر بعد الانتخابات، لا يترك الساحة بعد التصويت.
ان الانسحاب من اللعبة الديمقراطية والزعل منها والانزواء  لا يُسقط اللاعبين الفاسدين، بل يمنحهم فوزًا مجانيًا سهلا.
وإذا ضاعت هذه الفرصة، فإن خطر عودة الأنظمة الشمولية أو سيطرة قوى اللادولة سيصبح أمرًا واقعًا، وتضحيات الشعب ستُصبح بالفعل “هواءً في شبك” ما لم يُترجم الغضب إلى فعل سياسي منظم وواعٍ.

سكرتير التحرير

www.saymar.org

alsaymarnews@gmail.com

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً