أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / الشعار فوق مدخل الدعوة يفشي بلاديمقراطيته

الشعار فوق مدخل الدعوة يفشي بلاديمقراطيته

السيمر / الخميس 25 . 01 . 2018

ضياء الشكرجي

کلما ظهرت في الأخبار صورة مدخل المركز العام (مطار المثنى) لحزب الدعوة الإسلامية، وأرى صورة المفكر الإسلامي والمرجع والمؤسس، أو أحد أبرز المؤسسين، لحزب الدعوة الإسلامية، محمد باقر الصدر، الذي أعدمه الطاغية في نيسان 1980 مع أخته آمنة حيدر الصدر المعروفة بـ(بنت الهدى)، بعد تعذيبهما تعذيبا بشعا، وتحمل الصورة مقطعا من النداء الثالث الذي وجهه الصدر في حينها إلى الشعب العراقي، أو لنقل إلى المسلمين العراقيين على وجه الخصوص، ألا هو المقطع أدناه:
«أنا معك يا أخي وولدي السني، بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي، بقدر ما أنتما مع الإسلام»؛
كلما أرى تلك الصورة مع العبارة أعهلاه أفكر أن أكتب مرة أخرى حول قضية سبق وأثرتها في إحدى مقالاتي منذ سنوات عديدة. ذلك إن وضع هذه اللوحة على مدخل الحزب له دلالاته على عدم إيمان حزب الدعوة بالديمقراطية، وبالدولة المدنية، بل وحتى بدستور 2005، مع ما على الدستور من ملاحظات.
دعوني أوضح أسباب هذا الاستنتاج. طبعا ليس لي أن أعترض على حزب الدعوة اعتزازه بتاريخه وبرمزه ومؤسسه محمد باقر الصدر، لكن أن تعتلي صورته المدخل الرئيس للمقر العام للحزب وبهذه العبارة بالذات، يدل على أن الحزب ما زال لم يتخل عن هدف تأسيس (الدولة الإسلامية)، لأن هذا الهدف كان من أساسيات الفكر السياسي لمحمد باقر الصدر، ولو إني لا أستبعد أنه كان سيتخلى عن هذه النظرية الإسلامية للدولة، لو كتب له أن يعيش إلى يومنا هذا. قلت لا أستبعد، ولم أجزم بحتمية تحقق هذا التوقع الذي لا يعلم ما إذا كان سيحصل أو لن يحصل إلا الله. لكن على الأقل كانت هذه نظرية الصدر حتى لحظة إعدامه على يد نظام المجرم صدام. بل نفس العبارة أعلاه وتكملتها التي سأشير إليها تثبت ما أذهب إليه. فقوله «أنا معك يا أخي وولدي السني، بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي، بقدر ما أنتما مع الإسلام»، فهو في هذا النداء، صحيح يتجاوز الطائفية، وهذا يحسب إنصافا له، لكنه لا ييدو مهتما بالمواطنين من غير المسلمين، بل يخص بالذات المسلمين الملتزمين (المتدينين)، بل يذهب إلى ما هو أخص، فيعني بالذات المؤمنين بالإسلام السياسي، لأنه بقوله «أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام»، يعني بكل تأكيد آنذاك الإسلام الذي كان يتبناه، وهو الإسلام السياسي، الذي كان يعمل من أجل أسلمة المجتمع، وإقامة الدولة الإسلامية، التي كان في البداية يراها منفردا من مراجع الشيعة على أساس نظرية الشورى، التي هي من أساسيات الفكر الإسلامي السني، لكنه تحوّل متأثرا بالخميني إلى ولاية الفقيه، لكن نظريته في ولاية الفقيه كانت تختلف قليلا عن نظرية الخميني، وذلك عندما ميّز بين دور الشهادة (أي الرقابة) ودور الخلافة (أي الإدارة السياسية للدولة)، اللذين كان يراهما متحدَين حصرا في المعصوم، بينما تكون الشهادة وحدها في زمن عدم وجود المعصوم للفقيه، بينما تكون الخلافة للأمة. على أي حال تبقى الدولة الإسلامية دولة إسلامية، فهي بكل صيغها متعارضة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة، ويبقى الفرق بين نظرية ونظرية أخرى للحكم الإسلامي في درجة التعارض، وإلا فالتعارض مع ما ذكر ثابت في كل الأحوال.
والنص أعلاه الذي ينتهي بعبارة «معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام»، تكمله عبارة «وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم [يعني مشعل الإسلام] لإنقاذ العراق من كابوس التسلط والذل والاضطهاد». ثم يضيف في ذلك النداء: «وإني منذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسني على السواء، ومن أجل العربي والكردي على السواء، حيث دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعاً [يعني رسالة الإسلام] وعن العقيدة التي تضمهم جميعاً [يعني العقيدة الإسلامية]، ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع». أرجع وأؤكد احتمالي الكبير أن المفكر الشهيد كان سيعيد النظر في نظريته تلك، لو قدر له أن يعيش أكثر من عمره المحدود، إذ كان في السابعة والأربعين من عمره يوم إعدامه.
ماذا كنا سنقول لو وضع الحزب الشيوعي على مدخله الرئيس صورة ستالين، بل حتى لو وضع صورة لينين، ثم وضع جملة لأحدهما تدعو إلى إقامة دولة خاضعة لـ(ديكتاتورية الطبقة العاملة) بقيادة الحزب الشيوعي كحزب وحيد يقود دولة (الپروليتاريا) والعملية السياسية؟ ومراعاة للمشاعر لا أريد أن أضرب أمثلة أخرى، خشية أن أفهم بأني أساوي بين شخصيات ديكتاتورية ومرفوضة في الجو العام مع محمد باقر الصدر.
طبعا الأحزاب الإسلامية الشيعية الأخرى هي أسوأ بكثير من حزب الدعوة، وأفضلها تساويه سوءً.
لذا كنا نتمنى من العبادي أن يعلن استقالته من حزب الدعوة، ويشكل كتلة مدنية عابرة للطائفة، بل وللدين والقومية، وألا يتحالف مجددا مع قوى الإسلام السياسي الشيعية التي دخلت تحالفه فأحدثت خيبة أمل عند كثيرين، من الذين كانوا يعوّلون عليه. فهل سيفعل ذلك بعدما يحصل على الولاية الثانية؟ لا ندري.
وما زال الناخبون بتقديري حائرين، بين أن ينتخبوا العبادي دون انتخاب الأحزاب الإسلامية المتحالفة معه، وبين أن ينتخبوا (سائرون) أي تحالف الشيوعيين والصدريين، على أن يمنحوا أصواتهم للعلمانيين والمدنيين، أم ينتخبوا التحالف المدني الديمقراطي من القوى المتبقية من مشروع (تقدم)، أم يعزفوا عن المشاركة في الانتخابات، أم يضعوا ورقة بيضاء، كما رجحه اليوم غالب الشابندر كخيار على خيار المقاطعة. ربما يكون الخيار الأفضل أن يشارك كل منا بمنح صوته لمن يعتقد بأهليته للتغيير والإصلاح سواء كان شيوعيا أو علمانيا أو كان مدنيا، أو كان العبادي دون غيره من الإسلاميين، إذا اقتنع بفائدة تجديد الولاية له، وكان يعتقد أنه سيمضي في طريق الإصلاح والبدء الفعلي بكشف الفاسدين الكبار ومقاضاتهم، كبداية للطريق الطويل جدا لاجتثاث الفساد، كما عبر غالب الشابندر. إعطاء صوتك لمن تقتنع به وتحتمل حصوله على الأصوات الكافية، حتى لا يضيع صوتك، فيكون لصالح السيئين، لعله أفضل من منح صوتك إلى من تقتنع به ولكن لا تحتمل حصوله على الأصوات الكافية، وهذا الخيار أفضل من وضع ورقة بيضاء، ووضع ورقة بيضاء ربما أفضل من المقاطعة، مع وجوب احترام من يختار المقاطعة برأيي، إذا كان قرار المقاطعة ليس من قبيل عدم المبالاة، بل من خلال قناعة توصل إليها، وإن اختلفنا معه، ولا يجوز اتهام من يقاطع بعدم وطنيته وعدم حرصه على العراق.
ما زال هناك متسع من الوقت، فلعل الأيام ستدعونا إلى بلورة موقف أكثر وضوحا نتحمل المسؤولية الأخلاقية والوطنية للترويج له، في حال كان هناك من يتأثر بما نروّج له، وإلا فقد عبرنا عن رأينا، مع احترامنا لمن يخالفنا في النتائج مع اتفاقه معنا في المنطلقات الوطنية والمدنية والديمقراطية والإصلاحية.

24/01/2018

اترك تعليقاً