السيمر / الأحد 04 . 03 . 2018
علي قيس
حصل الطلاق أخيرا بعد أن دفع سيف محمد (37 عاما) خمسة آلاف دولار لعشيرة “استأجرها” أهل طليقته.
تبدأ قصة سيف (كما طلب الشاب تسميته) عندما تشاجر مع أهل زوجته، وطلبوا منه تطليق ابنتهم، لكنه رفض.
وفي أحد الصباحات، طرق أشخاص يرتدون الزي العشائري باب منزل الشاب في حي العامرية شمال بغداد، وأخبروه أنه “مطلوب عشائريا”.
تقدم سيف بشكوى في مركز الشرطة. نصحه الضابط أن يحلّ الموضوع عشائريا مع استعداده لإكمال إجراءات الدعوى، لكن سيف تفاجأ عندما وجد الطرف الخصم قد استأجر شيوخ عشيرة.
ويقول “بعد البحث توصلنا إلى أن هؤلاء الخصوم ذهبوا إلى مكان يتم فيه تأجير وجهاء وشيوخ عشائر”.
قبل هذا الحادث، لم تكن لعائلة سيف وعائلة زوجته ارتباطات عشائرية، العائلتان تقطنان في بغداد بعيدا عن الأعراف القبيلة.
“العطوة”
رضخ سيف للعطوة (مهلة زمنية تمنح للخصم العشائري قبل الجلوس في المحكمة العشائرية)، وقرر البحث بدوره عن عشيرة. “كان المعيار لدي قوة العشيرة التي سأؤجرها”.
“تلقيت عروضا كثيرة”، يوضح سيف، فمبالغ إيجار الشيوخ ترتفع كلما كان الحل أسهل للمشكلة، كما يعتمد سعر الشيخ على “سطوته وحجم استجابة العشائر الأخرى لكلمته، بالإضافة إلى نفوذه داخل مؤسسات الدولة”.
استقر به المطاف في ديوان منزل أحد الشيوخ من مدينة الصدر، الذي تكفل بحل المشكلة، مقابل مبلغ مالي قدره ربع مبلغ الفصل الذي سيدفعه سيف للعشيرة الخصم.
“والمفارقة أن العائلتين استأجرتا شيوخ عشائر شيعية”، كما يصف سيف المتحدر وزوجته من عائلتين سنيتين.
الفصل بدأ بمبلغ ضخم، 200 مليون دينار (ما يعادل 160 ألف دولار) لكنه انتهى إلى ستة ملايين (5 آلاف دولار)، بعد “مبارزة كلامية” بين الطرفين و”مهارة في رمي التهم على الآخر. ووصل الأمر إلى حد تهديدي بالقتل”.
كانت هناك مصاريف أخرى تتضمن مبالغ الطعام وبطاقات شحن رصيد الموبايل (أجور الاتصالات) وأجور النقل لشيخ العشيرة والأشخاص الذين يرافقونه في جلسة الفصل، يضاف لها هدايا يطلبها الشيوخ المساعدون أو الثانويون الذي يحضرون في جلسة حل النزاع.
ويلفت الشاب سيف إلى أن “شيخي العشيرتين، الخصم والحليف، كانا متفقين مسبقا على الحل في اتفاقات مبطنة”.
اشتراك العشيرة الشهري
بعد حل المشكل بالاتفاق على الطلاق ودفع سيف المبلغ للعشيرة الخصم، “بدأ الشيخ ينصحني بالانضمام إلى عشيرته، من خلال دفع مبلغ اشتراك شهري، حتى يقف معي في المشاكل”.
لكن العرض كان مشروطا، فالعشيرة تتكفل بالتدخل في حل المشاكل البيضاء، كحوادث السير والشجار، وفق الوصف العشائري، دون التدخل في المشاكل السوداء، التي هي القتل والاغتصاب والاعتداء على حرمة المنازل ومخالفة قوانين الدولة، بحسب سيف.
يفكر الشاب سيف جديا بالانضمام إلى عشيرة الشيخ وليد لأن “المجتمع بدأ يتجه ويشجع هذا الاتجاه”.
ويقول سيف “أغلب الشباب في بغداد بدأوا يتوجهون للانتماء إلى العشائر لضمان قوة إلى جانبهم بديلة لقوة القانون المعطلة”، مضيفا “عادة هؤلاء الشيوخ والوجهاء يمتلكون السلاح والنفوذ داخل مؤسسات الدولة”.
تنامت ظاهرة العشائر المؤجرة كثيرا في الفترة الأخيرة
يقول علي نعمة المكصوصي، شيخ عموم عشيرة المكصوصيين “هؤلاء ليسوا شيوخ عشائر أصلاء، يدعون أنهم شيوخ وهم ليسوا كذلك”، مضيفا في حديث في المحافظات الجنوبية هذه الظاهرة غير موجودة، بل يقتصر وجودها في بغداد، “بسبب ضعف الأواصر العشائرية لدى الكثير من العوائل”.
ويقدم شيوخ العشائر الذين يعملون بالإيجار خدماتهم “لأي شخص، خصوصا من الذين لا ينتمون إلى قبيلة، أو المطرودين منها، أو الذين ابتعدوا وقطعوا علاقاتهم مع عشائرهم، أو ابناء الديانات الأخرى”.
ويوضح المكصوصي المقيم في محافظة البصرة “في بغداد يستغل هؤلاء الشيوخ علاقاتهم بالعشائر الأخرى، إضافة إلى لباقة اللسان في حل المشاكل”.
وقد تقتصر في بغداد أغلبية النزاعات على المشاكل العائلية والمالية، لكنها في المحافظات الجنوبية تصل إلى حد مشاريع كبيرة، “موضوع استثمار حكومي تنازعت عليه عشيرتان”.
“الودّاي”
لكن الشيخ وليد المحمداوي وهو أحد الشيوخ الذين “يعملون” بحل الخلافات العشائرية، يعتبر أن ما يقدمه “خدمة لإنصاف الشريحة الضعيفة في المجتمع”.
ويقول الكثير من العشائر الآن فيها مسيحيون وصابئة، لأن نظام البلد اتجه نحو القانون العشائري”.
ويسمى وضع سيف وأمثاله وفق المصطلح العشائري “الودّاي”، وهو الذي يطلب الود والتقرب إلى عشيرة ليست بعشيرته.
ويطلق على الشيوخ المستأجرين في الوسط العشائري اسم “مستحدثي النعمة”.
وهم الأشخاص الذين يدعون انتماءهم إلى مشايخ العشائر من أجل استغلال موقعهم الاجتماعي في الحصول على مكاسب مالية، بحسب المحمداوي.
ويعتبر رئيس لجنة العشائر في مجلس النواب العراقي عبود العيساوي، ما يقوم به “مدعي المشيخة”، بأنه “نوع من حالات النصب والاحتيال”.
ويقول العيساوي نحن كلجنة عشائر برلمانية إضافة إلى مديرية العشائر في وزارة الداخلية ولجنة العشائر في مكتب رئيس الوزراء “نعمل على مكافحة هذه الحالة وفق الأطر القانونية”.
ويلفت العيساوي إلى أن “المشايخ معروفون ومعدودون، لكن الوضع العام في البلد أدى إلى بروز مدعي المشيخة، وهم بالحقيقة تجار مشاكل”.