السيمر / الثلاثاء 17 . 07 . 2018
هشام الهبيشان – الأردن
تزامناً مع تصعييد وتكثييف الجيش العربي السوري لقصفه الصاروخي لبعض البؤر التي تتواجد بها مجاميع إرهابية وخصوصاً على المحور الممتد من ريف اللاذقية الشمالي، وريف إدلب الغربي المتصلين جغرافياً وريف حماة الشمالي الغربي المحاذي لهما،هذا القصف والتمهيد المدفعي يؤكد أن هناك عملية برية وشيكة يمهد لها الجيش العربي السوري في عموم هذه المناطق رغم محاولة التركي اعاقة هذه العملية ،وهذه العملية الوشيكة تتزامن مع فشل غزوة المجاميع الإرهابية لنقاط الجيش العربي السوري ببلدة عطيرة شمال ريف اللأذقية ، والتي رد عليها الجيش العربي السوري بعملية “محدودة ” برية – جوية عسكرية عكسية أنهت هذه الغزوة وكبدت المجاميع الغازية خسائر فادحة ليس فقط في محيط بلدة عطيرة بل أيضاً في عمق ريف ادلب الغربي .
وهنا يبدو واضحاً أن معظم الأهداف التي سعت لها المجاميع الإرهابية المسلحة ومن خلفها داعميها في أنقرة وبعض من في واشنطن من وراء هذه الغزوة قد فشلت جميعها ،فاليوم بأمكاننا القول أن هذه الغزوة هي العملية الهجومية ” الانتحارية “الأخيرة لهذه المجاميع المسلحة الإرهابية في ريف اللأذقية الشمالي،فـ المطلوب من هذه الغزوة كان السيطرة على مناطق واسعة في جبلي الأكراد والتركمان وعودة التهديد لمعظم مناطق الساحل السوري ، فالعملية كانت تحت رعاية تركية خالصة ، وتم التمهيد لها مدفعياً وصاروخياً من داخل الأراضي التركية وتزامن مع هذا التمهيد التركي تحرك المجاميع الإرهابية برياً “الفرقة الأولى”، و”الفرقة الثانية”، و”فيلق الشام”، و”هيئة تحرير الشام” وباتجاه واحد بهدف احداث خرق وضغط كبير يفضي إلى فجوة عسكرية نحو مناطق جبلي التركمان والأكراد ،وهو ماادى فعلياً لأحداث خرق ميداني و”لساعات معدودة ” ،وتعامل معه الجيش العربي السوري بحنكة وحرفية ميدانية ، وتم بالمحصلة استيعاب هذه الغزوة “الانتحارية “وتكبييد المجاميع الإرهابية الغازية خسائر فادحة ، والأهم كان هو اسقاط المشروع التركي قبل ولادته بريف اللأقية الشمالي .
وهنا ، لا يمكن انكار حقيقة أن ماجرى بريف اللأذقية الشمالي تحديداً ،هو تهديد حقيقي لأمن المناطق الأمنة بعموم مناطق محافظتا اللأذقية وحماة ، وأثبت بالمحصلة أن الحل الوحيد للتعامل مع ملف ريف اللأذقية الشمالي وريف حماه الشمالي وريف ادلب الغربي هو الحسم العسكري لصالح الجيش العربي السوري،بعد فشل جملة محاولات روسية – إيرانية ومن خلف الكواليس وعبر تفاهمات الأستانة لإنجاز تفاهمات مع التركي تفضي إلى مصالحات وطنية في أكثر من منطقة وبؤرة مسلحة في عمق ريف اللأذقية الشمالي تحديداً ، فالتركي لليوم مازال يدعم المجاميع الإرهابية في بلدات وقرى الحياة وشحرورة وسلور وكلس واليمضية وشنبر وعين عيسى في مناطق جبل التركمان والمحاذية للحدود السورية – التركية من جهة محافظة اللأذقية ، بالأضافة إلى زيادة النظام التركي لأنتشاره العسكري ولعدد نقاط التثبيت ،وخصوصاً في قرية شنبر بين جبل الأكراد وجبل التركمان، وقرية اشتبرق الواصلة بين ريف اللأذقية الشمالي الشرقي وادلب الغربي ، والهدف التركي من وراء ذلك هو منع واعاقة أي تقدم للجيش العربي السوري إلى عموم مناطق تواجد المجاميع الإرهابية في مثلث ريف اللأذقية الشمالي وريف حماه الشمالي وريف ادلب الغربي ،والواضح اكثر هنا ،أن التركي لليوم مازال لايرغب بتواجد الجيش العربي السوري والدولة السورية بالمناطق السورية الحدودية المحاذية للحدود التركي تحديداً .
الدولة السورية بدورها ،وبعد غزوة المجاميع الإرهابية “الفاشلة ” مؤخراً لريف اللأذقية الشمالي ،من المؤكد أنها حسمت قرارها نحو عملية عسكرية “برية ” لتحرير كل البؤر الإرهابية المسلحة المتبقية بعمق ريف اللاذقية الشمالي تحديداً ، وخصوصاً مع ازدياد تهديد هذه المجاميع الإرهابية للمناطق الأمنة ، وهنا يبدو واضحاً وعلى صعيد المسار السياسي ان هذه التطورات بدأت تلقي بظلالها على دوائر صنع القرار بالعواصم الراعية لتفاهمات الأستانة وخصوصاً الروسي “الذي لايريد أن تذهب الأمور نحو أي عملية اشتباك عسكري مباشر سوري – تركي “، ورغم كل هذا ،فالواضح أن الدولة السورية حسمت قرارها ، ووضعت كل الخيارات على الطاولة وحضرت لكل خيار رد مناسب ، فمن ذهب للجنوب ورغم كل الخطوط الحمر ،لن تمنعه أي قوه للتوجه للشمال .
هذه التطورات بمجموعها شمالاً ،تتزامن مع الوقت الذي بدأت تراقب به معظم دوائر صنع القرار في العالم والمعنية بتطورات الحرب على سورية مسار مابعد معركة درعا “جنوباً “.. ومسار معركة تحرير القنيطرة”جنوب غرب ” ،فالمرحلة المقبلة سيكون عنوانها كما تؤكد دمشق “تحرير كل المناطق التي تتواجد بها المجاميع المسلحة من الجنوب للشمال وصولاً للشرق ” ، فمجموع هذه المعارك التحريرية “الكبرى” تعتبر في توقيتها ونتائجها المستقبلية عنواناً لمرحلة جديدة من عمر الحرب المفروضة على الدولة السورية، فـ اليوم يقترب انطلاق المعركة التحريرية الكبرى “شمالاً “والمتوقعة ان تكون على مراحل ولن تتوقف عند ريف اللأذقية الشمالي بل ستمتد إلى جسر الشغور وما بعد جسر الشغور “غرب ادلب “.
ختاماً ، من الواضح انه قد بدأت تأثيرات معارك تحرير الشمال السوري تظهر على أرض الواقع قبل بدايتها ، وفي تصريحات وتحليلات واهتمامات الأتراك تحديداً ،والذين هددوا بالتدخل عسكرياً إذا ذهبت الدولة السورية نحو الخيار العسكري شمالاً ، ولكن كل هذا لا يخفي حقيقة أن الأتراك يخشون فعلياً من عمليات نوعية وخاطفة للجيش العربي السوري والقوى المؤازرة تؤدي لتقدم الجيش العربي السوري إلى عمق مناطق تواجد المجاميع الإرهابية في ريف اللأذقية الشمالي وريف ادلب الغربي وتكسر كل الخطوط الحمر التركية وتجبر التركي على الأنكفاء نحو عمق محافظة ادلب ومنها إلى اقصى شمال وشمال شرق حلب “عفرين وجرابلس والباب ” ،وهذا بحال حدوثه “وسيحدث “سيشكل ضربة قاسمة للدور التركي “شمال سورية “وعندها سيتلقى التركي هزيمة جديدة، وقد تكررت هزائمه في الآونة الأخيرة في مناطق عدة في الشمال السوري ، فتحرير ماتبقى من“ ريف اللأذقية الشمالي ”يعني للتركي سقوط كل ما يليه كأحجار الدومينو، وبالتالي خسارة جديدة وكبيرة للتركي وهذا ما لا يريده التركي اليوم ،ولذلك اليوم نرى هناك حالة هلع وهستيريا يعيشها التركي ،فـ حقائق وتطورات الواقع تؤكد أن التركي اصبح امام خيارين لاثالث لهما ، اما القبول بالذهاب نحو تسويات شاملة لملف الشمال السوري وبشروط الدولة السورية وذلك سيكون على الأرجح ” تحت ضغط الروس تحديداً”وهذا هو الحل الافضل والانجع للأتراك ،أو مواجهة تقدم الجيش العربي السوري ،وهذه المواجهة لن تصمد طويلاً نظراً لعدة عوامل ليس أولها ولا اخرها ان هامش وخيارات المناورة التركية شمالاً اصبحت محدودة جداً ، وهناك متغيرات دولية واقليمية تفرض على التركي بالنهاية الانصياع لشروط الدولة السورية.
* كاتب وناشط سياسي