الرئيسية / مقالات / سلسلة أيامي : عيني وبصري / 1

سلسلة أيامي : عيني وبصري / 1

السيمر / الثلاثاء 07 . 08 . 2018

معمر حبار / الجزائر

السّاعة الآن 01 و13 دقيقة صباحا، حيث عزمت بإذنه تعالى على أن أشرع من اليوم في كتابة أيامي تحت سلسلة “أيامي”، بما استطاع المرء أن يستحضره من ماضيه، وبما له علاقة بالحياة الفكرية، على أن لا تكون هذه الأيام متسلسلة عبر الزّمن، إنّما تكون حسب الموضوع الذي استطعت استحضاره، وله علاقة بالحياة الفكرية بصاحب “أيامي”، لأنّي ما زلت أعتقد أنّ الحياة الشخصية لها علاقة بالحياة الفكرية ولا يمكن الفصل بينهما، بل هما امتداد لبعضهما البعض. و إذا كتب الله لهذه “الأيام” التمام والكمال، واستطاع صاحبها أن يعيدها حسب الزمان، فإنّ ذلك مما يرجوه ويتمناه.
سبق لصاحب “أيامي” أن كتب عن أيامه التي يعيشها باستمرار كلّما تطلب المقام ذلك، وستتحوّل هذه الأيام إلى ماضي يجب أن يستحضر حين تطلبه الذاكرة، وهو يريد بهذا استحضار ماضي سبق بحاضر سيغدو ماضيا، أطلق عليه عنوان “أيامي”، ومنه:
نحن الآن في السنة السّادسة ابتدائي أي العام الخاص بامتحان المرحلة الابتدائية التي كانت تدوم 6 سنوات وليس 5 سنوات كما هو عليه الآن، والسنة الدراسية 1976-1977 فيما أتذكّر، وبتعبير سكان “الأصنام” سابقا و “الشلف” حاليا، قبل زلزال الأصنام 10 أكتوبر 1980 بأربع سنوات.
قمت ذات يوم من النوم صباحا لأتّجه إلى المدرسة الابتدائية بـ “حي بن سونة” التي لم تكن تبعد عن بيتنا كثيرا، لكن لم أستطع فتح عيني من شدّة ما أصابها من “ع۟مٙش۟”. وأتذكّر جيّدا أنّي بكيت بكاء مرّا وبكى الوالدين رحمة الله عليهما لأجلي، لأنّي خشيت أن لا أمتحن بسبب عيني، وبصعوبة بالغة ذهبت إلى المدرسة، ومن يومها ظلّت تؤرقني عيني وتزعجني في النوم واليقظة، ولم يكن يومها للعائلة ثقافة الذهاب إلى الطبيب خاصّة إذا تعلّق الأمر بحالات “بسيطة” كحالتي، ولم يكن للأسرة ما يكفي من مال لتنفقه على الابن الذي يشكو عينيه.
وظلّ الوضع على حاله، ومرّت سنوات الابتدائي، والمتوسط، والثانوي، والجامعي وإلى أن تخرجت من الجامعة في جوان 1990، وقدّمت طلبات عمل لهيئات علمية وإدارية، ومنها لـ “مديرية الأمن الوطني”، لاجتياز امتحان ضابط شرطة.
اجتزت امتحان الكتابي بامتياز، وكذا الامتحان النفسي، والرياضي باعتباري كنت أمارس الرياضة وأنا طالب في الجامعة في الملعب المجاور لملعب 5 جويلية بالعاصمة، والفحص الطبي الذي كان رائعا، وكانت الصدمة عنيفة حين طلب مني طبيب الشرطة أن أقرأ الحروف المعلّقة على الجدار ولم أستطع قراءتها، وطلبت منه أن أحاول مرّة ثانية ولم أستطع قراءتها من جديد، فطلب منّي أن أبقى جانبا، وكتب في الملف: لا يصلح للانضمام إلى الشرطة بسبب ضعف بصره.
خرجت من مقرّ الشرطة بالعاصمة حزينا، إلاّ أنّ طالبا درس معي “العلوم السياسية والعلاقات الدولية” وهو من “القبّة” لا يحضرني الآن اسمه، أعاد لي الأمل ونحن نخرج سويا من المقر، قائلا: لا تقلق يا سي معمر، لعلّ الله يجعل لك خيرا، وفعلا كان الخير كلّه بعد ذلك الرفض، وسنخصّص لتلك الأيام أسطرا تليق بها.
عزمت على زيارة الطبيب من يومها وضع النظارة التي أكتب بها الآن هذه الأسطر. كانت أوّل زيارة لي لطبيب العيون “عرفي” المقابل يومها “للشركة الوطنية للسوناكوم”، وأتذكّر جيّدا أنّي قلت له: لكنّي أرى جيّدا، فغضب الطبيب منّي، وقال لي بصوت فيه حدّة وغضب: أنت لا ترى، لأنّك تعتمد على عين واحدة، ومثلك كمثل من يمشي على رجل واحدة، وإذا لم تضع النظارة ستفقد بصرك نهائيا، ثمّ أخبرني أنّ عيني اليمنى ضعيفة جدّا، ودرجتها 2.5/10، وهي نسبة ضعيفة جدّا وخطيرة جدّا، أعرف الآن خطورتها و أهميتها، وأسأل الله دوما أن يحفظني في بصري وبصيرتي.
لم أنقطع من يومها عن زيارة طبيب العيون، فقد زرت فيما بعد طبيب العيون “بوغراب”، وآخرهم الطبيب الفلسطيني المقيم بالجزائر الذي زرته هذا الأسبوع.
حدّثني الأطباء أنّي ولدت بهذا الضعف في البصر، وأنا الذي كنت أعتقد أنّ أخي “العيد” رحمة الله عليه، وهو أصغر منّي بأربع سنوات باعتباره من مواليد 1970، هو سبب الحادثة حين ضربني وأنا طفل صغير على حين غرّة بما كانت تلبسه يومها الأم رحمة الله عليها والمعروفة عندنا بـ “جٙر۟فٙاكٙة”، وكانت غليظة متينة كما هو شأن الصناعات في تلك الأيام.
إنّه لمؤسف حقّا أن لا يعرف المرء بأنّه ضعيف البصر إلاّ بعدما يتخرّج من الجامعة وهو في عمر 24 سنة، أي ربع قرن وهو لا يشعر أنّه ضعيف البصر.
أعترف أنّ هاجس فقدان البصر يراودني من حين لآخر، لأنّه لو أصيبت العين اليمنى الضعيفة جدّا بمكروه فسأفقد البصر، وما زلت أتساءل: من ذا الذي يتحمّلني ويقرأ لي؟ وكيف أكتب؟ وكيف أقرأ؟. وقد وصل بي الحال أنّي أسابق الزّمن في القراءة والكتابة خشية أن يحلّ بي ما أخشاه وأضيّع على نفسي وقرّائي حلاوة القراءة ومتعة الكتابة.

اترك تعليقاً