الرئيسية / مقالات / الجبهة السورية وهضبة الجولان / قاطع الجيش العراقي

الجبهة السورية وهضبة الجولان / قاطع الجيش العراقي

السيمر / الاثنين 08 . 10 . 2018

حامد گعيد الجبوري

الجزء الرابع :
تابعنا مسير وحدتنا متوجهون نحو محافظة درعا التي تبعد عن العاصمة دمشق حوالي 120 كم ، كانت وحدتنا تسير قاطعة شوارع العاصمة دمشق والشعب السوري عبارة عن خلية نحل، الشباب الخريجون وطلاب الكليات متطوعون لرفد الجبهة وما تحتاجه من المقاتلين والخدمات اللوجستية، الشابات الخريجات وطالبات الجامعة والمدارس الثانوية متطوعات للعمل في المستشفيات التي استنفرت بكاملها لعلاج المصابين من القوات المسلحة، الشيوخ من الرجال والنساء والأطفال أصطفوا على أرصفة الشوارع التي تمر بها الوحدات العسكرية وأكثرهم يحملون بإيديهم ( العيش السوري) الخبز والجبن والزيتون وهي وجبة مغرية لنا نحن الذين لم نأكل من يومين سوى الوجبات الجافة والمعلبة التي تعتبر من أساسيات المعارك وخزين الوحدات العسكرية من الأرزاق الجافة ، هكذا تسميتها عسكريا ، موقف حين يراه الإنسان يشعر بالزهو وهو ينتمي لهكذا شعوب وهكذا أمة ، لابد وأن العيون تذرف دموع الفرح وانت تشاهد الصبايا والصبيان والأطفال والنساء والشيوخ يصفقون ويهتفون للجيش العراقي العظيم.
كنت أتصور أن وحدتنا العسكرية تسير على غير هدى، أعني تشتت القطعة العسكرية بسبب الأوامر بسرعة المسير، ولكن خلال هذه التوقفات القليلة عرفت أن كتبيتنا تسير ويتقدم الرتل أمر كتبيتنا يليه مقر الكتيبة ثم البطارية الأولى والثانية والثالثة وساحبة مدفعي آخر الرتل تتبعني القدمات الإدارية للكتيبة ولكل بطارياتها .
موقف لاينسى ولا ينسى :
قبل نهاية الطريق الذي سيوصلنا لطريق السويداء – درعا بقليل وخيوط الشمس بدأت تختفي قليلا، وفجأة أنقلبت العجلة عسكرية مرسيدس وهي العجلة التي تسحب المدفع الخامس من فصيلي لأسباب أجهلها ، المدفع عيار متوسط D30 وأنا أشاهد ذلك على نهاية التبليط يمين الشارع الذي يوصلنا لدرعا، هي أمامي الآن كيف مالت ، نعم انها تميل وتميل واستقرت العجلة المقلوبة على كتفها الأيمن، أستقرت على كومة من الرمل أو التراب، ربما ارتفاعه بحدود 50- 60 سم، سقط الجنود أرضا وهم يرتدون كامل تجهيزاتهم العسكرية من خوذة الرأس إلى البندقية (السيمينوف) عيار 7،62ملم متمنطقين بزمزمية الماء، ياربي هذه صناديق العتاد الحي تهاوت واحدة بعد الأخرى، هرب الناس رجالا ونساء مبتعدين عن الخطر لا إراديا، أنا أدرك لو تسقط القذيفة على الأسفلت أو على أي جسم صلب ويصطدم بالكبسولة ستكون كارثة لا يدركها أو يتداركها سوى الخالق العظيم سبحانه وتعالى، لم تنقلب العجلة أكثر مما قلت واستندت على كتفها الأيمن على تلك الكومة من التراب أو الرمل ، أستقرت صناديق العتاد واحدا فوق الآخر وكأنها تل من الخشب متصلا بما تبقى من صناديق العتاد في الساحبة المرسيدس ، 44 قذيفة مدفع يسمى عتاد الخط الأول وعتاد الخط الثاني جاهزة للرمي، كل قذيفة وزنها 46 كغم، وكل صندوق يحتوي على قذيفة واحدة مع خرطوشة مصنوعة من مادة البرونز مليئة بالبارود الحي وزنها مع البارود 36 كغم، الصندوق الخشبي بطول 75 سم وعرض 50سم وبإرتفاع 40 سم، أستقرت العجلة، هرب الناس بعيدا ولم تهرب من حادث إنقلاب العجلة سوى إمرأة واحدة بعمر 40-50سنة تقريبا وهي تصرخ ابنتي تحت العجلة المقلوبة ، لم يحدث انفجار والمدفع لم ينقلب مع العجلة ولاتزال عتلة سحب المدفع بمكانها المخصص للسحب، هرع الناس لنجدة الجنود بعد أن اطمأنوا أن الساحبة لا تشكل خطورة كبيرة عليهم، ربما هذا تصورهم، وربما هرعوا بدافع وطني إنساني وهذه هي الحقيقة، حين سمعوا صوت المرأة ( ابنتي تحت العجلة) ، قرار حاسم وسريع يجب أن اتخذه ولكن كيف اسيطر على هذا الجمع الذي تطوع لا إراديا لنجدتنا، صاح أحدهم إسمعوا إنصتوا الصبية تبكي، وانا بدوري اصرخ أزيحوا صناديق العتاد بهدوء، إياكم ورميه خوفا من حدوث أي طارئ، بدأ الرجال يرفعون الصناديق ويركنوها بالترتيب بمسافة لاتبعد عن العجلة المقلوبة سوى أمتار، تعالى صوت بكاء الطفلة، حمدا لله انها حية ولكن لا نعرف هل مصابة أو لديها كسر بمكان ما، يا سبحان الله، يا للعجب العجاب وصلنا للطفلة التي قدرت عمرها 5-6 سنة ولم نجد فيها أي خدش أو جرح أو كسر، كانت وكأنها نائمة بين صندوقين للعتاد، المسافة بين الصندوقين بحدود 30 أو 40 سم، لا إراديا نحن العراقيون نصلي على محمد وآل محمد، أهلنا السوريون يرددون الله أكبر الله أكبر، الآن وبعد نجاة الطفلة تذكرت اني لم أبلغ أمر البطارية بذلك، ذهبت لعجلتي التي لا تبعد عن الحادث سوى بعض أمتار ولم أجد العريف السائق شهيد داخل العجلة، ومؤكد هو مع من يحاولون تقديم المساعدة لعجلة المدفع المقلوبة، أخبرت أمر البطارية لاسلكيا بما حدث وقال لي أنا قادم إليك، عدت لأقف قرب العجلة المقلوبة وهالني ما رأيت، أيعقل هذا، يا رب صحيح ما أرى، عدد كبير من الشباب والرجال يحاولون رفع العجلة لتعود كما كانت ، قلت لهم ليس هكذا رجاءً دعونا ننتظر عجلة إنقاذ لرفعها، قالوا ومتى ستأتي هذه العجلة، إذن هم مصممون على إنجاز ما يفكرون به، قلت أخواني أولا علينا أن ننزل صناديق العتاد من العجلة ليخف وزنها، بمجرد سمعوا الرأي الذي قلته وماهي الا دقائق وساحبة المدفع المرسيدس فارغة من كل شئ، بدأ الشباب يرددون واحد اثنين ثلاثة أرفع، تكرر ذلك أكثر من مرة ومرة وهاهي الساحبة تعود واقفة على إطاراتها مرة أخرى، شئ لا يصدق حتى بأفلام الأكشن، دقائق وعادت صناديق العتاد للساحبة ، هنا جاء لي العريف الآلي شهيد ليقول لي، ( سيدي الساحبة تسرب إلى الأرض وقودها سأسحب لها من ساحبتي الكازوويل للتعويض)، قلت له أذهب وبسرعة، في الأجزاء السابقة لم نحدثكم عن معاناة الضابط الآلي لتوفير الوقود لعجلات الكتيبة، ولم نتحدث عن معاناة المقطورات التي تملأ وكيف تملأ ومن أين تملأ بالبنزين أو بالكازويل، هذه ليست مهمتنا كضباط مدفعية بل هي من واجبات الضابط الآلي ومعاناته الشخصية، وللتاريخ أقول أن محطات التعبأة الحكومية سواء كانت في العراق أو سوريا قد صدرت لها الأوامر بخصوص ذلك لقاء مستندات رسمية توقع من قبل الضابط الآلي ومسؤول محطة الوقود، قبل أن يعود شهيد توقف الضابط الآلي الملازم ثاني تموين ونقل قاسم ولا اذكر أسم أبيه وملأ خزان ساحبة المدفع، أدار سأئق الساحبة المحرك لتشغيل الساحبة ولم تشتغل، المرة الثانية ولم تشتغل، بهذه اللحظات عاد العريف شهيد الرجل النؤوم وقال مخاطبا الضابط الآلي سيدي كيف تعمل دون أن نجري عملية( التنفيس) والرجل أسماها ولكن الحادث قبل 45 سنة ونسيت، وربما اتذكر انه قال كلمة ( نوزلات)، نعم نوزلات تذكرتها بدقة، أجرى شهيد تلك العملية وبدأ يضخ بعتلة يدوية بنفس النوزلات صعودا ونزولا حتى تساقطت قطرات من الكازوويل على الأرض، قال شهيد لزميله السائق أدر المحرك الان، يا رب انها تشتغل مرة أخرى، حمدا لك ياربي، وصل أمر البطارية الان والساحبة على الشارع العام ومحركها يعمل وصناديق العتاد عادت لمحلها، بعض الجنود تضرر أو قل تأذي قليلا من هذا الحادث، ربما أبالغ لو قلت ان كل هذا حدث بأقل من نصف ساعة ، قال أمر البطارية أين الساحبة المقلوبة؟، قلت هاهي أمامك ولاحظت علامات الدهشة بادية على محياه، لف حول الساحبة وانا معه ووجدنا أضراراً لا تكاد تذكر، قال لي حين نستقر حرر تقريراً بذلك الحادث؟، قلت أمرك سيدي، وتابعنا مسيرنا صوب محافظة درعا وهذا الليل قد أرخى سدوله على شباب من العراق يقطعون 1300 كم ليدافعو عن مقدساتهم ووطنيتهم وعروبتهم وتاريخهم المشرف، تاريخ الجيش العراقي الباسل.

ضابط عراقي متقاعد
يتبع الجزء الخامس رجاءً….

اترك تعليقاً