الرئيسية / مقالات / السياسة النفطية للحكومة الجديدة: المضامين، المبررات والمؤشرات

السياسة النفطية للحكومة الجديدة: المضامين، المبررات والمؤشرات

**السيمر / الأربعاء 10 . 10 . 2018

احمد موسى جياد

يشكل القطاع النفطي، في السنوات الاربع القادمة كما كانت عليه الحال في العقود السابقة، العمود الفقري للاقتصاد العراقي. وهذا يحتم، او يفضل،ان يكون للحكومة القادمة سياسة نفطية متناسقة واضحة المعالم والاهداف والوسائل تخدم المصلحة الوطنية. في ضوء هذه السياسة النفطية يتم مراقبة الحكومة وتقييمها ومحاسبتها بشكل دوري ووفق مؤشرات كمية قابلة للقياس والمقارنة والتحقق.
تهدف هذه الدراسة الى تقديم مقترح لما يفترض ان تتضمنه السياسة النفطية في العراق خلال السنوات الاربع القادمة يتم بموجبه مراقبة وتحليل وتقييمنشاط الحكومة الجديدة في مختلف جوانب القطاع النفطي. يتضمن المقترح تحليل ومناقشة الفقرات التالية: هيكل السياسة النفطية والاطر الحاكمة؛ مكونات ومضامين ومؤشرات السياسة النفطية (وهو اطول جزء في المقترح)؛ قانون النفط والغاز الاتحادي؛ قانون شركة النفط الوطنية؛ العلاقة مع حكومة الاقليم؛ تراجع الشفافية في القطاع النفطي؛ مشكلات الفساد في القطاع النفطي وتهريب النفط؛ العلاقة العضوية بين السياسة النفطية والسياسة الاقتصادية والتنموية العامة للحكومة؛ تجنب استنساخ الماضي؛ دور الخبراء والمختصين.
تم في اعداد هذا المقترح على متابعتي المتواصلة واستخدام المعلومات الرسمية والاسس والمؤشرات والمعايير الواسعة الانتشار في الصناعة النفطيةالدولية؛ التأكيد على الجوانب العملية والشواهد الواقعية وليس الطروحات الافتراضية او النظرية المجردة ومنطلقا من اعتبار السياسة النفطية التزام واجب التنفيذ من قبل الحكومة الجديدة وليس وثيقة إسترشادية او متطلبات شكلية لتمرير البرنامج الحكومي.

اولا: هيكل السياسة النفطية والاطر الحاكمة
لم تقدم الحكومات السابقة اية وثيقة محددة معنية بالسياسة النفطية؛ وبما ان الحكومة الحالية ستكون قيد المراقبة والمحاسبة استنادا الى برنامجهاللسنوات الاربع القادمة فان تحديد التزاماتها او تعهداتها فيما يتعلق بالقطاع النفطي والسياسة النفطية هي ما يجب ان تتضمنه “وثيقة السياسة النفطية”.
1- من المفضل ان تقدم السياسة النفطية كوثيقة مستقلة بحد ذاتها (او ما يطلق عليها عادة الورقة/ الوثيقة البيضاء White paper) او ضمن البرنامج الحكومي. وقد يشار اليها في البرنامج الحكومي على ان يتم تفصيلها لاحقا ضمن وثيقة محددة.
2- وبما ان البرنامج الحكومي (المعد من قبل السلطة التنفيذية) يخضع لموافقة السلطة التشريعيةفيجب ان تخضع وثيقة السياسة النفطية لنفس الموافقة.
3- يجب ان تشمل وثيقة السياسة النفطية نشاطات القطاعات الجزئية الاساسية الثلاثة التي يتضمنهاالقطاع النفطي: الاول يتضمن نشاطات الاستكشاف والتطوير والانتاج للنفط والغاز (Upstream):الثانييتضمن نشاطات الخزانات والانابيب ومحطات الضخ ومنشئات التصدير (Midstream ) والثالث يتضمن نشاطات التصفية وتصنيع الغاز (Downstream)؛علما ان صناعة البتروكيماوية تقع ضمن هذه النشاطات ولكنها في العراق تقع ضمن مهام وزارة الصناعة والمعادن وليس وزارة النفط.

4- ان اهم ما يجب ان تتضمنه وثيقة السياسة النفطية هو عدد من المتغيرات التي يمكن تحديدها بموجب مؤشرات كمية قابلة للقياس والتحقق منها لجميع انشطة القطاعات النفطية المذكورة اعلاه اضافة الى المؤشرات الوصفية . وهذا من الناحية الفعلية يعني:

اولا تحديد مؤشرات الشروع عند بداية تنفيذ البرنامج الحكومي (لنفترض جدلا بداية شهر كانون اول 2018)؛

ثانيا: مؤشرات الاهداف ( مقدرة على ثلاثة مستويات: الحد الادنى و الممكنة والطموحة) التي تلتزم الحكومة في تحقيقها ومحددة على اساس سنوي؛

ثالثا: المتطلبات المالية والبشرية والمؤسسية والتشريعية الضرورية لتحقيق تلك الاهداف؛ ورابعا: التحديات المحتملة مصنفة على اساس احتماليةبروز التحدي (عالي الاحتمال ومحتمل وغير محتمل) وفاعلية وتأثير التحدي ( مؤثر جدا ومؤثر وغير مؤثر)؛ كل ذلك يتم على اساس سنوي.

5- وبما ان الحكومة مسؤولة امام البرلمان عن تنفيذ السياسة النفطية فان ذلك يتطلب ان يكونلكلا السلطتين دور فاعل ومهمة محددة في “متابعة ومراقبة” تنفيذ السياسة النفطية بشكل دوري نصف سنوي على الاقل. وتنفيذا لهذا الالتزام تكون لجنة الطاقة في الامانة العامة لمجلس الوزراء مسؤولة عن “متابعة” تنفيذ وزارة النفط للسياسة النفطية وتضطلع لجنة النفطوالطاقة في البرلمان بمهمة “مراقبة” تنفيذ الحكومة/وزارة النفط للسياسة النفطية. ويجب ان يتم تقديم ومناقشة ونشر تقارير “المتابعة والمراقبة” بشكل دوري كأجراء عمل تنسيقي ملزم ومتفق عليه بين كلا السلطتين، يختلف عن الممارسات البرلمانية المعروفة “الاستدعاء”.

6- يتم “مراجعة وتقييم تنفيذ” السياسة النفطية في ضوء المؤشرات الكمية المفصلة فيوثيقة السياسة النفطية و تقارير “المتابعة والمراقبة” المذكورة اعلاه وفي حالة الفشل (مقارنة بمؤشرات الحد الادنى) تتم التوصية ببدء إجراءات حجب الثقة عن الحكومة او عزل وزير النفط.

ثانيا: مكونات ومضامين ومؤشرات السياسة النفطية
من الممكن بل والضروري والعملي تحديد اهم ما يجب ان تتضمنه وثيقة السياسة النفطية في كل من القطاعات الجزئية الثلاثة المكونة للقطاع النفطي.

(1) قطاع الاستكشاف والتطوير والانتاج
في هذا القطاع اقترح ان تتضمن وثيقة السياسة النفطية ما يلي:
1- عدم تطوير اي حقل نفطي جديد باستثناء الحقول الحدودية (كما سيناقش ادناه) وعدم احالة ايحقل نفطي منتج او مكتشف الى الشركات النفطية الدولية خلال فترة عمل الحكومة الجديدة.

استند في هذا المجال على المعطيات التالية:
(1) حسب المعلومات الرسمية لوزارة النفط ان معدل انتاج العراق من النفط بلغ في شهر آب الماضي 4.460 مليون برميل يوميا (مبي) وان الطاقة الانتاجية ستتجاوز 5 مبي في نهاية هذا العام وستبلغ الطاقة الانتاجية 8 مبي بحدود 2025؛
(2) وبما ان عهدة الحكومة الجديدة محددة بأربع سنوات فان عليها التركيز والاهتمام لتحقيق حوالي 6.5 مبي في نهاية مدتها الدستورية؛
(3) ان الحقول النفطية المتعاقد عليها في الجولتين الاولى والثانية كفيلة بتحقيق الزيادة المطلوبةخاصة وان المراحل النهائية للوصول الى انتاج الذروة في عقود تلك الحقول ستبدأ او تكتمل خلال فترة الحكومة القادمة؛
(4) لا يوجد اي مؤشر على المستوى الدولي لسوق النفط وحصة الاوبك وحصة العراق ضمن الاوبك مايدلل ان الطاقة الانتاجية للعراق خلال الاربع سنوات المقبلة يمكن او عليها ان تتجاوز 6.5 مبي؛
(5) وفي حالة حصول ما يبرر تجاوز معدل 6.5 مبي عندها يتم “تسريع” نشاطات التطوير ضمن حدود 8 مبي المذكورة انفا.
2- اقتصار اي تطوير للحقول النفطية الغير متعاقد عليها لغاية آب 2016 على الجهد الوطني حصرامع الاستعانة بشركات الخدمة النفطية الدولية عند الضرورة وضمن عقود الخدمات التقليدية لفعالية وفترة زمنية محددة؛ اي عدم اللجوء الى التعاقد مع الشركات النفطية الدولية او عقد جولات تراخيص لتطوير اي من الحقول والتراكيب النفطية المكتشفة لغاية تاريخه او ما سيتم استكشافهخلال فترة الحكومة المقبلة.

ان مبررات هذا الاقتصار هي:
(1) تشكل نشاطات الجهد الوطني المجال المادي لتطوير الطاقات البشرية والمؤسسية والمعرفية والتنظيميةفي هذا القطاع الحيوي للصناعة النفطية العراقية؛
(2) تعتمد نشاطات الجهد الوطني على الكوادر العراقية وبذلك تساهم، ولو بشكل نسبي، في معالجةمشكلة البطالة وخاصة بين الشباب المؤهلين فنيا اكثر مما تقوم به الشركات النفطية الدولية التي تفضل عادة العمالة الاجنبية؛ وهذا ما بينته تظاهرات المحافظات الجنوبية منذ شهر تموز الماضي؛
(3) كما اوضحته وزارة النفط (ولكن دون تقديم الادلة المادية) ان كلفة التطوير من خلال الجهدالوطني تقل كثيرا مقارنه بتلك التي تتم بواسطة الشركات النفطية الدولية؛
(4) بالتأكيد ان صلاحية “اتخاذ القرار” تكون عراقية بالمطلق تحت الجهد الوطني في حين انهاتشاركية مع الشركات الاجنبية تحت عقود جولات التراخيص التي تتطلب “الاجماع” عند اتخاذ القرار في “لجان الادارة المشتركة” لكل حقل؛
(5) ان نمط وموقع واسلوب عمل الجهد الوطني يكون عادة محليا في حين تتواجد المكاتب المعنيةللشركات الاجنبية خارج العراق وهذا ينعكس على محدودية شفافية عمل الشركات الاجنبية وما يتطلب ذلك من جهد، من قبل الجهات العراقية، للتحقق من مصداقية وواقعية الكلف التي تدعي الشركات بتحملها ودفعها.
3- التركيز على واعطاء الاولوية لإنهاء حرق الغاز المصاحب. وحسب اخر المعلومات الاحصائيةالمتوفرة في وزارة النفط تتعلق بشهر آب الماضي والتي يتضح منها ان نسبة حرق الغاز المصاحب في المحافظات الجنوبية (البصرة وميسان وذي قار) قد بلغ 60.4% من مجمل الغاز المصاحب المنتج في تلك المحافظات. اما النسبة على عموم العراق (بدون احتساب كردستان) فإنها تتجاوز 56%. وبما ان حرق الغاز المصاحب يمثل هدرا صارخا للثروة البترولية وتبديدا لمورد اقتصادي هام اضافة الى الاضرار البيئية الهائلة في الوقت الذي يستورد العراق الغاز من ايران فلا بد ان تتضمن وتضمن السياسة النفطية للحكومة الجديدة ما يلي:
(1) الزام الشركات النفطية الدولية المتعاقدة والمنفذة للحقول المشمولة بجولة التراخيص الثانيةبتنفيذ الفقرات التعاقدية والمتعلقة حصرا بالاستفادة القصوى من الغاز المصاحب؛
(2) عدم اعفاء اي من تلك الشركات من التزاماتها التعاقدية واحالة الموضوع على شركات اخرى خارجالمجموعة التي تم التعاقد معها اصلا ( كما حصل مؤخرا في حقل الغراف)؛ يضاف الى ذلك ان يترتب عن هذا الاجراء خسائر وكلف اضافية غير مبررة من الناحية القانونية/التعاقدية. كما انه يشكل مخالفة تعاقدية من قبل الجانب العراقي قد تقود الى تفعيل المواد التعاقدية المعنيةبالتحكيم الدولي؛
(3) التنفيذ التام لتعليمات الامانة العامة لمجلس الوزراء حول هذا الموضوع والمدونة في التوصيةرقم 51 لسنة 2018 والمرتبطة بخطة العمل المعنية بمتطلبات قرض البنك الدولي في هذا المجال؛
(4) تحديدنسبة التخفيض في حرق الغاز المصاحب وبما يتناسب مع ضرورة الاسراع في تنفيذ التزامات العراق تحت مبادرة البنك الدولي المعروفة بتحقيق “صفر للحرق الروتيني للغاز بحدود 2030″؛
(5) التزامالحكومة وخاصة وزارتي النفط والكهرباء بتوفير الغاز المطلوب لتوليد الطاقة الكهربائية بكميات وتوقيتات زمنية محددة ولأهمية الموضوع يفضل ان تكون شهرية.
4- يحتل تطوير الحقول الحدودية اهمية خاصة وحساسة ومتميزة بحكم امكانية تطويرها المشترك باسلوب “التوحيد Unitization” مع دولة الجوار المعنية وخاصة الكويت وايران. وحسب ما تشير اليه التجربة الدولية فان اعتماد اسلوب التوحيد له الافضلية في تطوير هذه الحقول بسبب العديد من المبررات والاعتبارات الاقتصادية والعملياتيه والادارة السليمة للمكامن النفطية؛ ونضرا للاحتمالية المرتفعة لاعتماداسلوب التوحيد مع دول الجوار فإنني ارى ان تتضمن وثيقة السياسة النفطية ما يلي:
(1) ان يقتصر اي نشاط يتعلق بتطوير هذه الحقول على الجهد الوطني حصرا لحين التوصل الى اتفاقية التطوير الموحد مع الدولة المعنية؛
(2) في حالة قيام الدولة المعنية بتسريع تطوير الحقل الحدودي بشكل احادي منفرد يقوم الجانبالعراقي بإعطاء الأولوية في تطوير الجانب العراقي لذلك الحقل؛
(3) تأخذ الحكومة العراقية زمام المبادرة لحث دول الجوار (خاصة ايران والكويت) على ضرورة انجازالاتفاقات الضرورية لبدء التطوير الفعلي للحقول الحدودية المهمة بإسلوب التوحيد المعمول به دوليا على نطاق واسع.
5- جولة التراخيص الخامسة الاخيرة. بعد التقييم الشامل لعقود هذه الجولة من قبل نخبة من خبراءالنفط العراقيين تم التوصل الى ان هذه العقود تخدم مصلحة الشركات النفطية على حساب المصلحة الوطنية اضافة الى تعارضها مع مبدأ تحقيق “أعلى منفعة للشعب العراقي” الذي اكده الدستور. وللأسباب اعلاه ولغاية تاريخه لم تصادق الحكومة الحالية على اي من هذه العقود. وعليهارى:
(1) ان لا تصادق الحكومة القادمة على اي من عقود الجولة المذكورة وأعادتها جميعا الى وزارةالنفط؛
(2) وبما ان معظم عقود هذه الجولة تتعلق بالحقول والرقع الاستكشافية الحدودية لذا يجب اعادةالنظر بالموضوع في ضوء ما ذكر اعلاه بخصوص تطوير الحقول الحدودية باسلوب التوحي
6- المنع المطلق لممارسات التفاوض مع الشركات الاجنبية وعقد الاتفاقات والعقود معها خلف الابوابالمغلقة وبدون شفافية وعدم الافصاح التام عنها. كذلك ارى ان لا تصادق الحكومة القادمة على اي من هذه العقود والتي لم تتم المصادقة عليها قبل يوم 2 تشرين اول 2018. والاسباب المبررة لهذا المنع هي:
(1) بما ان الحكومة القادمة ستكون مسؤولة عن تنفيذ برنامجها الحكومي فان التحقق من تنفيذ البرنامجالحكومي يتطلب الشفافية والافصاح وهذا غير ممكن عندما تكون المفاوضات والعقود سرية؛
(2) ليس بالإمكان التأكد من ان العقود الموقعة بسرية تحقق “أعلى منفعة للشعب العراقي” الذياكده الدستور؛
(3) تثبت التجارب والخبرات الدولية انه عندما تتم مثل هذه التعاقدات ذات الانعكاسات الماليةبشكل سري او غير شفاف بالكامل فان هناك شيء مهم تريد الاطراف المتعاقدة اخفاءه؛
(4) ذلك تشير تلك الشواهد الدولية الى وجود علاقة قوية بين انعدام الشفافية والفساد؛
(5) وبما ان الجميع يقر بتفشي الفساد في العراق بشكل واسع ومؤثر وخاصة بين القيادات وصناعالقرار على كافة المستويات فان انعدام الشفافية في التفاوض وتوقيع العقود في القطاع النفطي تقود حتما الى الفساد، والشواهد عديدة في هذا المجال؛
(6) ان على العراق التزام دولي مع منظمة الشفافية في الصناعات الاستخراجية (EITI) يتطلب الافصاح عن بل وحتى نشر العقود لكي يتم الاطلاع عليها والتأكد من انها تخدم مصلحة المواطن.
7- تتعهد الحكومة القادمة بالتعجيل في تنفيذ مشروع حقن ماء البحر بأسرع ما يمكن خاصة المرحلةالاولى من المشروع ويفضل ان لا تقل نسبة مساهمة الجهد الوطني التنفيذية فيه عن 51% . تستند التبريرات على ما يلي:
(1) تتناقش وزارة النفط ومنذ عام 2010 مع بعض الشركات النفطية الدولية حول هذا المشروع الحيويوقد ان الاوان للتنفيذ الفعلي؛
(2) لابد من حقن الماء لإدامة انتاج النفط وتعويض الانخفاض في الضغط الطبيعي المكمني، وهذايتطلب حقن كميات كبيرة من الماء بما يتناسب مع انتاج النفط من الحقول المعنية؛
(3) وبما ان تطوير حقول جولة التراخيص الاولى (وهي الرميلة وغرب القرنة 1 والزبير وحقول ميسانالثلاثة- بزركان و فكة وابو غرب) تدخل او تكمل مرحلة التطوير الاخيرة خلال فترة الحكومة القادمة فإننا في الحقيقة امام موقف حرج للغاية للأسباب التالية: ان انتاج هذه الحقول يشكل النسبة العليا لإنتاج النفط في العراق؛ بسبب انها حقول منتجة ولعقود عديدة فان الضغط المكمنيفيها ينخفض بشكل متسارع وبوتائر عالية مما يعني حاجتها الملحة لحقن الماء؛ واخيرا ان تنفيذ وانجاز مشروع حقن الماء يستغرق عدة سنوات.
(4) ولا يقتصر الامر على حقول جولة التراخيص الاولى اعلاه فقط بل تحتاج حقول جولة التراخيصالثانية وخاصة الحلفاية وغرب القرنة 2 ومجنون والغراف الى حقن الماء ونفس الامر ينطبق على حقل الاحدب؛
(5) لاعتبارات الكلفة واكتساب الخبرة التنفيذية والفنية واحتمالية تنفيذ المشروع على مرحلتيناو اكثر مستقبلا فيفضل ان تكون المساهمة التنفيذية الفعلية للجهد الوطني في المرحلة الاولى بما لا يقل عن 51%.
8- الكف عن المطالبة او الدعوة لإعادة التفاوض بشان عقود جولات التراخيص الاربع. على وثيقةالسياسة النفطية للحكومة الجديدة ان تذكر وبوضوح بعدم جدوى اعادة التفاوض بشان عقود جولات التراخيص الاربع الاولى. يستند هذا الموقف على المعطيات التالية:
(1) اثبتت جميع الدراسات المتخصصة ان عقود الخدمة التي اعتمدت في تلك الجولات تعطي للعراقافضل مردود مالي مقارنة باي عقود اخرى وخاصة عقود المشاركة في الانتاج ومنها عقود حكومة الاقليم؛
(2) ان اية اعادة تفاوض سيمنح الشركات النفطية الدولية فرصة فريدة للحصول على مزايا اضافيةمهمة للغاية وذات تأثير مادي ضخم على حساب مصلحة العراق لطيلة مدة العقود؛
(3) سبق وان قدم وزير النفط الاسبق عبد الكريم لعيبي تنازلات مهمة للشركات النفطية دون انيحصل العراق على اي شيء في المقابل وبهذا فقد العراق اهم واقوى اوراقه التفاوضية؛
(4) ان عقود جولتي التراخيص الاولى والثانية ستكمل او تصل الى مراحل التطوير الاخيرة للحقولالمعنية خلال فترة الحكومة الجديدة؛ هذا يعني الوصول الى بداية مرحلة انتاج الذروة مما يعني تغطية النسبة الكبيرة للكلف الرأسمالية الاساسية لعملية تطوير الحقول وبالنتيجة فان اي تفاوض على هذه العقود او تغييرها انما يمثل مكافئة لشركات النفطية الدولية مما يعد مخالفةصارخة للدستور-كما ذكر اعلاه.
9- وفي ضوء ما ذكر اعلاه، على وثيقة السياسة النفطية ان تنص بوضوح على افضلية عقود الخدمةعلى عقود المشاركة في الانتاج وكذلك الاقرار بان اي شكل من اشكال عقود المشاركة في الانتاج وعقود المشاركة في العوائد/الارباح انها تتعارض مع مباديء الدستور. والمبررات لمثل هذه التأكيدات هي:
(1) تركيز جهود وزارة النفط على مراقبة تنفيذ تطوير الحقول المعنية ضمن الضوابط التعاقديةوالسيطرة الفاعلة على كلف التطوير بما يضمن الوصول الى اهدف انتاج الذروة؛
(2) توفير نوع من الاستقرار واليقين في العلاقات التعاقدية بين الشركات النفطية الدولية والشركاتالمنتجة العراقية المتعاقدة معها؛
(3) قطع الطريق امام محاولات تحويل عقود الخدمة الحالية الى عقود مشاركة في الانتاج؛
(4) قطع الطريق امام محاولات تبني او الدعوة الى او اعتماد اي شكل من اشكال عقود المشاركةفي الانتاج وعقود المشاركة في العوائد/الارباح في تطوير الحقول الغير متعاقد عليها حاليا.
10- حصر النشاطات الاستكشافية بالجهد الوطني فقط وعند الضرورة بالتعاون مع الشركات الاجنبيةبموجب عقود خدمات فنية محدودة المدد. تستند هذه التوصية على ما يلي:
(1) حسب الاحصائيات الرسمية لوزارة النفط يبلغ الاحتياطي النفطي المؤكد حاليا حوالي 153 ملياربرميل. ولو افترضنا ان الانتاج في نهاية العام الحالي هو 5 مليون برميل يوميا فان عمر الاحتياطي النفطي يكون بحدود 84 سنة؛
(2) هناك احتمال كبير جدا بان هذا الاحتياطي سيرتفع بشكل كبير بعد اكتمال تطوير حقول جولاتالتراخيص واكتمال عقود الرقع الاستكشافية مما يعني وجود فسحة زمنية طويلة جدا وملائمة لتعزيز الاحتياطيات البترولية؛
(3) ان حصر النشاط الاستكشافي بالجهد الوطني يشكل حافزا بالغ الاهمية لتطوير القدرات التقنيةوالمعرفية والتكنولوجية المتقدمة للكوادر العراقية بدلا من الاعتماد كليا على الشركات الاجنبية.
11- تكثيف تطوير الطاقات البشرية العراقية ومعالجة فجوات المهارات والتوسع في استخدام تكنولوجياالمعلومات المتقدمة. لماذا؟
(1) يشكل التطوير المتسارع والمكثف للطاقات البشرية العراقية وفي مختلف النشاطات ذات العلاقةمن اهم متطلبات تطوير الصناعة النفطية التي تعاني العديد من الفجوات المعرفية؛
(2) يتمبموجب عقود جولات التراخيص الاربع الاولى تخصيص ما مجموعه 62.2 مليون دولار سنويا (قد انخفض هذا المبلغ الى حوالي 50 مليون الان بسبب انسحاب او تجميد نشاط بعض الشركات النفطية الدولية) للأغراض اعلاه علما ان العراق لا يتحمل او يسدد هذه التخصيصات السنوية بل تتحملهاالشركات النفطية الدولية المتعاقد معها؛ وهذا يعني توفير التمويل السنوي الضروري الذي يجب استخدامه بالكامل وبشكل كفوء؛
(3) يفترضان يؤدي استخدام هذه المبالغ السنوية الى زيادة مساهمة الكوادر العراقية في المواقع المتقدمة والقيادية في ادارة تلك الحقول والى زيادة نسبة مساهمة الكادر العراقي العامل في تلك الحقول وبما لا يقل عن 85% حسب ما هو مثبت في العقود المعنية؛
(4) تحتم الضرورة توفير كشف سنوي تفصيلي عن الكيفية التي تم بموجبها استخدام هذه التخصيصاتونتائجها وتأثيراتها الفعلية في رفع وتطوير كفاءة الاداء وردم مختلف الفجوات المعرفية.

*استشارية التنمية والابحاث/ العراق

اترك تعليقاً