السيمر / الأربعاء 07 . 11 . 2018
هشام الهبيشان / الأردن
تزامناً ، مع إعلان وتأكيد الحرس الثوري الإيراني أن يوم الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر يمثّل رمزاً لمعاداة الاستكبار وانتصار الشعب الإيرانيّ في مواجهة أميركا وحركة الاستكبار الخبيثة، متعهداً بأن يصبح “صفعة” يوجّهها شعب إيران للرئيس الأميركيّ دونالد ترامب،وتزامناً مع إعلان الحرس الثوري ،أعلن الجيش الإيراني ، عن إجراء مناورات مشتركة للدفاع الجوي الإيراني تحت شعار “مدافعو سماء الولاية ” ،وهذه المناورات ستغطي قسما كبيرا من سماء إيران،وستحظى بمشاركة مقر خاتم الأنبياء للدفاع الجوي والقوة الجوفضائية للحرس الثوري وقسما من القوة الجوية لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية في منطقة بمساحة 500 الف كيلومتر مربع شمال وغرب وشرق ووسط البلاد ،مع تأكيد الجيش الإيراني أن جميع الأنظمة المشاركة في المناورات هي وطنية الصنع وسيجري اختبار هذه الأنظمة والصواريخ والذخيرة الجديدة ، وهنا يجب تأكيد أن هذه المناورة العسكرية “التي يجريها الجيش والحرس الثوري “،تأتي بالتزامن مع بداية مسار العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران وسط ضغط سياسي وامني كبير يخص علاقة إيران بالادارة الأمريكية وببعض جيرانها الخليجيين بالتحديد، بالاضافة إلى مجموعة ظروف أخرى تعيشها المنطقة،وتهديدات ادارة ترامب العسكرية وبعد خروجها من الاتفاق النووي مع إيران ،ومحاولة الضغط عليها اقتصادياً وامنياً لاجبارها على تفاهمات جديدة بخصوص ملفها النووي ،وتهديدات الكيان الصهيوني العسكرية المتكررة للدولة الايرانية ،وفي ظل علاقة الدولة الايرانية المتوترة مع بعض دول الخليج بهذه الفترة تحديداً، وتكرار حديث بعض دول الخليج عن ضرورة تشكيل حلف اقليمي – دولي موحد جزء من أهدافه كما تؤكد بعض الانظمة الخليجية التصدي للتمدد الايراني بالمنطقة .
من هنا يمكن قراءة أن هذه المناورة وكما وصفها ، الأدميرال حبيب الله سياري رئيس الهيئة التنسيقية للجيش الإيراني”عندما قال :” أن الهدف من المناورات المشتركة للدفاع الجوي هو النهوض بمستوى قدرة وحدات الدفاع الجوي “، ومن هنا يفهم أن هذه المناورة جاءت بهذه الفترة تحديداً لتحمل عدة رسائل خارجية وداخلية ، فهذه المناورة وفق ما يصدر عن منظميها ستبرز حجم التطور الصناعي العسكري الايراني في مجال الردع ،وقدرة الجيش الايراني الواسعة والمحكمة للتصدي لأي عدوان خارجي ، ولتظهر تطور عمل وتقنيات السلاح الدفاعي العسكري الجوي -الناري للجيش والحرس الثوري الإيراني ، فكل هذه العوامل تدفع لقراءة أن مضامين الرسائل الايرانية من وراء هذه المناورة تحمل عدة ابعاد والمقصود بها عدة أطراف داخلية وخارجية اقليمية ودولية ، وتحمل عدة رسائل رئيسية:
أولى :هذه الرسائل التي تحملها المناورة العسكرية ، هي موجهة إلى بعض انظمة الحكم وتحديداً بعض دول الخليج بالاضافة الى الكيان الصهيوني “اسرائيل” ، فهذه الأنظمة وتلك الكيانات التي تحيط بالدولة الإيرانية ، والتي حاولت وما زالت تحاول بالفترة الاخيرة، أن تضغط على الدولة الإيرانية أقتصادياً وسياسياً وحتى أمنياً ،من خلال تلويح هذه الدول بأنشاء حلف مشترك ، وتهديد بعض الساسة الصهاينة بتنفيذ ضربات عسكرية صهيونية تستهدف قواعد المفاعلات النووية الايرانية، ومن هنا جاءت هذه المناورة العسكرية الايرانية لتثبت لهذه الدول أن إيران حاضرة وحاضرة بقوة في الاقليم ككل كقوة اقليمية، فقيامها بمناورات عسكرية كبيرة ، واستخدام صنوف أسلحة متطورة، يعني أن الدولة الإيرانية ما زالت حاضرة وبقوة بالمشهد الاقليمي،وأنها قادرة على الرد على أي عمل عدواني من أي جهة كانت ، فالواضح هنا ان هذه المناورة من خلال طريقة عملها ستثبت أن المناورة ذات طابع ردعي – هجومي وليست ذات طابع دفاعي”فقط “.
ثانية: هذه الرسائل ،موجهة إلى كل دولة ونظام وهيئة دولية تحاول الضغط على الدولة الإيرانية من خلال محاولة اخضاعها لتفاهمات جديدة حول ملفها النووي ،سواء أكان اقتصادياً وسياسياً وامنياً ، وبالخصوص هي موجهة إلى محور واشنطن ، ومضمون هذه الرسالة أن الدولة الإيرانية لن ترضخ لأي املاءات تسعى ادارة ترامب لفرضها على إيران كثمن للاتفاق النووي، لا بل على العكس فالدولة الإيرانية ستستمر بمسار بناء وتطوير قدرات الدولة الايرانية بمختلف المجالات ، ومن خلال قراءة برنامج مسار العمليات العسكرية للمناورة الاخيرة ،يمكن القول أن الدولة الإيرانية قد أوصلت رسالتها لادارة ترامب ومضمونها أنه لايمكن لإيران أن تقدم أي تنازلات تخرج عن مصلحتها الوطنية العليا ، وهي جاهزة لكل الخيارات ، ومنها الخيار العسكري، فهي هنا إبرزت وستبرز بالقادم من الأيام حجم قدراتها القتالية والعسكرية ، كدليل على أنها لن تقبل أن تقدم أي تنازلات عن مرتكزات سيادية وامنيه كثمن للاتفاق النووي .
ثالثة: هذه الرسائل وأهمها ،هي موجهة إلى الداخل الايراني ، وهذا ما أكد عليه المرشد الإيراني السيد علي خامنئي والذي قال :خلال اجتماع مع آلاف الطلاب الإيرانيين إن “أميركا هُزمت في تحديها مع إيران طيلة 40 عاماً “، ومن هنا فقد برز واضحاً أن الدولة الإيرانية قد بدأت فعلياً بترجمة واقعية لحديثها أنها لايعنيها بقاء أمريكا كشريك بالاتفاق النووي “فهذا قرار أمريكي وتتحمل ادارة ترامب تداعياته ونتائجه المنتظرة “،ولايعنيها كذلك التهديد والوعيد الأمريكي ، وهي اليوم تسعى فعلياً لبناء إستراتيجية أقتصادية وأمنية بناءة مع محاور عدة في العالم ،لمواجهة أي ضغوطات أو مغامرات ستقدم عليها ادارة ترامب اتجاه إيران بالمرحلة المقبلة ، ومن جهة أخرى ستبرز من خلال هذه المناورة العسكرية الاخيرة مدى تطور القوة العسكرية الإيرانية ، ومن هنا وصلت الرسالة للشعب الايراني وجزء منه بعض الجماعات المعارضة بالداخل الايراني، ولبعض ألاطراف التي راهنت على الشعب الايراني ، ومضمونها أن الدولة الإيرانية ما زالت تتمتع بقوة كبيرة ، وهي بحالة تتطور مستمر ، وأن العقوبات الأمريكية المفروضة من جديد وحرب النفط لن تثني الدولة الايرانية عن إستمرار مسيرة البناء والتطور العسكري وفي مختلف المجالات بالداخل الايراني .
رابعة: هذه الرسائل ، موجهة إلى حلفاء الدولة الإيرانية، إقليمياً ودولياً،وإلى بعض فصائل وقوى المقاومة بلبنان وفلسطين، وإلى بعض القوى بالداخل اليمني ، ومضمون هذه الرسالة هو أن إيران ما زالت تمتلك الكثير من أوراق القوة ولديها الكثير من الامكانيات والمقومات التي ستوفر لها ولحلفائها بالاقليم تحديداً نوعاً من التوازن العسكري والأمني،مع حلف اخر يسعى لاسقاط تحالف إيران الاقليمي والدولي.
ختاماً ، أن توقيت هذه المناورة العسكرية لإيران ،وكما يصفها القادة الإيرانيين،يؤكد أنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كانت طوال الفترة الماضية وإلى الآن قادرة على ردع أي خطر أقليمي أو دولي يتهدد اراضيها وشعبها، فهي ستثبت بهذه “المناورة ” بأنها مازالت قوة اقليمية كبرى، وأنها مازالت قادرة على الحفاظ على مصالح الشعب الايراني داخلياً ،دون الارتهان لمسار الضغوط وبجهود وقدرات ذاتية، وأنها بذات الاطار قادرة وباستمرار على المحافظة على مكانتها الإقليمية والتصدي لكل من يحاول التعدي على هذه المكانة الاقليمية .