الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / عودة الحدود إلى أوروبا .. وسيلة لمنع تدفق المهاجرين لكن بأي تكلفة؟
إنفوغرافيك يوضح مواقع الحدود الخارجية للدول الأوروبية. © استوديو غرافيك فرانس ميديا موند

عودة الحدود إلى أوروبا .. وسيلة لمنع تدفق المهاجرين لكن بأي تكلفة؟

السيمر / فيينا / الثلاثاء 18 . 04 . 2023 

ارتفع مؤخرا عداد ضحايا الهجرة في المتوسط، مع ازدياد حوادث غرق قوارب المهاجرين الساعين للوصول إلى الضفة الأوروبية. منظمات حقوقية وإنسانية عزت المسؤولية عن تلك المآسي إلى تشديد الإجراءات الحدودية الأوروبية. فيما اعتبرت بعض دول القارة أن لا مفر من إعادة اعتماد الحدود كوسيلة لوقف تدفق المهاجرين، هذا استدعى نقاشا بين دول الاتحاد بشأن جدوى تلك الحدود، في وقت دعت فيه المفوضية الأوروبية لاعتماد مقاربات أكثر فعالية، باعتبار أن بناء سياج لن يمنع طالبي اللجوء من السعي للوصول إلى أوروبا.

خلال السنوات الثماني الماضية، أنشأت دول الاتحاد الأوروبي جدرانا على حدودها الخارجية امتدت لمسافات تخطت الـ1700 كلم. كتل معدنية وخرسانية فوق مساحات جغرافية شاسعة، خاصة بمنطقة البلقان، التي ترفع لواء مكافحة الهجرة “غير الشرعية” وتعزيز حماية الأمن الداخلي.

في هذا الإطار، أعربت المفوضية الأوروبية ودول مثل إسبانيا وألمانيا مرارا معارضتها لذلك النهج، واستخدام أموال الاتحاد الأوروبي لبناء المزيد من الجدران، داعية لتبني مقاربات أكثر فعالية للحد من الهجرة. لكن مع الاطلاع على نتائج اجتماع المجلس الأوروبي بتاريخ التاسع من شباط/فبراير(عقد في بروكسل)، يبدو أن الداعين لاعتماد الجدران الحدودية كجزء من نهج أكثر تشددا لمكافحة الهجرة يكسبون المزيد من الدعم.

خلال الاجتماع، دفعت كل من الجمهورية التشيكية وبولندا والمجر، بدعم من إيطاليا واليونان والنمسا، باتجاه اعتماد إنشاء الحدود كحل أساسي لأزمة الهجرة، متسلحين بمنطق الحفاظ على الأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب.

لطالما وجدت الجدران الحدودية في أوروبا، كالسياج الفاصل بين جيبي سبتة ومليلية الإسبانيين والأراضي المغربية (1993) والجدار الحدودي بين بلغاريا وتركيا، الذي تم تعزيزه خلال السنوات الماضية ليغطي نحو 98% من مساحة الحدود المشتركة بين البلدين. لكن مع تفاقم أزمة الهجرة (منذ 2015)، عادت دول تنتمي للتكتل الأوروبي لطرح فكرة اعتماد الحواجز الحدودية (تحديدا المجر ولاتفيا وسلوفينيا والنمسا وحتى في فرنسا).

“نهج متكامل”

في 2021، وضع الاتحاد الأوروبي 6.7 مليار يورو لتمويل عدد من الخطط لإدارة حدوده والحد من تدفقات المهاجرين لمدة ست سنوات، لكن ما زال موضوع تمويل الجدران الحدودية خاضعا للنقاش.

المفوضية طلبت اعتماد “نهج متكامل” يتضمن الحوار مع الدول “المصدرة للمهاجرين”، إضافة إلى تعزيز قدرات وكالة فرونتكس وتمويل البنى التحتية المتعلقة بإدارة ومراقبة الحدود (أبراج مراقبة، معدات مراقبة، مركبات…)، بدون أن تذكر الجدران أو الأسوار الحدودية. وتحاجج المفوضية الأوروبية بأن بناء الأسوار التي يبلغ طولها آلاف الكيلومترات سيكلف مبلغا كبيرا يمكن استثماره بمشاريع أخرى، مثل عقد اتفاقيات مع البلدان الأصلية للمهاجرين تحفزها على قبول عودة مواطنيها.

بالنسبة للدول الداعمة لتوجه بروكسل، فإن بناء الجدران لن يكلف الكثير من الأموال فحسب، فهي لن تمنع المهاجرين من العبور وستدفع باتجاه إنشاء طرق جديدة للالتفاف حولها (المزيد من الأموال)، ولن يكون هناك مستفيدون حقيقيون منها سوى شركات البناء التي ستعمل على تشييدها وعصابات تهريب البشر التي ستحاول إيجاد طرق لتخطيها.

الجدران الحدودية والمهاجرين والمجتمعات المحلية

يقول محمد غزال، المتخصص بعلم الاجتماع والناشط الاجتماعي ببيروت إنه “من النادر أن تقوم الجدران والحواجز الحدودية بدورها المفترض. هي في المقابل أدوات ستنتج المزيد من الإحساس بالغبن والغضب لدى المهاجرين. كما أنها تمنح المجتمعات المحلية آمالا زائفة مبنية على وعود السياسيين الانتخابية”.

ويضيف أن لتلك الجدران آثارا سلبية للغاية على المجتمعات المقيمة في المناطق الحدودية، “حيث أنها ستفصل بينها وتمنع التواصل الطبيعي بين العائلات والتجمعات المختلطة على جانبي الحدود”.

مهاجرون على حدود بولندا من جانب بيلاروسيا، في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
مهاجرون على حدود بولندا من جانب بيلاروسيا، في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 2021. © أ ف ب/ أرشيف

أما علي مراد، الناشط الاجتماعي والأستاذ الجامعي، فقد شكك بجدوى الأسوار، “لم تكن العوائق الحدودية رادعا جذريا. لقد رأينا هذا في سبتة ومليلية على مر السنين، فإذا اضطر المهاجرون للعبور سيقفزون من فوق السياج مخاطرين بحياتهم”، مذكرا بأحداث الـ24 من حزيران/يونيو من العام الماضي على السور الحدودي لمليلية.

حسام شاكر، الخبير في الشؤون الأوروبية من النمسا، اعتبر أن للجدران الحدودية تداعيات سلبية على حقوق وكرامة المهاجرين وقدرتهم على طلب اللجوء، “لا تميز الأسوار بين من لديهم الحق في طلب اللجوء والآخرين. بناء الجدران يشكل تناقضا بين القيم التي يدّعي الاتحاد الأوروبي اعتناقها والنتائج التي ستسفر عنها في الواقع”.

وأضاف شاكر “تحصين الحدود الأوروبية له كلفة بشرية عالية، كما نلاحظ بارتفاع أعداد الغرقى في المتوسط وأعداد الضحايا على الحدود البرية (بولندا). هناك انتهاكات حقوقية تحصل على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهي تعبير عن المأزق الذي وجد صانعو السياسات في الاتحاد أنفسهم فيه، في المواءمة بين المبادئ والمثل التي يتبناها الاتحاد والإجراءات التي تتخذها دولها ‘لحماية‘ حدودها”.

بناء الأسوار مقابل دمج اللاجئين

مع كل ما سبق، لم تقتنع الدول الداعمة لخيار تمويل الجدران الحدودية بحجج المفوضية. هذا ما كان جليا في قمة الرؤساء والحكومات الأوروبية التي عقدت في بروكسل في التاسع من شباط/فبراير الماضي. فقد تمسكت كل من اليونان والنمسا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ومالطا وسلوفاكيا بمفهوم تعزيز الضوابط على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، بما يشمل بناء الجدران. وتمسكت تلك الدول بأرقام فرونتكس التي أفادت بأنه خلال 2022، ارتفعت أرقام المهاجرين الوافدين إلى الاتحاد بشكل كبير جدا، خاصة عبر طريق البلقان (ألبانيا والبوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا الشمالية والجبل الأسود وصربيا)، بنسبة 131% مقارنة بالعام السابق.

بالنسبة لمراد، لن تنتهي النقاشات بهذا الإطار بسهولة. “الخطر يكمن في الأسوار نفسها، فهي لن تؤدي إلا إلى زيادة تأجيج المشاعر، عوضا عن البحث عن السبل والآليات التي تسهل إعادة توطين وإدماج اللاجئين من الحروب والكوارث الطبيعية وآثار التغير المناخي”.

المصدر / فرانس برس

اترك تعليقاً