فيينا / الخميس 01 . 05 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
اعداد هيئة تحرير جريدة السيمر الاخبارية
وداد عبد الزهرة فاخر*
رسل جمال*
السابع من أكتوبر التحول نحو اللاعودة :
بعد السابع من أكتوبر، وجدت إسرائيل نفسها في أزمة متعددة الأبعاد. أولًا: تم زعزعة الثقة بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، حيث فشل الجيش والمخابرات في التنبؤ بالهجوم أو احتوائه في ساعاته الأولى. هذه الهزة الأمنية عمّقت الانقسام الداخلي، الذي كان موجودًا أساسًا نتيجة سياسات حكومة نتنياهو اليمينية المتشددة ومحاولاتها للسيطرة على القضاء.
ثانيًا، تحوّل الرأي العام الإسرائيلي نحو مزيد من التطرف، ما زاد من دعم السياسات اليمينية والانتقامية ضد غزة والضفة الغربية. لكن على الجانب الآخر، تصاعدت الأصوات التي تطالب بإعادة تقييم السياسات تجاه الفلسطينيين، وبرزت مظاهرات تطالب برحيل نتنياهو وتحميله المسؤولية عن الإخفاقات الأمنية.
سياسيًا، واجهت إسرائيل تحديًا في علاقاتها الخارجية، إذ باتت في موقع دفاعي أمام الانتقادات الدولية بسبب حجم الدمار في غزة وارتفاع عدد الضحايا المدنيين، ما قد يؤثر على علاقاتها الاستراتيجية، خاصة مع الولايات المتحدة وأوروبا.
فلسطين – وحدة في وجه المحرقة وتصدعات سياسية :
على الجانب الفلسطيني، مثّل السابع من أكتوبر لحظة صادمة ومزدوجة. من جهة، أعادت الهبة الجماهيرية في الضفة الغربية، وداخل أراضي 48، فمشهد وحدة الشعب الفلسطيني خلف راية المقاومة، هو ما أعاد للقضية زخمًا عالميًا لم تشهده منذ الانتفاضة الثانية لكن من جهة أخرى، فإن الكلفة الإنسانية الهائلة على المدنيين في غزة، والدمار شبه الكامل للبنى التحتية، شكّلت كارثة إنسانية تهدد استمرار الحياة في القطاع. كما زادت الفجوة السياسية بين حركتي حماس وفتح، إذ لم يتمكن الفلسطينيون من صياغة رؤية موحدة لما بعد الحرب .
في السياق الدولي، ارتفعت أصوات التضامن الشعبي مع القضية الفلسطينية، لكن ذلك لم ينعكس بفعالية على مستوى السياسات الرسمية، ما يشير إلى فجوة بين الشارع العالمي والحكومات الغربية في التعاطي مع حقوق الفلسطينيين.
تغيير مفهوم المقاومة في “محور المقاومة” بعد السابع من أكتوبر :
فالزلزال الذي أحدثه السابع من أكتوبر لم يقتصر على فلسطين وإسرائيل فقط، بل أصاب وجه الشرق الأوسط وتحالفاته بالصميم وأعاد تموضع وتمظهر جديد لجميع الأطراف وخلق حالة جديدة من التعاطي مع المتغيرات وكذلك مفهوم “المقاومة” الذي يشمل محور المقاومة الذي يضم قوى وفصائل من إيران، سوريا، العراق، لبنان، واليمن تغير وصار يرتكز على استراتيجية “رد الفعل المحسوب”، ضمن قواعد اشتباك غير مكتوبة، تقوم على سياسة الردع المتبادل دون الانزلاق إلى حرب شاملة، وتوظيف المقاومة كأداة ضغط في التفاوض الإقليمي والدولي, غير أن أحداث السابع من أكتوبر قلبت هذه المعادلة وأعادت صياغة المفهوم من جديد، حيث تحولت المقاومة من حالة ردّ فعل إلى فاعل مبادر، يفرض معادلات جديدة من خلال الهجوم المباغت ويُعتبر الطابع الهجومي المنسق والموسع لعملية طوفان الأقصى أول ترجمة فعلية لمفهوم جديد للمقاومة، يعتمد على المبادرة والضرب في “العمق الإسرائيلي” لا على الاقتصار في الدفاع أو الرد. لقد أظهرت العملية أن الفصائل، وخصوصًا “حماس”، باتت ترى في المقاومة وسيلة لتغيير الواقع السياسي بالقوة، وليس فقط لاحتواء العدو أو الرد عليه.
التشابك الإقليمي: من التورط إلى التضامن :
وردود الفعل من قوى محور المقاومة الأخرى مثل “حزب الله”، والحوثيين في اليمن، وفصائل عراقية مسلحة، كشفت أن مفهوماً أوسع للمقاومة بدأ يتبلور، قوامه تشابك الجبهات وتنسيق التحركات. الحوثيون قصفوا إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة من اليمن، والسيطرة الفعلية على باب المندب وامتداد القوة اليمنية لكل البحار بالمنطقة. وفصائل عراقية استهدفت قواعد أمريكية في سوريا والعراق، في حين أبقى حزب الله جبهة الجنوب اللبناني في حالة استنزاف مستمر لاسرائيل. وهذا يبيّن انتقال مفهوم المقاومة من مقاومة محلية جغرافية إلى منظومة إقليمية مترابطة، ما يمكن وصفه بـ”مقاومة متعددة الجبهات“.
كذلك لم تقتصرالتحولات الجوهرية بعد 7 أكتوبر بخطاب المقاومة من التركيز على “التحرير” فقط بل تصاعد الطموح لتقويض النظام الإقليمي والدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وبات الحديث عن “نهاية الهيمنة الغربية” و”إعادة تشكيل الشرق الأوسط” أكثر حضورًا في أدبيات الخطاب الإعلامي لمحور المقاومة، في دلالة على أن المقاومة باتت تعتبر نفسها طرفًا في معركة حضارية شاملة، لا مجرد صراع محلي.
ويؤشر هذا التغير في المفهوم السياسي إلى تحول جذري في قواعد الاشتباك الإقليمي فإسرائيل التي كانت تطمئن إلى ضوابط الردع التقليدية، باتت تواجه تهديدًا دائمًا من عدة جبهات ، أما الولايات المتحدة، فقد وجدت نفسها في مواجهة حالة استنزاف متصاعدة في الشرق الأوسط، تضعف قدرتها على تركيز الموارد تجاه أولويات أخرى مثل آسيا أو أوروبا . فامريكا بايدن ليست هي نفسها أمريكا ترامب هناك تغير واضح في وجهة الخطاب السياسي وإعادة ترتيب الأولويات الخارجية .
لكن في المقابل، يطرح هذا التغير تحديات على محور المقاومة نفسه، من أبرزها مدى القدرة على الاستمرار في هذا النوع من المواجهات المكلفة، ومدى تماسك الجبهات المتعددة في ظل تباين الحسابات السياسية الداخلية لكل طرف فيها.
لقد غيّر السابع من أكتوبر ليس فقط ميزان القوى بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، بل أعاد تشكيل فلسفة “المقاومة” داخل محور المقاومة فبعد أن كانت المقاومة وسيلة للصمود والمناورة السياسية، أصبحت أداة هجومية واستراتيجية لتغيير المعادلات الجيوسياسية، وربما، كما يطمح المحور، لإعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط .
اما الدول التي كانت منخرطة في مسار التطبيع مع إسرائيل، مثل السعودية، فقد تباطأت أو جمّدت خطواتها، خشية من غضب شعوبها. كما برزت إيران كلاعب أساسي عبر دعمها للفصائل المسلحة، ما زاد من احتمالات تصاعد التوتر الإقليمي وعلى مستوى النظام الدولي، تحولت القضية الفلسطينية من ملف هامشي إلى بند طارئ في اجتماعات الأمم المتحدة، مما أعاد تسليط الضوء على فشل المجتمع الدولي في إنتاج حل عادل لقضية فلسطين.
من ناحية أخرى، تحاول قوى مثل الصين وروسيا استغلال الموقف لتعزيز نفوذها في المنطقة، عبر خطاب داعم لحقوق الفلسطينيين واستعداد للوساطة، ما يعكس تحولًا في مركز الثقل الدولي.
آخر المطاف :
في الختام هذه السلسلة التحليلية لطوفان الأقصى واحداث السابع من أكتوبر الذي حرصت السيمر ان يكون لها دلو مملوء تدلوه امام القراء والمتابعين والباحثين والمهتمين بالقضية السياسية .
وما استنتجناه حول الحدث رغم ضخامتة وخطورتة الكبيرة اكبر من ان تسعه هذه الدراسة ، فمقدار التضحيات التي قدمت فيه من قرابين لزعامات وقادة ، ورجال عظام ، ابوا الذل والخنوع ، واعطوا دروسا بالقوة والعظمة والثبات على الرأي، ومقارعة الباطل ، وسجل التاريخ ما قدموه ، وهم ثابتين وشامخين كشجر الزيتون .. لكننا ايضا لنا ملاحظات حول ما حدث يمكن ان نختصرها ببضع سطور رغم اننا لسنا محللين بالشؤون الحربية ،ولا قادة عسكريين ، لكننا كمراقبين للحدث ،رأينا ان هناك عجلة وسرعة باتخاذ قرار سريع وحاسم حول المخطط العسكري الذي افزع اكبر قوة بالمنطقة ، وانزلها من عليائها الذي كانت تتبجح به للحضيض ، واعطى دروسا لاي عدو وليس اسرائيل لوحدها بقوة الحق على الباطل ، وبأن الشعوب لو ارادت شيئا لفعلت المستحيل من اجل تحقيقه.
وما نريد ان نختصرة من القول ، هو ان من خطط للحدث الكبير ، اهمل جوانب عدة حول موازين القوى بالمنطقة والعالم ، ونفذ ما يريد كأي مقاوم دون أي ريب او خوف ، مع انه اهمل كما يبدو عن عمد القوة المقابلة له ، ومقدار التأييد والدعم الاقليمي والدولي لعدوه الغادر والشرس ، وخيانة من تسمى زورا بدول عربية ..
كذلك تَسَرع ْ القوى المساندة بخوض الحرب ، بكل مالها من ثقل وقوة وعزيمة ، وهو ما ادى لفقدان قادة كبار لا يجود بهم الزمن بكل سهولة ، يقف على رأسهم قائد المقاومة وسيد شهدائها السيد حسن نصر الله ورفاقة الابطال من قادة حزب الله ، والقائد الفلسطيني الكبير اسماعيل هنية ، والمقاتل العنيد الشهيد يحيى السنوار ، ورفيقه الشهيد محمد الضيف ، وسلسلة طويلة من قادة المقاومة ورجالها الافذاذ لا تعد ولا تحصى ..مما خلخل الوضع المقاوم المتين ، وزاد من شراسة العدو اللئيم ، ومن يقف معه من ” عرب وغيرهم” ،واثبتت الاحداث كما قال تعالى ” الاعراب اشد كفرا ونفاقا” ، ولا داع للتفصيل فالكل يعرف مجريات ماحدث ، من حقد ولئم وقذارة على المقاومة وقادتها ورجالها ، فتحية وتقدير لكل شهداء طوفان الاقصى ، والرحمة لهم جميعا ، فقد سجلوا حدثا يندر ان يكون مثله .
لذلك فما بعد السابع من أكتوبر ليس كما قبله فهناك تغير في موازين القوى، وتفجّيرلتناقضات كامنة منذ سنوات ، واحياء لقضية العرب الاولى جعل من إسرائيل تواجه أزمة هوية، اما فلسطين فهي تقف على مفترق طرق بين الوحدة والانقسام، والمنطقة تعيد ترتيب أوراقها في ظل عالم يتحول بسرعة. اما ما سيحدث لاحقًا فهو مرهون بإرادة الشعوب، ووعي القيادات، وقدرة العالم على تجاوز المعايير المزدوجة نحو نظام أكثر وعيا وعدالة.
فيينا بغداد / 29 . 04 . 2025
* رئيس تحرير جريدة السيمر الإخبارية
* سكرتير التحرير
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات