الرئيسية / مقالات / الإقتراض والمناكفات السياسية !

الإقتراض والمناكفات السياسية !

السيمر / فيينا / الجمعة 20 . 11 . 2020

محمد صاحب الدراجي*

بعد ان انتهاء الصخب الذي رافق جلسة اقرار قانون تمويل العجز المالي وتحول الانظار من خطورة الوضع المالي الى المناكفة المكوناتيه للسياسة العامة للنظام المشوه الذي يدير العلاقة بين المركز والاقليم ، تستمر لعبة رمي الكرات في ملعب الاخر بين الحكو مة والبرلمان بخصوص ادارة الوضع المالي متناسين ان الجمهور المتفرج على هذه اللعبه قد يدخل الى ساحة الطرفين وينهي اللعبة بالكامل ويهدم الملعب على رؤوس اللاعبين والمدربين المحليين والخارجيين وتكون صافرة النهاية صرخة مدوية لشعب قد لايجد قوته اذا استمرت ادارة الوضع الاقتصادي والمالي بهذه الطريقة المتخبطة التي تفتقر للمسات رجال الدولة الذين يفكرون بمستقبل الاجيال لا بنتائج الانتخابات .
بعد هذة المقدمة الحماسية دعونا نركن الى هدوء الشجعان في الازمات ونصارح شعبنا بحقيقة الامر ومرارة النتيجه، سوء ادارة الاقتصاد ليس وليد اللحظه بل هو تراكمات حروب وحصار وسوء ادارة سياسية وللاسف لم يستطع النظام الديمقراطي تعديل المسار بل للاسف زاد من الانحراف وبطريقة مشوهه وبجهلٍ مركب حيث ان من أدار الدولة يجهل انه يجهل في الاقتصاد ويعتقد انه يفعل الصحيح عندما يثقل كاهل المؤسسات بالتعينات او يزيد عدد الاشخاص المستفيدين من الواردات الحكومية بصورة مباشره وفي نفس الوقت يفتخر بانه اتبع سياسة السوق المفتوح كمثال وهو لايعرف ماذا تعني ولايسمع للذي يعرف وغيرها من الكوارث التي حولت العراق الى مستنقع استهلاكي لمنتجات الغير واصبح اشبه بمحطة لبيع النفط للاخرين مقابل اموال تتحول مباشرة الى استيرادات استهلاكية ينتهي بها المطاف في القمامة او “مجاري الصرف الصحي”.
وبالتالي فقد العراق البوصلة الاقتصادية والمالية واصبح بلا مذهب اقتصادي واضح المعالم وانكشفت عورة سوء الاداء عند انخفاض اسعار النفط. وبغض النظر عن الاسباب والمسببات علينا ان نواجه الواقع الحالي، فالنفقات عالية جدا لاتتناسب مع انتاجية المجتمع وهناك دقة في حساب الناتج الاجمالي يرافقها انخفاض كبير في الواردات مما يولد عجز مالي تصل تاثيراته لحد القوت اليومي للمواطن ومدخولاته بل ويتعداه الى الاخلال العقدي بين الدولة وموظفيها بعدم دفع الرواتب او تأخيرها . للاسف لم تستطيع الحكومة التعامل مع الازمة الا عن طريق الاقتراض ووافق البرلمان على اقتراض داخلي وخارجي في حزيران ٢٠٢٠ مشروط باجراءات تتمثل بتقديم اصلاحات خلال ٦٠ يوم والسيطرة على الانفاق للرواتب من خلال الرقم البايومتري للموظفين. لكن الجهات المختصة في الحكومة فشلت في تحقيق ذلك فلم تستطيع الحصول على اي قرض خارجي بل اقترضت داخليا فقط. ولم تقدم ورقة اصلاحات في وقتها ولم تفّعل الرقم الوظيفي. بعد شد وجذب قدمت ورقة اصلاح سميت (الورقة البيضاء) وبغض النظر عن التسمية الميتافيزيقية التي لا تمت للواقع العراقي بصلة بل هي مصطلح انكليزي يستخدم لوثيقة معلوماتية تستخدمها الشركات او المنظمات غير الربحية لكي تقدم تحليلات لحلول اومنتجات او خدمات، تصمم عادة كاداة تسويقيه لما قبل البيع.
على العموم فلنقبل بالتسمية لكي نسوق الحل ان وجد! وساعبر عن راي صريح ومختصر بهذه الوثيقه :- ورقة بحثية تم تجميع معلومات من هنا وهناك ووضعها في مقدمة الورقة بطريقة تشبه طريقة المكاتب الاستشارية من الدرجة الثانيه ومن ثم تجميع مجموعة حلول لا تخلو من الصحة من اوراق ولقاءات مختلفة اهمها ورقة صندوق النقد الدولي التي قدمها للجنة المالية في البرلمان العراقي عام ٢٠١٧ في ورشة عمل اقيمت في الاردن. ومع هذا فان الورقة لاتحتاج ان تعرض على البرلمان فالقانون اشار الى اجراء اصلاحات وليس تقديمها لاقرارها في مجلس النواب! كما ان اغلب الحلول المقترحة يمكن المباشرة بها فورا من قبل المؤسسات الحكومية دون اي تداخل تشريعي وهنا نستغرب الجمود الحكومي في البدء باي اجراء مالي او اقتصادي لانقاذ مايمكن انقاذه. بل على العكس تم تقديم قانون جديد للاقتراض لما تبقى من السنه وبمبالغ مبالغ ،بها تم اقراره على مضض من قبل مجلس النواب بعد ان تم ربطه برواتب الموظفين وتهييج الشارع اعلاميا ضد مجلس النواب مما جعل ذوي الاختصاص داخل المجلس بين مطرقة ضرورة دفع الرواتب وسندان خطورة الاقتراض على الاقتصاد العراقي فغلبت المطرقة سندانها والله المستعان. والاخطر من ذلك انه لا يزال هناك احتمال الاقتراض في عام ٢٠٢١، وهنا يجب ان نكون صريحين جدا ، فالاقتراض الداخلي هو تعبير مجازي غير حقيقي عن حقيقة استخدام اموال من البنك المركزي العراقي حيث ان المصارف العراقية غير قادرة على اقراض الحكومة لانها تعاني من نقص السيولة اساسا. فعلى هذا الاساس يقوم البنك المركزي باصدار حوالات خزينه للمصارف الحكومية لتعطيها بالتالي للحكومة لسد العجز.
السؤال المهم هنا من اين ياتي البنك المركزي بهذه الاموال ؟ الجواب ان البنك لديه حلين احلاهما مر.
الاول، استخدام الخزين الاحتياطي من العملة الصعبة وتحويلة الى دينار عن طريق زيادة مبيعات نافذة بيع العملة.
الثاني ،طبع للعملة العراقية دون غطاء مقابل لها من الذهب او العملة الصعبة.
هذين الحلين سيؤديان عاجلا او اجلا الى نتائج سلبية جدا قد تصل الى الانهيار التام من خلال اما افلاس احتياطي البنك المركزي او فقدان السيطرة على سعر الصرف دون الاستعداد لذلك وحماية الطبقات الهشة في المجتمع وبالتالي وفي ظل ضعف سلطة وهيبة الدولة يمكن ان ينهار النظام السياسي بسهولة في ظل هاتين المعضلتين . وعليه يجب ان تبدا الدولة متمثلة بالحكومة وجميع المؤسسات الاخرى التشريعية والاجتماعية بسلسلة من الاجراءات لانقاذ الوضع وهذه الاجراءات قد تكون فيها بعض التضحيات لكنه تندرج تحت مبدا درء الاسوء بالسيء فعدم السيطرة على الوضع الاقتصادي قد يرفع البلد للانزلاق في نفق الفوضى المظلم وهنا يتسنى لي باقتراح بعض الاجراءات التي قد تسهم بضبط الايقاع الاقتصادي مرحليا اتمنى على اصحاب القرار ان ينظروا لها بعين الجدية والمهنية وان يرفعوا الوقر الذي في اذانهم ويزيحوا غشاوة اعينهم ويفتحوا اقفال قلوبهم للوصول بالبلد الى برالامان .علما اني سادرجها كرؤوس نقاط فيها كثير من التفصيل الفني والاجرائي مما لامجال لذكره في هذا المقال ومن هذه الاجراءات :-
الطلب من اوبك استثناء العراق من تخفيض كميات النفط المصدرة والالتزام بالحصة الاصليه.
تحويل اصول وموجودات الدولة الى سيولة نقدية وبيع الاراضي المتجاوز عليها وبيع الاراضي الزراعية للمتعاقدين عليها.
سيطرة الحكومة على الصناديق الاستثمارية للتقاعد والضمان والتامين وتشغيلها لجلب عائدات مناسبة .
ايقاف الصرفيات الاستهلاكية في دوائر الدولة وغلق السفارات والبعثات في الدول التي ليس لها تمثيل دبلوماسي في العراق.
تجميد المخصصات الخاصة بالرئاسات وبعض الوزارات وتحقيق مبدا المساواة بالراتب والمخصصات لجميع موظفي الدولة.
الجباية الإجبارية للخدمات كالكهرباء و الماء و المجاري وتحصيل كافه ديون الدولة.
فرض التامين الاجباري على جميع النشاطات التجاريه.
ايقاف جميع التخفيضات في اسعار النفط داخليا وخارجيا.
تغيير سعر الصرف على ان مصحوبا بسلسلة اجراءات للسيطرة على الاسعار وحماية الطبقات الطبقات الفقيرة والمتوسطة الدخل.
فرض ضريبة مبيعات وزيادة الكمرك على بعض المواد الكمالية وزيادة الوعاء الضريبة وليس الضرائب.
اعلان جميع المصانع الحكومية كفرص استثمارية وحماية المنتج المحلي ومنع بعض الاستيرادات.
سحب السيولة النقدية الموجودة في المجتمع واعادة توظيفها في مشاريع انتاجية وذلك يتم بطرق شتى سبق وان تم شرحها في مقالات سابقه.
فرض الدفع الاكتروني وتقليل استخدام الدفع النقدي الى ادنى حد وتشجيع التجارة الالكترونيه.
اعتماد البطاقة البايومترية او الرقم الوظيفي الموحد عند توزيع الراتب.
اعطاء امتيازات وتسهيلات للمستثمرين الذين يدفعون مبالغ مقطوعة للدوله.
فتح باب المنافسه في قطاع الاتصالات والانترنت وانهاء حالة الاحتكار التجاري لبعض الشركات.
فتح باب الاستثمار في الثروات المعدنية كالفوسفات والكبريت وغيرها.
قيام وزارة المالية ببيع العملة الصعبة بصورة مباشرة للراغبين بالشراء.
ضخ قروض لتشغيل القطاع الخاص واعطاء ضمانات سيادية للشركات العالمية المجهزة للخطوط الانتاجية للمصانع في حال استيراد القطاع الخاص لهذة الخطوط الانتاجية.
اعادة هيكلة البطاقة التموينيه او تحويلها لمبالغ نقدية تسلم للعاطلين والمتقاعدين وصغار الموظفين ومن يثبت ان مدخوله الشهري يقل عن مليون دينار.
ومن نافل القول ان هناك العشرات من الافكار الاخرى القابلة للتطبيق والتي يمكن ان تؤثر ايجابيا على الاداء المالي والاقتصادي للحكومة وتبتعد عن كونها نقاط انشائية غير ملائمة للواقع العراقي واخيرا ان حل المشكلة الاقتصادية والثبات في صعود المنحدر الاقتصادي يتطلب جهود متكاتفه بين الحكومة والمؤسسات التشريعية والمواطن والفعاليات الاجتماعية لوقف الانهيار والحفاظ على النظام العام والسلم الاهلي وتمزقنا الخروج من لعنة النفط نحو بناء اقتصاد مستدام يهيء لحياة افضل لحاضرنا ومستقبل الاجيال القادمة.

 

  • نائب عراقي ووزير سابق

 

اترك تعليقاً