السيمر / فيينا / الثلاثاء 14 . 03 . 2023
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
كشفت كلمات شيخ الأسرى والمعتقلين الأسير المحرر اللواء فؤاد الشوبكي، عشية الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية بعد سبع عشرة سنة قضاها خلف القضبان، عن الروح المعنوية العالية التي يتمتع بها الأسرى والمعتقلون، التي ما أوهنها السجن ولا حط منها السجان، وعن الأمل الكبير الذي يعمر قلوبهم ويتعاظم مع الأيام في نفوسهم، الذي ما انطفأ يوماً رغم عتمة الزنازين ولا خنس رغم سطوة الجلاد، وعن اليقين الذين يملأ صدورهم، ويمنحهم القوة والحياة، رغم القيود الأليمة والأغلال الثقيلة، وجدران السجون العالية وأبواب الزنازين السميكة الصدئة، وعن الثقة الكبيرة بالنصر والتحرير مهما طال الزمن وتأخر الوقت، وظن الاحتلال بغطرسةٍ وخيلاء أنه الباقي وأن خصمه الفلسطيني هو الفاني.
خرج اللواء فؤاد الشوبكي من سجنه، وهو المعروف بين إخوانه ولدى شعبه بشيخ الأسرى والمعتقلين، مرفوع الرأس موفور الكرامة، منتصب القامة واثق الخطوة، شامخ الجبين عالي الصوت، نقي السريرة أصيل الفطرة، فلسطيني الهوى عربي الانتماء، صادق الوعد وَفِيَّ العهد، واضح الهدف بصير الرؤية، ثابتاً في موقفه، ومتمسكاً بحقه، يؤمن أن فلسطين هي أرضه التاريخية من بحرها إلى نهرها لا تتجزأ ولا تتقسم، ولا تكون لغير شعبه دولةً ووطناً، فكان صوته هو صوت الأسرى جميعاً الذين تركهم خلفه وواثقهم، وموقفه هو موقفهم الثابت الأصيل الذي لا ينحرف ولا يزيغ، ولا يتغير ولا يتبدل.
لم يكن اللواء فؤاد الشوبكي الذي ما إن خرج من السجن حتى أعلن برباطة جأش ويقين شيخ، عن ثوابت شعبه في أرضه ووطنه، وعن إصرارهم على حقهم وتمسكهم بوطنهم، يعبر عن نفسه فقط، ويكشف عن قناعاته وحده، أو يغرد خارج السرب منفرداً، بل كان ينطق بلسان الأسرى والمعتقلين جميعاً، ويعبر عنهم كلهم، إذ كان رائدهم كما كان شيخهم، وكان أمينهم كما كان حكيمهم، يتقدمهم ويعرف سريرتهم، ويسبقهم ويدرك حقيقتهم، ولهذا فقد كانت كلماته التي أطل بها على الحرية، واستقبل بها المهنئين وخاطب بها ياسر عرفات في قبره، تعبر عن الأسرى جميعاً، وتصور حقيقة مواقفهم، التي لا تضعف ولا تتزعزع، ولا تنقلب ولا تتراجع، ولا تؤثر فيها الضغوط، أو تنال منها الخطوب.
يخطئ العدو كثيراً عندما يظن أنه باعتقاله الشيوخ والرجال، وسجنه النساء والأطفال، وحبس حريتهم وتقييد حركتهم، وعزلهم وعقابهم، وحرمانهم وتعذيبهم، أنه يستطيع أن يؤثر عليهم ويضعفهم، وأن يفت في عضدهم ويوهنهم، وأن يكسر شوكتهم ويذلهم، وأن يغير قناعاتهم ويخترقهم، وأن يغزو عقولهم ويغسل أدمغتهم، وأنه باعتقالهم سينجح في حشو عقولهم بما يريد ونزع ما لا يريد، وزرع المفاهيم التي تخدمه وتنفعه، والتخلص من الأفكار الوطنية والثوابت القومية التي تهدده، وسيستبدلها بالمرحلية والحلول الجزئية، ومبادئ السلام وقواعد التعايش والاعتراف به والتعامل معه، على قاعدة الشراكة والجوار والأحقية التاريخية في العيش والحياة.
إلا أن الأسرى والمعتقلين، واللواء فؤاد الشوبكي أحدهم ويشبههم، ويمثلهم وينطق باسمهم، يحبطون العدو ويخزونه، ويحزنونه ويغيظونه، ويثبتون له أنهم عكس ما يظن وعلى خلاف ما يتوقع، عندنا يدرك أنهم أثبت من الأحرار، وأكثر صلابةً من الذين يعيشون في بيوتهم، وأصدق موقفاً من الذين ينعمون بالعيش مع أبنائهم وبين عائلاتهم، وأنهم من سجونهم يقودون المقاومة، ويشكلون الخلايا ويتابعون عناصرها، ويشاركون في تحديد الأهداف ويشرفون على تنفيذ العمليات، ويساهمون في حل النزاعات وفرض الحلول الوطنية، ويشاركون في الانتخابات التنظيمية وتكون لهم أدوارٌ فاعلة ومراكز حساسة في فصائلهم وحركاتهم، ولا ينغص السجن عيشهم، ولا تكدر المعاناة حياتهم، ولا تقيد القيود عقولهم، ولا تحبس الجدران والأسوار حريتهم.
يؤكد الأسرى والمعتقلون الفلسطينيون أنهم سيبقون دوماً جنوداً في الميادين، ومقاومين على الجبهات، وجبالاً على أرض فلسطين راسيات، وأن ظهورهم وإن كانت قد أعيتها السياط إلا أنها لم تكسر، وأن عيونهم وإن كانت قد آذتها العزلة إلا أنها ما زالت بصيرةً، وأن أيديهم وإن كانت القيود قد أدمتها إلا أنها ما زالت ترفع الراية وتحمل البندقية، وأن أرجلهم وإن كانت الأغلال قد تركت فيها آثاراً مؤلمة، إلا أنها ما زالت تحث الخطى وتواصل المسير نحو النصر الأكيد والحرية الكاملة.
في يوم حرية شيخ الأسرى ولوائهم فؤاد الشوبكي، يزجي له الفلسطينيون جميعاً في الوطن والشتات التحية الخالصة، ويهنئونه بالحرية الناجزة، ويتمنونها لمن بقي خلفه عاجلةً عزيزةً، ويسألون الله عز وجل أن يمد في عمره، وأن يبارك له فيما بقي من أيامه، حتى يرى فلسطين حرةً، ترفرف في سمائها أعلامنا، ويصدح في مساجدها آذاننا، وتقرع في كنائسها الأجراس، ويعاهدونه والأسرى والشهداء، أنهم سيكونون أوفياء لهم، وأبراراً معهم، ومخلصين مثلهم، يحفظون دماءهم، ويقدرون تضحياتهم، ولا يخونون عهدهم أو يفرطون في حقهم.
بيروت في 14/3/2023