فيينا / الأحد 04. 08 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
د. فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر عن بنعمة: قوله جل جلاله “مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ” ﴿القلم 2﴾ بِنِعْمَةِ: بِ حرف جر، نِعْمَةِ اسم. مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ: أي النبوة. ﴿ن﴾ سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة. أقسم الله بالقلم الذي يكتب به الملائكة والناس، وبما يكتبون من الخير والنفع والعلوم. ما أنت أيها الرسول بسبب نعمة الله عليك بالنبوة والرسالة بضعيف العقل، ولا سفيه الرأي، وإن لك على ما تلقاه من شدائد على تبليغ الرسالة لَثوابًا عظيمًا غير منقوص ولا مقطوع، وإنك أيها الرسول لعلى خلق عظيم، وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق، فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه. قوله عز من قائل “وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ” ﴿الضحى 11﴾ بِنِعْمَةِ: بِ حرف جر، نِعْمَةِ اسم. وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ: اذكر ما أنعم الله به عليك فهو شكر لله تعالى. فأما اليتيم فلا تُسِئْ معاملته، وأما السائل فلا تزجره، بل أطعمه، واقض حاجته، وأما بنعمة ربك التي أسبغها عليك فتحدث بها. قوله جل جلاله “وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ” ﴿النحل 71﴾ أَفَبِنِعْمَةِ: أَ حرف استفهام، فَ حرف زائد، بِ حرف جر، نِعْمَةِ اسم. والله فَضَّل بعضكم على بعض فيما أعطاكم في الدنيا من الرزق، فمنكم غني ومنكم فقير، ومنكم مالك ومنكم مملوك، فلا يعطي المالكون مملوكيهم مما أعطاهم الله ما يصيرون به شركاء لهم متساوين معهم في المال، فإذا لم يرضوا بذلك لأنفسهم، فلماذا رضوا أن يجعلوا لله شركاء من عبيده؟ إن هذا لَمن أعظم الظلم والجحود لِنعم الله عز وجل.
جاء في موقع روائع البيان القرآني: (د.فاضل السامرائى): * ما الفرق بين ختام الآيتين “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (إبراهيم 34) “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” (النحل 18)؟ هذا يتعلق بالسياق. سياق آية إبراهيم في وصف الإنسان وذكر صفات الإنسان فختم الآية بصفة الإنسان، آية النحل في سياق صفات الله فذكر ما يتعلق بصفات الله. في إبراهيم قال: “أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إلى النَّارِ (30) قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (31) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33)” (ابراهيم 28-33) الكلام كله في صفات الإنسان إلى أن يقول “وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)” (ابراهيم 34) مناسب لما ذكر من صفات الإنسان. في النحل يتكلم عن صفات الله والنعم “وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (9) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (15) وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (17) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18)” (النحل 5-18) يتكلم عن صفات الله تعالى والنِعَم. إذن لما تكلم على صفات الله والنعم التي ذكرها قال: “إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ” (النحل 18) ولما تكلم عن صفات الإنسان قال: “إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” (ابراهيم 34) فكل فاصلة مناسبة للسياق الذي وردت فيه.
جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: “أترفوا” (هود 117) أنعموا، وبقوا في الملك، والمترف: المتروك يصنع ما يشاء وإنما قيل للمتنعم مترف لأنه لا يمنع من تنعمه فهو مطلق فيه، و “قال مترفوها” (سبأ 24) (الزخرف 23) الذين نعموا في الدنيا في غير طاعة الله تعالى. و “ما أنت بنعمة ربك بمجنون” (القلم 2) أي ما أنت بمجنون منعما عليك. و (نضر) “نضرة النعيم” (المطففين 24) بريق النعيم. (بطر) البطر: الطغيان عند النعمة، و “بطرت معيشتها” (القصص 58). و “يستبشرون بنعمة من الله وفضل” (آل عمران 171) يفرحون. و “ذكرهم بأيام الله” (إبراهيم 5) أي بنعمة أنجائهم من آل فرعون، وظلل عليهم الغمام، وقيل: بنعمة الله التي انتقم الله بها من الأمم السالفة، وأيام العرب: وقائعها.
عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن بنعمت: قوله سبحانه “فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ” ﴿الطور 29﴾ امض في سبيلك، وثابر يا محمد على مهمتك، وهي الدعوة إلى اللَّه والتخويف من عذابه، ولا تكترث بما يقوله عنك بعض المعاندين: انك كاهن تدعي علم الغيب. ويقوله آخرون: انك مجنون. فأنت بحمد اللَّه وفضله أبعد من كان ويكون عن أكاذيبهم ومزاعمهم. وكيف تكون كاهنا أو مجنونا وقد جعلك اللَّه أمينا على وحيه، واختارك لرسالته؟. قوله سبحانه “وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ” ﴿النحل 72﴾ بعد أن ذكر سبحانه نعمة الزواج ذكر نعمة الأولاد، وهم كالأموال زينة الحياة الدنيا “ورَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ” مأكلا ومشربا وملبسا ومسكنا ومركبا، كل أولاء بالإضافة إلى الأزواج والأولاد وبعد هذه النعم كلها “أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ”. المراد بالباطل هنا الشركاء، والايمان بها نسبة النعم إليها بالانفراد أوالاشتراك مع اللَّه “وبِنِعْمَت اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ” حيث يأكلون رزقه ويعبدون غيره.. قوله جل جلاله “أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” ﴿لقمان 31﴾ من نعم اللَّه تيسير المواصلات، ومن وسائلها الفلك، وهي تحتاج إلى الماء والريح والسماء، وهذه الأسباب وما إليها تنتهي إليه تعالى “إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” يصبر على التأمل والنظر إلى عجائب اللَّه في خلقه، ويشكره على آلائه.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن بنعمت: قوله جل جلاله “أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ” ﴿لقمان 31﴾ لا شكّ أنّ حركة السفن على سطح المحيطات تتمّ بمجموعة من قوانين الخلقة: ـ فحركة الرياح المنتظمة من جهة. ـ والوزن الخاص للخشب أو المواد التي تصنع منها تلك السفينة من جانب آخر. ـ ومستوى كثافة الماء من جانب ثالث. ـ ومقدار ضغط الماء على الأجسام التي تسبح فيه من جهة رابعة. وحينما يحدث إختلال في واحد من هذه الاُمور فإنّ السفينة إمّا أن تغرق وتنزل إلى قعر البحر، أو تنقلب، أو تبقى حائرة لا تهتدي إلى سبيل نجاتها في وسط البحر. غير أنّ الله جلّ وعلا الذي أراد أن يجعل البحار الواسعة أفضل السبل وأهمّها لسفر البشر، ونقل المواد التي يحتاجونها من نقطة إلى اُخرى، قد هيّأ ويسّر هذه الشروط والظروف، وكلّ منها نعمة من نعمه تعالى. إنّ عظمة قدرة الله سبحانه في ميدان المحيطات، وصغر الإنسان مقابلها، تبلغ حدّاً بحيث إنّ كلّ البشر في العالم القديم الذي كانت السفن تعتمد على الرياح في حركتها ـ لو إجتمعوا ليحرّكوا سفينة وسط البحر عكس إتّجاه ريح عاصف قويّة لما استطاعوا. واليوم أيضاً، حيث حلّت المولِّدات والمكائن العظيمة محلّ الهواء، فإنّ هبوب العواصف قد يبلغ من الشدّة أحياناً بحيث يحرّك ويهزّ أعظم السفن، وقد يحطّمها أحياناً. والتأكيد الذي ورد في نهاية الآية على أوصاف (صبّار) و(شكور) إمّا أن يكون من باب أنّ الحياة الدنيا مجموعة من البلاء والنعمة، وكلاهما طريق ومحلّ للإختبار، حيث إنّ الصمود والتحمّل أمام الحوادث الصعبة، والشكر على النعم يشكّلان مجمل ما يجب على الإنسان، ولذا نقل كثير من المفسّرين عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): (الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر). أو أن يكون إشارة إلى لزوم وجود هدف لأجل إدراك آيات الله العظيمة في ميدان الخلقة، وهذا الهدف هو شكر المنعم المقترن بالصبر والتحمّل من أجل دقّة وتفحّص أكبر.