الرئيسية / خلونا نسولف / خلونا نسولف

خلونا نسولف

فيينا / الجمعة 09 . 05 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية  

رسل جمال*

شهدت العائلة العراقية تحولات كبيرة خلال العقود الأخيرة، نتيجة التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي عصفت بالمجتمع العراقي. ومع هذه التغيرات، برزت ظاهرة “صراع الأجيال” بشكل أوضح داخل الأسرة، خصوصًا في العلاقة بين “الكنة” (زوجة الابن) و”الحماة” (أم الزوج)، حيث تبدلت الأدوار، وتغيرت المفاهيم، وظهرت فوارق في القيم والعادات بين الجيلين.

في الماضي،وبالتحديد في تسعينات القرن الماضي ومع ظروف العائلة العراقية القاهرة والتي فرضت على الناس ان يعيشوا اكثر من اسرة في بيت العائلة الكبير ولا يحق لاحد ان يقول هذا بيتي فهو بيت الجد والجدة وهم الامرين والناهين فيه وعلى الجميع السمع والطاعة، كانت الكنة تدخل بيت الزوجية وهي محمّلة بتوقعات كبيرة بأن تكون “ابنة مطيعة” في بيت أهل زوجها، و كانت تعيش تحت سقف الحماة، وعليها ان تلتزم بعادات ذلك البيت الصارمة، وان تتحمل ضغوطًا اجتماعية دون اعتراض، ولم يكن مسموحًا لها بإظهار أي رفض أو التعبير عن رأيها في أمور كثيرة، وكان الصمت والصبر هما السلاحان الأساسيان للبقاء، اذ إن كثيرا من النساء كن يعانين من تدخل الحماة في أدق تفاصيل حياتهن، من طريقة الطهي إلى أسلوب تربية الأبناء، وكان يُنظر إلى ذلك باعتباره جزءًا طبيعيًا من الحياة الزوجية.
كذلك اهل الزوجة انفسهم كثيرا ما كانوا يحثونها على الصبر والتحمل وان تساير حياتها في سبيل الاسرة والعائلة وكانوا يقولون العبارة الشهيرة (المرة من بيتها لقبرها) في اشارة لقطع الطريق عليها في حال فكرت بالطلاق.
لذلك كان الاحترام يسود العلاقات بين الاسرة الواحدة، والسكوت عند التوبيخ وسماع النصيحة للمرة الالف دون تذمر، فالجد والعم بل وحتى الجار كانوا يشاركون في تربية الابناء، مشكلين منظومة مجتمعية متماسكة .
أما اليوم، فقد تغيرت ملامح العلاقة بشكل واضح، خصوصا عندما دخلت المرأة العراقية مرحلة جديدة من الوعي والتعليم والعمل، وأصبحت ترفض الخضوع غير المبرر للتقاليد التي تراها مجحفة في بعض الاحيان، اذ لم تعد الكنة تقبل التدخلات، وصارت تطالب بحقوقها كشريكة في بناء بيت مستقل، بعيدًا عن سيطرة الحماة، كما انها لم تعتد تحتمل اوامر الحماة ففي كثير من الأحيان، تفضل العائلات أن يعيش الأبناء المتزوجون في منازل منفصلة لتجنب الخلافات، وهو ما يعكس مدى التحول في ثقافة الأسرة.

هذا التغيير لم يأتِ دون ثمن، اذ ظهر صراع واضح بين جيل الأمهات اللواتي نشأن على قيم الطاعة والتماهي مع العائلة الكبيرة، وجيل الكنات الجديد اللواتي يطالبن بالاستقلال والخصوصية، ويستمعن لمحاضرات تطوير الذات واصبحن يعلمن انهن ذوات استحقاق عال!
لذلك تشعر بعض الحموات اليوم أنهن فقدن سلطتهن التقليدية، بينما ترى الكنات أن مطالبتهن بالاستقلال ليست تمردًا، بل حقًا طبيعيًا في عصر تتغير فيه الأدوار داخل الأسرة.

لدينا مثال حي لاختلاف الاجيال وهما ام محمد وزينب اذ لسان حالهما يقول “أم محمد” (70 عامًا):”تزوجت وعمري 16 سنة، لم أجرؤ يومًا على رفع صوتي أو مناقشة حماتي، كنت أقوم بكل شيء حتى وإن كنت مريضة،هذا كان واجب الكنة، والكل يتوقع منها أن تصبر وتتحمل.”الكنة فقديمًا لم تكن تملك خيار الرفض أو التعبير عن رغبتها في الاستقلال، وكانت غالبًا ما تتعلم الصبر من تجارب النساء اللواتي قبلها”.
اما كنة اليوم فهي تهيئ نفسها للاستقلال والمواجهة اذ تبدل المشهد، ولا تريد ان تعيد (سيناريو الامهات) كنات الامس اذ أصبحت الكنة شخصية مستقلة، متعلمة، عاملة، ترفض التبعية وترغب في تكوين أسرة بعيدة عن ضغوط الحماة. وتقول “زينب” (29 عامًا): “أنا أحب حماتي وأحترمها، لكن حياتي مع زوجي تخصنا وحدنا. لا أقبل أن يُملى عليّ كيف أربي أولادي أو ماذا أطبخ في بيتي ،فالزمان تغير، واليوم غير الامس.”هذه النظرة الجديدة تُحدث صدمة في بعض الأحيان لدى الحمواة اللواتي تربين على نظام مختلف (الطاعة العمياء) وكن يمنين النفس بانهن سيمارسن نفس الدور ويذقن الكنة ما عانينهن في الماضي الا ان الواقع كان له رأي اخر.

وفي الختام وقبل السلام و رغم هذا الصراع، لا يمكن إنكار وجود نماذج ناجحة من العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والتفاهم بين الكنة والحماة. وهذا الأمر يحتاج إلى وعي من قبل الطرفين، وهو أن تدرك الحماة أن الزمن قد تغير، وأن تمنح الكنّة ثقتها، وأن تتحلى الكنّة بالصبر والحكمة في التعامل مع جيل مختلف عنها في التفكير والتقاليد.

*سكرتير التحرير

بغداد / 09 . 05 . 2025

جريدة السيمر الاخبارية

www.saymar.org

alsaymarnews@gmail.com  

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً