الرئيسية / مقالات / 100 محرمات الدين مباحات الله ومباحات الدين محرمات الله

100 محرمات الدين مباحات الله ومباحات الدين محرمات الله

السيمر / الأربعاء 07 . 06 . 2017

ضياء الشكرجي

هذه هي الحلقة المئة من مختارات من مقالات كتبي في نقد الدين، حيث نكون مع مقالات مختارة من الكتاب الرابع «الدين أمام إشكالات العقل»وهذه الحلقة تشمل موضوعين.

محرمات الدين مباحات الله ومباحات الدين محرمات الله[1] لكل دين، وكل شريعة سماوية أو إلهية – بحسب عقيدة أتباعها – أحكام. والأحكام تمثل أحد الميادين الثلاثة لكل دين؛ العقائد، الأحكام، الأخلاق. ميدان العقائد منها، أو ما يسمى عند البعض باللاهوت، أو علم الكلام، أو الإلهيات، هو الميدان النظري أو لنقل الفلسفي، أي بمعنى أنه يمثل منظومة الرؤية الكونية لذلك الدين. بينما تمثل كل من الأحكام والأخلاق الميدان العملي أو التطبيقي أو السلوكي. والمساحة المشتركة للأحكام بين الشرائع الدينية المختلفة هي أضيق من مساحة المشتركات الأخلاقية، كما إن المساحة الأخلاقية المشتركة هي الأوسع من المساحة المشتركة للعقائد بين الأديان، إلا ما يمثل الخط العام. وبالنسبة للميدانين السلوكيين (الأحكام والأخلاق) فهناك نوع من تداخل بينهما، فكثير من التطبيقات الأخلاقية قُنِّنَت دينيا بصورة أحكام شرعية على نحو الأمر أو النهي، وينقسم الأمر والنهي كتكليفين دينيين إلى تكليف إلزامي، أي ما يكون – بالنسبة للأمر – واجبا ولا يُرَخَّص بتركه، فيعتبر تاركه آثما، وما يكون – بالنسبة للنهي – مُحرَّما ولا يرخص بالإتيان به، فيكون فاعله آثما أو مرتكبا لذنب أو لمعصية، بحسب المصطلحات الدينية التي تؤدي نفس المعنى. أو بتعبير آخر إن الكثير من الأحكام الشرعية – فيما يتعلق الأمر بالمعاملات متعددة الأطراف – تشتمل على بعد أخلاقي. كما إن هناك من التكاليف – أمرا أو نهيا، أو بتعبير آخر أمرا بالفعل أو بالترك – مما يُعَدّ تكليفا ترخيصيا، أي ما يُرخَّص بترك المأمور بفعله، وبالإتيان بالمنهي عن فعله. ويكون الكلام بالنسبة للأمر الترخيصي عن المستحبات – في مقابل الواجبات – أو عن المندوبات أو السنن أو النوافل، وتسمى كلها أيضا بالراجحات الشرعية، أما بالنسبة للنهي الترخيصي، فيجري الكلام عن المكروهات الشرعية، أي المرجوحات الشرعية بمعنى الراجح تركه. مع ملاحظة أن لفظ المرجوح أو المرجوحات هو عبارة عن خطأ لغوي شائع في لغة المتشرعة، لأن فعل (رجح) فعل غير متعد إلى مفعول به، والصحيح هو (المرجوح عليه). ومما يجعل المساحة المشتركة للأخلاق ما بين الشرائع هي الأوسع من غيرها، فبسبب الثبات النسبي للأخلاق، حيث إن الأخلاق قضية عقلية، وهذا ما يذهب إليه العقليون من أتباع العقائد الدينية كالمعتزلة والشيعة بالنسبة للمسلمين، فهم القائلون بالحسن والقبح العقليين، أي بقدرة العقل مستقلا ومن غير وحي، أي من غير نص ديني؛ بقدرته على الحكم مستقلا على حسن الأخلاق الفاضلة وقبح الأخلاق السافلة، وإن كان بعض النصيين – في مقابل العقليين – من المسلمين ومن أتباع ديانات أخرى ينكرون دور العقل في تحديد المستحسن والمستقبح من السلوك ذي البعد الاجتماعي، أي فيما يتعلق الأمر بالتعامل مع الآخر، ولا يتحرك في الدائرة الشخصية الخاصة التي لا أثر لها على غير صاحب السلوك، ويقولون إن الحسن هو حصرا ما حَسَّنه الشرع أي أمر به، والقبيح ما قبَّحه الشرع أي نهى عنه. وهنا الكلام عن الأخلاق بالمعنى الفلسفي، أما الأخلاق بالمعنى الديني، فمنه ما يلتقي مع الأخلاق فلسفيا، ومنه خاص بالرؤية الدينية. وتأييدا لكون التكاليف – أمرا أو نهيا – التي تتحرك في دائرة المعاملات ذات البعد الاجتماعي أو التأثير الغيري، بمعنى ذات الأثر على الآخر، وليست تلك المحصورة في السلوك الشخصي الخاص، هي الأشد أهمية وخطورة، نجد ما هو مقرر في العديد من النصوص الدينية، أذكر مثالا واحدا هنا، فحسب حديث نبوي نجد أن «الغيبة شرٌ من الزنا»، باعتبار أن الزنا سلوك شخصي ما لم يكن اغتصابا، بينما الغيبة فيها مساس بكرامة وسمعة آخرين.
هذا مدخل إلى الموضوع المعنون به المقالة، ألا هو طرح سؤال ما إذا كان بالإمكان أن تكون هناك بعض محرمات الدين أو الأديان، هي مباحات الله، وبعض مباحات الدين أو الأديان هي محرمات الله، أي ما إذا كان بالإمكان أن يُحرِّمَ الدينُ ما أحَلَّهُ الله ويُحِلَّ ما حَرَّمَهُ سبحانه.
ولكن قبل هذا لا بد من بيان ما أقصده من (الدين) ومن (الله) سبحانه. فكلمة «الدين» ربما لا تكون شيئا واحدا عند كل من يستخدمها، كما إن كلمة «الله» قد لا تعني نفس الشيء عند كل مستخدم لها، وإن كان سبحانه وتعالى واحدا أحدا، ولكن صورته في عقول الناس متعددة. ومن هنا لا بد لي من أبين للقارئ ما أعنيه في هذه المقالة بالذات بكلمة «الدين» من جهة، وبكلمة «الله» من جهة أخرى. فالدين عندي في هذه المقالة هو النتاج البشري للفكر الديني، بقطع النظر عن إيمان كل إنسان أي دين يمثل بالنسبة له وحيا إلهيا، وأي اجتهاد أو أي طريقة فهم لذلك الدين الذي نفترض أنه إلهي المصدر هو الأقرب إلى الجوهر الإلهي للدين، لأن الحقيقة الواحدة المطلقة لا يمكن لها أن تتعدد، وبالتالي يكاد يكون الدين كحقيقة مطلقة إلهية مفترضة موجودا حصرا في عالم التجريد، أو عالم المثال، بينما ما نجده في واقع عالم الإنسان من عدد لا حصر له من مصاديق أي أمثلة لمفهوم الدين إنما يمثل حقيقة نسبية، أي يمثل صوابا يختزن شيئا – يزيد أو ينقص – من الخطأ، أو هو يمثل عند آخرين خطأ يختزن شيئا – يزيد أو ينقص – من الصواب. أما (الله) سبحانه الذي أعنيه في هذه المقالة، فهو ليس الحقيقة المطلقة المعبَّر عنها بواجب الوجود المنزَّه عن التشبيه بالوجودات الحادثة الممكنة المحدودة في كمالها أي الناقصة، أي مخلوقاته، بل أريد أن أعبر بالله – تعالى ذكره وتقدست أسماؤه – عن العقل الكامل المتجرد، لا بمعنى أن الله تعبير مجازي عن العقل أو العكس، بل إن ما ينسجم مع ضرورات العقل يمثل حقائق إلهية، وما لا ينسجم مع ضرورات العقل حتى لو كان من ضرورات دين ما ليس بحقائق إلهية بالضرورة. إذن في هذه المقالة بالذات عندما أذكر الله أعني به العقل. وحيث إن العقل، لا من حيث أنه حقيقة مجردة، وإنما كمصداق يتحرك في عالم الإنسان، أي المَلَكة الشخصية للإدراك العقلي، أو مَلَكة استيعاب واستخدام القواعد العقلية في التفكير، هو الآخر نسبي، وليس بمطلق. ومع الإقرار بنسبية العقل بهذ المعنى، يجب الإقرار بأن العقل المتجرد والمستقل، أي غير المقيَّد بنصوص (المقدَّس) – سواء كان (مقدسا) حقيقيا أو موهوما أو مُدَّعىً – هو أقرب للصواب من الفكر الديني البشري غير المعصوم، أو بتعبير آخر هو أقل احتمالا للوقوع في الخطأ من الفكر الديني البشري أي النسبي مُدعي أو مُتوهِّم الإطلاق. ومن هنا يظهر الفرق بين النسبي المُقِرّ بنسبيته الذي هو العقل الإنساني المعبَّر عنه في هذه المقالة بلفظ «الله» سبحانه وتنزه عن التشبيه بالمحدود، وبين النسبي مُدَّعي أو مُتوهِّم الإطلاق الذي هو الفكر الديني البشري، لأن الأول يقبل النقد والتصحيح، والثاني يعتبر في الأعم الأغلب كل مزاولة للنقد والتصحيح بمثابة الكفر، ولذا جاءت نصوص دينية عديدة تحذر من التعويل على العقل في فهم الدين، فالعقل بالنسبة لها مِعوَل الدين والخطر الأكبر عليه. وهذا طبعا ليس من قبيل التعميم، ولكن يمثل ما نجده غالبا بنسبة أو دونها في الفكر الديني، أعني مرة ثانية الفكر الديني البشري، وليس جوهر الحقيقة الإلهية.
بعد هذا الإيضاح أدخل في صلب الموضوع، وأدّعي هنا إن كثيرا من محرمات الدين هي مباحات الله، كما وإن كثيرا من مباحات الدين هي محرمات الله. ومجددا أقول إني أعني بالدين الفهم البشري له وليس الحقيقة الإلهية المفترضة. فالدين وفق اجتهاد ديني ما يُحِلّ مثلا الزواج بالطفلة الصغيرة، والله يحرم ذلك. والدين يحل في كثير من الحالات أو يوجب قتل النفس البريئة تطبيقا لحكم شرعي يستحيل على الله بعدله ورحمته أن يكون من أحكامه، كما ويتعالى الله عن أن يعتبر الجريمة المفترضة مما يحكم سبحانه على مرتكبها بالقتل. والدين يدعو إلى كراهة الآخر، ويدعو إلى العداوات، والله لا يرضى بذلك. والدين يُشرِّع لظلم المرأة واستضعافها واضطهادها وسلبها حقوقها وجعلها إنسانا من الدرجة الثانية، تابعة للرجل، بل وكأنها مملوكة له، والله يحرم الظلم والتمييز، ويساوي بين الإنسان الذكر والإنسان الأنثى. والدين يُشرِّع لمصادرة حرية الرأي والعقيدة، والله يتعالى عن التشريع لمصادرة الاختيار الحر للإنسان، دون إلغاء مبدأ الحرية المسؤولة. والدين يُحرِّم الاستمتاع بالكثير من ملذات الحياة من طعام وغيره والتي ليس لها أثر سلبي على غير المزاول لذلك الاستمتاع، والله لا يحرم على عباده «زينَةَ اللهِ الَّتي أَخرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ»، ولا يحرم عليهم مفردات الاستمتاع بشتى المتع المحرمة لدى كثير من الشرائع الدينية. كما ويضع الدين قائمة طويلة من الواجبات، التي لا يوجبها الله على عباده بحكم العقل، بل قد يرتضي لهم بعضها ويثيبهم عليها، إذا أتوا بها طوعا، ولا يعاقب تاركها على تركها.
هذه مجرد إشارات ونزر قليل من أمثلة لحقيقة أن الدين – ولا أعني دينا محددا – كفهم وممارسة بشريين غير معصومين – يحرم الكثير مما أحله الله، ويحل الكثير مما حرمه الله، ويوجب الكثير مما لم يوجبه الله، وينهي عن الكثير مما أباحه الله ولم ينه عنه. وحيث إن لكل دين من الأديان في واقع الإنسان مجموعة لا حصر لها من الاجتهادات والرؤى وطرق الفهم والمدارس والمذاهب، ونجد منها ما ينسجم مع ضرورات العقل، وما يلتقي مع رؤى إنسانية غير مستنبطة من الدين، بل من التأملات العقلية والتجربة الإنسانية، وحيث إن خطأ الفكر الذي هو سجين النصوص المقدسة أكبر احتمالا من خطأ العقل الحر المسؤول، فلا بد مع اعتماد الالتزام بالدين من اعتماد التأويلية، أي تأويل النصوص التي تتعارض أو تبدو متعارضة مع ضرورات العقل إلى ما لا يتعارض معها. فالعقل المقترن بالضمير أو الفطرة الإنسانية التي فطر الله الإنسان وجبله عليها، يوم نفخ فيه من روحه بحسب التعبير القرآني، أو خلقه على صورته بحسب تعبير العهد القديم، والتي تعني الصورة المعنوية وليس المادية تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ إن هذا العقل المقترن بالضمير، أي العقل ببعديه الفلسفي والأخلاقي، العقل الحر المسؤول، هو أدرى من أدوات الفقه التقليدية للدين بما هو الأقرب إلى الله والأكثر رضا له سبحانه؛ من هنا لا بد لنا من التعويل على العقل، وتأويل النصوص التي يحتمل البعض صدورها عن الله بما يجد الانسجام مجددا مع العقل، وإنهاء القطيعة والتنافر بين العقل والنص الديني، ولهذا يجب صياغة الفهم للدين صياغة جديدة، على أسس (العقلية)، و(التأويلية)، و(الظنية)، و(التفكيكية). وللعلم إن هذه كانت تمثل ركائز المذهب الظني الذي تخليت عنه بعد أشهر من اعتماده وتحولت إلى لاهوت التنزيه. بمعنى إن الدين إذا افترض أنه دين الله لا بد من أن يُعرَض على العقل، وتُعطى للعقل وحده صلاحية تقويم عقائده وشرائعه، ولا بد من تأويل كل ما يمكن تأويله إلى ما ينسجم مع ضرورات العقل، ولا بد من اعتماد الإيمان الظني بكل ما هو من الممكنات العقلية، وليس من ضروراته، ولا بد من فتح الباب أمام إمكان التفكيك بين الدين والإيمان، أي بين النص والعقل. فبالتأويلة العقلية نضفي على الدين صبغة الله ونخلع عنه صبغة العصبيات البشرية، وبالظنية ننتزع من الدين التعصب والتطرف، وبالتفكيك نبقي الباب مفتوحا ليجد كل إنسان طريقه إلى الله، بحيث لو اكتشف أن الدين، أو فهما ما للدين يمثل مصداقا لمفهوم الصدّ عن سبيل الله، لا يتخذ بالضرورة قرار الانفصال عن الله بانفصاله عن الدين، بل يتخذ الطريق الثالث، وهو طريق الإيمان العقلي الفطري غير النصي. وأرجع وأقول إني لا أعمم ولا أطلق، بل أعني من الدين، كل هذه الظواهر التي أربكت واقع الإنسان لقرون من الزمن في بقاع كثيرة من كوكب الأرض، وطن الإنسان الكبير، وتحولت إلى عامل للإفساد في الأرض وإراقة للدماء، ونشر الكراهة والبغضاء والعداوة، وإضفاء القداسة على كل ما هو غير إلهي، من كراهة وبغضاء وعداوة واحتراب وعصبية وتطرف وعنف وقتل وخرافة وتعطيل للعقل. ومع هذا فهناك محاولات جادة كانت وما تزال لطرح فهم للدين عقلي وعقلاني وإنساني ونسبي. وهنا لا أريد أن أضع إنسانية الملحدين خارج الاهتمام الإلهي، أو في دائرة المقت الإلهي، بل ثمة إنسانية وعقلانية لدى ملحد أحب إلى الله من مُسمّى المؤمن المتجرد عن البعدين الإنساني والعقلاني.
«هـاـذِهِ سَبيلي [وطريقة فهمي ومدى معرفتي المتواضعة للحقيقة النسبية]؛ أَدعو إِلَى اللهِ [وإلى العقل والحب والجمال والإنسانية والسلام] عَلى بَصيرَةٍ [وإعمال للعقل وصدق] أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني [عن قناعة ذاتية أوشاركني في طريقة فهمي أو قاربها، أو كان أشد عمقا ووضوحا في نظرية لم أطلع عليها]، وَسُبحانَ اللهِ [وتعالى علوا كبيرا عما تنسب إليه الأديان]، وَما أَنَا مِنَ المُشرِكينَ [باتخاذ الدين صنما و(المُقدَّسِين) أو (المتقدِّسِين) أربابا من دون الله، وما أنا من المدعين احتكار الحقيقة، أو امتلاك الصواب المطلق والنهائي، وما أنا من المغالين]».
أقول قولي هذا، وأختمه بأن أستقبل الله الذي أينما نولي وجوهنا فثمة وجه الله، أي ثمة وجهته سبحانه، وتعالى عن أن يُحَدَّ بحدٍّ زماني أو مكاني، أو باتجاه أو بلحظة من زمن، أو بفكرة أو طريقة فهم دون غيرها، أستقبله بعقلي وبروحي، وأطلق العنان لسيمفونية الوجود بأنغامها السرمدية المتناهية بالجمال والألق، سيمفونية أن الحمدُ والجمالُ والجلالُ والخيرُ لله ربِّ العقل والحب والإبداع والسلام.

20/04/2008

لماذا «محجَّبة» وليس «متحجِّبة»؟

لماذا يا ترى سُمِّيَت لابسة الحجاب مُحَجَّبَة ولم تُسَمَّ مُتَحَجِّبَة؟ المحجبة على وزن مُفَعَّلة هو اسم مفعول للفعل الرباعي حَجَّبَ يُحَجِّبُ تَحجيباً، بينما المتحجبة على وزن مُتَفَعِّلَة هو اسم فاعل للفعل الخماسي تَحَجَّبَ يَتَحَجَّبُ تَحُجُّباً. أنا لا أدعي أن المصطلح عندما استخدم من أول من استخدمه، ثم شاع استخدامه، حتى أصبح يعني معنىً محددا، يقصده المستخدم ويفهمه المتلقي تلقائيا، إلا أذا كان هناك سياق يؤدي إلى معنى آخر.
الفرق واضح إذن، ولو أنه لم يكن مقصودا، إلا أنه يعبر عن حقيقة ما يسمى بالحجاب الشرعي. فالمتحجبة تَتَحَجَّبُ ذاتيا، لأن فعل التحجب فعل لازم، أي لا يتعدى ولا يحتاج إلى مفعول به، بينما المحجبة تُحَجَّبُ غيريا، لأن فعل التحجيب فعل متعدٍّ، أي يحتاج ويتعدى إلى مفعول به.
فالمسلمة الملتزمة أو المُلزَمة بلوازم الدين، تُحجَّب تحجيبا من مجهول الفاعل. والمجهولية أعنيها هنا لغويا، وليس واقعيا، فالمُحَجِّب هو الأب، الزوج، الأخ، الأسرة، العشيرة، المجتمع، الدين، الفقيه، رجل الدين، إلى غير ذلك من الآمرين بالحجاب الناهين عن السفور. إذن هو حجاب إجباري وليس حجابا اختياريا.
حتى المحجبات اللاتي يتحجبن من تلقاء أنفسهن، فهن محجَّباتٌ جبرا، ولسن متحجِّباتٍ طوعا، مهما اعتقدن أنهن اخترن الحجاب بمحض إرادتهن الحرة، لأن المصدقة بفرض الله الحجاب عليها، أجبرها تصديقها، لما هو ليس بواقع، ولكنها توهمته واقعا وحقيقة. فهي مجبرة هنا ذاتيا، أي مجبرة بحكم اعتقادها بوجوب الحجاب، فقناعتها بالوهم أجبرتها على لبس الحجاب، فهي أي هذه القناعة هنا في هذه الحالة هي المُحَجِّبَة والمُلزِمة بالحجاب، والمُلتزِمة بالحجاب هي المُحَجَّبَة، لا المُتَحَجِّبَة، وإن تصورت أنها إنما هي التي تَحَجَّبَت من ذاتها ولم تُحَجَّب من غيرها.
وحجاب ظاهر الرأس أي شعر المرأة لا يكون إلا بحجاب ما داخل الرأس، أي ما لم يتحقق حجاب العقل، لها أو لمن حَجَّبَها، من أبٍ ذكر، أو أمٍّ مؤمنة بسيادة الذكورة، أو أخٍ ذكر، أو رجلِ دينٍ ذكر، أو مجتمعٍ ذكوري، أو دينٍ ذكوري، يعيش هَوَسَ الجنس.

09/02/2017

اترك تعليقاً