السيمر / الثلاثاء 13 . 06 . 2017
صالح الطائي
أنا على يقين أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكني أصر بشدة على أن بعض وقائع التاريخ تعيد نفسها بصور جديدة ولكن بالمضمون نفسه، حتى تبدو وكأنها قدت من روح ومعنى سابقتها. ومن أوضح الأدلة على ذلك قصصا يمكن اقتباسها من تاريخنا الحديث منذ القرن الثامن عشر ولغاية الحادي والعشرين فهي الدليل الأكيد على صحة ما أراه. وهنا لا أجد أقرب ولا أوثق مما رأيناه وسمعناه عن زيارة الرئيس الأمريكي ترامب إلى المملكة العربية السعودية وما دار خلالها وما كانت نتائجها، والأهم علاقة هذه الزيارة بزيارة نابليون إلى مصر في زمن المشايخ.
فالمعروف أن فرنسا تحت حكم نابليون بونابرت وكنيستها الكاثوليكية حاولت ضم الكنيسة القبطية إليها، بمعنى أنهم كانوا يراهنون بمبادئهم السياسية ضد مبادئهم الدينية، ولهذا السبب نجدهم حينما حافظت الكنيسة القبطية على استقلالها قد عقدوا العزم على الهجوم على مصر واحتلالها، فأعد نابليون حملة مكونة من 30 ألف مقاتل لغزو مصر عام 1798، وحينما وصل الإسكندرية بادر بإنزال قواته ليلاً على البر ثم سير جيشاً لاحتلال المدينة. ولكي يمهد للاحتلال ويطمئن الناس، وجه في هذا اليوم بالذات، يوم احتلال الإسكندرية نداءً إلى الشعب المصري عبارة عن رسالة، جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم لا اله إلا الله، لا ولد له، ولا شريك له في ملكه.
أيها المشايخ والأئمة
قولوا لامتكم إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحّث النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة المسلمين، ومع ذلك فإن الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثماني أدام الله ملكه. أدام الله إجلال السلطان العثماني، أدام الله إجلال العسكر الفرنساوي. لعن الله المماليك وأصلح حال الأمة المصرية).
كان هذا لأن نابليون خاف من مقاومة الشعب المصري ولاسيما وأن محمد كريم استمر في مقاومة تقدم الجيش الفرنسي في الإسكندرية. لكنه ما إن استسلم وكف عن القتال مما أتاح لنابليون دخول المدينة، التي أعلن بها الأمان وفى 6 /12/ 1798 ثم سرعان ما أمر بتنفيذ عقوبة الإعدام بمحمد كريم بميدان الرميلة بالقاهرة.
في هذه اللحظة تحول نابليون بونابرت من قائد كاثوليكي إلى حاكم مسلم اسماه المشايخ أنفسهم (بونابردى باشا) وصار يتجوّل في البلاد وهو يرتدي الملابس الشرقية والعمامة والجلباب. وانطوت تلك الحيل، حيل الغزاة وعبيدهم المشايخ على السذج والبسطاء من الناس، فخضعت مصر وأجزاء أخرى من الأمة العربية إلى الاستعمار الفرنسي البغيض.
هذا حينما كانت القاهرة تمثل طليعة الأمة العربية، لكن بعد قرنين من الزمان، قام القائد الأمريكي دونالد ترامب الذي تسعى بلاده إلى الاستيلاء على منابع البترول ومخازن الثروة العربية بزيارة إلى الجزيرة العربية لأن فيها مشايخ يقودون ممالك وإمارات ودويلات تحولت بقدرة الشيطان الأكبر إلى غراب يقود الأمة إلى دار الخراب.
ومثلما استقبل مشايخ مصر القائد الفرنسي، ورحبوا به وسوقوه إلى الناس على أنه الحاج نابليون بونابرت المؤمن المسلم، استقبل مشايخ تلك الممالك والإمارات هم ومن يعمل بمعيتهم من رؤساء البلدان التي اشتروا ذمم حكامها بأموالهم؛ بما فيها مصر، استقبلوا القائد الأمريكي، وقرروا أن يمنحوه الجزية عن يد وهم صاغرون، ومنحوه معها مصير الأمة وشرفها وثرواتها وكرامة شعوبها ووحدتها وأمنها واستقرارها.
فهل بعد ذلك يحق لأحد أن يعترض علي ولا يوافقني أن في التاريخ محطات تعيد نفسها بأثواب وأقنعة جديدة ولكن بنفس القيمة والاتجاه؟