روزانا رمّال / لبنان
أخذت روسيا على عاتقها التقدّم بالملف السوري بشكل لا يحتمل مواربة بين الهدف والخطة الزمنية والآليات من أجل وضعه على السكة الصحيحة، وهي في هذا الإطار لا توفر ساعات اليوم الـ 24 من العمل الدؤوب، وقد لفت الاجتماع الذي دعت إليه من أجل المباشرة بحلّ سياسي للأزمة وضمّ بالإضافة اليها الولايات المتحدة والسعودية وتركيا في فيينا.
تلفت جدية المبادرات الروسية الاهتمام بالملف السوري دون سواه، وهي التي حضرت الى الشرق الاوسط بضربة استباقية من دون إنذار متقصّدة المحافظة على عنصر المفاجأة الذي غالباً ما يؤدّي عسكرياً الى ضمان النجاح عند تأدية اي عملية دقيقة بحيث تصبح عرقلتها أصعب، أي عرقلة العمليات العسكرية الروسية. الملف السوري أصبح أولوية روسية ولم يعد بمقدورها التعاطي معه ببطء بعدما بات مسؤوليتها سواء ثبتت صوابيتها او فشلها فيه، وهنا فإنّ المبادرة الروسية بهوية المشاركين تؤكد على التقدّم نحو حلّ بات أقرب.
الحضور السعودي في موسكو لأكثر من زيارة متقاربة يؤكد على يقين الرياض بأنّ ايّ حديث عن سورية يجب ان يمرّ من موسكو، وبالتالي فإنّ قبول السلطات السعودية بالدور الروسي هو قبول حتمي ببقاء الأسد حتى قبل ان تصدر تصريحات واضحة في هذا الخصوص، فكيف بعد أن زار الرئيس السوري بشار الأسد الكرملين والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليؤكد الأخير انّ التخلي عن الأسد غير وارد، وانّ التمسك بهذا الطرح أصبح سراباً ووهماً بالنسبة إلى من يعاندون الاتفاق، وهنا وضع بوتين المعترضين بدخوله العسكري الى سورية أمام أمرين أحلاهما مرّ… الأول ان يتمّ عزلهم في أيّ حلّ مقبل، والثاني ان يؤثر الرفض هذا على العلاقات مع روسيا مباشرة سلباً، وهذا ما يعكر الأجواء اكثر بوجودها عسكرياً كقوة لا يمكن تجاهلها، وبالتالي فإنّ التواصل الروسي – السعودي اصبح بلا شك تواصلاً من أجل الاتفاق على آلية قبول بالأسد كتحصيل حاصل لشكل العملية السياسية في سورية، بالتوازي مع باقي الملفات العالقة والمرتبطة ببعضها، خصوصا ما يهمّ السعودية مثل اليمن، وبالتالي يمكن القول انّ السعودية تقدّمت باتجاه إعلان القبول بالطروحات الروسية قريباً.
ساهمت روسيا في إنجاح ترتيب لقاء سوري سعودي في الأشهر الماضية بين اللواء على المملوك ووزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان، وفي هذا الإطار لفت أحد زوار نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لـ«البناء» الى انّ الأخير ذكر لهم في جلسته ما اعتبره مثيراً للانتباه وهو انّ الامير محمد بن سلمان تحدّث عن «مواقف الرئيس الراحل حافظ الأسد العروبية والقومية»، وقال انّ السعودية لا تنسى له هذه المواقف ولا تنكرها»، وهذا إذ يؤشر على محاولات سعودية لإظهار حسن نيات في بعض المحطات التي يمكن ان تبني عليها موسكو إيجابا وهي تتوقع ذلك.
هذا المشهد الذي لا يخفى على رئيس الحكومة السابق سعد الحريري يؤكد له أنه من غير الممكن بعد اليوم الانطلاق بالرؤية إلى مستقبله السياسي في لبنان إلا من خلال عنوانين أساسيين.
الاول: النظر الى المستقبل انطلاقاً من حتمية بقاء الرئيس السوري بشار الأسد، وتأثير ذلك إقليمياً على علاقاته بالمملكة العربية السعودية والتي ستكون مجبرة على الالتزام بما ستشارك في إنتاجه، وهو التسوية السياسية لسورية يكون الأسد رئيساً فيها، ايّ التزام الرياض بعلاقات شرعية مع دمشق.
الثاني: الانطلاق من فكرة بقاء الأسد في السلطة وتأثير ذلك على لبنان وعلى تياره تحديداً وعلى العناوين السياسية التي وضعها الحريري وقدّمها بزخم لجمهوره، والتي لم تنجح في ان تنضج وتصبح واقعاً.
بقاء الأسد في سورية يعني مزيداً من التدهور في أوضاع آل الحريري الذين لا يعرفون حتى الساعة مدى مقبولية تواجدهم في ايّ تسوية مقبلة، والمقصود هنا من غير الواضح إمكانية قبول الأسد بمن حرّض ضدّه في لبنان «خاصرة سورية»، ولبنان لا يعتبر بالنسبة لها ساحة تفرض عليها المحظور بل على العكس يمكن للأسد التدخل والتأثير في هذا الاطار عبر حلفائه بسهولة، أما من جهة اخرى فلا يعرف الحريري مدى إمكانية الدعم السعودي له من أجل العودة الى رئاسة الوزراء، فالسعودية وحدها هي الباب الى فتح الطريق له مجدداً مع دمشق طالما انّ علاقته بها مأزومة.
المأزق الاساسي الذي ينتظر الحريري اضافة الى ما كثر من حديث عن ضائقته المادية والانهيارات في شركاته هو مأزق انتخابي بحت، لأنّ بقاء الأسد يعني تراجعاً شديداً في شعبيته بالمناطق التي حشدت لحسابه وتمّ تحريضها أجل استهداف النظام السوري بشتى الوسائل، وهو الذي قدّم نفسه أمام جمهوره بوصفه الواثق من رحيل الأسد واعداً بالعودة إليهم من مطار دمشق.
التحضيرات لحلّ سياسي قريب في سورية تتطلب من الحريري عودة سريعة لإثبات وجوده وإعادة لملمة قاعدته الشعبية التي تعاني من فقدان المصداقية، وقد علت بعض الأصوات في عكار والشمال تحاكي هذا باتت ضرورة وذلك قبل ان تنضج الحلول في لبنان ويكون الملف الانتخابي اول الاستحقاقات التي سيتمّ البت فيها، وهنا سيجد الحريري نفسه قد تأخر وإلا فإنّ الانهيارات الانتخابية مقبلة لا محالة.
البناء