السيمر / الثلاثاء 31 . 10 . 2017
محمد ضياء عيسى العقابي
سيكون الجواب الرسمي الأمريكي على السؤال الذي طرحه مسعود البرزاني (فيما إذا كان يريد الأمريكيون معاقبة الأكراد) – سيكون الجواب بكل تأكيد: كلا
أما في الكواليس فسيكون جواب أمريكا بلا شك، بتقديري: نعم نريد معاقبتك أنت. وسيقدمون له أسباباً شكلية واهية. أما السبب الحقيقي لمعاقبة البرزاني الذي لا يبوحون به لأحد غيرهم فهو، بتقديري، لأن البرزاني قد أساء إساءة بالغة الى تخطيطهم الذي بذلوا جهوداً كبيرة وموارد طائلة في سبيله.
كيف أساء البرزاني الى تخطيط أمريكا؟ وما هو التخطيط أصلاً؟
بعد مسار طويل أُخرج إئتلاف دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الأمريكيين من الباب ولكنهم عادوا من الشباك ممتطين داعش والطغمويين(*) والبارزانيين وذيولهم وحاملين خطة ناعمة للسيطرة على مفاصل الحكم في العراق بعد أن مهدوا والسعوديون الأرضية بالتسبب بإنهيار أسعار النفط مما أضطر العراق الى قبولهم كمستشارين فنيين ومدربين وقبول أموالهم للتسلح لمحاربة داعش.
بعد أن فشلت أساليبهم التآمرية العنيفة في إسقاط النظام الديمقراطي التجأوا الى خطة هادئة مركبة كان الإعلام من أهم محاورها. كما أوعزوا الى عملائهم في المنطقة الى الهدوء ومحاولة إختراق العمق العراقي عبر نشاط إعادة الإعمار. لعب ويلعب الإعلام الأمريكي وخاصة فضائية (الحرة – عراق) وراديو (سوا) دوراً تحريضياً واضحاً ضد التحالف الوطني وبالأخص إئتلاف دولة القانون وحزب الدعوة ونوري المالكي بالذات لأنه يرفع لواء الدفاع عن الإستقلال والسيادة والوحدة العراقية والحشد الشعبي والأخذ بمشروع الأغلبية السياسية والحياد ويدعم العبادي بقوة في هذه المجالات وهو رفيقه في الحزب والإئتلاف والتحالف.
قطع الأمريكيون شوطاً لابأس به في مخططهم وقد ساعدهم في هذا المجال الطغمويون والبرزانيون والسعودية والإمارات وقطر. كما ساعدهم من حيث يدركون أو لا يدركون التيار الصدري والتيار المدني.
هنا برز قرار البرزاني بإجراء الإستفتاء. عارضته بشدة حكومات العراق وتركيا وإيران وسوريا بسبب إعتبارهم أية دويلة برزانية على الحدود هي ليست لصالح الشعب الكردي وهي في الحقيقة جيب إسرائيلي يهدد الدول الأربع وسيسخَّر لتنفيذ إستراتيجية المحافظين الجدد تلك الإستراتيجية التي أصبحت من ثوابت المؤسسات الأمريكية أياً كان لون الإدارة في البيت الأبيض، وتقضي بتفتيت الدول العربية والإسلامية وتمكين إسرائيل من التحكم بشؤونها بقفاز سعودي، للتخفيف من أعباء أمريكا التي تريد التركيز على شرق آسيا حيث يوجد التحدي الأكبر.
نصح الأمريكيون مسعود البرزاني ألا يقدم على هذه الخطوة وأن يؤجلها. لكن البرزاني أصر على المضي في مشروعه. ومضي بالفعل وأجرى الإستفتاء وجرى ما جرى حيث قام العبادي بنتف ريش البرزاني وأعاده الى حدود عام 2003 وفق الدستور حيث كان البرزاني قد تجاوز الدستور بكثير مستغلاً إضطرار حكومات الجعفري والمالكي والعبادي الى إبداء بعض المرونة حيال جشع البرزاني إختياراً للأقل خطورةً ومرارة وهم يواجهون خطر الإرهاب الطغموي المدعوم إقليمياً وداخلياً بجناح سياسي مؤثر في مجلس النواب والذي كان يريد الإطاحة بالنظام الديمقراطي ودستوره وإقتلاعه من الجذور.
أخطأ البرزاني في إفتراضاته الأولية وفي تقديره للموقف. فقد إفترض أن إسرائيل تتحكم بأمريكا والعالم (وهذه ثقافة شائعة في منطقة الشرق الأوسط وخاصة في العالم العربي وهي خاطئة). لذا صرح البرزاني، بعد الإستفتاء وبعد رفضه من جميع دول العالم عدا إسرائيل، بأن مواقف الدول ستتغير بالتدريج بعد أيام، معوِّلاً على الدور الإسرائيلي في هذا الصدد.
في خطاب البرزاني أمام برلمان كردستان يوم 29/10/2017 قال بأن موقف العبادي ما كان ليصبح بتلك القوة لو أن أمريكا ساندت الإستفتاء. إن هذا خطأ فاحش يقترفه الكثيرون إذ يهملون الجوهر الصلب للديمقراطية العراقية المستندة الى الجماهير المؤمنة بها بقوة، وينظرون الى المظهر الخادع الذي يعطي انطباعاً بهشاشة الدولة وإحتمال إنهيارها في أية لحظة مدهوشين بالقال والقيل والصخب والشعارات الطنانة. الأمريكيون إستوعبوا الدرس من التجارب السابقة لذا فهم لا يحاولون إستفزاز الحكومة وإلا فالطرد مصيرهم. عليه تجنبت أمريكا أي إستفزاز لحكومة العبادي.
وبالتالي فإن أمريكا حانقة على البرزاني لأنه حرق نفسه وأضعف الإقليم كثيراً وألب الجيران ضده وأنهى دوراً مرسوماً له يلعبه في التخريب الآن لإنجاح المخطط الأمريكي وكان سيلعبه بعد نجاح المخطط في السيطرة على مفاصل القرار العراقي وتنفيذ إستراتيجية ترامب وإسرائيل حيال إيران أي بافتعال حرب عراقية المظهر ضدها وصولاً الى إطاحة النظام الإسلامي الى آخر المسلسل الذي يمتد الى الصين وروسيا. عندئذ فإن أمريكا سوف لا تنتظر البرزاني ليطالب بالإنفصال بل إن أمريكا ستعلن الإنفصال قبل إستيقاظ البرزاني من نومه!!!
أما إسرائيل فيبدو أنها شجعت البرزاني على المضي في الإستفتاء رغم معرفتها بتكتيك أمريكا المتأني في محاولة السيطرة على مفاصل القرار العراقي. لكن إسرائيل ربما حسبت حساباً لإحتمال طرد ترامب من كرسي الرئاسة وبذلك تخسر فرصة لخبطة الأوضاع في المنطقة عبر إجراء الإستفتاء، لذا أشارت على البرزاني بالمضي قدماً فأية لخبطة وبأي قدر وفي أي وقت مفيدة لإسرائيل كما فعلوا في سوريا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) : للإطلاع على تفاصيل “الطغموية والطغمويون وجذور وواقع المسألة العراقية”، برجاء مراجعة هامش الحلقة الأولى من مقالي المنشور على أحد الروابط التالية:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=575611
http://www.qanon302.net/?p=97120
http://www.akhbaar.org/home/2017/10/235247.html