السيمر / الاحد 25 . 11 . 2018
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
هناك حقيقة ان الأنظمة العربية بشكل عام الحاكمة للبلدان العربية انظمة فاسدة وتعمل على تفشي الفساد الذي بات سمة بارزة للانظمة العربية، وللاسف عندما يسأل القادة العرب عن الفساد يلقونه ببساطة على الشعوب وينطبق عليهم قول الشاعر العربي رمتني بدائها وانسلت، ويفترض في الذين يلقون تهمة الفساد المنتشر في الدول العربية لوجود انحطاط أخلاقي لدى الشعوب أن يعيدوا النظر في اعتقادهم تجاه ذلك هناك حقيقة ليس هناك شعب في اكمله شعب صالح او كل الشعب فاسد، والحقيقة ان هناك حكومات صالحة ووجود حكومات جيدة هي نتيجة طبيعية لوجود شعوب حيه وشريفة، صلاح الحاكم ينعكس ايجابا على صلاح المجتمع، إنها معادلة بسيطة، صلاح الانظمة يعني صلاح الشعوب،فساد الأنظمة تعني فساد الشعوب، فساد الراس يعني فساد الجسم، الامام علي ع قال لاخير في جسم لاعقل به،وقد ورد في نهج البلاغة الخطبة 131 عدالة الحاكم ووصفه في امام عدل (: “فَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ عَادِلٌ، هُدِيَ وَهَدَى، فَأَقَامَ سُنَّةً مَعْلُومَةً، وَأَمَاتَ بِدْعَةً مَجْهُولَةً، وَإِنَّ السُّنَنَ لَنَيِّرَةٌ لَهَا أَعْلَامٌ وَإِنَّ الْبِدَعَ لَظَاهِرَةٌ، لَهَا أَعْلَامٌ، وَإِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ إِمَامٌ جَائِرٌ ضَلَّ وَضُلَّ، بِهِ فَأَمَاتَ سُنَّةً مَأْخُوذَةً، وَأَحْيَا بِدْعَةً مَتْرُوكَةً) لذلك استقامة الحاكم تنعكس على استقامة المجتمعات، تجاهل المسؤول العربي مرض الفساد يدمر كل شيء حتى بالاخلاق، وينهي المجتمع، وعندما يرى الناس أن المسؤولين والقادة في سدة الحكم يكسبون المليارات مثل انظمة الخليج البترولية والذين يهبون المال لكل شخص يدخل مجالسهم والهدايا اعظم لرؤساء امريكا وساسة الغرب يمئلون حقائبهم ملايين الدولارات بينما شعوبهم تعيش تحت خط الفقر، هذا الفساد ليس فقط لدول البترول وانما يشمل سائر الانظمة الفاسدة الاخرى ويصبح الرئيس والملك والسياسيين المتنفذين الى سماسرة ولصوصاً من العيار الثقيل فإن هذه الحالة كما وصفها الاستاذ السيد راجي العوادي فيصبح الفساد ثقافة اجتماعية عامة، بل وبات المسؤول والموظف الذي لا يمارس الفساد يكون اشبه بالمجنون والمختل عقلياً أو شاذا في المجتمع ولربما يحتقر، يقول الكواكبي: «أما المستبدون فلا يهمهم إلا أن تستغني الرعية بأي وسيلة كانت»، الذي يشجع الشعوب على الفساد والإثراء الوحشي هم الحكام المستبدون الذين بدورهم استغنوا بكل الوسائل، وغايتهم التغطية على فساد انظمتهم السياسية وغايتهم مسخ المجتمع وافساده كي لا يبقى هناك شرفاء في المجتمع، لذلك السياسة المتبعة لدى الكثير من الأنظمة تقوم على الإفساد المنظم بحيث «يجب إفساد كل من لم يفسد بعد»، لانه لايمكن يكون النظام فاسداً والرعية صالحة ومن مجتمع ملائكي، لذلك الفساد الحكومي بات نوع من أنواع «الترويض للمواطن من خلال إغراقه وجعله مشاركاً في إحدى حلقات الفساد،و إشراكه في تلويث يديه» يقول الامام علي ع يصف الرشوة منعتم الناس حقهم فأشتروه، تمنع المواطن من الحصول على حقه يضطر لدفع رشاوي في سبيل الحصول على حقه الطبيعي، مثلا البرلمان اقرأ مشروع السجناء طبقوه على ناس وحرموا ناس كانوا في معتقل رفحاء على سبيل المثال بحجج واهية هنا اضطر البعض ان يدفع رشاوي لكي يحصل على حقه بينما انا قلت الحقيقة ورفضت اكذب ورفضت ان ادفع رشوة ، غياب العدل هو اساس الفساد والظلم، لذلك الكثير يجد نفسه مضطر بشكل إجباري لممارست الفساد من خلال دفع الرشا من أجل الحصول على حقه، فالمواطن في الدول العربية جميعا يجد نفسه في كثير من الأحيان مجبراً على استخدام الأساليب الملتوية أو غير المشروعة ليحصل على حقوقه، بعهد نظام البعث المهزوم عندما يصدر امر من اجهزة مخابرات صدام او ديوان رئاسته الى اي مصنع او معمل في ارسال ما يطلبون فعلى المدير تنفيذ ذلك والا يتم اتهمه بالخيانة والتعامل مع الأعداء وبأنه عدو الشعب والوطن ويلفقون له التهم لمجرد أنه رفض أن يرسل من المؤسسة التي يديرها مايطلبونه منه، قبل هروب صدام ارسل شاحنات قامت بسرقة الاموال والذهب المودع في البنك المركزي العراقي، هذه التصرفات جعلت المواطن ينظر لمؤسسات الدولة انها مؤسسات ليست له، لذلك هناك حقيقة علينا ان نعترف بها وهي ان جميعنا يعرف أن ملايين المواطنين العرب ينظرون إلى الممتلكات الحكومية على أنها جديرة بالنهب والسلب، واباحوا سرقة الممتلكات وفق اطر هم شرعوها لانفسهم تحت غطاء ديني، الاخ الاستاذ راجي العوادي كتب مقال مفصل حول سرقة اموال الشعب العراقي من المسؤولين وعامة الشعب، السنة اجازوا سرقة اموال الدولة لان الحاكم شيعي، وبعض الشيعة سرق المال العام تحت مجهولية المالك، الشخص النزيه الذي لم يشارك في السرقات فهو «خنيث وجبان وموكدها أو ساذج مابيه حظ ». لذلك ينبغي علينا ان لا نعجب عندما نرى الملايين من الناس يحاولون التلاعب مثلاً بعداد الماء أو الكهرباء كي لا يدفعوا فواتير كبيرة، او التلاعب في فواتير المياه، لذلك نشأة لدى الكثيرون ثقافة الفساد والمتمثلة في التصرف بثروات الوطن «كأنها ملك يمين». عندما يتم تشريع قانون تجد الاف من الناس يقدمون على طلبات يدعون انهم كانوا مسجونيين ومعتقلين او ذويهم شهداء وهم في الحقيقة سراق ولصوص وبعضهم دخل السجن لقضايا غير اخلاقية، غالبية حكام العرب لا يفرقون حتى الآن بين المال العام والمال الخاص، بل ينظرون الى عائدات البترول واموال الدولة انها ملك عضوض لهم ولابنائهم وذويهم، مضاف الى ذلك كل الدول العربية عندهم مشاكل قومية ودينية ومذهبية لم يتم ايجاد حلول مرضية للجميع، هذه الثقافة العربية ليست جديدة فعلها جميع خلفاء بني امية وبني العباس، كانت زبيدة لاتستطيع النهوض من كثرة المجوهرات التي تلبسها وفي الجانب الثاني من نهر دجله تجد الكثير من النساء والاطفال لايستطيع النهوض من الجوع، بعهد صدام شعب العراق محاصر وهو يبني القصور الرئاسية ويتنعم في الخيرات هو وقومه بل في العوجة كان يوجد سوبر ماركت يبيع المواد نفس اسعار البضائع بعام 1979 وهذا الكلام في تسعينيات القرن الماضي ومخصص لابناء العوجة فقط وياويل الذي يدخل للسوبر ماركت لشراء حاجة وهو من الجنوب او كوردي محظوظ اذا تكسرت اياديه، الدول الاوروبية لديها انظمة صالحة تحتكم للدستور وللقوانيين وتوجد مؤسسات تراقب خلفها شعوب تترقب فساد المسؤولين، لذلك الدول المتقدمة يطلبون من أي شخص يترشح لمنصب حكومي أن يعلن عن حجم ثروته قبل يشغل المنصب كي يكون تحت المراقبة المالية، كيف تطلب من المواطن ألا يرشي ومن الموظف ألا يرتشي إذا كان النظام العام يقوم على مبدأ الفساد كما هو في معظم الدول العربية وحتى المجال السياسي والاعلامي بات يشرى ويباع ، وكم من العمولات السياسية دُفعت أو قـُبضت مقابل تمرير مشاريع سياسية معينة، لدينا فضائح بقيام كتل سنية بالعراق في بيع وزارات وحتى احد القادة البارزين السيد مقتدى الصدر اشار اليهم بالاسم واشار الى فسادهم، للاسف بات الجميع إما راشياً أو مرتشياً مع العلم أن الإسلام لعن الراشي والمرتشي. لقد «استطاع الفساد أن يتسلل إلى جميع المؤسسات والقطاعات، ولا يمكن الحديث عن أي مؤسسة من مؤسسات بعض الدول دون الحديث عن الفساد، شاهدت في سوريا اردت اكمال معاملة جمع شمل الموظف فتح جرار مكتبه واوراقي امامه ههههه او تجد سماسرة يقفون خارج الدائرة يعرضون عليك انجاز المعاملة مقابل مبالغ مالية وكذلك الحال في لبنان ومصر والاردن والعراق، نضع اليكم وصايا اراد الامام علي ع ان يرسيها في المجتمع الاسلامي لتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم تقطع طريق الفساد من جذورة وصايا أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشتر :أول شيء أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) به مالكاً الأشتر ، الذي عيّنه والياً له على مصر ، أن يكون محبَّاً للرعية ، محترماً لمشاعر الناس من أي فئة كانوا ، سواء كانوا مسلمين أم من أهل الأديان الأخرى . ولا يخفى أن في ذلك تثبيتاً لإنسانية الإسلام واحترامه لمشاعر الناس ، وتقوية لبنية النظام والحكومة .قال (عليه السلام) : ( وأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، والْمَحَبَّةَ لَهُمْ ، واللُّطْفَ بِهِمْ . ولا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً ، تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ : إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ ) .ثمَّ أوصاه أن يعفو ويصفح عمَّن أساء واجترأ عليه ، أو على خاصته ، قال (عليه السلام) : ( فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وصَفْحِكَ مِثْلِ الَّذِي تُحِبُّ وتَرْضَى أَنْ يُعْطِيَكَ اللَّهُ مِنْ عَفْوِهِ وصَفْحِهِ ) .ثمَّ دعاه إلى أن لا يميّز بين القريب والبعيد في عطاءاته من بيت المال ؛ لأنَّ المسلمين سواءٌ في تناول الحقوق المالية من بيت المال ، وقد عانى الناس من التمييز في العطاء أثناء العهد السابق ، فكان ذلك من الأسباب التي دعتهم إلى الثورة على الخليفة الثالث .قال (عليه السلام) : ( أَنْصِفِ اللَّهَ وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ ومَنْ لَكَ فِيهِ هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ ، فَإِنَّكَ إِلاَّ تَفْعَلْ تَظْلِمْ ، ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ ) .ثمَّ ذكّره بأن يكون هدفه وغايته إقامة العدل ، وإحياء الحق ، الغاية والهدف الذي من أجله أُرسل الأنبياء والرسل ، حتى ينعم الناس بالعدالة والمساواة ، فبالعدل فقط تقوم الأنظمة وتستمر ، ويصير للحياة مفهومها ومعناها . أما الحياة في ظل حاكمٍ ظالم ، فهي بمثابة السجن ، قال (عليه السلام) : ( ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ ) .ثمَّ أوصاه بأن يكون جلّ اهتمامه جلب رضا العامة ؛ لأنَّ رضا العامة يعني ثبات النظام ، وإيجاد الدرع الواقي له من كيد الأعداء والمتضرِّرين من وجوده ، ومع رضا العامة لا قيمة لسخط الخاصة ، فإنّ الخاصة يمكن لك أن تتخلَّى عنهم . أمَّا العامة ، فلا .قال (عليه السلام) : ( وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مَعَ رضا الْعَامَّةِ ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ عَلَى الْوَالِي مَئُونَةً فِي الرَّخَاءِ ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ فِي الْبَلاءِ ، وأَكْرَهَ لِلإِنْصَافِ … مِنْ أَهْلِ الْخَاصَّةِ . وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ، والْعُدَّةُ لِلأَعْدَاءِ ، الْعَامَّةُ مِنَ الأُمَّةِ . فَلْيَكُنْ صِغْوُكَ لَهُمْ ، ومَيْلُكَ مَعَهُمْ ) .ثمَّ دعاه لأن يختار لموازرته في إدارة شؤون البلاد ، أشخاصاً تتوفَّر فيهم الخصال الطيبة الحميدة ، التي يستدعي التحرُّك من خلالها تنشيط حركة البلاد سياسياً ، وتقويتها اقتصادياً وحتى عسكرياً .قال (عليه السلام) : ( ولا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلاً يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ ويَعِدُكَ الْفَقْرَ ، ولا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ ، ولا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَهَ بِالْجَوْرِ ؛ فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ ) .ثمَّ دعاه لأن يختار لوزارته طاقماً جديداً ممَّن لم يخدم الأنظمة الظالمة ، وممَّن يثق بهم الناس ، أُمناء على مستقبلهم وحياتهم ، قال (عليه السلام) : (إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً ، ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ ، فَلا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً ؛ فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأثَمَةِ ، وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ ) .ثمَّ قال له بأنَّ الناس فيهم المحسن والمسيء ، فلا تجوز المساواة بين الصنفين ؛ لأنَّ في ذلك قطعاً لسُبُل الإحسان ، وتقليلاً للفاعلين له ، وتشجيعاً للمسيئين على الإساءة ، وهذا خلاف المباني الإلهية والإسلامية ؛ لأنَّ الله يأمرُ بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .قال (عليه السلام) : ( ولا يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ والْمُسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ تَزْهِيداً لأَهْلِ الإحْسَانِ فِي الإحْسَانِ ، وتَدْرِيباً لأَهْلِ الإسَاءَةِ عَلَى الإسَاءَةِ ) .ثمَّ دعاه إلى المحافظة على ما سنّه السلف الصالح ، وحذّره من نقض السُّنن الصالحة ؛ لأنَّ في ذلك إماتة لشعائر الله وإحياءً لغيرها ، والأُمّة تغار على دينها وسننها الصالحة ؛ لأنَّها جاهدت وناضلت من أجل بقائها .قال (عليه السلام) : ( ولا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِهِ الأُمَّةِ ، واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ ، وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ . ولا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ ؛ فَيَكُونَ الأجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا ) .ثمَّ تعرَّض (عليه السلام) لأقسام الرعية وأصنافها ، وبيّن أن كل قسمٍ منها يحتاج للقسم الآخر ومرتبط به ارتباطاً عضوياً ، حيث إنَّ كل تلك الأقسام تشكِّل نظاماً متكاملاً متماسكاً ، فهي بمثابة الجسم الواحد ، وعيّن لكل صنف مسؤوليته ومهمته حتى لا تتداخل الأمور وبالتالي تسود الفوضى .وفي حديثه عن كل صنفٍ من الأصناف ، كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يؤكِّد على ضرورة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، ويؤكِّد على اختيار أصحاب الكفاءات ، وحذره من الاختيار القائم على المحاباة والذي تجرع الناس منه الغُصص والويلات .قال (عليه السلام) : ( واعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ ، لا يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ ، ولا غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ ، فَمِنْهَا : جُنُودُ اللَّهِ ، ومِنْهَا : كُتَّابُ الْعَامَّةِ والْخَاصَّةِ ، ومِنْهَا : قُضَاةُ الْعَدْلِ ، ومِنْهَا : عُمَّالُ الإنْصَافِ والرِّفْقِ ، ومِنْهَا : أَهْلُ الْجِزْيَةِ والْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ومُسْلِمَةِ النَّاسِ ، ومِنْهَا : التُّجَّارُ وأَهْلُ الصِّنَاعَاتِ ، ومِنْهَا : الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ والْمَسْكَنَةِ ، وكُلٌّ قَدْ سَمَّى اللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ ووَضَعَ عَلَى حَدِّهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَو سُنَّةِ نَبِيِّهِ ( صلَّى الله عليه وآله ) ) .وأكثر ما تحدَّث أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه للأشتر (رضوان الله تعالى عليه) عن الطبقة السُّفلى أو الفقيرة ، وهذه الطبقة تشكِّل القسم الأكبر من المجتمع في كل زمان ومكان ، ولهذا جعل كل تلك الطبقات لحماية ومساعدة هذه الطبقة ؛ حتى تنهض ممَّا هي فيه وتنعم بالعدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، ولو يُصار إلى تأدية حقوقها كاملة في كل زمان لنهضت ، ولكن هيهات !! فما إن ينتهي عهدٌ ، حتى يأتي عهدٌ جديد يعمّق هوة الفقر والمسكنة ، وهكذا تتوسَّع هذه القشرة وتكبر وتتأصَّل جذورها أكثر فأكثر .وقد سعى أمير المؤمنين (عليه السلام) جاهداً لرفع الغُبن والحيف عن هذه الطبقة ، خلال الفترة القصيرة التي حكم فيها ، وهي خمس سنوات ، وقد نجح إلى حدٍ بعيدٍ في هذا الاتجاه ، وإن كانت المدة التي حكم فيها غير كافية لقلع جذور الفقر والاستضعاف .يقول جورج جرداق في كتابه ” علي وحقوق الإنسان ” : إنَّ لعلي بن أبي طالب في حقوق الإنسان أصولاً وآراء ، تمتد لها في الأرض جذور وتعلو لها فروع (2) .وقال في مكان آخر من الكتاب : له شأنٌ أيُ شأنٍ ، وآراؤه فيها (حقوق الإنسان) تتَّصل اتصالاً كثيراً بالإسلام يومذاك ، وهي تدور على محور من رفع الاستبداد والقضاء على التفاوت الطبقي .ومَن عرف علي بن أبي طالب وموقفه من قضايا المجتمع ، أدرك أنَّه السيف المسلَّط على رقاب المستبدِّين الطُّغاة ، وأنَّه الساعي في تركيز العدالة الاجتماعية بآرائه وأدبه وحكومته وسياسته (4) .قال (عليه السلام) : ( ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى ، مِنَ الَّذِينَ لا حِيلَةَ لَهُمْ : مِنَ الْمَسَاكِينِ والْمُحْتَاجِينَ وأَهْلِ الْبُؤْسَ (شدة الفقر) والزَّمْنَ (أصحاب العاهات) ؛ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً ومُعْتَرّاً . واحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ ) .وقد ذكر لهذه الطبقة حقوقاً مفصَّلة كحقوق العامة ، إلاّ أنَّها أكثر إلحاحاً هنا . والملاحظ أنَّ الأمير (عليه السلام) طلب من واليه على مصر أن يُشرف بنفسه على أوضاع هذه الفئة ، مضافاً إلى الإشراف العام , وحذَّره من التهاون في تنفيذ حاجياتهم ، وأداء حقوقهم المالية والقانونية والشرعية .قال (عليه السلام) : ( واجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكِ ، وقِسْماً مِنْ غَلاتِ صَوَافِي الإسْلامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ ) ، ثمَّ قال (عليه السلام) في موضعٍ آخر : ( واجْعَلْ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِيهِ شَخْصَكَ ، وتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً عَامّاً فَتَتَوَاضَعُ فِيهِ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَكَ ) .ثمَّ قال (عليه السلام) : ( إِيَّاكَ والدِّمَاءَ وسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَةٍ ، ولا أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ ، ولا أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَةٍ ، وانْقِطَاعِ مُدَّةٍ ، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا… وإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإٍ ، وأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَو سَيْفُكَ أَو يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ ، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً ، فَلا تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ ) .(1) م . ن ، ص 137 .(2) م . ن ، ص 135 .(3) علي وحقوق الإنسان ، ص 105 .(4) م . ن ، ص 106