السيمر / فيينا / الأربعاء 08 . 05 . 2019
زيد شحاثة
أثبتت النظم الديمقراطية, أنها أفضل ألية “وضعية” لإدارة الشأن العام, لكنها مع ذلك بينت وبما لا يقبل الشك, أنها كأي نظام من صنع بشري, لا تخلوا من العيوب أو الأخطاء, سواء في أصلها كنظام, أو من جراء سوء الممارسة والتطبيق. تتفاوت الدول فيما بينها في درجة نضج نظامها السياسي, وكيفية تثبيت ذلك النضج ” وتقنينه” بما يسمح, لكل أجزاء النظام وأركانه, أن تؤدي المهام المطلوبة منها بشكل صحيح.. فبعضها تثبته بشكل صريح كنص دستوري أو قانوني, وبعضها صار عندها عرفا ثابتا كاد أن يكتسب قوة القانون المنصوص.. وبعضها لازال بالكاد يحبو في هذا الطريق, في ما لازال أخرون يتخبطون تيها! ركن أساسي في أنظمة الحكم المعتد بها, وجود معارضة تعمل على تقويم العمل الحكومي, وإنتقاده وتقديم النصح والإرشاد لها, بل وتعمل على مسائلتها وسحب الثقة, وإسقاطها إن فشلت في أداء المهام الموكلة بها, وتنفيذ برنامج حكومي يحقق متطلبات الأمة. تذهب الأحزاب للمعارضة, إن رأت منهاج الحكومة بعيدا عن توجهاتها ومبادئها, أو أن نسبة تمثيلها بالحكومة “حصتها” ليست ملائمة لعدد مقاعدها, أو ربما لأنها تختلف فكريا وعقائديا أو سياسيا, وبشكل لا يمكن التوافق فيه مع الحزب الفائز بالإنتخابات.. لكن أحيانا يحصل ذلك , لأن الحزب الفائز بالإنتخابات ممن لا يفي بوعد ولا يلتزم بأي إتفاقات ومواثيق يعقدها! أثبتت التجارب الديمقراطية العربية “على قلتها” أنها لم تصل بعد لمرحلة نضج كافية, لتوجد معارضة حقيقية تقوم بالدور المتعارف عليه في نماذج غربية متقدمة عنا بكثير.. ورغم أن من العدالة القول, أن تلك الأنظمة سبقتنا بسنوات كثيرة, فترسخت تجربتها وثبتت ألياتها بشكل رصين بعد مرور سنوات كثيرة, وخصوصا في ذهن الجمهور.. لكن هل من سبب يدعونا لعدم الإستفادة من تلك التجارب؟ وهل من ضرورة لأن نمر بكل ما مروا به من مراحل وتجارب, ونحتاج كل تلك المدة؟! تجربتنا السياسية العراقية, رغم أنها وبكل مقاييس الأمم, ورغم كل عيوبها التي تكاد تجعلها تعرج كثيرا, وتقع في مطبات متكررة, متقدمة نسبيا.. إن تم تقييمها بشكل موضوعي بعيدا عن العاطفة.. ومع أنها لا تخلوا من خطوات خاطئة عادت بها كثيرا للوراء, وعانت من فشل وقرارت شخصية فردية, كادت أن تطيح بالبلد كله, لكنها بالمجمل تسير إلى الأمام.. فهل حان وقت وجود معارضة! تجربتنا مع وجود المعارضة, خصوصا بعد الإطاحة بنظام صدام والبعث كانت فقيرة جدا.. بإستثناء معارضة خجولة ذهب إليها تيار الحكمة ” المجلس الأعلى سابقا” في حكومة السيد المالكي الثانية, وبما تمثله الحكومة من سلطة ومنافع وأصوات إنتخابية.. فالكل كان يريد المشاركة بالحكم ولو من خلال وزير دولة! لأن جمهورنا لم يفهم أهمية المعارضة في ” لعبة الحكم” لحد الأن فالحال سيظل كما هو.. ورغم أن إئتلاف النصر ودولة القانون وتيار الحكمة, لم يستلموا أي مناصب في الحكومة الجديدة التي شكلها السيد عبد المهدي, لكنهم لم يجرئوا أن يذهبوا للمعارضة, ليس لأنهم لا يعرفون أهميتها, فمعظم قادتهم ممن عاش في الغرب, أو إطلع على تجارب الحكم هناك.. لكنهم يعرفون أن نسبة كثيرة من الجمهور يحب من في السلطة وسيصوت له, ناهيك عمن ترتبط مصالحهم برجال الحكومة. ستظهر لدينا معارضة.. هذا أمر مؤكد وحتمي ولا شك فيه فهو نتيجة منطقية للنظام الديمقراطي, مهما كانت صورته وعيوبه, لكن السؤال المهم هو عن ودرجة توفر أسبابه عندنا توقيت ظهورها.. علامات ظهور المعارضة تلوح في الأفق, والأسباب متعددة وأكثر من أن تخفى.. فهل يملك هؤلاء الجرأة ليذهبوا للمعارضة صراحة بلا مواربة, ويعلنوا ذلك جهارا نهارا.. أم سيدفعهم الجمهور العاشق لمن في السلطة, للتردد من تلك الخطوة!