فيينا / الجمعة 23. 05 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
د . عادل عامر / مصر
من القواعد الاستراتيجية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية هي ضمان أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي والبقاء على عهد رعايتها وتسمين قوتها العسكرية لضمان استمرارها في وسط المحيط الفلسطيني والعربي والإسلامي المعادي ومنحها الوسائل للاستمرار في تنفيذ المجازر. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية لم تبادر للقيام بواجباتها ومسؤولياتها الأخلاقية والقانونية والسياسية الكفيلة بوقف تلك الجرائم والانتهاكات المروعة، إن لم يكُن لحماية مئات الآلاف من الفلسطينيين، وإن لم يكُن إيمانا منها بقيم حقوق الإنسان التي تدعي تبنيها والريادة فيها، وإيمانا بعالميتها وشموليتها على جميع البشر دون تمييز، وبسيادة القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الإنساني، وبالمواثيق والاتفاقيات والصكوك الدولية،
إن لم يكن من أجل ذلك كله فعلى الأقل من أجل حماية حليفتها إسرائيل ومستقبلها من الغرق في أوحال الفظاعات وشلالات الدم، ومن التورط أكثر في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة التجويع، وجرائم التهجير والاستيطان والاحتلال، ومن أجل إنقاذ وترميم صورتها وسمعتها، المتآكلة أمام الضحايا من الفلسطينيين، وأمام شعوب الشرق الأوسط، وأمام كافة الشعوب حول العالم، الذين يشاهدون ويتابعون كل ما يحدث، ويتفاعلون معه، وأمام ما توثقه الذاكرة الإنسانية وتحمله إلى المستقبل- إذا لم تبادر الولايات المتحدة إلى ذلك فإنه يتوجب على النخبة السياسية الأمريكية الحاكمة أن تبادر للقيام بواجباتها ومسؤولياتها لإيقاف الحرب الإسرائيلية الغاشمة، من أجل ترميم وإنقاذ صورتها وسمعته المتآكلة، على الأقل أمام الرأي العام الأمريكي، وأمام أجيال من الأمريكيات والأمريكيين الذين لم يعد من الممكن لأي سلطة حاكمة ومهيمنة ونافذة حجب الحقائق عنهم وتزييف وعيهم، ولم يعد من الممكن تضليلهم والتحكم بتوجهاتهم وفرض سردية أحادية زائفة عليهم من خلال وسائل الدعاية الموجهة من الُنخب السياسية النافذة.
ولا مناص أمام النخبة الأمريكية الحاكمة من وقف استمرار الاعتماد على تكتيكات وسياسات تتسم بعدم احترام عقول الأمريكيات والأمريكيين، والاستهانة بوعيهم وضمائرهم وإراداتهم، واستغفالهم. وفي الاحتجاجات الجامعية ما يكفي من الدروس والعِبر التي يتوجب على النُخب السياسية الأمريكية التوقف مليا عند أبعادها، واتخاذها أساسا لإدراك خطورة الاختلالات المُتعمقة في سياساتها وتفاعلاتها الداخلية والخارجية.
منذ بداية الحرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة حظيت دولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية كاملة، وصلت إلى التدخل في التفاصيل والنصائح والشراكة الكاملة، من جانب الإدارة الأمريكية، رغم عملية “الخداع الاستراتيجي” التي نفذتها طوال شهور، كما يؤكد محللون، حول عدم رضاها عن “أداء” نتنياهو. عدم الرضا الذي تفاخر مراراً بتبنيه للصهيونية، على مستقبل وحاضر دولة الاحتلال، وتبنيه الكامل لأهداف حرب الإبادة الجماعية، لكن من وجهة نظر يرى أنها الأسلم استراتيجياً وأمنياً وسياسياً.
مع تدعيم الحماية العسكرية لدولة الاحتلال، انطلقت الولايات المتحدة في اتصالات مع أطراف في المنطقة بهدف بناء جدار حماية أمام الرد الإيراني وبقية أطراف المقاومة.
في قبرص أكد مسؤولون أمريكان أن الجزيرة ستكون قاعدة لحماية “إسرائيل”، تزامناً مع اتصالات مع الأردن ومصر وغيرها، لضمان المشاركة في صد المسيرات والصواريخ التي تتوقع أنها ستكون ضمن الرد الإيراني على جريمة اغتيال هنية.
وأرسلت الولايات المتحدة الأمريكية رسائل مع أطراف مختلفة تحذر إيران من الرد، وتحاول تقديم “إغراءات” لها للتخلي عن الانتقام لضيفها رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي قتلته مخابرات الاحتلال في قلب عاصمتها طهران.
وعمدت الولايات المتحدة إلى سياسة التخويف عبر التصريحات الإعلامية من أي رد على جريمة الاحتلال، ووجهت رسائل أيضاً للبنان في محاولة للحد من رد حزب الله أو إقناعه عبر أطراف أخرى عن التراجع عن الانتقام لقائده العسكري فؤاد شكر. استخدام الولايات المتحدة الأميركية مجددا حق النقض الفيتو في مجلس الأمن الدولي، لمنع إصدار قرار يلزم دولة الاحتلال بوقف عدوانها على قطاع غزة، ويستغرب المتابعين من مختلف دول العالم استمرار الرفض الأميركي لوقف حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال على الشعب الفلسطيني وأن الفيتو الأميركي الذي يتحدى إرادة المجتمع الدولي، سيعطي ضوءا أخضر إضافيا لدولة الاحتلال الإسرائيلي لمواصلة عدوانها على شعبنا ولتنفيذ هجومها الدموي على رفح .
بات واضحا أن الإدارة الأمريكية أصبحت شريكة للاحتلال وان الإجراءات التي تتخذها الإدارة تدعم وتوفر الحماية لسلطات الاحتلال، وأن مشروع القرار الأميركي البديل الذي أعلنت أنها ستتقدم به إلى مجلس الأمن، جاء لتبرير استخدامها للفيتو على مشروع القرار الجزائري العربي وتتحمل الولايات المتحدة مسؤولية استمرار العدوان الإسرائيلي على الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين في قطاع غزة على يد قوات الاحتلال نتيجة سياستها المساندة للاحتلال والعدوان الهمجي على الشعب الفلسطيني .
سياسة الولايات المتحدة ودعمها للاحتلال تجعل من الولايات المتحدة شريكا في جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وأن هذه السياسة أصبحت تشكل خطرا على العالم، وتهديدا للأمن والسلم الدوليين .
ويأتي الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن بالتزامن مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول السيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، في تحدي للشرعية الدولية وللمبادرة العربية، واستخفاف بالموقف الدولي، خاصة أن العالم بأسره يتحدث عن دولة فلسطينية مستقلة ويسعى إلى الاعتراف بها وأن هذه السياسات الإسرائيلية المرفوضة، لا تجلب الأمن والاستقرار واستمرار هذا النهج المدمر سيوصل الأمور إلى الانفجار الشامل .
ولا بد من تكريس الجهود الدولية لإيجاد بديل عن إراقة الدماء والدمار والحرب من خلال قيام الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي انحازت للعدل والسلام والأخلاق الإنسانية، وساندت القرار الداعي إلى وقف العدوان الإسرائيلي، واستمرارها في العمل على مواصلة جهودها لوقف حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها حكومة التطرف القمعية العنصرية في الأرض الفلسطينية المحتلة وخصوصا في قطاع غزة . لا يمكن لهذه الحرب أن تستمر ولا يمكن للاحتلال ان يتحدى العالم ويتجاهل الموقف الدولي الداعم للحقوق الفلسطينية ويجب وقف العدوان المتواصل على الشعب الفلسطيني وحصول دولة فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية .
سياسات الولايات المتحدة تجاه إسرائيل لم يعد لها صلة بحسابات مصالح الدولة، ولا بالتحالفات السياسية والأمنية والعسكرية بين الدول. هي الآن محض إذعان مُطلق، يخدم إرهاب وإجرام حكومة يمينية متطرفة تقود دولة غارقة في الدم والاحتلال والاستيطان والتهجير تُسمى “إسرائيل.”
إن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل لم يعد لها صلة بحسابات مصالح الدولة الأمريكية، ولا بالتحالفات السياسية والأمنية والعسكرية بين الدول، ولا بالسياسة، ولا بالبراجماتية، ولا بأيٍ من المناهج العلمية الحديثة التي تحتكم إليها تعريفات ومقاربات وتكتيكات مسائل سياسة الدول، الداخلية منها والخارجية، ولا صلة لها بمضامين ومحددات العلاقات الدولية، والتزامات وأهداف التحالفات والشراكات الاستراتيجية بين الدول والمحاور والتكتلات الإقليمية والدولية. وإنما هي الآن محض إذعان مُطلق، تُستلب فيه قوة ونفوذ وعلاقات وهيمنة وأجهزة ومؤسسات وموارد دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وتحرق فيه مراكب هذه الدولة مع الكثير من المجتمعات حول العالم، وذلك كله من أجل خدمة إرهاب وإجرام حكومة يمينية متطرفة تقود دولة غارقة في الدم والجور والاحتلال والاستيطان والتهجير تُسمى “إسرائيل.”
وإذا استبعدنا إحالة ذلك الإذعان الأمريكي لإسرائيل ولوبيهاتها ومصالحها وحروبها إلى حالة مُفترضة من “التعصب الأعمى” القائم على أساس ديني وعقائدي، أو على أساس عِرقي، أو على أي أساس عنصري آخر، بوصفه مسلكا بدائيا وغير إنساني، مُتخلفا وغير مُتحضر-إذا استبعدنا ذلك، فإن أقرب التفسيرات، وأكثرها وجاهة وواقعية، يتأسس على إحالة ذلك الوضع الأمريكي، غير الطبيعي وغير الاعتيادي، إلى حسابات النخب السياسية الأمريكية الانتخابية، والتي تتبارى لتقديم قرابينها في مزادات كسب رضا اللوبيهات الإسرائيلية المؤثرة على مسار الانتخابات التمهيدية داخل أروقة ودهاليز الحزبين، وعلى مسارات ونتائج السباقات الانتخابية، على كرسي رئاسة البيت الأبيض، وعلى نسب مقاعد مجلس النواب والكونجرس، وعلى حكم الولايات، وتقف على رأس تلك اللوبيهات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك)،
التي لا تجد في أنشطتها وأدوارها الرامية للتأثير على مسارات ونتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى سياسات الإدارات الأمريكية، ما يستحق المواراة والإخفاء، فتبادر بالنشر علنا عبر موقعها الإلكتروني وحساباتها وصفحاتها الرسمية على شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي عن أنشطتها وأدوارها المؤثرة،
كان أحدثها ما نشرته على حسابها الرسمي في تويتر، في 15 مايو/آيار 2024 محتفلة بهزيمة المرشحة الديموقراطية، سارة الفريث، في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي، بصفتها مرشحة مدعومة من السيناتور بيرني ساندر. بالطبع، كل من الفريث وساندر مصنفان من قبل “آيباك” أنهم غير مؤيدين لإسرائيل، وقد سبق أن نشرت قبلها بأيام تهنئة استعراضية لسبعة مُرشحين صنفتهم أنهم ديموقراطيون مؤيدون لإسرائيل، بفوزهم جميعا. هؤلاء فازوا بعد دعم “آيباك” لهم على جميع منافسيهم من المرشحين الديموقراطيين “غير المؤيدين لإسرائيل،” في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي، وهي أنشطة وأدوار تديرها وتوجهها مصالح دولة أخرى في أدنى الشرق، للتأثير على المجال السياسي الداخلي لدولة أُخرى في أقصى الغرب، وهي ممارسات تحظرها وتُجرمها وتُدينها جميع الدول.
*دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات