فيينا / الجمعة 23. 05 . 2025
وكالة السيمر الاخبارية
بغداد/ خاص انتصار الماهود *
من المنامة لبغداد ومن تونس لبغداد أيضا ، يتحرك العراق بثقة على مسارين متكاملين: الأول سياسي في قمة الجامعة العربية الرابعة والثلاثين، والثاني إعلامي في مؤتمر الإعلام العربي بنسخته الرابعة. وبين هذين الحدثين، برز العراق كلاعب محوري يعيد تموضعه في المشهد العربي، ليس عبر الخطاب وحده، بل من خلال الفعل والمبادرة، مستندًا إلى ثلاثية متماسكة: السياسة، الإعلام، والأمن الذي باتت ملامحه واضحة.
في قمة بغداد المنعقدة قبل أيام ، حمل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خطابًا اتسم بالوضوح والاتزان، والذي أكد فيه دعم العراق للقضية الفلسطينية، وحث على اعتماد الحوار سبيلاً لحل الأزمات العربية، مع رفض التبعية لأي محور خارجي.
وهنا أظهر العراق نفسه كدولة ذات سيادة، توازن مصالحها دون أن تفقد بوصلتها العربية. خطاب السوداني لم يكن مجرد مشاركة بروتوكولية، بل إعلان عن مشروع استقرار إقليمي ينطلق من بغداد، ويعتمد الشراكة لا الصدام.
في كلا القمتين، لم يغفل العراق التأكيد على أن الأمن القومي العربي لا يتجزأ، وأن استقراره الداخلي هو أساس لأي دور فاعل.
ففي القمة العربية قدّم العراق مجموعة من المبادرات والمواقف التي تعكس تطلعاته لتعزيز دوره الإقليمي والدولي. إليكم أبرز النقاط التي ركّز عليها العراق خلال القمة:
أولاً: القضية الفلسطينية وإعادة إعمار غزة
أدان العراق بشدة الهجمات الإسرائيلية على غزة، واصفًا إياها بـ”الإبادة الجماعية”.
أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني عن إنشاء صندوق عربي لإعادة إعمار غزة ولبنان، مع تعهّد العراق بتقديم 20 مليون دولار لكل منهما.
رفض العراق أي محاولات لتهجير الفلسطينيين قسرًا، معتبرًا ذلك “جريمة ضد الإنسانية” .
ثانيًا: الأمن الإقليمي والتنسيق العربي
أطلق العراق مبادرة تأسيس “غرفة التنسيق الأمني العربي المشترك” لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، مقرها بغداد.
دعا إلى إنشاء مراكز تنسيق لمكافحة المخدرات والجريمة العابرة للحدود.
أكد على أهمية بناء شراكات إقليمية متوازنة بعيدًا عن سياسة المحاور، مع رفض استخدام الأراضي العراقية للاعتداء على دول أخرى .
ثالثًا: التنمية الاقتصادية والتكامل العربي
اقترح العراق تأسيس “مجلس وزراء التجارة العرب” لتنسيق السياسات التجارية.
أطلق مبادرة “العهد الإصلاحي الاقتصادي العربي” التي تشمل إنشاء مناطق تجارة حرة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز التكامل الصناعي والزراعي.
شجّع الدول العربية على الانضمام إلى مشروع “طريق التنمية” الذي يربط العراق بمحيطه الإقليمي.
اقترح إنشاء “المركز العربي للذكاء الاصطناعي” في بغداد
رابعًا: البيئة والأمن الغذائي
أعلن العراق عن “المبادرة العربية لتحقيق الأمن الغذائي” و”مبادرة بغداد لتعزيز التعاون العربي في مواجهة التحديات البيئية وتغيّر المناخ”.
اقترح تأسيس “المركز العربي لحماية البيئة من مخلفات الحروب”.
دعا إلى توفير ملاذات آمنة للمتضررين من الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة .
خامسًا: تعزيز الدور الثقافي والدبلوماسي
اقترح العراق إنشاء “المجلس العربي للتفاعل الثقافي بين الدول العربية” لتعزيز التبادل الثقافي.
استضاف قمتين على هامش القمة:
قمة ثلاثية مع مصر والأردن لبحث التعاون الاقتصادي ومشاريع الربط الكهربائي والنقل.
قمة خماسية مع مصر، الأردن، فرنسا، والكويت لمناقشة الاستثمار، مكافحة الإرهاب، والربط الإقليمي .
سادسًا: الموقف من سوريا والعلاقات الإقليمية
دعا العراق إلى دعم وحدة سوريا ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها.
أعرب عن تأييده لرفع العقوبات الدولية عن سوريا لتسريع عملية إعادة الإعمار.
أكد على أهمية الحوار بين إيران والولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن نجاح هذا الحوار يصب في مصلحة استقرار المنطقة والعراق .
العراق العظيم بثلاثة أبعاد… حضورٌ لا يُمكن تجاهله
ما بين خطاب سياسي متزن في البحرين، وتنظيم إعلامي رصين في بغداد، وتأكيد مستمر على أولوية الأمن بمعناه الشامل، يرسم العراق اليوم صورة جديدة لدوره العربي.
ليست صورة طارئة أو دعائية، بل ناتجة عن توازن داخلي بدأ يؤتي ثماره، وإرادة سياسية تسعى لاستعادة المكانة دون الاصطدام، بل بالتكامل.
إنه العراق الجديد، الذي يقدم نفسه لاعبًا محوريًا بثلاثة أبعاد مترابطة:
سياسيًا: برز العراق بخطاب عقلاني يدعو للحلول السلمية والاحترام المتبادل.
إعلاميًا: أصبح البلد منصة تجمع العرب حول تحديات كونية بلغة علمية وأدوات حديثة.
أمنيًا: للعراق رؤية شمولية ناضجة تتجاوز البندقية، لتشمل الفكر، والمعلومة، والوعي.
بعد أيام فقط من القمة السياسية، احتضنت بغداد مؤتمر الإعلام العربي الرابع بمشاركة واسعة من مؤسسات وهيئات إعلامية عربية ودولية. وقد تمحور المؤتمر حول “الإعلام في مواجهة التغيّر المناخي”، إضافة إلى ورش عمل عن الذكاء الاصطناعي في صناعة المحتوى البيئي، ومبادرة الإنذار المبكر للجميع بحلول عام 2027.
هذا التحول في بغداد من عاصمة كانت تقترن بالأزمات، إلى حاضنة لحوارات استراتيجية إعلامية، يمثل تحوّلًا نوعيًا في صورة العراق عربيًا، ويكشف عن رغبة واضحة في لعب دور منتج في القضايا العالمية.
وهكذا، لم تكن مشاركته في القمتين ترفًا دبلوماسيًا، بل رسالة واضحة مفادها:
العراق حاضر .. وقادر على أن يكون عنصر توازن، لا أزمة، في معادلة المنطقة.
*كاتبة واعلامية عراقية
وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات