الرئيسية / مقالات / الفلسطينيون والأردنيون والعرب : تحدي البقاء

الفلسطينيون والأردنيون والعرب : تحدي البقاء

السيمر / فيينا / الخميس 23 . 05 .  2019 

د . لبيب قمحاوي/ الاردن

تدور الآن عجلة القوة الغاشمه والقَدَر اللئيم عكس آمال وحقوق وطموحات الفلسطينيين والأردنيين والعرب عموماً . العويل والنواح على الأمجاد الغابرة والحسرة على واقع الحال لن يُجدي شيئاً أمام جبروت القوة الغاشمة وأطماعها ، ولن ينفع شيئاً سوى المقاومة والإصرار والرفض وعدم القبول بأي شكل من أشكال الإستسلام والتفريط . وإستسلام الحكام العرب لجبروت عجلة الظلم تلك لا تعني ولا يجب أن تعني إستسلام الشعوب . وأي محاولة من قبل الأنظمة لفرض ذلك الإستسلام على شعوبها يجب أن تُجابه بالمقاومة والرفض بإعتبار الدعوة للإستسلام عدواناً على الشعوب نفسها وعلى آمالها وطموحاتها ومصالحها ، وليست أمراً عارضاً يمكن القبول به حتى ولو كان ذلك القبول عن مضض أو بالإكراه من الأنظمة الحاكمة . الفلسطينيون والأردنيون هم الأكثر تعرضاً من باقي العرب للآثار السلبية المباشرة لنتائج صفقة القرن . مفهوم الدولة الفلسطينية المستقلة ووجود الدولة الوطنية الأردنية كلاهما معرض للتهديد المباشر وخطر الإزالة أو التذويب . الفلسطينيون سينتهي بهم الأمر بدون دولة والأردنيون سوف يفقدون الدولة التي يعرفون كونها ستتحول إلى قناة لتصريف تبعات صفقة القرن وشوائبها . وإذا كان ذلك هو واقع الأمور، وهو كذلك ، فلماذا القبول بتلك الصفقة سواء طوعاً أو على مضض أو بالإكراه؟ الرد المنطقي الوحيد يتمثل في قناعة الأنظمة بأن ما هو جيد للنظام هو بالضرورة جيد للوطن أي أن الأولوية الحاكمة هي مصلحة النظام وليس بالضرورة مصلحة الوطن فيما لو تضاربت تلك المصالح . الحرب بالوكالة (Proxy War) هو على ما يبدو ما نحن مقبلون عليه في منطقة الخليج ، والسلام بالوكالة (Proxy Peace) هو ما نحن مقبلون عليه في فلسطين والعالم العربي . أقصى ما يستطيع الإسرائيليون الحصول عليه هو سلام مع الأنظمة بإسم الشعوب وهذا هو السلام بالوكالة . وفي هذه الحالة ، فإن إسرائيل تنظر إلى الأنظمة كأداة لتأديب الشعوب وتدجين إرادتها ومنعها من التعبير عن رفضها . وهكذا يصبح التلاعب بمقدرات المنطقة جزأً من السلام بالوكالة بين الأنظمة العربية وإسرائيل . إن نقل حالة الصراع من صراع بين العرب وإسرائيل ، إلى صراع بين العرب أنفسهم ، وبينهم وبين أنظمتهم ، سيجعل من إسرائيل القوة المرجحة في هذا الصراع والقائدة في المنطقة والإقليم . أكثر ما يثير الخوف هو الإتفاق والتلاقي على الباطل . ففي حين يعتبر الجميع أن تلاقي الموقف الشعبي الفلسطيني والأردني في رفض صفقة القرن وما قد يترتب عليها هو أمر طبيعي ومنطقي ، هنالك في المقابل شك وخشية من تلاقي مماثل قي موقف قيادات البلدين من خلال إتفاق على الباطل أو تحديداً على ما قد يؤدي عملياً إلى القبول بصفقة القرن وذيولها . الأردن في وضع دقيق لأنه لن يستطيع أن يقبل بما يرفضه الفلسطينيون وإن كان يستطيع أن يرفض ما قد تقبل به السلطة الفلسطينية على إعتبار أن ذلك القبول قد يؤدي إلى تعريض مصالح الأردن الوطنية لإخطار جسيمة ، بالإضافة إلى كونه يأتي منسجماً مع ما يريده الشعب الأردني والشعب الفلسطيني . أما السلطة الفلسطينية فلا سيادة لها على نفسها أو على الأرض الفلسطينية وسيادتها محصورة في دورها الأمني الذي يَفْتَرض بها تأديب الفلسطينيين ومعاقبتهم نيابة عن السلطات الإحتلال ، في حين أن شرعيتها مستمدة من إتفاقات أوسلو التي كرست الإحتلال وإعترفت به . وهكذا فإن السلطة الفلسطينية التي تعتبر نفسها قيادة الشعب الفلسطيني غير مؤهلة أو مخولة لتمثيل الفلسطينيين والقضية الفلسطينية وإتخاذ القرارات المصيرية نيابة عن الشعب الفلسطيني وبإسمه . وإنطلاقاً من هذه الحقيقة على الأردن أن يكون حريصاً على عدم الوقوع في فخ القبول بما قد تقبل به السلطة الفلسطينية . الأردن يستطيع أن يرفض فيما لو رفضت السلطة الفلسطينية ، ولكنه لا يستطيع القبول فيما لو قَبِلتْ لأن من سيدفع الثمن في تلك الحالة هو الأردن والشعب الأردني . فالأرض الفلسطينية محتلة بكاملها والفلسطينيون واقعون تحت الإحتلال ، أما بالنسبة للأردن ، فيما لو قرر أن يكون طرفاً في صفقة القرن ، فإن تبعات ذلك الموقف ستؤدي إلى كوارث على الأردن دون أي فوائد حقيقية سوى الحوافز المادية . الأردن مع أو بدون السلطة الفلسطينية لا يستطيع ولا مصلحة له بالموافقة على صفقة القرن أو حتى الإقتراب منها لأنه بالنتيجة سوف يدفع الثمن بطرق مختلفة حتى لو كان ذلك الثمن مغلَّفاً بالعوائد والإغراآت المالية . المؤشرات العامة الخفية والعلنية تشير حتى الآن إلى توفر النية لدى الحكام العرب للإنخراط في صفقة القرن أو الإستسلام للضغوط المرافقة لها والهادفة إلى فرض الإنخراط والقبول على جميع الأطراف . والهدف الخفي وراء ذلك هو سلامة الأنظمة وإستمراريتها . وهذا المسار يجري التمهيد لها بشكل حثيث إقتصادياً وأمنياً وسياسياً وبما قد يوصل الجميع إلى القناعة بأن لا خيار آخر أمامهم إلا القبول . إن هذا المسار أقرب ما يكون إلى التواطؤ لأن النهاية معروفة والبداية هي تمهيد للوصول إلى النهاية وليس لمنعها ومنع حدوثها . الإحتلال يستطيع أن يفرض على الفلسطينيين أي مسار كارثي ولكنه لا يستطيع وبالرغم من جبروته ، أن يفرض عليهم القبول به وبنتائجه ، وإذا كان هذا هو واقع الحال ، فلماذا يسعى الأردن نحو الكارثة ؟ أهم ضحايا ما هو قادم يتمثل فلسطينياً بإغلاق ملف القضية الفلسطينية نهائياً عوضاً عن حلها ، وأردنياً بتمييع الدولة وتذويب صفتها الأردنية وتحويلها إلى بقعة جغرافية بدون هوية وطنية ، وبالتالي يسهل عليها لعب دورها المرسوم كإسفنجة إمتصاص لكل الشوائب التي سترافق صفقة القرن ، خصوصاً إذا ما رافق ذلك مساعدات وإغراآت مالية ضخمة تحفز الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء على إجراء تلك المقايضة تحت ضغوط الحياة وسياسة الإفقار . يد الأمن الحديدية والضاربة في كل من الأردن وفلسطين سوف تكون العامل المساعد في فرض ما هو قادم . وما قد يلاحظة الكثيرون الآن أن الجميع يتكلم عن ما هو قادم وكأنه قدر محتوم ولا أحد يناقش إمكانات ووسائل منع حدوثه ! معالم السطوة الأمنية على الصعيد الفلسطيني لم تبرح الساحة االفلسطينية منذ إنشاء السلطة الفلسطينية وتبنيها سياسة التعاون الأمني مع سلطات الإحتلال . أما على الصعيد الأردني فإن التنامي في تعزيز قدرات الأجهزة الأمنية الأردنية والتلويح بنوايا إستنفار تلك الأجهزة لقمع المعارضه قد أصبحت سياسة ملحوظة لا تهدف إلى حماية إستقرار الأردن بقدر ما تهدف إلى إحتواء ومنع المعارضة لسياسات النظام خصوصاً تلك المرتبطة بالتمهيد للقبول بصفقة القرن والتعامل مع ذيولها . الخطر الأكبر يتمثل في إستعمال خصوصية العلاقة الأردنية – الفلسطينية لتسهيل أمور وإستحقاقات صفقة القرن . وفي هذا السياق فإن اللجوء إلى أساليب تهدف إلى إستغلال خصوصية تلك العلاقة لتمرير سياسات وإجراآت تهدف إلى تغيير معالم الهوية الفلسطينية والهوية الأردنية لصالح تهويد الأرض الفلسطينية يبقى هو الإحتمال الأخطر على كل من الأردنيين والفلسطينيين . وفي هذا السياق ، فإن أخطر ما يمكن أن يحصل يتعلق بمصير الفلسطينيين إذا ما عادت إليهم جنسيتهم الأردنية فيما لو صدرت فتوى دستورية بإعتبار قرار فك الإرتباط لعام 1988 غير دستوري وبالتالي إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل قرار فك الإرتباط ، مما يعني أن يصبح سكان الضفة الغربية أردنيون دون الحاجة إلى ترحيلهم إلى الأردن إبتدءاً . وهذا يعني تحولهم من مواطنين في وطنهم إلى مقيمين أردنيين في فلسطين مما يسمح للإحتلال بترحيلهم أفراداً أو جماعات إلى الأردن في أي وقت ولأي سبب دون أن يحق لأحد أو حتى للمجتمع الدولي الإعتراض . وقد يكون في إضعاف الدولة الأردنية وتذويب أردنيتها وشل مؤسساتها الدستورية العامة بإستثناء المؤسسات الأمنية مدخلاً مطلوباً ومناسباً للمرحلة المقبلة بهدف إضعاف أية معارضة ومقاومة أردنية شعبية لذلك المسار. إن تذويب الشخصية الأردنية للأردن عملية مستمرة منذ عدة سنوات . ولا داعي لتوجيه الإتهام في ذلك لأحد لأن المستفيد ليس شعباً بعينه بل النظام نفسه بهدف تعزيز قدرته على فرض ما يريد من سياسات بغض النظر عن موقف الأردنيين من تلك السياسات . لم يبق الكثير مما يمكن أن يقال عن نوايا وخبايا الأنظمة وعلاقاتها بصفقة القرن سوى أن الشعوب تحمل الآن مسؤولية حماية مصالحها ومصالح الأجيال القادمة من تعسف وأنانية الأنظمة الحاكمة وإفتقارها إلى الحاكمية الرشيدة .

*مفكر عربي

21/05/2019

اترك تعليقاً