الرئيسية / دراسات ادبية وعلمية / بيت المدى يستذكر رائدة من رائدات النهضة النسويّة سانحة أمين زكي

بيت المدى يستذكر رائدة من رائدات النهضة النسويّة سانحة أمين زكي

السيمر / الاثنين 22 . 01 . 2018 — حين تكون المرأة الاولى في كل شيء مواقفها، انتقالاتها وتطورها، وتألقها، وهي كانت الرائدة في كل شيء، انطلاقاً من مجال تخصصها كطبيبة عراقية وحتى مواقفها الحقوقية والنسوية والإنسانية، أولى الطبيبات في العراق سانحة أمين زكي تُستعاد ذكرياتها في بيت المدى في شارع المتنبي صباح يوم أمس الجمعة بحضور العديد ممن واكبوها وتتلمذوا على يدها …

رائدة النهضة النسويّة
واحدة من رائدات النهضة في العراق، وهي طبيبة وعالمة وأكاديمية، يذكر الباحث رفعة عبد الرزاق مقدّم الجلسة أن ” المحتفى بها قدمت الشيء الكثير لهذه البلاد، حيث رحلت عنّا قبل حوالي عام ، والفجيعة في رحيلها خففتها النشرة التي أصدرتها بعنوان “مذكرات طبيبة عراقية ” الذي يعد من أفضل كتب المذكرات وهو كتاب كبير ومهم يتحدث عن تفاصيل دقيقة للحياة العراقية منذ عشرينيات القرن الماضي حتى ثورة 14 تموز.”
سانحة أمين زكي واحدة من رائدات النهضة النسوية في العراق، ويذكر عبد الرزاق بأن ” لها مزايا كثيرة، فهي أول مسلمة دخلت الكلية الطبية في العراق، وهي من أوائل اللواتي دخلن الكلية حيث أن أول طبيبة عراقية تخرجت في الكلية هي الدكتورة ملك غنام حكمت.” ويشير عبد الرزاق الى رائدات النهضة النسوية في العراق كصبيحة الشيخ أحمد، وهي أول فتاة دخلت كلية الحقوق، وسرية الخوجة وهي أول دبلماسية في العراق، وسليمة عبد الرزاق من أوليات الشاعرات العراقيات، مؤكداً أن”هؤلاء النسوة جديرات بالاحتفاء بكل وقت، حيث جلبن معهن ما لم يكن موجوداً وصنعن شيئاً من لا شيء.” وتحدث عبد الرزاق عن حياة ونشأة الراحلة وأسرتها وهي بكل تأكيد غنية عن التعريف، فهي من أسرة علمية وفنية عريقة.

قصة سانحة
“من الصعب أن يتحدث الفرد عن عائلته”، النائبة ورئيسة لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان العراقي ميسون الدملوجي تتحدث مُبتدئةً بهذه الجملة عن خالتها سانحة أمين زكي وتقول ” الحديث عن خالتي يتضمن الغور في أعماق النفوس، الخالة محاذية للوالدة، كانت من الأخوات الأكبر سناً وحين سألت عن سبب تسميتها سانحة ذكرت جدتي أن في ذلك الوقت هنالك فتاتين اسمهما سانحة أمين زكي الثانية هي زوجة المهندس المدني محمد المخزومي، إضافة الى خالتي وقد سُميت الاثنتان على اسم بطلة رواية صدرت في العشرينيات من القرن الماضي.” وتتحدث الدملوجي عن خالتها وعن كتاب مذكراتها قائلة ” تكلمت خالتي عن الاسرة في مذكراتها، وأشارت الى أنهم يعتزون ببغدايتهم وانتمائهم الى المدينة وأحيائها ومناطقها القديمة، رسم الراحل جواد سليم بورتريه لخالتي ووالدتي وكانت من أجمل البورتريهات.” تساؤلات الدملوجي عن إدخال فتاة ابنة ضابط عثماني من عائلة محافظة الى كلية الطب آنذاك رغم الاعتراضات الشديدة التي لاقاها جدها أمين زكي لتذكر قائلة “كانت والدة جدي امرأة قوية ومعروفة بحكمتها وكان يلجأ لها جميع أفراد العائلة لاستشارتها في الكثير من القضايا ويبدو أن جدي أراد أن تتصف بناته بحكمة والدته، وحين قبلت سانحة في كلية الطب لاقى جدي العديد من المعارضات حتى القطيعة مع عمتي التي تم الصلح معها بعد أن أصيبت بمرض السكر وعالجها بنات أخيها.”

مُلخّص سيرتها
عن ابنة عمه يتحدث المهندس المعماري هشام المدفعي قائلاً ” إننا نصغرها وكنا نعدها بطلة في العائلة سانحة ابنة عمي كانت الاولى في تلك الفترة بالنسبة لنا وهي أنموذج يُقتدى به، أنا بقيت معها حتى السنوات الاخيرة وزرتها في بيتها في إنكلترا.”
كانت سانحة ولمعان بنات السيد أمين زكي صديقات لوالد هشام المدفعي، كُن يتحاورن معه بالأدب والشعر والكتب وقواميس اللغة ويتحدثون عنها، يذكر المدفعي أن سانحة “واحدة من شخصيات جيلها الذين عملوا على بناء العراق الحديث، وهي واحدة من السيدات اللاتي فتحن الطريق في بناء المجتمع وخروج المرأة لحياة العمل.” تخرجت سانحة أمين زكي عام 1943 وسمحت لها الفرص في الدراسة في إنكلترا وأمريكا وشاركت في مؤتمرات عراقية ودولية في الطب ومجالات أخرى، يذكر المدفعي أنها “واحدة من عشرات بنات العائلة وسيدات العائلة ذكرتهنّ سانحة وذكرت صورهنّ أيضا في مذكراتها.”
أحبت الراحلة الطب كتخصص إلا ان المدفعي يؤكد أنها “أحبت الادب والشعر والمسرح والسينما وحصلت على شهادة من إنكلترا وكانت من الشابات العراقيات المتميزات اللاتي عاصرنها في مقتبل حياتها اللاتي فكرّنَ وعملنَ جاهدات على بناء العراق، وكانت من أوليات الطبيبات العراقيات وتميزت بجرأة حديث عالية.” وهنا يشير المدفعي لحكاية تجمع الراحلة برئيس الوزراء السابق نوري السعيد خلال جلسة نقاشية جريئة دارت بينهما.
أشار المدفعي إلى دور السيد “إحسان رفعة ” ابن خال الراحلة وزوجها وهو مهندس نفط، ذاكراً أنه ” بفعل مركزه الاجتماعي قدم لها العديد من المساعدات خاصة في تكوين علاقات مع شخصيات سياسية ارتقت الراحلة من خلال تواصلها معهم. وفي الستينيات من القرن الماضي أخذت سانحة بتقديم مسرحية من تأليفها وإخراجها وقد حضرها المدفعي الذي أشار لذلك، وكان هذا العمل بحسب ما أكد المدفعي “لاهتمام الراحلة بالادب والثقافة إضافة الى اهتمامها الطبي.” بعد عام 1958 توفي زوجها إحسان رفعة وبقيت بعد حادث وفاته فترة في بغداد، ثم انتقلت الى السعودية في مستشفى الملك فهد وبعدها انتقلت للمستشفى العسكري، وكانت على علاقة طيبة بالاميرات السعوديات اللاتي رفضن مغادرة السعودية ولكن لم يكن ذلك ممكناً فغادرتها. عن دورها الحقوقي والنسوي يذكر المدفعي “طالبت سانحة أمين زكي بحقوق المرأة ونادت بالكثير وعملت الكثير وحققت بعض الاشياء وكانت خير طالب للحقوق ثم غادرت العراق الى لندن واستقرت هناك مع أولادها وأحفادها.”

مثّلت الحداثة العراقيّة
اسمها يتذكره الأطباء جميعاً، حيث يذكر ممثل نقابة الأطباء جاسم العزاوي أن الراحلة “حققت الكثير من الامنيات والافكار وقد سمحت الظروف لها آنذاك بتحقيق هذه الاشياء.” لم يشِر العزاوي الى سيرة الراحلة، بل ذكر أهم مزاياها قائلاً” إنها طبيبة وامراة وانسانة ومثقفة وباحثة وهي حبيبة في قلوب الاطباء، انها من أوائل الطالبات وليست الطالبة العراقية الاولى في كلية الطب، ذلك أن هنالك طالبة مسيحية ارمنية قبلها وكانت سيرتها للذين يذكروها انها مثال الادب والرزانة والكياسة.”
طالبة مثالية في كل شيء، تكسب الاخرين من منطلق صفاتها درست في العراق وتخرجت وعملت في العراق وسافرت كما ذكر العزاوي لتغير اختصاصها حيث “كان اختصاصها علم الادوية، وفي لندن حسب فرص العمل المتوفرة اختصت في مجال الطب النفسي وابدعت بهذا الموضوع بسبب خلفيتها الثقافية التي ساعدت بهذا المجال وهذا العنوان الذي تعينت به في السعودية.” مثلت سانحة امين العراق والمرأة العراقية بالذات ومثلت الحداثة العراقية المحترمة ولم تستفز التقاليد والقيم أبداً حيث يؤكد العزاوي أنها “سفيرة الحداثة العراقية والعلم العراقي والشخصية العراقية المتطورة ومثلت العراق والرقي وأعطت انطباعاً راقياً عن المرأة العراقية وهي باحثة في شؤون التراث الشعبي وهذا سنلمسه من مذكراتها ،وفي تفاصيل حديثها بالمذكرات بروز الجانب الطيب من عاداتنا وثبتتها في مذكراتها.”

كتاب مذكّراتها
تحدث عن كتابها وأهمية ما جاء به، طالب الدكتوراه بكر الراوي حيث يذكر أن” في كتابها نجد تعاريف عن وسائط النقل والأعراف والتقاليد،ومصدر الحياة الاجتماعية الذي نحن الآن بحاجة اليه لم تكن سانحة مجرد حداثة محدودة بل حداثة محافظة لم تمنعها رسالة الماجستير أن تكمل دراستها.”
لم تختص بالطب فحسب بل إنها ناشطة ايضاً .يؤكد الراوي “أنها كانت تجد الحلول حيثما تكمُن، وقد وجدت ذاتها في دراستها النفسية للامراض الولادية، كما أشارت في مذكراتها الى عائلتها وماذا فعلت العائلة ودورها في نشأة فتاة دخلت في معترك الطب والسياسة حتى في المذكرات العسكرية والحياة السياسية والاجتماعية في العراق.”

الريادة
بعض الاشياء تُميّز بسبب طبيعة البيئة التي نعيشها وتعيشنا، وهكذا تميزت سانحة أمين زكي كما ذكر الكاتب داود العنبكي قائلا ” لولا كونها عراقية لما احتجنا للحديث عنها في محاور عديدة جدا قد لاندخل فيها أو نعرض لها او نناقشها لو لم تكن هذه المرأة عراقية.”مُبيناً” أعني أن انتماءها الى بدايات القرن الماضي وما عاشته من حياة علمية مدنيّة حضاريّة تدعونا الى ما نعيشه الآن من ابتعاد عن المدينية والحضارية.” وهنا تحدث العنبكي عن ريادات زكي قائلاً” الكثير من النقاط التي تجبرنا على الدخول فيها هذه المرأة وهي النسوية في مجتمع الجامعة، الاسرة، الريادة الجامعية، الطب، الجرأة، الإصرار، والشجاعة، وهذه كلها عناوين لا يمكن الحديث عنها الآن ولكن ممكن ان نشير الى مفردات منجزة يمكن ان تثبت ما نقوله.”

تلميذها
تلميذها الدكتور عبد الحافظ الخزرجي يستذكر معلمته عام 1967 قائلاً ” أنا لست الدكتور عبد الحافظ أنا طالبها عام 1967 سانحة الخير والعطاء والكرم والشهامة والإباء والعز، وكل مفردة طيبة أسمح لنفسي أن أقول لها سانحة من دون ألقاب .هي أنيقة بكل شيء شكلها وهندامها ومشيتها، كانت أستاذة رائعة ومخلصة وكنا في قسمها نتوزع الى مجاميع كل مجموعة تذهب الى أستاذ، كنت أهرب من مجموعتي الى مجموعتها لاستأنس بما تقوله.” واستذكر ما خاطبت به سانحة الشباب بعد نكسة حزيران قائلة “أنتم جيل النكبة ولن أعتذر عن هذا القول حتى تنتفضوا.”

اترك تعليقاً