فيينا / الأربعاء 24. 04 . 2024
وكالة السيمر الاخبارية
أثار خطاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي خلال تجمع انتخابي نهاية الأسبوع الماضي، والذي ألمح فيه إلى أن مسلمي البلاد هم “متسللون”، جدلا كبيرا قبل المرحلة الثانية من التصويت متعدد المراحل الذي بدأ في 19 أبريل/نيسان ويستمر حتى يونيو/حزيران. يقول عرفان نور الدين من جامعة جورج تاون لفرانس24 إن تلك التصريحات كانت “نارية” لكنها ليست مفاجئة.
تشهد الهند منذ 19 نيسان/أبريل انتخابات عامة ضخمة تجري على عدة مراحل دعي لها 970 مليون ناخب لاختيار الأعضاء الـ543 بالبرلمان. فمع انتهاء المرحلة الأولى من التصويت يبقى ستة مراحل أخرى ما يعني أكثر من شهر من الاقتراع حتى إصدار النتائج في 4 يونيو/حزيران عبر كافة الدوائر الانتخابية في ربوع البلاد، وأيضا مزيد من الحملات الانتخابية.
وفي إطار حملته الانتخابية نهاية الأسبوع الماضي، أثار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الجدل بعد خطابه أمام تجمع حاشد في ولاية راجاستان (غرب)، وهي الدائرة الانتخابية التي ستشهد المرحلة الثانية من التصويت في 26 أبريل/نيسان الحالي.
ففي خطابه، ألمح مودي، الذي يسعى للبقاء في الحكم لعهدة ثالثة تواليا، إلى أن المواطنين المسلمين هم “متسللون”. كما اتهم حزب المؤتمر المعارض بأنه يخطط لمصادرة الذهب والحلي من النساء الهندوسيات، وأشار مودي إلى أن بيان هذا الحزب يدعو لتوزيع تلك الثروات المصادرة على “المتسللين”، على حد وصفه.
وقال مودي أيضا إن الحكومة السابقة التي كان يقودها زعيم حزب المؤتمر مانموهان سينغ كانت تعتبر أن “للمسلمين الأحقية في ثروات الأمة”. وتابع بأنه في حال فاز حزب المؤتمر فإن الثروات “ستُوزع على من لديهم العدد الأكبر من الأولاد. ستُوزع على المتسللين”. وأضاف: “هل تعتقدون أن أموالكم التي جنيتموها بشق الأنفس يجب أن تُعطى لمتسللين؟ هل تقبلون بذلك؟”.
ورغم أن بيان حزب المؤتمر لم يشر صراحة إلى المسلمين أو أي جماعة دينية أخرى، فقد أكد معارضون بأن مودي كان يقصد المسلمين في تصريحاته.
بعد الخطاب الناري، وقّع أكثر من 17 ألف شخص على عريضة تم تقديمها إلى لجنة الانتخابات الهندية داعين إلى اتخاذ إجراءات ضد مودي ردا على خطاب “الكراهية” ضد المسلمين وانتهاكه قواعد السلوك الأخلاقية للجنة. كما قدّم حزب المؤتمر بدوره التماسا إلى لجنة الانتخابات.
*********
تاون بواشنطن.
- كيف تعلق على تصريحات مودي يوم الأحد. هل هناك فرق بين خطاب رئيس الوزراء الهندي الموجه إلى الرأي العام الهندي والدولي؟
بالنسبة إلى كل من يتابع الانتخابات الهندية على مدار العقد الماضي، فإن تعليقات مودي لا تشكل مفاجأة بشكل عام. فلطالما استخدم في كثير من الأحيان وبشكل فعّال خطاب الكراهية ضد المسلمين كوسيلة لتأجيج قاعدته الانتخابية. كما أن الحزب الذي يمثله، حزب بهاراتيا جاناتا، يتفاخر بكونه حزبا قوميا هندوسيا. إنهم صريحون في مطلبهم ورغبتهم، في طموحهم لإعادة بناء الهند كدولة هندوسية، والتخلي عن قيمها العلمانية المعتمدة والتي كانت جزءا من الدستور الهندي عند الاستقلال في 1947.
جاء خطاب الأحد في سياق نوعين مختلفين من الخطابات التي كان يلقيها في الآونة الأخيرة، والتي كان يستخدم فيها تلميحات ازدرائية للمسلمين لإهانة حزب المؤتمر (أبرز فصيل سياسي معارض في الهند).
وحين أصدر حزب المؤتمر بيانه قبيل الانتخابات، قال مودي إن رائحة الرابطة الإسلامية تفوح من الحزب. وكانت الرابطة بمثابة حزب ما قبل الاستقلال الذي أدى إلى إنشاء باكستان.
خطاب الأحد كان صادما بشكل خاص لأن الادعاءات كانت حول ما سيسعى حزب المؤتمر للقيام به في حالة انتخابه، وهو (حسب مودي) اقتحام منازل الناس والاستيلاء على ممتلكاتهم. كما أنه ضرب مثلا بالذهب والمجوهرات التي توارثتها الأمهات والأخوات عبر الأجيال، (قائلا) إن حزب المؤتمر سيدخل بيوتهن ويأخذها بشكل قسري ويعيد توزيعها على المسلمين.
كما تحدث عن الأشخاص الذين لديهم الكثير من الأطفال. وهنا، مجددا، استخدم عبارات إيحائية لمحاولة إثارة المخاوف من التغير الديمغرافي في الهند، عبر تلك الصورة النمطية التي تفيد بأن المسلمين لديهم أطفال أكثر من الهندوس، وبأن هذا جزء من طريقة تآكل الأغلبية الهندوسية للبلاد.
لهذا فهو خطاب قبيح، إلا أنه يتوافق تماما مع الأسلوب الذي يركز عليه وسبق أن خاض به حملاته الانتخابية على مدار السنوات العشر الماضية، بل حتى على مدار العشرين عاما الفائتة التي قضاها في ولاية غوجارات (غرب). (حيث كان مودي رئيسا للوزراء في الفترة ما بين 2001 و2014).
نعم، إنها صورة مختلفة تماما عن تلك التي يروج لها على الصعيد العالمي. حيث إن مودي يحب أن يتحدث دوليا عن رصيد الهند في مجال الديمقراطية، وعن قيمتها كشريك لدول مثل فرنسا والولايات المتحدة بشكل خاص، اللذين يسعيان إلى إيجاد بدائل للصين. رغم ذلك، أنا أفترض بأنه لم يتمكن من دعم ادعائه إلا بموافقة على مضض من قبل أشخاص في تلك الدول الغربية اختاروا النظر إلى الجانب الآخر من هذا النوع من الخطاب وإلى ما حدث في الهند على مدار العقد الماضي، لأنه في الوقت الراهن، فإن الهند تبقى أكثر ملاءمة لهم كشريك، حتى ولو كان سجلها الديمقراطي في حالة تآكل. ومن الواضح أن اللوم يقع عليه، ولكن أيضا علينا حيث إننا نتقاسمه جميعا.
- دعنا نتحدث عن المؤسسات.. وعن الشكوى المقدمة إلى لجنة الانتخابات. ففي الهند المهووسة بلعبة الكريكت، كثيرا ما ينظر إلى اللجنة على أنها “الحكم المحايد”، كيف تقيّم هذا الحكم؟
في الانتخابات الحالية، سينال الحكم علامة سيئة إلى حد ما. لكن ما زال الوقت باكرا ومفوضو اللجنة في حالة صعبة. لذا تبقى لجنة الانتخابات الحكم الرئيسي في الانتخابات الهندية. نظريا، هي هيئة مستقلة وبيروقراطية تعمل على فرض ما يسمى بمدونة قواعد السلوك النموذجية، والتي هي عبارة عن مجموعة قواعد ينبغي أن تلتزم بها كافة الأحزاب خلال فترة الحملة الانتخابية. كل هذا بهدف التأكد من أن السياسيين المنتخبين لا يسيئون استخدام سلطتهم. لهذا، لا يمكن لك القيام بحملة انتخابية في حال كنت تمارس عملا حكوميا رسميا. لا يمكنك اقتناء الكحول وتوزيع المال كوسيلة لشراء الأصوات. لكن لا يمكنك كذلك استخدام الصور والأيقونات الدينية في الحملات الانتخابية.
يبدو جليا بأن مودي وحزبه ينتهكون نص هذا القانون وبالتأكيد روح القانون. العديد منهم استخدم صور اللورد رام (إله هندوسي) في الحملة، وهو ما يتعارض مع قواعد لجنة الانتخابات.
اليوم، باتت اللجنة تتمتع بقدر كبير من السلطة لمعاقبة السياسيين في حال خرقهم لهذه القواعد. يمكن أن تطلب منهم تقديم الاعتذار. يمكن أن تجبر المرشحين على التنحي فعليا وأن تقضي بعدم أهليتهم للترشح في حال تبين أنهم ارتكبوا انتهاكا صارخا، لكن لا أحد يتوقع أن تكون اللجنة قادرة على القيام بأي من ذلك فيما يتعلق برئيس الوزراء مودي.
من المؤسف، وكما تعلمون، فإن هذا يغذي تصورا متناميا بأن لجنة الانتخابات في الهند، على غرار العديد من مؤسسات الدولة الهندية الأخرى، قد تعرضت للمساومة.
فقد قام مودي بتغيير طريقة انتخاب مفوضي لجنة الانتخابات. لهذا، وعوض تعيينهم من طرف البيروقراطية (السلطات الإدارية) يتم تعيينهم حاليا من لجنة رفيعة المستوى يرأسها هو. لهذا، وفي حال استخدمنا تشبيهك (لعبة الكريكت)، فسيتم اختيار الحكام من قبل أحد الفرق.
لا أقصد أن أنفي احترافية أو نزاهة مفوضي الانتخابات. أملنا هو أن يواصلوا عملهم، لكن إلى درجة يتم فيها ضمان احترام شرعية الانتخابات من المواطنين العاديين، من أنصار مودي ولكن أيضا من أنصار المعارضة، ما يسمح لهم بالشعور بأن لهم حصة عادلة وبأن الانتخابات كانت حرة ونزيهة. كل هذا لا يبشر بالخير بالنسبة للشرعية الكاملة للانتخابات الهندية مستقبلا.
- من ناحية مراقبة وتحكيم هذه الانتخابات التي تستمر سبعة أسابيع، ففي بلد مثل فرنسا حيث تجري الانتخابات في يوم واحد هناك قواعد صارمة للغاية للحملات الانتخابية وحتى للتغطية الإعلامية. هل تشكل مدة التصويت في الهند تحديا؟
بل أكثر من ذلك بكثير، ونحن اليوم في عالم منصات التواصل الاجتماعية والإنترنت، حيث تم وضع القواعد الخاصة بهذه الحقبة فعليا في مرحلة ما قبل عالم الإنترنت. والهدف من هذه الانتخابات الطويلة جميل جدا، حيث تشترط الدولة الهندية أن يتمكن كل مواطن من الوصول لمركز تصويت على مسافة لا تتجاوز كيلومترين من مسكنه.
لهذا فعوض أن يضطر المواطنون للقيام برحلات طويلة إلى مراكز التصويت، خصوصا لمن يعيشون بالمناطق الريفية والنائية من البلد، فإن الانتخابات الهندية هي من تذهب إليهم. هذا في بلاد تضم مليار شخص يحق لهم الانتخاب. هذا إنجاز لوجستي غير معقول يستدعي كثيرا من الوقت. ومن ثمة، فإن هذه الانتخابات تأتي على سبع مراحل على مدار ستة أسابيع قبل أن نهايتها.
لكن ما يعنيه ذلك هو أن مقدرة الحكومة، ومقدرة لجنة الانتخابات على مراقبة ما يقال، والأهم، مراقبة المعلومات المضللة والمعلومات الخاطئة التي يتم تداولها على منصات التواصل، هي مختلفة كلية عن عالم “هل يمكنك التحكم في ما يبث على الإذاعة أو التلفزيون؟” حيث إننا اليوم أمام واتساب، حسابات تويتر، حسابات فيس بوك، جعل كل ذلك من هذه المهمة أكثر صعوبة.
أنا أعتقد بأنه وعلى المدى الطويل، فإن الهند، وعلى غرار العديد من البلدان الأخرى، ينبغي لها أن تتعامل مع كيفية ضمان حماية نزاهة الانتخابات، فيما تكافح طرقا مختلفة يريد كل سياسي أن ينشر عبرها كلمته، بما فيها غالبا الكثير من الأكاذيب.
المصدر / فرانس 24