متابعة المركز الخبري لجريدة السيمر الإخبارية — لعبت أجهزة الإستخبارات في العديد من الدول الإقليمية دوراً فاعلاً في صناعة وتمويل وتسليح الجماعات المسلحة، لاسيّما التكفيرية منها في المنطقة، حتى بات يمكننا القول إن الموقف السياسي لهذه الدول كان يتلائم و”إنجازات” أجهزة إستخباراتها. وبما أن تركيا، بحكم الجغرافيا والتاريخ، والسعودية، بحكم العداء والحقد، لعبتا دوراً فاعلاً في تأجيج الأزمة السورية، لاسيّما في بداياتها، كان لأجهزة الإستخبارات في هاتين الدولتين “حصّة الأسد” في التسليح ضد الأسد.
في الواقع، يمكننا القول إن جزءاً كبيراً من الخسائر البشرية والمادية التي تقدّر وفق آخر التقارير الصادرة عن الامم المتحدة بـ٦٠٠ مليار دولار فقط في البنية التحتية السورية، يقع على عاتق الاجهزة التي أرادت تدمير سوريا تحت ذريعة “حماية الثورة” وفي سبيل تحقيق مصالح بلادها السياسية، وعلى رأس هذه الأجهزة بندر بن سلطان، رئيس الإستخبارات العامّة في السعودية بين ١٩ يوليو ٢٠١٢ و ١٥ أبريل ٢٠١٤، وهاكان فيدان الذي عين عام ٢٠١٠ رئيساً للإستخبارات التركية، إلى ان قدم إستقالته يوم السبت ٧ فبرایر/شباط ٢٠١٥، لكنه عاد مجدداً إلى قيادة الإستخبارات التركية بعد أقل من شهر على الإستقالة بقرار من الحكومة التركية.
بندر بن سلطان
مع فترة إندلاع الأزمة السورية، صدر أمر ملكي يقضي بتعيين الأمير بندر بن سلطان رئيسا للإستخبارات العامة، وكانت أولى مهام الامير بندر بعد تسلمه رئاسة الاستخبارات العامة في يوليو ٢٠١٢، هي التعامل مع الملف السوري الشائك، بكل ما فيه من تفاصيل وعقبات وتحديات.
الأمير بندر الباحث عن دور “إستراتيجي” في السعودية، حاول أن يكون ملكياً أكثر من الملك، آخذا على عاتقه إسقاط الرئيس الأسد بأسرع وقت، وفي فترة رئاسته للإستخبارات، عبر تسليح الجماعات المسلحة، التكفيرية وغيرها، عسكرياً ولوجستياً مالياً وسياسياً، فضلاً عن السعي في أروقة واشنطن التي حفظها جيداً عندما كان سفيرا للسعودية في واشنطن بسبب علاقاته الوثيقة مع الادارة الجمهورية، لأخذ قرار عسكري بتوجيه ضربة إلى سوريا.
بقي الامير السعودي في الواجهة لتمويل وتسليح وتوحيد المعارضة السورية المسلحة طيلة فترة حكمه، إلا أنها لم تسجل حينها انتصارات كبيرة في مواجهة النظام كما أن “الاسلوب الهجومي للامير بندر بشأن سوريا كشف الهوة بين التوقعات والقدرات العملانية والاستخباراتية السعودية”. ويعد بندر من أبرز المتهمين بقضية الأسلحة الكيميائية في سوريا، حيث نشر موقع “منت برس” الالكتروني الامريكي تقريراً عن مراسليه اللذين كانا في سوريا “دالي كافليك” و”يحيى قبابني” مؤكدين تورط السعودية، في قصف الغوطة الشرقية بالاسلحة الكيميائية وكيفية قيامها بتسليم المتمردين في هذه المنطقة هذه الانواع من الاسلحة برضى أمريكي”.
ويوضح التقرير أن رئيس المخابرات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، سلّم الأسلحة الكيميائية للجماعات الإرهابية وهي كانت مسؤولة عن تنفيذ هجوم بالغاز السام، وبعدها طالب الأمير بندر واشنطن بالتدخل العسكري لإسقاط الرئيس الأسد، إلا ان الاخيرة إكتفت بموافقة الحكومة السورية على تدمير أسلحتها الكيميائية.
لم يكتف بندر بالساحة السورية، بل سعى جاهداً لتقسيم العراق عبر دعم بقايا نظام البعث، وتمويل بعض العشائر التي أعلنت ولائها للرياض. وفي هذا السياق يعتبر رئيس الإستخبارات السعودي الأسبق الممول الرئيسي لمؤتمر عمان لداعمي الارهاب في العراق. وبحسب المصادر، فقد دفع بن سلطان الى المملكة الاردنية مبلغ ٢٠ مليون دولار كدفعة اولى لإستضافة المؤتمر الذي شهد حضور عدد كبير من المطلوبين للقضاء العراقي ومدانين بالارهاب.
ولكن، لم ينجح الامير بندر في “حزم” أمور بلاده جيداً في الـ”عاصفة” السورية والعراقية، فقد حاول تغيير الموقف الروسي من الرئيس الأسد في آخر نشاط رسمي له في بداية كانون الاول/ديسمبر ٢٠١٣ إلا أنه فشل في إقناع الرئيس بوتين، لينهي حياته الامنية “الفاشلة” في ١٥ أبريل ٢٠١٤ بقرار ملكي، وكالعادة، بناءً على طلبه.
هاكان فيدان
عيّن هاكان فيدان إثر أحداث سفينة مرمرا على رأس جهاز الاستخبارات التركية خلفاً لإمري تانر في العام ٢٠١٠، يلقّبه الأتراك بيد أردوغان الضاربة، ويصفه أردوغان بأنه حافظُ أسراره. يعتبر فيدان اليد التنفيذية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أوكل إليه مهمّة تسليح المعارضة السورية لإسقاط الرئيس الأسد. وحاول رئيس الإستخبارات التركي أن ينفّذ المشروع الأردوغاني في سوريا بحذافيره، حيث باتت تركيا، ولا تزال، مركزاً أساسياً لتدريب المعارضة المسلحة، ومعبراً آمنا للتكفيريين من مختلف دول العالم، ومستقراً لكافّة المؤتمرات والإجتماعات التي تحاك فيه خطط إسقاط الدولة السورية.
رغم أن فيدان، حاول أن يؤدي مهمّته على اكمل وجه، وبالفعل باتت تركيا، وبحكم الجغرافيا، لاعباً رئيسياً في الازمة السورية سواءً على الصعيد السياسي الذي يقوده أردوغان، أو على الصعيد العسكري الذي يقوده فيدان، إلا أن حقبته الإستخباراتبة لم تخل من اخطاء مصيرية كادت تطيح به لولا رضى الرئيس التركي على أدائه داخلياً وخارجياً، وبالتحديد في موضوع تسليح المعارضة السورية.
أخطاء هيدان تمثّلت بتسريب تسجيل صوتي له عبر موقع «يوتيوب»، حيث قال رئيس جهاز الاستخبارات التركية «إننا لسنا في حاجة لأي حجج أو مبرّرات للتدخل العسكري في سوريا»، مضيفاً أنّه يستطيع أن يرسل «أربعة أشخاص يطلقون ثمانية صواريخ نحو الأراضي التركية، أو عناصر من الاستخبارات للقيام بعمل استفزازي ضد ضريح سليمان شاه (…)، ثم نقول إنّ «داعش» هو الذي قام بذلك، وبعدها يتدخل الجيش التركي«. لم يقف خطأ فيدان عند التسجيل الصوتي الذي هزّ الرأي العام التركي والعالمي، بل نشرت صحفية “جمهورييت” التركية فيديو يظهر اعتراف سائقين تركيين اثنين بنقل مسلحين وأسلحة إلى تنظيم “داعش” الإرهابي بإشراف جهاز الاستخبارات التركي.
رغم “النجاحات” التي حقّقها فيدان في تسليح الإرهابيين في سوريا، إلا أنه ومن وراء التسريبات تسبّب بشكل كبير في تراجع التأييد الشعبي لحزب العدالة والتنمية، وهذا ما تجلّى في الإنتخابات الاخيرة. فيدان اليوم على رأس عمله في الإستخبارات التركية، إلا أن أحد المقربين منه يؤكد أنه يطمح ليصبح “بوتين تركيا” الجديد، التسمية التي تروق له جداً.