أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / المرء والإستبداد

المرء والإستبداد

بيار روباري

المرء والإستبداد متلازمين منذ فجر التاريخ، والإستبداد هي طبيعية بشرية تولد معه فإما أن يقوم الأهل والمدرسة والمجتمع بتهذيب ولجم هذا الجانب الشرير فيه، من خلال التربية والتعليم، والمسألة والمحاسبة والعقاب، أو أن يفشل الأهل والمجتمع في تهذيبه وينشأ منه شخصآ مستبدآعلى مستوى ما من المستويات، كالعائلة أو القرية والعشيرة، أو على نطاق المؤسسة الواحدة، أو على مستوى البلد بأسره.
ولا بد لنا التميز بين الطغيان والإستبداد، فالطغيان يعني التجبر وظلم الأخرين وتجاوز حدود الإستقامة والعدل تنفيذآ لمأرب ومطامع شخصية، والقائم عليه نسميه بالطاغية.

ومن صفات الطاغية:
– تأليه الذات والسعي لترهيب الناس عبر إحتقارهم وقهرهم والتعالي عليهم، وإختصار الدولة في نفسه، وإعتبار نفسه مركز الكون ومصدر الإلهام، ويقوم يإذلال الناس عن طريق إفقارهم وتجويعهم، وسلب أموالهم بالقوة.
– الطاغية مغتصب للحكم بطريقة غير مشروعة، ويحكم البلاد والعباد وفق أهوائه الشخصية، وكلما طالت مدة حكمه ازداد طغيانه وتأصل.
– يتمسك بمظهر ديمقراطي، لتسويغ سلطته ولإعطاء نظامه “شرعية” شكلية.
– لا يبالي بالقوانيين ولا دستور للبلاد، فإرادته هي القانون والدستور، وما يقوله وجب تنفيذه، وعلى الناس أداء السمع والطاعة لإرادته.
– يعتبر نفسه فوق القانون، فلا يخضع لمحاسبة ولا لمساءلة ولا لرقابة، مع العلم إن هذه الخاصي هي الحد الفاصل بين الحكم الديمقراطي والحكم المستبد، حيث في النظام الديمقراطي يحاسب ويحاكم الحاكم، لأنه ليس فوق القانون.
– الطاغية إرادته هي إرادة الشعب، وهو الذي يفكر عنه ويتخذ القرارات ويصدرها نيابة عنه.
– يُسخر وسائل الإعلام من اجل الدعاية لشخصه، وترغيب الناس وترهيبهم وتخدير الشعب وتطويعه لإرادة الزعيم المبجل.
– يلجأ الطاغية لرفع شعارات ثورية حماسية ووطنية، ليخدع بها الجماهير واللعب بمشاعرهم الجياشة.
– الدولة مثل الأفراد، والدولة التي يحكمها طاغية، لا يمكن ان تكون حرة سيدة، بل تبق ذليلة ومستعبدة.
– الطاغية يسخر موارد البلاد لإشباع رغباته وملذاته الحسية.
ـ الطاغية يمنع الاجتماعات والتجمعاعات الكبيرة مثل المسيرات، بسبب خوفه من تمرد الشعب على سلطته القمعية.
أما الإستبداد، يعني التفرد بالرأي والحكم بشكل مطلق، والقائم عليه نسميه بالمستبد، وعادة يكون رب الإسرة، أو كبير العائلة والقوم، أو سيد القبيلة أو مالك العبيد. والمستبد
يتخذ صفة القدسية لنفسه ليشارك بها الله سبحانه وتعالى، لأجل أن يمنحه ذلك مقاماً ذا صلة بالله تعالى، والهدف من ذلك منع إنتقاده ومعارضته، كونه ممثل الله في الأرض.
ومنذ عهود طويلة تسرب مفهوم الإستبداد إلى عالم السياسة والسياسيين، بفعل السياسيين ليجردوا هذا المفهوم من مضمونه الإجتماعي والأخلاقي. وهنا إختلط مفهوم “سلطة الأب” على أفراد إسرته، ومفهوم “سلطة الحاكم”، التي تجوز معارضتها ومسألتها ومحاسبتها وإقصائها أو عزلها، بخلاف سلطة الأب، التي لا يمكن عزلها أو إقصائها ولا حتى محاسبتها. ومن هنا كان لجوء أكثرية الحكام عبر التاريخ، إلى تبني هذا النموذج الأبوي للسلطة المطلقة، والتعامل مع المواطنين كأولاد قاصرين أو عبيد عندهم.
وبعد هذا التعريف بالطغاة والمستبدين، إذا نظرنا إلى ما حولنا اليوم، ماذا سنجد في دول منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنهم إقليم جنوب كردستان وسوريا والجزائر وإيران ومصر والعراق والسودان ودول الخليج، سوى طغاة ومستبدين فاسدين؟
الجواب لا شيئ، ما عدا التعتير، الفقر، التخلف، التشرد، الحروب، الأمية، التغرب، الدعارة، البطالة، العنوسة، البؤس، التكفير، التعليم السيئ، الإرهاب، القتل، والخراب. هذا كل ما خلفه لنا هذه الأنظمة المستبدة وطغاتها. والأنكى من كل هذا، هو دفاع البعض عن هذه الأنظمة المستبدة والفاسدة، التي أذكت أنوفنا رئائحتهم الكريهة منذ سنواتٍ طويلة. وأخر هذا المستبدين والفاسدين في المنطقة هو مسعود البرزاني، الذي يرفض مغادرة السلطة رغم إنتهاء مدته الدستورية والممدة، وبدلآ من ذلك قام بمنع رئيس البرلمان المنتخب من دخول مدينة هولير وممارسة عمله، الذي كان من المفترض أن يتسلم رئاسة الإقليم لمدة ستين يومآ وفق الدستور، لحين إنتخاب رئيس جديد للإقليم. فهل هناك إستبداد وطغيان وإفساد أكثر من هذا؟؟

إيلاف