السبت 14 . 11 . 2015
رضا صوايا / لبنان
الأنزيمات النفسية السعودية تقاتل على أكثر من جبهة. التكيف مع تغيّر واحد قد يهلك الإنسان ويودي بحياته، فكيف إذا كانت التغيرات تأتي من كل حدب وصوب. من المستنقع اليمني، الى الأزمة السورية والتدخل الروسي الذي زاد من تعقيداتها، والاتفاق النووي الإيراني الذي حرّك الاقتصاد المنهك للجار اللدود وأعاد ضخّ الدم في شرايينه، وصولاً الى صناعة النفط الصخري الاميركي والتهديد الذي تشكله لمكانة السعودية في سوق النفط. في وجه كل هذه الوقائع، تحرك اللاوعي السعودي لتنظيم دفاعاته والانتقال الى مرحلة الهجوم، فما كان منه إلا أن شهر سيف النفط على أمل أن يسقط عصافير عدة، على جبهات ثلاث، بضربة واحدة.
حسابات الحقل…
على الجبهة الروسية، يؤكد خبراء اقتصاديون أن الاستراتيجية السعودية لم تكن عبثية، بل يمكن القول إنها كانت تستند الى معطيات متينة زادت من قناعة المملكة بصوابية خيارها بإغراق الأسواق بالنفط بما يؤدي الى تراجع الأسعار. فالاقتصاد الروسي يعتمد بشكل كبير على النفط والغاز اللذين يشكلان نحو 50% من عائداته. وفيما كانت مداخيل النفط تمثل أقل من نصف عائدات التصدير الروسية عام 1999، باتت الآن في حدود 68%. ويرتبط الاقتصاد الروسي، الى حد كبير، بالنفط الى درجة أن كل دولار يخسره سعر برميل النفط يعني خسارة هذا الاقتصاد حوالى ملياري دولار كمبيعات محتملة. ومع سعر 45 دولاراً للبرميل، فإن روسيا لا تزال بعيدة عن الـ 100 دولار التي تحتاجها لموازنة ميزانيتها.
أما على الجبهة الايرانية، فيعتبر قطاع الطاقة العمود الفقري ونقطة ارتكاز الاقتصاد الإيراني، وتشكّل العوائد النفطية أقل من نصف الموازنة في هذا البلد. والانهيار في أسعار النفط أدّى بإيران الى خفض العوائد النفطية في الموازنة العامة من 43% إلى 33%.
جبهة النفط الصخري الأميركي هي الثالثة التي سعت الدفاعات السعودية الى استهدافها. فإجراءات خفض أسعار النفط التي أدت الى تراجع الأسعار الى أكثر من النصف هدفت إلى إضعاف صناعة النفط الصخري الناشئة والتي قد تشكل الخطر المحدق والأكثر جدية لثروة السعودية واساس نفوذها السياسي.
حسابياً، وعلى الورق، الاستراتيجية السعودية ممتازة. ولكن، لسوء حظ حكام آل سعود، فإن 1+1 في السياسة قد تكون نتيجتها 3 أحياناً.
… وحسابات البيدر
الروس نجحوا في التأقلم مع أسعار النفط الجديدة. وعلى رغم أنها أصابت الاقتصاد الروسي بضرر كبير، إلا أن الوضع ليس حرجاً الى الحد الذي يكفي لتقييد الرئيس فلاديمير بوتين وتوجيه تحركاته. فالحكومة الروسية تخطط للتأقلم مع سعر 30 دولاراً للبرميل، وفق ما نقلت صحيفة «آر. سي. بي» الروسية.
أما ايران، فقد أتى الاتفاق النووي ليحررها من «محاولة الخنق» السعودية الطموحة. وعلى رغم الاعتماد الكبير لاقتصادها على النفط والغاز، إلا انه اقتصاد متنوع وقادر على التأقلم مع المتغيرات. ستستعيد ايران أكثر من 150 مليار دولار كانت مجمدة بسبب العقوبات، وها هي مدرجات مطار طهران تزدحم بالطائرات القادمة من مشارق الأرض ومغاربها طمعاً في الاستثمار في هذا البلد بما سيساعد اقتصاده على مزيد من التكيف، وعلى التحرر تدريجياً من وطأة قطاع الطاقة الطاغي عليه.
أما صناعة النفط الصخري التي كان يفترض أن تصاب بالصميم فقد نجحت في تخطي انعكاسات الخطة السعودية. شركات النفط العالمية، لا سيما تكتل الشركات الأميركية العاملة في مجال استخراج النفط الصخري، نجحت خلال الأشهر الماضية في بدء تجاوز عقبة خفض سعر النفط، إذ خفّضت ــــ بواسطة التكنولوجيا ــــ كلفة استخراج النفط الصخري، ليتناسب مع سعر النفط الحالي ويصبح ذا جدوى اقتصادية.
يُستنتج مما تقدم أن الدفاعات الإيرانية والروسية والأميركية نجحت في التأقلم والتكيف مع المتغيرات بنجاح. فيما يبدو أن السحر السعودي انقلب على الساحر. وما كان يفترض بها أن تكون خطة ناجحة لإخضاع الخصوم والمنافسين ارتدّت سلباً على مخططيها وباتت تهدد بإفلاس المملكة!
الخروج من العباءة
منذ اكتشاف شركة «سوكال» («شيفرون» حالياً) أول بئر نفطية في الدمام، في 4 آذار 1938، لم يتمكن الاقتصاد السعودي من الخروج من عباءة النفط تحسباً لأي مخاطر قد تصيب هذا القطاع. فالمملكة تعتمد على المداخيل النفطية في 90% من إيرادات ميزانيتها. افترضت ميزانية السعودية لعام 2015 سعر 90 دولاراً للبرميل، ولكن مع وصول الاسعار الى نصف السعر المتوقع، بدأت المملكة تعاني بشدة، خصوصاً أن الأزمة اليمنية فرضت نفقات باهظة لم تكن في الحسبان، إضافة الى المصاريف الهائلة التي ارتبطت بتسلّم الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، والتي هدفت الى شراء الولاءات وتجنيب البلاد ثورة كتلك التي شهدتها دول عربية أخرى جراء الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
ويُتوقع أن تعرف السعودية عجزاً في الميزانية يقترب من 21.6% من حجم الناتج المحلي، أو بما يزيد على مئة مليار دولار، ما اضطر السعوديين الى استنزاف احتياطيات النفط الأجنبي بمعدل قياسي بلغ حوالى 12 مليار دولار شهرياً، فيما تتسارع أيضاً مبيعات السندات. وقد أخرج البنك المركزي، خلال الأشهر الستة الأخيرة، 70 مليار دولار من شركات إدارة المحافظ كـ BlackRock.
صحيح أن احتياطات المملكة لا تزال ضخمة، إذ تبلغ 700 مليار دولار تقريباً، إلا أنها تتناقص بسرعة.
صندوق النقد
في هذا السياق، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، ستتراجع احتياطات المنطقة هذا العام 360 مليار دولار بسبب الأسعار المنخفضة على الخامات. ويلفت التقرير الى أن الاحتياطات النقدية لدى المملكة تكفي بالكاد لضمان تحقيق توازن إقتصادي لفترة لا تتجاوز 5 سنوات، إذا ما بقي سعر النفط عند 50 دولاراً للبرميل.
إذاً، الاقتصاد السعودي في خطر، والمسألة أكثر من مجرد تحليلات وتمنيات. فقد تراجعت صادرات السعودية عام 2014 إلى 343 مليار دولار، مقارنة بـ 376 ملياراً عام 2013. ويتوقع التقرير أن تشهد مزيداً من التراجع، لتصل إلى 236 مليار دولار بنهاية 2015، وبذلك تصل نسبة التراجع بين عامي 2014 و2015 إلى 31%.
بالتأكيد ليست إيران في منأى عن هذه المخاطر، لكن السعودية قد لا تعيش لتشهد انهيار الجار اللدود. وإذا كانت التقديرات تمنح السعودية خمس سنوات على أبعد تقدير، فإن السعر المناسب لإيران لضبط الميزانية يقدر بـ72 دولاراً للبرميل، وإذا بقيت الخامات رخيصة يمكن طهران التحمل نحو عشر سنوات، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
وفيما يتصارع الجبابرة، يبدو أن الدول الصغيرة مستفيدة وأقدر على الصمود. سعر النفط «المناسب» للكويت هو 49 دولاراً ولقطر 56 دولاراً، وللإمارات 73 دولاراً.
وإذا كان «العمر» المقدر للسعودية وإيران، مجتمعتين، يصل الى 15 سنة، يتوقع صندوق النقد الدولي أن لدى الإمارات إمكانية لتحمل سعر 50 دولاراً للبرميل لـ30 سنة تقريباً، فيما يمكن قطر والكويت أن تتحملا تراجع الأسعار لنحو 25 سنة تقريباً.
حفرت السعودية حفرة ضخمة كانت كفيلة بإيقاع خصومها دفعة واحدة فيها، فإذا بها تقع في الحفرة التي حفرتها. فهل تستمر في الحفر أو تسارع الى النجاة ومحاولة تسلقها قبل فوات الأوان؟ لأنه، بعد خمس سنوات، قد لا تستطيع السعودية متابعة مونديال قطر في 2022!
النفط تحت 80 دولاراً حتى 2020
النفط تحت 80 دولاراً حتى 2020 توقعت وكالة الطاقة الدولية أن تستعيد السوق النفطية توازنها تدريجياً وتستقر على سعر يقارب 80 دولاراً للبرميل بحلول عام 2020. ولم تستبعد الوكالة كلياً سيناريو استمرار تراجع الأسعار لفترة طويلة حيث تبقى بمستوى يراوح حول 50 دولاراً حتى 2020 قبل أن تعود وترتفع تدريجياً إلى 85 دولاراً عام 2040. أما الطلب فيتوقع أن يزداد بمعدل 900 ألف برميل في اليوم سنوياً حتى عام 2020، وصولاً إلى 103,5 مليون برميل في اليوم بعد عشرين عاماً بالمقارنة مع 92,7 مليون برميل في اليوم عام 2014.
الاخبار اللبنانية