أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / لهـذا السبـب دخلـت القـوات التركيـة إلـى الأراضـي العراقيـة..

لهـذا السبـب دخلـت القـوات التركيـة إلـى الأراضـي العراقيـة..

السيمر / الاثنين 14 . 12 . 2015

أحمد الشرقاوي / مصر

كثيرة هي الكتابات التي تناولت موضوع دخول القوات التركية إلى الأراضي العراقية، وتكاد تجمع في معظمها، إن لم يكن كلها، على أن الهدف هو تقسيم العراق ومسارعة تركيا لحجز نصيبها من الكعكة بحكم الأطماع الإمبراطورية العثمانية في محافظة الموصل، خصوصا بعد أن فشلت في قضم محافظة حلب السورية في إطار المنطقة العازلة التي كانت تطالب بها، فجاء الدخول العسكري الروسي على خط الصراع ليسقط مشروع تقسيم سورية من أساسه..
هذه أسباب معلومة ولا خلاف حولها بين المحللين، لكنها لا تعدو أن تكون أسبابا ثانوية لتحقيق أهداف تفصيلية تخدم في مجملها الهدف الرئيس الذي من أجله يحتدم الصراع اليوم في المنطقة بين أمريكا والأطلسي من جهة، وروسيا ومحور المقاومة من جهة أخرى..
وإذا كانت روسيا وحلف المقاومة يلتقيان في المقاربة ويتفقان حول طبيعة وحتمية المواجهة، إلا أنهما يختلفان في الأهداف بحكم اختلاف الإستراتيجيات باختلاف المنطلقات ومستويات التدخل، بدليل، أن أهداف موسكو وإن كانت تلتقي مع أهداف حلف المقاومة لجهة مواجهة التكفيريين وإسقاط مشروع الهيمنة والتقسيم من أجل التعاون الأمني والعسكري والتكامل الاقتصادي في مختلف المجالات وعلى رأسها مجال الطاقة، إلا أن الأهداف المرتبطة بالصراع مع “إسرائيل” تعتبر أهدافا خاصة لا تعني روسيا التي لها أهداف جيوسياسية وجيوستراتيجية أوسع وأشمل بكثير من جغرافية المنطقة في مستوى الصراع الدائر بينها وبين أمريكا وحلفها الأطلسي.
وكما يعرف الجميع، هدف أمريكا وحلفها كان منذ القدم ولا يزال هو حرمان روسيا من التمدد خارج مجالها الجغرافي الضيق عبر المياه الدافئة، والتي تعتبر الممر الإلزامي لروسيا نحو البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، من هنا أهمية سورية الإستراتيجية بالنسبة لروسيا، ومن هنا إصرار الولايات المتحدة على إفشال روسيا في سورية كما أعلن الرئيس أوباما صراحة حين قررت موسكو الدخول عسكريا إلى سورية بطلب من طهران وبغطاء شرعي من دمشق.
لكن، وبسبب نزول الروسي بثقله العسكري الكبير، من خلال أسلحته الإستراتيجية البرية والبحرية والجوية والفضائية والتكنولوجية المتطورة، وتجنبه الانخراط بريا في مواجهة التكفيريين كي يفوت على الأعداء تحويل سورية لأفغانستان ثانية، وتركيزه على سحق جيش أمريكا السري (داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وما شاكل)، وتركيز موسكو على سد منافذ الاستنزاف على الحدود السورية التركية، وضرب بينية النفط الهيكلية واللوجستية التي تستفيد منها تركيا لتمويل الإرهاب في سورية، واجتثاث عصابات “الذئاب الرمادية” التي تعمل لحساب تركيا شمال اللاذقية وعلى المعابر الحدودية.. كل هذه المعطيات أفشلت استراتيجية أوباما لإفشال روسيا في سورية، فتحول اهتمام وتركيز أمريكا على العراق.. لماذا؟..
لأن الرئيس بوتين الذي درس كل الاحتمالات ووضع سيناريوهات المواجهة مع أمريكا وحلفها الأطلسي قبل الدخول إلى سورية، كان يعلم أن أهم ورقة تملكها أمريكا والتي بإمكانها وضع حد للتمدد الروسي في منطقة الشرق الأوسط هي المضائق والمعابر المائية التي تتحكم بها تركيا ( مضيق البوسفور ومضيق الدردنيل)، وإغلاقها في وجه البوارج الحربية والسفن التجارية الروسية يشكل سلاحا ناجعا وفعالا لخنق روسيا وإفشالها بالكامل..
الرئيس بوتين كان يتحسب لمثل هذا السيناريو، والذي يتطلب تنفيذه افتعال صراع عسكري بين أنقرة وموسكو يسمح لتركيا بموجب اتفاقية ‘مونترو’ في عام 1936، الحق في منع مرور السفن من المضائق والممرات المائية التي تشرف عليها إذا دخلت في حرب، لكنه لم يكن يتوقع أن تقدم تركيا على إسقاط القاذفة (سو – 24)، لما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات كارثية بالنسبة لتركيا، وكان الاعتقاد في موسكو أن مثل هذا الإجراء لا يمكن أن تقدم عليه الإدارة الأمريكية إلا إذا نشبت حرب بين روسيا والحلف الأطلسي..
لذلك، اعتقد بوتين وقبل واقعة إسقاط المقاتلة العسكرية، أنه من الضروري بعث رسالة معبرة للحلف الأطلسي، ينبهه من خلالها أن لروسيا خيارات أخرى يكمل بعضها بعضا لدعم وتموين القواعد العسكرية في سوريا من دون المرور عبر المضائق المائية التركية إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.. فما هي هذه الخيارات؟..
الخيار الأول، يتمثل في استعمال الأراضي الإيرانية، وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع بالرئيس بوتين لزيارة الإمام الخامنئي في طهران على هامش قمة الغاز، ووضع تصور شامل لعلاقات إستراتيجية متينة في كل المجالات، العسكرية والأمنية والاقتصادية وفي مجال الطاقة وغيرها، نظرا لموقع إيران الجيوسياسي كمعبر لروسيا نحو منطقة الشرق الأوسط، ولدورها المناهض للهيمنة الأمريكية والأطلسية على المنطقة، وهي التي تعتبر أمريكا “الشيطان الأكبر”، وتمثل إسلام الاعتدال السمح النقي، وتحارب الإرهاب بمعية حلفائها الأقوياء على الأرض حيث يدير الجنرال قاسم سليماني استراتيجية الحرب ضد الإرهاب وينسق بين القوات العراقية والسورية وحزب الله وكافة حركات المقاومة في المنطقة، وما كان لبوتين أن يدخل إلى سورية لولا موافقة إيران وتعاونها كما اعترف بذلك صراحة بمناسبة لقائه التاريخي مع مرشد الثورة..
الخيار الثاني المكمل للأول، يتمثل في استعمال الأراضي العراقية من مدخل الحرب على الإرهاب، وقد كان إنشاء غرفة التنسيق الأمني بين إيران وبغداد ودمشق وروسيا وحزب الله اللبنة الأولى التي ستساعد الرئيس بوتين على تنفيذ خياراته الإستراتيجية، وفي هذا الإطار، جاء اقتراح الرئيس بوتين لحكومة بغداد بتسريع طلب الدخول العسكري الروسي لمحاربة “داعش” في العراق، فقدم لحكومة البغدادي مساعدات عسكرية قيمة لم تحصل على مثيلاتها من أمريكا، ولمس الجميع حماسة من قبل الحشد الشعبي والعشائر والمقاومات العراقية والرأي العام عموما للتعاون مع الروسي في محاربة الإرهاب وإفشال مشروع التقسيم بعد أن ظهرت بوضوح النوايا الأمريكية الخبيثة في العراق..
ويبدو أن الرئيس بوتين تلقى ترحيبا ووعدا من الحكومة العراقية بالاستجابة لاقتراحه، الأمر الذي حمسه لإطلاق صواريخ ‘كاليبر’ الإستراتيجية من مسافة 1500 كلم لضرب البنية التحتية لتنظيم “داعش” في سورية انطلاقا من بحر قزوين مرورا بإيران والعراق، حيث أصابت أهدافها بدقة متناهية أدهشت أمريكا والحلف الأطلسي..
حينها، خرجت الصحف الدولية تتساءل عن الهدف من هذه التجربة الروسية المفاجئة، خصوصا وأن هذا النوع من السلاح المتطور والذي يمكن أن يحمل رؤوسا نووية لا يعقل أن يستعمل في الحرب ضد الجماعات التكفيرية، الأمر الذي أصاب الجميع بالدهشة فراح الخبراء يتساءلون عن نوايا وأسباب لجوء موسكو لاستعمال هذا النوع من السلاح الفتاك ضد الجماعات التكفيرية في سورية، وخلص عديد المحللين بما في ذلك مواقع روسية، إلى أن الأمر يتعلق برسالة موجهة إلى “السعودية” وتركيا وقطر، في حين قلنا حينها في مقالة بالمناسبة، أن الرسالة كانت موجهة للحلف الأطلسي تحديد.
اليوم يتبين بوضوح، أن الرئيس بوتين كان يرسم من خلال مسار صواريخ “كالبر” من بحر قزوين إلى سورية عبر إيران والعراق، ما أصبح يعرف بـ”الخطـة ب” في حال قررت أنقرة إغلاق المضائق المائية..
هذا يعني، أنه في حال أغلقت تركيا المضائق (البوسفور الدردنيل) في وجه القوات الروسية للعبور من البحر الأسود إلى البحر الأبيض المتوسط، كما أشار إلى ذلك ضمنا السكرتير الصحفي للرئيس الروسي ‘ديمتري بيسكوف’ أمس السبت، من خلال قوله، أن “قواعد حركة الملاحة البحرية عبر المضائق التركية يحكمها القانون الدولي”، وتحديدا اتفاقية مونترو لعام 1936، معولا على “ثبات قواعد حرية الملاحة”، فستضطر روسيا إلى تطبيق “الخطة ب” التي بدأ الحديث عنها في الدوائر العسكرية الروسية اليوم..
القائد السابق لأسطول البحر الأسود، الأدميرال ‘إيغور كاساتونوف’ قال لموقع ‘سبوتنيك’ الروسي السبت، أن “الأتراك لم يمنعوا مضيق البوسفور أبداً، أما بالنسبة للسيناريوهات الافتراضية، نحن كنا دائما على استعداد للمشكلة، وسنوفر الإمدادات للقوات الروسية في سوريا عبر إيران والعراق” أو ما يعرف بـ”الطريق القديم”، مضيفا، أن “هذا الطريق خلال الحرب العالمية الثانية كان يقدم المساعدة الفنية العسكرية للاتحاد السوفيتي في إطار برنامج الإعارة والتأجير، لذلك يمكن إمداد القوات الروسية عبر أراضي بحر قزوين وهذا الأمر سيأخذ وقتاً أطول ولكنه سيفي بالغرض”، هذا بالإضافة إلى عمليات النقل الجوي عن طريق طائرات النقل العسكري الفائقة والثقيلة مثل (An-124 روسلان).
لكن ما لم يقله الجنرال الروسي، وسبق لوسائل الإعلام الأمريكية أن ناقشته عقب إسقاط أنقرة للقاذفة العسكري الروسية، حيث رجحت مصادر أمريكية عديدة احتمال أن يحاول السلطان أردوغان تبرير غلق المضائق في وجه الملاحة الروسية بالقول، “إن البلاد تحت تهديد عسكري من روسيا، والقرار الرئيسي هو إغلاق مضيق البوسفور الدردنيل على جميع السفن الروسية التي تقع في البحر الأسود، والتي تنقل أغراض عسكرية لسوريا”.. هو أن لروسيا خيار دراماتيكي لم تناقشه وسائل الإعلام ومراكز الدراسات الأمريكية..
هذا الخيار وفق ما أشارت إليه ‘روسيا اليوم’ مطلع الأسبوع الماضي نقلا عن صحيفة “نيزافيسمايا غازيتا” الروسية، أن روسيا من جهتها تستطيع إغلاق المضائق دون نشوب أعمال عدائية من جانبها، والسلطان أردوغان والمقربين منه، لا يعرفون أن روسيا تمتلك ألغام بحرية مسلحة ستمكنها من غلق المضيقين نهائياً وأبدا، في استنساخ لتجربة الحرب الأمريكية – الكورية سنة 1950، حيث قامت كوريا الشمالية التي لم تكن تملك سفنا حربية أو طائرات مقاتلة، ولم يتدخل الجيش السوفييتي والصين حينها في الصراع، بعملية برمائية ناجحة، حيث زرعت ألغاما أدت لاصطياد كاسحات الألغام والمدمرات الأمريكية فعطلت القوة البحرية وشلت سفن الإنزال، وكان الجنود يتكدسون فوق بعضهم بعضا للنجاة من المصيدة مثل “علب السردين”، وفق الوصف الحربي الأمريكي للواقعة.
وتحدثت الصحيفة عن أن ما يملكه الجيش الروسي من ألغام بحرية متطورة وطوربيدات قاتلة يمكن وضعها على عمق كبير وعلى مسافة عدة كيلومترات من بعضها البعض، يستحيل على البوارج والغواصات الأمريكية تجنبها، وبذلك ستغلق المضائق التركية إلى الأبد تشل قدرة البحرية الأمريكية والأطلسية في الوصول إلى المياه الروسية.
لهذا، لم نجانب الصواب عندما قلنا في مقالة سابقة، أن دخول التركي إلى الأراضي العراقية هدفه الأساس هو منع روسيا من دخول العراق لمحاربة الإرهاب، وقد تم ذلك بإيعاز من واشنطن التي لها رؤية للحرب واستراتيجية لمواجهة الروسي، ومجموعة إجراءات تنفذها أدواتها لخدمة الهدف النهائي الذي وضعتها لحربها بالوكالة، ألا وهو إفشال روسيا وتقليم أضافرها وتقزيم دورها ومحاصرتها في جغرافيتها الضيقة، وهو الهدف الذي لا يمكن أن يتحقق من دون توريط التركي لجر رجل الحلف الأطلسي لمواجهة روسيا..
وفي هذا الإطار يمكن فهم السبب الحقيقي لإسقاط الطائرة الروسية، والسبب الحقيقي أيضا لدخول التركي الأراضي العراقية، بغض النظر عن ما يثار حول مسألة الشرعية والسيادة وما إلى ذلك من مبررات تمويهية وتضليلية من هذا الجانب أو ذاك..
لذلك، لا خيار أمام العراق اليوم سوى الانخراط في محور المقاومة والاستعانة بالروسي لسحق الإرهاب ومنع تقسيم العراق الذي أصبح اليوم مركز الصراع في المنطقة برغم أنف الحكومة العراقية، التي لم يعد بوسعها اللعب على وتر الحياد والنأي بالنفس والعراق معرض للتدمير والتمزيق، كما أن خضوعها للضغوطات الأمريكية بعدم طلب المساعدة الروسية لا يخدم في شيئ مصلحة العراق وشعبه، بل بالعكس، سينهي العراق كدولة وشعب..
وهو ما لا يرضاه شرفاء العراق من مرجعية دينية ومسؤولين سياسيين وحشد شعبي ومقاومات ورأي عام، وفق ما تبين من مظاهرات السبت وسط بغداد..
لذلك، الكرة اليوم هي في ملعب الحكومة العراقية التي يجب أن تتخذ قرارا استراتيجيا لإنقاذ العراق، لأن الوقت لا يلعب لصالح المراوغة السياسية، وأي قرار لا يخدم مصلحة العراق والعراقيين سيؤدي لانفجار كبير لا نتمناه للعراق الحبيب.

بانوراما الشرق الاوسط

اترك تعليقاً