السيمر / الجمعة 29 . 04 . 2016
معمر حبار / الجزائر
كتبت خلال هذا الأسبوع عبر صفحتي مقطعا من 5 أسطر حول الفساد في الجامعة، معتمدا في ذلك على ربع قرن قضيته في الجامعة.
وصلتني ردود مختلفة متضاربة، منها المؤيد ومنها المخالف. وصاحب الأسطر، يريد أن يعود من جديد لموضوع الفساد، ليؤكد من جديد نظرته للفساد المبنية على دراية وتجربة، ومنها..
الفساد ظاهرة عالمية لايخلو منها مجتمع. والفساد مسّ جميع العصور لايخلو منها عصر. فلا داعي أن يفخر بعضنا على بعض، والقول أن زمان معين أفضل من زمان، لأنه لم يشهد فسادا، قول لاتؤكده الحقائق أبدا.
وكذلك الصلاح ظاهرة عالمية لايخلو منها مجتمع، والصلاح مسّ جميع العصور لايخلو منها عصر. فلا داعي أن يحتكر أحدنا الصلاح لنفسه أو مجتمعه ويفتخر به دون غيره.
وسيظل الفساد والصلاح قائمين دون انقطاع، لايمكن أن يخلو منهما شخص أو مجتمع أو مؤسسة وطنية أو خاصة.
ليس بالضرورة أن تعرف كل صغيرة وكبيرة عن الفساد، لكن يعرف الفساد من خلال المظاهر التي تتجسّد في الأشخاص والمؤسسات وعبر الزمن الماضي والحاضر. وهذه الحالة يعيشها المرء باستمرار ويلمسها يوميا، ويستطيع من خلالها قياس درجة الفساد، بما أتيح له من صور وأرقام وممارسات يومية.
كل منا مطالب أن يكون صالحا بالقدر الذي يستطيع ويجسده في سلوكاته اليومية، وفي من هم تحت جناحية، كالأولاد والأهل والتلاميذ والأصحاب. ويحاول قدر مايستطيع الابتعاد عن كل ماله علاقة بالفساد ، ويجنّب أبناءه وأهله وتلامذته حبابه الفساد قدر مايستطيع.
يقول لي أحد المسؤولين، من السهل أن يتحدث الجميع عن مساوئ الرشوة، لكن من الصعب جدا رفض سيارة فارهة باهضة الثمن مقابل إمضاء وثيقة. ومن الصعب جدا مقاومة مباني فاخرة على شاطىء البحر، مقابل الإمضاء على وثيقة.
وبما أن الفساد سلوك متكرر، فكذلك محاربته تبدأ بالسلوك المتكرر ، ولو كان بسيطا لايلفت الانتباه. وهذه البساطة في دفع الفساد هي التي تحد منه، وتظهر نتائجه بعد حين.
لايمكن بحال إتّهام المجتمع كلّه بما فيه الأفراد والمؤسسات بالفساد، كما لايمكن وصف المجتمع كلّه بما فيه الأفراد والمؤسسات بالصلاح. فالتعميم في هذه الحالة هو شكل من أشكال الفساد، ووسيلة لنشره وتثبيته.
من الملاحظات التي إسترعت الانتباه، أن بعض الأفراد يتهمون دولا ومؤسسات وأشخاص آخرين بالفساد، وحين يتعلق الأمر بدولهم والمؤسسات التي يعملون بها، والأشخاص الذين يتعاملون معهم، ينفون عنهم كل شكل من أشكال الفساد، بل يتهمون الناقد لهم بالفساد. وهذه الظاهرة هي بحد ذاتها شكل من أشكال الفساد.
فالتطرق للفساد يكون من الداخل وعبر المؤسسات التي يعمل فيها الفرد وعبر الأشخاص الذين يعرفهم، حتى إذا تطرق إليهم أمسك الآخرعن إتهامه بالتغطية عن الفساد.
التطرق للفساد لايعني إطلاقا أن المرء يبغض مجتمعه، بل هو علامة على حبه للمجتمع وللمؤسسات القائمة وإحترامه للأشخاص القائمين على الحد من الفساد. بل التستر عن هيئة أو شخص هو الفساد بعينه، وهو القاسم لظهر المجتمع، لأنه يخفي حقائق مرعبة، وينشر في المقابل حقائق وردية منومة، لن يقوم منها المجتمع إلا على كوارث قاتلة.