السيمر / الأربعاء 16 . 11 . 2016
حامد كعيد الجبوري
ضمن سلسة الشعر ( 2 ) لعام 2013 م / منشورات إتحاد الكتاب العرب دمشق صدر ديوان شعري ( لدمشق هذا الياسمين ) للشاعرة ( ليندا إبراهيم ) ، والديوان يقع ب 100 صفحة من الحجم المتوسط أخرجتهُ فنياً ( وفاء الساطي ) ، يحتوي الكتاب على 29 قصيدة من ضمنها قصيدة الإهداء ، 9 قصائد عمودية و 20 قصيدة التفعيلة .
ومجموعة الشاعرة ( ليندا ) الشعرية مستهلةً تهديها ، ( السلام على الشعر / مني على الشعر أزكى السلام ) ، وتسترسل ( على مفردات من النور / جئن كدفق الغمام ) .
سئلَ أحد الأعراب الشاعر المتصوف الحلاج – ( أبو عبد الله حسين بن منصور الملقب بالحلاج 244 هـ – 309 هـ ) – ما في جبتك ، فأجابه الحلاج ( ما في جبتي غير الله ) ، وبسبب هذه الإجابة أتهمَ الحلاج بالزندقة وشنق بحضور جمع كبير من عامة الناس ، ولأن دمشق الحاضرة العربية التي احتضنت الفكر العربي واليساري ، وقدمت الكثير للشعوب العربية وللإنسانية ، لذلك تكافَئُ من بعض الدول ( المتأسلمة ) والمستعربة لطمر هذه الجذوة الفكرية والحياة المدنية التي ألفتها الشام منذ أسست ومصرت وليومنا هذا ، وتنبري الشاعرة ليندا ومعها من أحبَ الحياة والضياء والزهور للدفاع عن معشوقتهم ومقدستها الشام لكي لا تُشنق كما شنق الحلاجُ الذي قرأتهُ بتمعن وروية ، وتحاولُ محاكاة عشقها المتوحد مع ذاتها الدمشقية التي جبلت عليها ، ( ولها من الفردوس ، حورٌ مائسات ، عند غوطتها ، يفحن شذى ، على عتباتها ) ، ولأن الشام ودمشقيتها التي ألفت وتآلفت ، ( مآذن النجوى ، نواقيس التذكر ، هيكل الإيمان ، محراب اليقين ، تهجد النساك ، في غرفاتها ) ، وتجزم الشاعرة ( ليندا ) أن دمشق عصية على أن يطمس ذكرها ويمحى تاريخها العريق ، ( دمشق بادئة الزمان ومنتهاه ، المصطفاة من المدائن روحها وصفاتها ) .
يمكننا أن نحيل قصائد ديوان الشاعرة ( ليندا ) لعدة أغراض شعرية ، القصائد الوطنية ، الوجدانية ، الذاتية ، قصائد الغزل ، ولا أتمكن كقارئ ومتذوق لما تكتبه ( ليندا ) أن أقتطع بيتاً وأكتفي ويكتفي معي القارئ بتشكيل حصيلة أدبية ورؤية لوحدة موضوعة القصيدة إياها ، القصيدة عند الشاعرة سلسة متواصلة إن تفرطَ عقد جمانها أضعنا مضمونها وشتتنا حبيبات مسبحة قصيدتها وما تريده الشاعرة بكل بيت من الشعر ، بل وفي أي شطر من قصائدها ، وبخسنا حقها في ما تريد إيصاله لمتلقيها ولمتذوقي ما تكتبه .
( من أين أبتدئ الغناء / ولمن سأهدي قبلتي الأولى ) ، ونتخطى عتبات حنينها في قصيدتها ( أمي ) لنصل ، ( وكل ما في الكون أبيض جاء / من وجهٍ لأمي / كان شمسا صيغ من ذهب السنابل ) ، وحين تغادرها طيوف ملائك أمها التي حطت على شرف السماء تقول ، ( طوبى لها / اليوم أبتدئ الصلاة لوجهها / واليوم أبتدئ الغناء ) .
أحاول جمع بعض شذرات من ديوان ( لدمشق هذا الياسمين ) أجلي بها ركام إسفاف ما تسمى قصائد البعض من المتشاعرين ، وما أكثر أدعياء الحرف الذين أساءوا للذائقة الأدبية وشوهوها ، فالحرف والقصيدة عند الشعراء – الشعراء – محراب مقدس لا يلجون عبابه إلا على دراية باللغة ونحوها ، والبحور العروضية وميزانها ، مستثنى من ذلك القصائد المنثورة .
من قصيدة سورة الحب ، ( رباه هذا الحب يشبهني / ومنذ الصبوة الأولى / أسبح باسمه / أني أنا الأنثى التي أرخت جدائلها / على عرش القصيدة ) ، وتقول ( أنا فتنة الأنثى / تفيض على مدارج دوحها عطرا / وينسكب الغمام ) .
في قصيدة ( خالقة ) تؤنب الشاعرة مخلوقها الحبيب وتزدريه ، وعلى النقيض تعد – تحسب – له أفضالها عليه لتمجيده وإعلائه ، ولأنها الربةُ تجده أقل شأنا منها فتترك مخلوقها قائلة له ، ( أمجد ما خلقت / وقلت / يا روحُ استريحي من عناء الخلق / ثم منحتك الاسم الجليل ) .
من حزنها في قصيدتها ( أغنية الشتاء ) فالى من تهدي شتائها الحزين ، بعد أن عتّقوها بقارورة الصمت ، وزفوا لها الظلمَ والظلام بسنين ربيعها لتجترح قوتها من طاهر جرحها وتسد جوع حنينها بدفاتر حبها العتيق ، ولتكتب رثاء الاشتياق والبعد والوصل والصد والعشق والشهد المرير ، و ( حشدتُ حروفي مواكب نور / تشيِّع هذا الأمان الخؤون ) ، ولم تيأس بل ( وتهدي لأفئدة العاشقين / غناء ورود شتائي الحزين ) .
في قصيدة ( نقش حناء على صدر السويداء ) تؤطرها ( الى سويداء القلب وشامة الوطن ) فتقول ، ( أتيت فأنسكبي برداً على كبدي / يا حنطة القلب يا دنيا من الأبد / أتيت أحمل قلبي ديمة هطلت / على ذرى صدرك المزدان بالبرد / وفي يدي بعض حناء سأنقشها / على ترائب فيهن الجمال ندي ) ، وتؤمن الشاعرة بأن شامها والسويداء بنيت ، وعَلت وبقيت ، وقاومت لأنها ( بصرح من المجد / جدرانه عمِّدت / بدم الشهداء ) ، ولذلك أضحت السويداء الكبيرة والشام الأكبر ( وطناً شامخاً / وأرضاً تضج / نخيلا وقمحا ) ، وأضحت حاضرة إنسانية ( وعشا لعصفورة / ويمام ) .
الحلول في الذات الخالقة لا يعد سبة أو ذنباً ليرمى صاحبه بالزندقة أو الكفر كما أرى وأفهم ، ( يا عبدي أطعني تكن مثلي ، تقل للشئ كن فيكون ) ، وهي غير الاعتقاد بحلول الخالق بالذات المخلوقة عند أهل المنطق والروحانية وهو الكفر كما يروون ، وفيه اختلافات فقهية عند مذاهب المسلمين لست بصدده ، ووجدت بعض الإيحاءات والإشارات والشطحات الصوفية نقرأها ببعض قصائد الشاعرة ( ليندا إبراهيم ) ومنها قصيدة ( صوفيات ) ، وقصيدة ( هائم ) ، وقصيدة ( مقام الهوى ) ، وقصيدة ( نفحات ) ، وبعض أبيات متفرقة بمنصوص قصائد الديوان ، من قصيدة نفحات نقرأ ، ( ففي فؤادي خوابٍ من سلاف هوى / مذ عتقت في دنان الحب أعضائي / ومذ تعرفتُ في قلبي ثمالته / أبصرت في لوحهِ العلويَّ أسمائي / …. حيث الطيوفُ غريراتٌ مولهةٌ / بالعشق تسكن بين الحاء والباء / هذا هو الحب إذ أحيا به وله / فأن فنيت ففي أيديه أحيائي ) ، ومن قصيدة مقام الهوى ، ( سفري طويل / والقصد دوحك / والشمول ) ، وفي قصيدتها ( نفحات ) أكثر من تسائل وإجابة واعتراض ، القصيدة في شطر بيتها الثالث تقول ، ( هو الله يأتي بالزمان وأهله ) حقيقة لا مناص منها ، وتتساءل في عجز نفس البيت وكأنها تقول لماذا ، ( وتهوي عليهم بالمنون معاوله ) ، وتستعجب بقولها في البيت الخامس من نفس القصيدة ، ( وتحصد كف الموت أرواحنا غدا / كأنا لديه حقله ..وسنابله ) ، وتمضي متسائلة وصولاً لقناعة الوجود المطلقة فتقول ، ( وإما تجلى الله للروح أترعت / من المطر القدسي ما شاء وابله ) ، ولا يفوتها وهي بهذا المحتدم من الرؤى والقناعات والتساؤلات أن تشير لذاتها ، ( بروحي مسيح الحزن ضجت جراحه / وجسمي من الأرزاء ينهدُّ كاهله ) ، لتخلص خاتمة لمعشوقتها الشام فتقول ، ( عليك أيا أم الزمان سلامنا / إذا بيرق بالنصر لاحت أوائله / فشام الدنى أرضي وفيها ملاعبي / تسامق فيها المجد صرحاً تطاوله ) .
بين هذا وذاك من الإغراض الشعرية تشكلت عند قراءتي المتأنية لديوان ( لدمشق هذا الياسمين أن الشاعرة كانت بقصائدها ، واختياراتها ، وبحسن معانيها ، وجزالة ألفاظها موفقةً ، وأزعم أنها غير موفقة مع من تحب ، ودليلي لذلك مسحة الحزن ، ولؤلؤ الدموع والأسى الذي يفيض من جوانب قصائدها الذاتية ففي قصيدة ( المرض الأخير لأبي الطيب المتنبي ) ، ( روحي / تكابد وجدها الأقصى / وعمري طاعن بالحزن … قلبي مطفأ القنديل / لا زيت فيسرج هذه النفس الجموح / ولا بقايا من عراق الروح / أو ذكرى حبيب ) .
الحزن يؤججه الانتظار ، الرغبة ونقيضها ، اللقاء والصدود ، الدفء والثلج ، الأنوثة المحترقة ، الخذلان والخسارة ، تجتمع بين سطور أبيات قصيدة ( أرق ) ، ( قلت سأسرج / القمر المسافر / كي يراني أجمل امرأة ، وأوقد رغبتي / كي يهتدي لحقوله العطشى / وينثر شجوه الحاني على قلقي .
لدمشق هذا الياسمين ديوان شعري ينبأ عن طاقة شعرية إبداعية في زمن يندرُ أن تجد شاعرة تحسن لغة التخاطب ، بلغة عربية غير ملحنة ، فضلا عن بعض الشعراء أيضا ، ولا غرابة أن الشاعرة ( ليندا ) تتقن اللغة العربية ونحوها ، الشعر وأوزانه ، لأن جذورها المعرفية تتصل بعراقة عائلتها التي أنجبت الكثير من المشايخ ، الذين تعتبر اللغة العربية حبلَهم المتصل بالدين والمعتقد ، وتمتلك الشاعرة أذنا موسيقية تمييز فيها عروضيا بين هذا البحر وتلك التفعيلة ، لذا نجدها تكتب قصيدة التفعيلة من بحرٍ تختاره ، وربما نجد بنفس القصيدة مختارةُ البحر أبياتا عمودية ، وهذا بزعمي متأتياً من إتقان نحويٍ وعروضي ، أبارك للشاعرة ليندا إبراهيم هذا الفيض من الياسمين الذي أغرقني بفوحان عبيره الياسميني .
ببلوغرافيا :
ليندا سلمان إبراهيم
شاعرة و أديبة – مواليد دمشق
الشهادة : الهندسة – جامعة تشرين
العمل : وزارة الثقافة السورية – مديرية ثقافة طرطوس
مكان الإقامة : سوريا – محافظة طرطوس ..
عضو اتحاد الكتاب العرب – عضو جمعية الشعر
عضو نقابة المهندسين السوريين
عضو لجنة التمكين للغة العربية
عضو جمعية العاديات الثقافية الأهلية
الجوائز :
•جائزة المجاهد الشيخ صالح العلي الشعرية 2001
•جائزة مسابقة أمير الشعراء 2013 /دولة الإمارات العربية المتحدة – أبو ظبي /
•جائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي العربي /بغداد / العراق/ 2014
•جائزة عمر أبو ريشة للشعر العربي سوريا 2016
صدر للشاعرة …
1.”لدمشق هذا الياسمين” مجموعة شعرية صادرة عن اتحاد الكتاب العرب –سوريا 2013
2.”فصول الحب و الوحشة” مجموعة شعرية صادرة عن وزارة الثقافة السورية 2013
3.”لحضرة الرسولة” مجموعة شعرية صادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2016