السيمر / السبت 03 . 12 . 2016 — لطالما مثلت قضية تسليح الجيش العراقي والقوات الأمنية، وترسانة البلاد العسكرية، قضية حيوية في النقاشات السياسية والمجاذبات الاقتصادية، بين الأحزاب الرئيسية، الى الحد الذي امست فيه موضوعة التسليح، مضرب امثلة في الفساد الإداري المهول، الذي يرى ويعرف، ولا يثبت.
ذلك الفساد، الذي لم يقتصر فقط على اختلاس أموال التمويل المخصص للتسليح، او التلاعب بالأسعار، انما تعداه الى استبدال الصفقات المخصصة لأسلحة باخرى اقدم، وشراء أسلحة مستهلكة قديمة، بأسعار حديثة، ليجد الجندي العراقي نفسه، مستخدما سلاحا معطلا في حرب مصيرية.
نتائج ذلك الفساد، كانت مدمرة على الصعيد المعنوي والعسكري للجيش العراقي، الذي لم يبدا بالتعافي الا الى مدة قريبة، وليس بالتسليح المشترى بالمال، انما بغالبية أسلحة متبرع بها من دول أخرى، او مدورة من التالف والقديم لدى الجيش، والذي بدوره تسبب بمشكلة اكبر، وهي مشكلة الحقوق والتلاعب بخصائص الأسلحة التي تمنعها قوانين تصدير واستخدام الأسلحة الدولية.
قاعدة الهرم تلك تبدا، بالاختلاس المالي الكبير، العمولات، والسرقة التي تاتي على حساب امن البلاد وامواله العامة، وكذلك حياة المواطنين والعسكريين، حيث اعتاد الاعلام على كشف تفاصيل قضايا اختلاس وسرقة ضمن صفقات تسليح عديدة، دون ان يكون هنالك حساب حقيقي للأطراف المتورطة، حتى بات الامر معتاد وذو تكرار نمطي مع كل وزير ومسؤول في ظل غياب تحرك حكومي حقيقي، الى الحد الذي ما زالت البلاد تعاني من تاثيراته الجانبية الى الان.
لعل تلك القضايا ما عادت تطرق اذهان المواطن العراقي ولا تثير اهتمام مختصين بسبب تكرارها الشديد وعدم وقوع عقاب حقيقي على مرتكبيها، الى الدرجة التي ما عاد للاعلام اهتمام في نقلها حتى وان كانت على مستوى من الشدة، يثير ضجة.
اخر تلك القضايا على الأقل، كانت اكتشاف اختفاء ما يقارب 150 مليار دولار امريكي كمجموع على ما انفق على التسليح العراقي من قبل وزارة الدفاع، في غير محل التسليح، اما مختفيا، او لشراء أسلحة متهالكة، حصل العراق على احدث منها عبر التبرعات، بسبب الصفقات المشبوهة.
وزارة الدفاع العراقية خلال الضجة التي أثيرت العام الماضي عقب سقوط مدينة الموصل، وصفت بانها الأكثر فسادا في الدولة العراقية، من قبل عادل النوري، احد نواب البرلمان العراقي، خصوصا بعد كشف السجلات والتقارير من قبل لجنة مختصة، والتوصل الى ان الأموال التي صرفت على التجهيز، كانت ستجعل العراق من الدول الأولى عسكريا في المنطقة، في الوقت الذي ما زالت فيه اقوى تلك الأسلحة التي يمتلكها، اما استحصل عليها من التبرعات، او من المعاد تصنيعها من الخردة التي تم شرائها بالمليارات.
من تلك الصفقات، كانت اتفاقيات تسليح بما قيمته 350 مليون دولار، من دول شرق اوربا، والدول السابقة ضمن الاتحاد السوفيتي، والتي حصل العراق بموجبها، على أسلحة معظمها معطل وغير فاعل، في الوقت الذي اضطرت فيه الحكومة بعدها، الى إلغاء ثلاث صفقات مماثلة، واحالة أطرافها الى القضاء، والذي لم يتمخض عنه قرار الى اليوم.
من تلك التبعات لقضايا فساد عقود التسليح، ما اسفر عن اقالة وزير الدفاع الروسي اناتولي سيرديغوف، بسبب تورطه بفضيحة فساد كشفت في العراق، في الوقت الذي لم يتم محاسبة الأطراف العراقية المتورطة فيها من قبل الحكومة العراقية.
الفساد في صفقات التسليح، تعداه الى التحول الى مشكلة لم يتم حلها الى الان، في الوقت الذي وجد فيه الجيش العراقي نفسه يقاتل، باستخدام أسلحة تم التبرع بها الى الجيش، من قبل الحكومات المنضوية تحت التحالف الدولي ومنها الولايات المتحدة، فرنسا، المانيا، إيطاليا، وغيرها، بالإضافة الى إعادة تدوير ما يمتلكه في ترسانته القديمة، وما تمكن من إعادة تشغيله من تلك الأسلحة المستهلكة المستوردة.
صفقات دبابات وطائرات، كان من المفترض ان تكون على طراز حديث ومستوى أداء عالي، أتت ليتبين انها مجرد أسلحة قديمة وتالفة، في الوقت الذي تحول فيه الفساد من واقع، الى نمط اثر حتى على الصفقات الحقيقية، فالعديد من الأسلحة الحديثة والتي تم شرائها بشكل رسمي، رمي قيد التجميد، بسبب وقوعه تحت طائلة قضايا فساد وتحقيقات مستمرة، دون ان يستفيد الجيش العراقي منها شيئا، كما اكد ذلك وزير الدفاع العراقي السابق خالد العبيدي، عبر وسائل اعلام محلية.
الحرب ضد التنظيم، والتي قاربت على الانتهاء الان، تم خوضها باستخدام أسلحة في غير محلها، حيث اضطر العراق بسبب الفساد، الى بناء ترسانته العسكرية اثناء الحرب، بعد ان وجد نفسه في مأزق، بخسارته عدد كبير جدا من الأسلحة لصالح تنظيم داعش، حين سيطر على قاعدة مطار الموصل، التي تحوي اكداس تبرعت بها القوات الامريكية الى الجيش العراقي قبيل انسحابها عام 2011، ومنها ما يزيد عن 5000 عربة همر مدرعة عسكرية بحالة ممتازة.
الصفقات الأخيرة التي وجد العراق نفسه مضطرا للقيام بها، هي التي ساهمت في انعاش ترسانته العسكرية، بعد ان كانت متهالكة، على الرغم من انها أتت بشكل غير مدروس وفوضوي حسب راي خبراء، اكدوا بان الجمع بين مصدري الأسلحة الاثنين الرئيسيين، الناتو والسوفيت السابق، لا يمكن ان تقوم به دولة تعي خطورة ذلك على اقتصادها، رغم ما يوفره التنوع من قوة، لكون ذلك يعني، ان على البلاد ان تمتلك مقومات استخدام الأسلحة من المصدرين، ومنها التدريب والادامة والصيانة وقطع الغيار، والتي تؤدي في النهاية الى إضافة المليارات من الأموال على الموازنة العسكرية بغير داعي.
العراق امتلك في النهاية، طائرات F-16 أمريكية، وطائرات Su-34 الروسية، كذلك مروحيات روسية وامريكية من طراز Cobra و Mi-28، بالإضافة الى دبابات ابرامز الامريكية، T-72 و T-50 الروسية، بالإضافة الى مصنعون اخرون متباينون مثل الفرنسي والبولندي والصربي وحتى الباكستاني.
المشاكل والفساد الذي حد من قدرات القوات العراقية بشكل كبير جدا وبتاثيرات مهولة على الأوضاع العراقية التي عولجت بالدماء والمال وعلى حساب أراضي البلاد، لم تقتصر فقط على الأسلحة المتهالكة والقديمة، فقد تركت القوات العراقية عالقة في حرب لا تستطيع معها استخدام كل ما هو متاح، لحقوق الاستخدام التي يخضع العراق لها.
احدى امثلة تلك المشاكل، هو ما اثير مؤخرا على الصعيد العسكري والسياسي بين العراق والولايات المتحدة، بعد ان قام مقاتلون عراقيون تابعون الى احدى الفصائل المنضوية تحت الحشد الشعبي، باخذ دبابة ابرامز أمريكية من الجبهة بعد اصابتها، الى حظيرة صيانة تابعة للتحالف الدولي، ليكتشف العاملون الامريكيون فيها، ان الدبابة الامريكية، قد وضعت عليها أسلحة رشاشة روسية، وذخيرة إيرانية.
استخدام امزجة ضمن سلاح واحد من اكثر من بلد مصنع يعد خرق دولي لاتفاقيات التسليح والاستخدام، التي تتبع من قبل دول العالم، والعراق جزءا منها، حيث تسبب الامر بأزمة لم يتم الإعلان عنها بعد الى الاعلام المحلي، ولم يتناولها بالشكل المطلوب، بسبب انشغاله في المعارك، في الوقت الذي اخذت فيه هذه الاصداء حيزها على صعيد الاعلام العالمي.
واشنطن من جانبها، أعلنت عبر نائب الادميرال جوزيف ريكسي، مدير هيئة التعاون الأمني والدفاعي في البنتاغون الأمريكي، بان وقوع الأسلحة الامريكية في ايدي فصائل غير تابعة للجيش العراقي، واضافة تعديلات روسية او إيرانية عليها، هو مخالف لاتفاقية FMS المنعقدة مع العراق، والتي تمنع القيام باي تعديلات على الأسلحة التي تباع الى البلاد.
وجود الأسلحة الهجينة التي أتت كنتيجة مباشرة لصفقات التسليح الفاسدة، والتي تركت العراق يستورد بشكل فوضوي وغير مدروس من أي مصدر تقع يديه عليه محاولا تدارك الوضع اثناء تصاعد مد المعارك خلال العامين الماضيين، اعترف به رسميا من قبل الحكومة العراقية، عبر مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في العراق، واثق الهاشمي، الذي صرح بان الاستيراد بالشكل الذي تم عليه أدى في النهاية الى اجبار العراق على دمج أسلحة من عدة مصادر للحصول على فاعلية اكبر.
الهاشمي اكد بان الوضع على الجبهات اجبر القوات العراقية على دمج الأسلحة الروسية مع الدبابات الامريكية، لمقاتلة التنظيم، خصوصا وان القوات العراقية لها خبرة كبيرة في دمج الأسلحة وإعادة تصنيعها والتلاعب بها نحو الحصول على قوة اكبر، على الرغم من ان ذلك يخالف اتفاقيات الشراء والاستخدام.
في النهاية، فان لصفقات التسليح، عدة جوانب وتاثيرات سلبية لا يمكن ان تتم تغطيتها بنصوص فقط، مع ان العراق والعالم يعلم، بان تلك الصفقات حقيقية وتجري على قدم وساق، وعلى الغالب لا زالت، مع ان العراق قد تمكن من هزيمة تنظيم داعش، الا ان الثمن كان كبيرا جدا، بسبب طمع بعض المتنفذين، الذي ادو بالبلاد الى الدمار الكامل تقريبا.
وان نيوز