السيمر / الثلاثاء 08 . 01 . 2019
إيهاب عنان سنجاري
يشهد الواقع العربي عامة احداثاً متسارعة ومتتالية على الساحة العربية تصاعدية تارة وتنازلية تارة اخرى مما يتطلب على المرء المواكبة لمعرفة كيفية قراءة الحدث لموازنة دفة السفينة للسير قُدماً نحو النجاة بواقع افضل ، وهذا صراع مستميت من اجل البقاء على القيم والمبادئ المستقيمة للنهوض بالواقع في ظل الأيادي الدخيلة والعابثة في خريطة الإنسان السياسية والإجتماعية والثقافية لتغيير الوجهة الصحيحة ، ولعل الأخيرة هي الأكثر تأثيراً . وهنا سنتطرق الى جانب الثقافة على اعتبارها هي التي تبني الإنسان السوي فكرياً وتبني المجتمع المتفتح نحو الإرتقاء بالنفس والنفس الأخرى نحو السلام النفسي والمجتمعي ، ففي قراءة لكتاب مشكلة الثقافة للمفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي (1905-1973م) – دعوة للتعديل – يتضح بأن “الأزمات تبدأ من محاولات ازالة الجو الثقافي وتهميش المثقفين حيث شخّص بن نبي على مستوى العالم العربي الحالة بأنها ” ما ضد الثقافة ” تدليلاً على التخلف والذي لا يمتلك بحد ذاته ثقافة ؛ بل يتم بتحجيم القيم الثقافية إلى أدنى مستوى ابتداءً بتدني المستوى الأخلاقي للفرد مؤثراً على المستوى الاجتماعي، مروراً بانطواء الثقافة على ذاتها متجه بالحضارة نحو العدم، فالثقافة للحضارة كالدماء للجسد تغذيه وتصنع مناعته”. من هذ المنطلق النابع بالشعور بالمسؤولية تجاه المحافظة على نهج الحضارة التي نبعت منها اولى روافد القوانين والتشريعات والنظم والمحافظة على المجتمع ، يبدأ دور المثقف في تصحيح المسارات الخاطئة سيما بعد خروج دول عربية كالعراق وسوريا من ازمة فكرية متطرفة اطاحت بجيل كامل نشأ على الأفكار المتشددة التي بثها داعش الإرهابي في المناطق التي سيطر عليها . وكما يقال في المَثل الشعبي اليد الواحدة لا يمكنها التصفيق ، لا يمكن للمثقف وحده ان يعدل المسار مالم يتم مشاركة الجميع كل حسب اختصاصه ، لكنه رغم ذلك نجده يبذل قصارى الجهد لتحقيق السامي من خلال الندوات ، المقالات ، الكتب ، اللقاءات الإعلامية .. الخ ، لكن هذا غير مُجدِ لما نتطلع اليه دون اندماج المساعي من قبل الجميع وتوحيدها لتحقيق الهدف ، فلا يمكن لأي مبادر ان يحقق مبادرته دون دعم وتأييد ، خاصة ان كانت مبادرة شمولية فتكون المسألة اوسع ، فالمثقف يعيش ضمن بنيات مجتمعية يتأثر بها و يؤثر عليها كالأسرة ، مؤسسات المجتمع المدني كافة والمؤسسات السياسية على اعتبار هذه الثلاثية هي الركيزة الأساسية لبناء ذلك المثقف اجتماعيا ، فعندما يحظى بدعم تلك البنيات لاشك ستحقق مبادرته النجاح المنشود ، واليوم لا دعم للمثقف ، لأننا لا نجد هذه الثلاثية تقوم بعملها بشكل صحيح – إلا ما رحم ربي –فأشباه المثقفين ممن يستعرضون كل يوم بمكتباتهم الفاخرة على مواقع التواصل الإجتماعي او شرائهم لكميات كتب كبيرة لا يقرأون منها سوى عناوينها ربما لا يقرأون عناوينها حتى ، نجد هؤلاء من يُسَلّط عليهم الأضواء لغايات شخصية لهم او لمن سلط عليهم تلك الأضواء ، يقفون على منابر ومنصات المؤتمرات دون قول جملة مفيدة في تركيبها ومعناها لإيصال رسالة ما ، هذا ان كان لديهم رسالة اساساً – بهرجة على الفاضي – ، فالمثقف الحقيقي نجده يصارع لوحده ، حتى قشته التي يتأمل بها نجاته من غرق تهميشه تبرع بها لطفل بين يديه كتاب (كيف يبقى الوطن على قيد الحياة) لمؤلف استشهد لقول كلمة حق. ففي ظل تغييب دور هؤلاء المثقفين “الحقيقيين” في الوطن العربي عامة او محاولة تغييبهم بطريقة مباشرة او غير مباشرة من قبل من يسعى لذلك الأمر – أي التغييب – سعياً لجهلنة الشعب كي يسرح ويمرح بخيرات الوطن يأتي مؤتمر القمة الثقافي العربي التحضيري الأول في محافظة ميسان – العراق وتحت رعاية منظمات المجتمع المدني الثقافية : دار القصة العراقية، مؤسسة جائزة العنقاء الدولية، المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، الشبكة العربية للتسامح، تجمع عقول ، جامعة ابن رشد في هولندا و هيئة رعاية الطفولة والشخصيات الوطنية وبدعم وزارة الثقافة والآثار والسياحة العراقية للفترة من 27 – 28 ديسمبر 2018 بحضور ومشاركة شخصيات عربية وعراقية ثقافية وأكاديمية وإعلامية وناشطين في المجتمع المدني بأوراقه ليقلب الطاولة على دعاة الجهل المبطن ويرفع يراع المثقف العربي في عرض و دراسة واقع الثقافة العربية والمثقفين في جميع المجالات التي استطاع بها المؤتمرون التشخيص و الخروج بتوصيات لمعالجة ذلك الواقع وفتح آفاق ورؤى بين البلدان العربية ورفع الحدود الفكرية بينها . تعتبر هذه الخطوة انطلاقة فاعلة للأوطان لإعتلاء قمم المجد بأبنائها ومراجعة النفس بأن يعطى للمثقف دوره الفاعل في وعي المجتمع لتجنب الملوثين فكرياً من إختراقه وسرطنته من حيث لا يحتسب ، لذلك على اصحاب القرار الشد على يد القائمين على هكذا مبادرات وتسهيل الأمور ومشاركتهم بل ليكونوا هم من اصحاب المبادرات وان يرتقوا بوعيهم وان يختاروا الأشخاص دون محسوبية ، فالقضية اكبر من ان تكون مجرد دعوة حضور مؤتمر فهي ليست للنقاهة والترفيه بهل هي دعوة لحل معاضل قد تنال منك الآن او من ابنائك غداً ان لم تُحل ، الثقافة قضية وطن ، فدعوا تأريخ الوطن يذكركم بخير ..