السيمر / الجمعة 18 . 01 . 2019
عدنان أبو زيد
إغواءالآخر بالفكرة، سلوك طبيعي، ناجم عن النزعة في الاستحواذ العقائدي والاقناع الأيديولوجي، عبر الإقناع. مورٍسالأسلوب القسري في الاستقطاب العقائديالمعتمد على الترويع والتهويلفي نشر الأفكار وفرضها على الناس بالبأس والبطش من قبل أديان، وايديولوجيات سياسية، ومشاريع أحزاب، ومن قبل الأقوياء، أو الذين يشعرون بالجبروت. فيمايبدو الترهيب من أسوأ اساليب التبشير العقائدي،وهو اسلوب غريب على السلوك السوي. وفيمواقع التواصل الاجتماعي، تغيّرت سلوكيات الأفراد في تلاقح الأفكار، وفي الجدال، وفي الاستنتاج، وانقلبت حتى طريقة تفكير الفرد، واقتحمت الأيديولوجيات المختلفة، عقله، وهو جالس في بيته فيما كان في السابق، يستمدّ مجهزاته الفكرية من الكتاب والصحيفة وحلقات الأصدقاءأو الرفاق الحزبيين. وعلىالمستوى الديني، الايماني، لم يكن من مصدر للمعلومة، والتوجهات الدينية، الى وقت مضى قريب، سوى تلك الذرائع المحدودة، في الخطاب، سواء في المسجد، او المحيط القريب، او التلفاز، والمذياع، الذي كان يسهل على السلطات مراقبته وتوجيهه. لقدانتهت تلك الوسائل، “المتواضعة” في التأثير كما تبدو اليوم، لصالح التراسل الفوري. لكنالوسائل الجديدة لم تنه طرق الادلجة التي يسعى اليها الافراد والجهات، فحزب ما يسعى الى استثمارها لصالحه، ورجلالدين يسوّق أفكاره من خلالها، وجهة سياسية تنشر أفكارها وأجندتها. نحنأمام عصر جديد من ربْح الجماهير، يتخطى المنهج الكلاسيكي في الخطاب، والاجتماع، والصحيفة، والكتاب، والمنشور الحزبي. نحنأمام ثورة عارمة من الفيض المعلوماتي، الذي يحطم حواجز الممانعات الفكرية، وطرق التحصين الفكري التيشيّدتها السلطات، والعقائد. بسببذلك، لجأ الفرد الى طرق جديدة في التغرير الفكري القائم على النصيحة، والإرشاد، والمناصحة، بالتعبير الديني. وعبرذلك، انتظم آلاف الأشخاص في ايديولوجيات مختلفة. من ذلك، ان التنظيمات الإرهابية، كسبت الأتباع عبر وسائل التواصل، ونجحت في الترويج لأيديولوجياتها القاتلة. لكنوسائل التواصل الحديثة والسريعة في عظمتها وقدرتها على الترابط الشبكي اللحظي، لم تفرغ من السلوك الإنساني الاستحواذيعلى الآخر، والسعي الى استلابه فكريا بالتهديد والتفزيع، فمن جهة، تتطفّل على خصوصياته، ومن جانب آخر، تحاول اغرائهبالخوارق واللامعقوليات، والمعلومات المضلّلة. هذاالأمر، ليس على مستوى السلطات، أو التنظيمات السياسية لاسيما الإرهابية منها، فحسب، بل على مستوى علاقات الافراد ببعضهم، وهو ما يتوجّب توضيحه. ثمةأفراد يتطلعون الى بسط أفكارهم، على نطاق واسع، وهو حق طبيعي لهم، لكنهم يتصرّفون مثل أية سلطة جبرية،وتنظيم متشدّد، الى فرض الرأي، وتهديد المخالف. يلجأهؤلاء أيضا الى النصيحة بطريقة الأبوية الفكرية والسياسية، فكأنهم أوصياء على أصدقائهم في التواصل الاجتماعي، يسعون الى حمْل المقابل على القبول، بأية كيفية، حتى اذا أخفقوا، هدّدوه بإلغاء “الصداقة”، بل فضحه عبرنشر محادثات ومداولات تتضمن أسرارا، وتفاصيل خاصة. هؤلاءيتصرّفون مثل اية دكتاتورية، ومثل أي مبتزّ، فهم يتدخلون في حياةالناس، عبر وصايا فردية على مستوى الايمان الديني، او الحزبي، او حتى الاجتماعي، ويعتقدون انهم جديرون بإلقاء النصائح، لأنهم على حق مطلق، وغيرهم على صواب. انّ عالم التواصل الاجتماعي يقومفي أساس من حرية الطرح، واستيعاب الاخر، ومن حق الجميع نشر معتقداته على نطاق واسع، كما انّ من حقه ابداء الإرشاد، لكن ليس من حقه فرضه، على من لا يودّ سماعه، مثلما لن يكون من حقه، انْ يحوّل عصر التواصل والتراسل الفوري الى صحوة جديدة على مقاساته الفكرية، على غرارأساليب دعاة التكفير المسرحية.