الرئيسية / مقالات / وزارة الداخلية: الفياض… ظاهراً، ومقتدى: الإمامُ الأكبرُ والزعيمُ الأعلى… عمقاً… فتيقضوا يا أولي الألباب / 1

وزارة الداخلية: الفياض… ظاهراً، ومقتدى: الإمامُ الأكبرُ والزعيمُ الأعلى… عمقاً… فتيقضوا يا أولي الألباب / 1

الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

السيمر / الأربعاء 23 . 01 . 2019

محمد ضياء عيسى العقابي

إذا كان منطق ما يسمى بـ “كسر الإرادات” بشأن العناد ضد إسناد حقيبة الداخلية لذي الكفاءة السيد فالح الفياض – يُغري مقتدى الصدر وجاسم الحلفي للّعب في ملعب “الإرادات” لخلط الأوراق وتشويش المواطنين الطيبين ورفع منسوب التوتر بين جموع الإسلاميين المناصرين للديمقراطية لإخفاء أمر ما أو مشروع ما (سأحدده لاحقاً) رافعَين شعارَ “يا عمال العالم…. صلّوا على محمد وآل محمد” للزيادة في اللخبطة حسبما تخيّلها، تهكماً، القيادي السابق في التيار الصدري السيد بهاء الأعرجي – فإنه، منطق “كسر الإرادات”، قطعاً لا يُغري الزعيم الديمقراطي الوطني نوري المالكي وزعيم الحشد هادي العامري والشيخ المناضل قيس الخزعلي ورفاقهم في كتلة البناء لأنهم ببساطة رجال دولة جادون وناضجون تعلموا الكثير وحققوا، قبل غدر حيدر العبادي، قدراً كبيرا من المكتسبات الوطنية في مقدمها ترسيخ الديمقراطية، على أرض الواقع العراقي المستقل وصاحب السيادة الحديثة المنتزَعة إنتزاعاً والتي غابت منذ إحتلال الكويت الطائش الذي وضع العراق تحت طائلة الفصل السابع،  ترسيخٌ  جرى وفقَ أخطر دعوة إسلامية طُرحت بعد النبي محمد على لسان السيد علي السيستاني الذي أبلغ الأمم المتحدة بأن “خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع”. وهكذا جرت الأمور وفرضَ الخيّرون الديمقراطيةَ ساحقين إرهاباً طغموياً إمبريالياً صهيونياً وهابياً أسودَ أهلُه، أي الطغمويون(1)، عاشقون للسلطة والمال(2) والجاه وكارهون للآخر الشيعي والسني والكردي والتركماني والمسيحي والصابئي والأزيدي والشبكي وكارهون للديمقراطية وحقوق الإنسان لأسباب مختلفة حسب طبيعة هذه الشريحة أو تلك من اللملوم الطغموي تتراوح بين الفاشي من العلمانيين وبين الوهابي الصرف وهو دون الفاشي.

بتقديري، ما كان المالكي والعامري والخزعلي والفياض ورفاقهم ليصرّوا على إسناد حقيبة الداخلية للفياض لولا تحسُسُهم (كما تحسستُ أنا المواطن البسيط القاطن على بُعدٍ شاسع عن العراق والمتتبع لأحواله الدقيقة بموضوعية منذ أكثر من ستين عاماً قضيتها بين حزبيٍّ شيوعي ومستقلٍ) بأن الموضوع برمته يستبطن مشروعاً خطيراً عملَ على تحقيقه بصمتٍ الشابُ مقتدى منذ الأيام الأولى لسقوط النظام البعثي الطغموي وإصداره صحيفة “الحوزة الناطقة”، وهو عنوان ذو مغزى!!، ومن ثم جاءَ السؤال الشهير ذو الدلالة المنقول عن مقتدى “كيف تبدّلت العمامةُ البيضاء عند أول دخوله العراقَ الى عمامة سوداء الآن؟”؛ ومن ثم تأسيس “جيش المهدي” للمزايدة ولعزل المرجعية ودمغها بالتواطؤ مع المحتل، في وقت كان فيه الجميع، بهدى المرجعية، متجهاً نحو إقامة نظام ديمقراطي، لا جيوش فيه، الأمرُ الذي دفع الشهيد محمد باقر الحكيم وهادي العامري الى تحويل فيلق بدر الذي قاتل النظام البعثي الطغموي الى منظمة بدر ذات الطابع الاجتماعي.

أعتقد أن معظم أفعال مقتدى وأتباعه، البسطاء الجهلة الطيبين المساكين المستحقين للشفقة المشحونين كرهاً لمن يكرهه مقتدى والطائعين لمقتدى حدَ العمى، هي أعمال تخريبية لا يذكرها البعض خوفاً من بطش عصابات مقتدى؛ ويسكت عليها آخرون بل يشجعونها على أمل أن يندفع مقتدى اليافع نحو إفتعال إقتتال شيعي – شيعي كاد أن يقع(3)، منطلقاً من مجلس النواب في سابقة خطيرة سوف يحاسب عليها التأريخُ مقتدى بقسوة، قتالٌ يرقص له الأعداء المتنوعون فتسقط الديمقراطية العراقية ويختفي أمل العراق والمنطقة في الاستقرار والتقدم في جميع الميادين على أساس العدالة السياسية والاجتماعية، بل سيحلُّ عهدٌ مبنيٌّ، منذ البدء، على إبادة جماعية للشيعة لا توازيها سوى مأساة الأزيديين التي تُدمي القلوب وهي بين الأبشع في تأريخ البشرية، ولا تدانيها سوى ما كان، بتقديري، مخططاً لداعش أن تفعله لو إستطاع التآمرُ إيصالَها الى الوسط والجنوب لـ “القضاء على عَبَدةِ البشر والحجر” حسب بيانها هي. عندئذ سيضع “ثوار العشائر” مقتدى على الرف هذا إذا أبقوه على قيد الحياة. آملُ أن يعي ذلك الشاب اليافع.

وأعتقد أن هدف مقتدى من وراء التخريب هو الحيلولة دون نضوج فكرة الديمقراطية التي طرحها السيد السيستاني المطابقة للمعايير الدولية. لاحظوا التحولات في مواقف مقتدى بإتجاه منفعة مشروعه المغلف بالصمت والغموض للتمويه. قتلَ أتباعُه بإيعاز منه السنّة عشوائياً، أثناء الإقتتال الأهلي الذي تبعَ تفجيرَ مرقدي الإمامين العسكريين في سامراء وتقاعُسَ الأمريكيين عمداً في ملاحقة الجناة من إرهابيي الطغمويين، ظناً منه، مقتدى، أنه سيجذب الجماهيرَ الشيعية حوله ويعزل المرجعية الدينية “اللاعربية” في النجف ويعلن مشروع(4) الشهيد والده القاضي بـ “تعريب المرجعية”، ويخطط مقتدى لتزعّمها بنفسه ليصبح “الإمام الأكبر” وويل لمن لا يطيعه من المعممين والشهيد عبد المجيد الخوئي تذكير لهم.

غير أن ذلك لم يحصل. ولما ثبّتَ الجعفري والمالكي أركان الدولة الديمقراطية على الأساس السيستاني وشعر مقتدى بالإفلاس الجماهيري، تظاهرَ بطاعة المرجعية وصبَّ جام غضبه على المالكي فإبتدع له الحيل لعرقلة مسيرته لترسيخ النظام الديمقراطي. إنه أشاع أو إعتقدَ الناسُ غريزياً أن مقتدى يمقت المالكي لأن المالكي أحال على القضاء كل من خرج على القانون والدستور وألقي القبض عليه في “صولة الفرسان”(5) في البصرة وكان من بينهم صدريون صدرت بحقهم أحكاماً بالسجن.

الحقيقة، كما أراها، غير ذلك. فمقتدى مازال يتابع مشروع والده في “تعريب المرجعية” ولكن ليس صراحة ومباشرةً بل عن طريق التشويش على المالكي شخصياً وعلى حكومة المالكي لإفشالها وبالتالي إفشال مشروع السيد السيستاني الديمقراطي، وعن طريق شلِّ فاعلية الإئتلاف العراقي الموحد ومن بعده التحالف الوطني ليحول دون إنضاج إستراتيجية لبناء الدولة الديمقراطية المؤسساتية المتطورة وتحقيق العدالة الاجتماعية ووضع إستراتيجيات فرعية لجميع المهام المطلوبة من الدولة، وأية دولة؟! هي دولة لم تعرف الحرية والديمقراطية  على مدى التأريخ إلا لفترات قصيرة جداً لا تكاد تذكر. فما أثقل المسؤولية!!  والأفندية لا يستطيعون تمشية قرار واحد في البرلمان ولهم الأغلبية المطلقة لأنهم متناحرون بائسون ولا يدركون أنهم يواجهون أعتى قوى الأرض والتأريخ على إمتدادهما يملكون القوة العسكرية والمال والإعلام وجيوشاً من العملاء القابضين والأغبياء.

إمتد تخريب مقتدى الى المحافظات  حيث أربك الأوضاع هناك. كانت هناك محافظات هادئة والأمن مستتب فيها، مثل ديالى، فأتى مقتدى وعمار ليقلبوا الأوضاع ولم يستقر الأمن فيها منذ سنين.  

إذا كان الطغمويون قد حاربوا الديمقراطية بالرصاص المتنوع والمتفجرات، وحاربها الإنفصاليون بالألاعيب السياسية مع الخارج وحاربها المستثقفون بالكلمة غير النزيهة وبمواقفهم المستهينة بالديمقراطية (إلا إذا سلَّمتَهم إياها خارجَ صناديق الإقتراع لأنهم ديمقراطيون للكَشر!!)، فإن مقتدى قد حاربها بالتخريب وبالتشويش على حاملي لوائها.

(يتبع)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): للإطلاع على “الطغموية والطغمويون والإنفصاليون وجذور المسألة العراقية” برجاء مراجعة هامش المقال المنشور على الروابط التالية:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=585117

http://saymar.org/2018/01/44729.html

http://www.akhbaar.org/home/2018/1/239116.html

(2): تصدّر العراقيون على مدى سنين طويلة الى يوم أول من أمس قائمة المستثمرين في العقارات في كل من الأردن وتركيا. لقد تحدث المرحوم أحمد الجلبي عن التحويلات التي تخرج من البنك العراقي الى أمريكا ليعود ويحول الى الأردن ويختفي المبلغ هناك. هذه هي الأموال التي يشترون بها العقارات. من هم؟ حتماً لا أم اللبن ولا الشروكَي لأنه غير مرحب به في عمان. إنه الطغموي الذي “أبدع” في تفخيخ السيارات فلماذا لا يبدع في سرقة الأموال عبر لعبة المصارف؟ أليس له هدفان في الفساد والإفساد: الإنتفاع الشخصي وتخريب النظام الديمقراطي؟ ومع ذلك فهو الأعلى صراخاً عن الفساد والفاسدين!!

(3): حضر السيد عزت الشابندر، بصفة مراقب كغيره، الجلسة البرلمانية التي أراد السيد عادل عبد المهدي التصويت على كابينته الوزارية التي شملت ترشيح السيد فالح الفياض للداخلية. شاهد السيد عزت أن الصدريين دخلوا قاعة الاجتماع بعدما ظهر لهم أن النصاب قد تم بدونهم مما يؤهل المجلس على المضي بالتصويت. صدرت كلمات إستفزازية ونابية وحركات إستفزازية إعتدائية من جانبهم وساد الهرج وإرتفع منسوب التوتر كثيراً حتى تم رفع الجلسة للتشاور.

جلس السيد الشابندر في مقهى البرلمان مع نواب صدريين قالوا له بأنهم على إستعداد للقتال إذا مر الفياض. من ناحية أخرى إستطاعوا في محاولة جديدة كسرَ النصاب بمشاركة نواب من الطرف الآخر لا تأييدا للصدريين بل تفادياً لقتال قد ينشب ويمتد الى الشارع.

أقول: هذا يبيّن حماقةَ وإستهتار الصدريين وحلفائهم ورِفعةَ أطراف البناء.

بتقديري، بهذا الإبتزاز أراد مقتدى إعلان نفسه “زعيماً أعلى” للعراق؛ وهذا ما إستدعى الرد عليه من قبل البناء بالإصرار على التصويت على توزير الفياض ومجلس النواب هو الذي يقرر بقبول أو رفض السيد الفياض لا مقتدى الطامح الى لقب “الإمام الأكبر والزعيم الأعلى للعراق” عبر برلمان يريده مقتدى أن يكون “مخنثاً”. ولكن هيهات ، فدكتاتورية مقتدى الشوفيينية المغلفة بألفاظ جوفاء عن الديمقراطية والتكنوقراط لا يمكن أن تتغلب على ديمقراطية السيستاني الأممية.

إنها لعبة خطيرة.

(4): قد يوحي طرحي لموضوع مشروع الشهيد محمد صادق الصدر بشأن “تعريب المرجعية” – بأن الشهيد قد إستُشهد بأمر صدام وتدبير قصي وجلاوزتهم، ومنهم محمد حمزة الزبيدي، بسبب إمتلاكه لذلك المشروع. العكس هو الصحيح. روى لي أشخاص ذوو إطلاع وموثوقية بأن قادة حزب البعث الطغموي في النجف قد قالوا لصدام إن هناك وسيلة تنفعنا كحزب وتُبعد عنا تهمة معاداتنا للشيعة ألا وهي فسح المجال للسيد محمد صادق الصدر بفتح مدرسة حوزوية له ليستقبل الطلاب وهو صاحب مشروع ينفعنا ويطابق وجهة نظرنا وهو تعريب المرجعية. وافق صدام شريطة أن يكون 30% من الطلاب المرشحين من قبل مديرية الأمن. وتم الاتفاق.

وقبل (14) عاماً تقريباً كتب أحد الجادّين (لم أعد أحفظ إسمه الصريح للأسف) في موقع “صوت العراق” الالكتروني بأنه على معرفة بأحد مراجع الدين في النجف. تبرَّمَ ذلك  المرجعُ من تصرفات مقتدى قائلاً : لقد سبب لنا المرحوم والدُه  مشاكلَ في حياته والآن ولده مقتدى يسبب لنا المشاكل أيضاً.

قبل عدة سنين رأيتُ فيديو ظهر فيه المرجع السيد محمد سعيد الحكيم وهو يتحدث الى مجموعة من الإسلاميين. جاء دور أحدهم فامتدح المرجعية في النجف على حكمتها وسداد رأيها وعدَّدَ المراجع وذكر من بينهم مقتدى الصدر. فتصدى له بحدة المرجع السيد الحكيم وأنَّبَه على الخلط بين أصحاب المستويات.

شخصياً، أعتبرُ أن وضع مقتدى صورته بين صور المرحوم والده والشهيد محمد باقر الصدر، المفكر الكبير ومرشد حزب الدعوة، والمرجع السيد علي السيستاني في بوسترات كبيرة معلقة في شوارع بغداد –  هو للكسب السياسي الرخيص.  

وعلى عكس فتاوى المراجع الشيعية بعدم القيام بصلاة الجمعة جماعةً تحت سلطة حاكم جائر، كسر السيد محمد صادق هذا التقليد وأقام صلاة الجماعة في مسجد الكوفة.

مع مرور الأيام تمادى النظام البعثي الطغموي الغاطس في سياسته المبرمجة للتطهير العرقي للكرد والتطهير الطائفي للشيعة وبلغ حداً لا يطاق. وأنا في ليبيا شاهدتُ بأم عيني في التلفزة الليبية مشهداً دام ثوانٍ معدودات ظهر فيه الشهيد محمد صادق الصدر مرتدياً الكفن  ويخطب في المصلين قائلاً: “حافظوا على دينكم حافظوا على عقيدتكم”.

بعد ذلك إستُشهد السيد محمد صادق الصدر مع الشهيد ولده بحادث تصادم مدبر.

(5): لعب الصدريون، الى جانب آخرين كحزب الفضيلة، دوراً سيئاً في أمن وإستقرار البصرة والمحافظة على النفط من السرقات. صرح مرة النائب الأسبق عن البصرة الشيخ حسين الأسدي أن (10) جثث كانت تنتشل من شوارع البصرة يومياً.

تصدى لهم رئيس الوزراء نوري المالكي بشجاعة وبنفسه حسب شهادة وزير النقل الشجاع والمتمكن عامر عبد الجبار وهو من أهالي البصرة وقد شارك المالكي ميدانياً في “صولة الفرسان” التي قضت الى حد كبير على تلك التجاوزات.

اترك تعليقاً